Skip to main content

لا انتقائية في التسامح --- د. يوسف الحسن


لا انتقائية في التسامح----------د. يوسف الحسن
* أتمنى ألا تتحول كلمة «التسامح»، لفرط استخدامها، إلى مجرد شعار، له جاذبيته الخطابية، أو موضة رائجة، تتردد على ألسنة الكثيرين من دون وعي وإدراك لمعناها الفلسفي والأخلاقي والقانوني، ومن دون تمثل جوهرها في سلوك الفرد تجاه الآخرين، المغايرين في فكرهم أو عقيدتهم أو لونهم أو عرقهم أو هويتهم أو أنماط عيشهم.
* التسامح، لا يعني التنازل عن حقوق، بل هو في حقيقته اتخاذ موقف إيجابي، يقر فيه الفرد بحق الإنسان الآخر في التمتع بحقوقه وحرياته الأساسية كإنسان، وهو إقرار بالتعددية والتنوع في المجتمع، وبأن العالم مكون من شعوب وثقافات وأمم وأعراق وألوان وألسنة، وبالتالي فإن هذا التنوع هو سنة إلهية وفطرة بشرية، والحوار والتعارف والتعاون والاعتراف المتبادل، هي السبيل لاستنباط المشتركات الإنسانية، والمصالح الموجودة في الاجتماع الإنساني.
ولا شك أن الحوار المتكافئ والإيجابي، يولد التواد، في حين أن الجهل بالآخر يقود إلى الافتراق والشكوك والتخاصم.
* إن الطبيعة الإنسانية واحدة، ورسالة الحضارة قائمة على الإيمان بوحدة الأصل البشري، وعلى الرغبة المشتركة في بلورة تفاهم وتعايش إنساني، يبطل المناخات المفعمة بالمخاوف، وبمشاعر العنصرية والكراهية، وبنزعات الهيمنة وإهدار كرامة الإنسان.
* إن اختلاف الناس، هو المدخل للتواصل والتعاون وتبادل الخبرة والتجربة، والتسابق إلى عمران الكون، ولا يعني التسامح، أن الاختلاف قد انتهى، فالتنوع سوف يستمر، لكن التعامل بين البشر، ينبغي أن يتم على قدم المساواة في القيمة الإنسانية، وفي احترام كرامة الفرد. ولنتذكر دوماً، أن رسالة الإسلام كانت «الرحمة للعالمين». أي الرحمة لكل البشر، كما تجلى مبدأ «عدم الإكراه في الدين»، في أن الديانات القديمة في الأقطار التي دخلها الإسلام، بقيت حية، وظلت أكثرية السكان في مصر والشام والأندلس مسيحية، حتى عصر حروب الفرنجة.
* باعتماد مفهوم التسامح، اجتازت أوروبا في القرنين السابع عشر والثامن عشر حروباً أهلية ودينية وحشية، وحققت تعايشاً بين مواطنيها، وقادها إلى عصور العقلانية والتنوير، لكن، من أسف.. فإن أوروبا لم تطبق هذه القاعدة في تعاملها مع الآخرين في إفريقيا وآسيا وعالم خارج أوروبا، خلال عصور الهيمنة والتمدد الكولونيالي، حتى أواسط القرن العشرين.
* إن المفهوم المعاصر للتسامح، ارتبط في الأساس بالدين، بعد أن شاعت في القرون الوسطى، دعوات الهرطقة والزندقة والتكفير، والتي أفضت إلى العنف.
* وها هو اليوم أكثر حاجة لتعزيز مفهوم التسامح الأخلاقي والديني والحقوقي، في مجتمعات العالم، وبخاصة في ظل تداعيات ثورات المعلومات والاتصال والتواصل الاجتماعي، وانتشار التشدد والتطرف والكراهية الجماعية.
*  والتسامح لا يعني التنازل عن خصوصيات الهوية أو التراث، كما لا يعني التسامح مع العنصرية أو الظلم أو الاستبداد، باعتبار أن هذه الممارسات منبوذة ومذمومة أخلاقياً وقانونياً، ولا تستحق الاحترام.
* ولا يعني القول «بأنني أتسامح معك»، أنني أنا الغالب أو الأعلى، وأنت المغلوب أو الأدنى، فهذا المعنى فيه الكثير من معاني الفوقية، أما جوهر التسامح، فمؤداه هو الاعتراف بالاختلاف، واحترامه، وفي سياق الاختلاف، ينبغي أن نتعايش، ولا نقصي بعضنا بعضاً، وأن نراعي مشاعر الآخرين، ونقر بحق التنوع، في إطار إنسانيتنا المشتركة.
*  وكثيراً ما سألني أصدقاء: هل للتسامح حدود؟ ومن يضع هذه الحدود وآلياتها؟ بمعنى آخر: هل سنجبر الآخر على أن يكون متسامحاً أيضاً، أم أن التسامح هو وعي ذاتي، وشرط ضروري لبناء السلم والتعاون والتضامن، بدلاً من الصدام والتوتر؟ وأقول دوماً إن التسامح ليس مجرد واجب أخلاقي، إنما هو أيضاً واجب سياسي وقانوني ومسؤولية.. لا تعرف الانتقائية.
*  والتسامح، ليس مجرد فضيلة أخلاقية، كالعفو والصفح والمغفرة، وإنما هو اعتراف واحترام لحرية الاختلاف، وتحمل ما لا نحبه، أو ما هو غير منسجم مع أحكامنا ومعتقداتنا، والصبر على ما لا يعجبنا من أفكار وطرز حياة، ومقابلته بالحوار بعيداً عن ممارسة نفي الآخر، واتهامه بصفات ونعوت تسبب الشقاق والكراهية.. وفي حضرة التسامح، يتعزز التعايش، وتقبل احتمال وقوع الخطأ.
* ما زال الأمر بحاجة إلى تعزيز جهود نشر ثقافة التسامح، من قبل مؤسسات التعليم والإعلام، حتى يتحول مفهوم التسامح إلى قيمة أساسية في سلوكنا، وضمائرنا وهويتنا الثقافية الوطنية.
- See more at: http://www.alkhaleej.ae/supplements/page/70fea7c8-e535-4120-be46-6f9599b365c4#sthash.9TT2ixkb.dpuf

Comments

Popular posts from this blog

Mona Farouk reveals scenes of "scandalous video"Egyptian actress Mona Farouk appeared on

Mona Farouk reveals scenes of "scandalous video"Egyptian actress Mona Farouk appeared on Monday in a video clip to discuss the details of the case she is currently facing. She recorded the first video and audio statements about the scandalous video that she brings together with Khaled Youssef.Farouk detonated several surprises, on the sidelines of her summons to the Egyptian prosecution, that Khalid Youssef was a friend of her father years ago, when she was a young age, and then collected a love relationship with him when she grew up, and married him in secret with the knowledge of her parents and her father and brother because his social status was not allowed to declare marriage .Muna Farouk revealed that the video was filmed in a drunken state. She and her colleague Shima al-Hajj said that on the same day the video was filmed, she was at odds with Shima, and Khaled Yusuf repaired them and then drank alcohol.She confirmed that Youssef was the one who filmed the clips whil...

الحلقة 20 هنادي المطلقة والمحلل (ماذا قال كتاب العرب في هنادي)-----------Khalid Babiker

• الجنس شعور فوضوي يتحكم في الذات والعقل . وله قوة ذاتية لا تتصالح إلا مع نفسها . هكذا قال أنصار المحلل الحلقة 20 هنادي المطلقة والمحلل (ماذا قال كتاب العرب في هنادي) أول طريق عبره الإنسان هو طريق الذكر . بعدها شهق وصرخ . تمرغ في الزيت المقدس . وجرب نشوة الأرغوس . عاجلا أم آجلا سيبحث عن هذا الطريق ( كالأسماك تعود إلى أرض ميلادها لتبيض وتموت ) . وسيعبره . سيعبره بحثا عن الديمومة . وسيشهق وسيضحك . لقد جاء إليه غريبا . سيظل بين جدرانه الدافئة غريبا . وحالما يدفع تلك الكائنات الحية الصغيرة المضطربة في الهاوية الملعونة سيخرج فقيرا مدحورا يشعر بخيانة ما ( ..... ) . لن ينسى الإنسان أبدا طريق الذكر الذي عبره في البدء . سيتذكره ليس بالذاكرة وإنما بالذكر . سيعود إليه بعد البلوغ أكثر شوقا وتولعا . ولن يدخل فيه بجميع بدنه كما فعل في تلك السنوات التي مضت وإنما سيدخل برأسه . بعد ذلك سيندفع غير مبال بالخطر والفضيحة والقانون والدين . الله هناك خلف الأشياء الصغيرة . خلف كل شهقة . كل صرخة مندفعا في الظلام كالثور في قاعة المسلخ . الله لا يوجد في الأشياء الكبيرة . في الشرانق . في المح . ينشق فمه . تن...

Trusting Liar (#5) Leave a reply

Trusting Liar (#5) Leave a reply Gertruida is the first to recover.  “Klasie… ?” “Ag drop the pretence, Gertruida. You all call me ‘Liar’ behind my back, so why stop now? Might as well be on the same page, yes?” Liar’s face is flushed with anger; the muscles in his thin neck prominently bulging. “That diamond belongs to me. Hand it over.” “What are you doing? Put away the gun…” “No! This…,” Liar sweeps his one hand towards the horizon, “…is my place.  Mine!   I earned it! And you…you have no right to be here!” “Listen, Liar, we’re not the enemy. Whoever is looking for you with the aeroplane and the chopper….well, it isn’t us. In fact, we were worried about you and that’s why we followed you. We’re here to help, man!” Vetfaan’s voice is pleading as he takes a step closer to the distraught man. “Now, put down the gun and let’s chat about all this.” Liar hesitates, taken aback after clearly being convinced that the group  had hostile intentions. “I…I’m ...