الشارقة: علاء الدين محمود
كيف يطل المفكرون على مشاهد الحياة اليومية؟ وماهي الأفكار التي تتكون لديهم من المشاهد والصور اليومية؟ ربما سنجد إجابات متباينة على هذين السؤالين، لكن الناقد والمفكر الفرنسي رولان بارت، يأخذنا في مؤلفه «أسطوريات الحياة»، إلى رحاب جولة ترصد هذه الحياة اليومية في فرنسا تحديداً، بعين الناقد، ويطلق عليها صفة الأساطير.
ربما يحيل عنوان الكتاب، القراء، إلى أن بارت سيحفر عميقاً في التواريخ القديمة ليقلب صفحات الأساطير و«الغرائبيات»، لكنه يفاجئ الجميع بتناوله لمظاهر الحياة العصرية على النمط البرجوازي ومحاولة أسطرتها، فهو يرى أن هذه الحياة تحفل بالأساطير على نحو المصارعة الحرة، والسيارات والإعلان والدعاية والسياحة، فهي أشياء تتحكم في أسلوب الحياة العصرية، وتعمل على اجتياح جميع الذين يولعون بها، وتأخذهم إلى عوالم سحرها المصنوع والمنسوج على قماش أسطوري. لقد قصد بارت أن يرفع تلك الأشياء الصغيرة إلى مجهر يحللها ويفككها، ويكشف ما يقف وراءها من فعل الأيديولوجيا، بعد تعمق ورصد لواقع الحياة اليومية التي تطل من نافذة الصحف الشعبية والأفلام، وشاشات التلفزة، وما تخفيه الممارسات والسلوك في حياة الاستهلاك، وما تنتجه من قيم، أو ما يسميه ب«السيمولوجيات العامة للزمن البرجوازي»، أو السمات والإشارات.
ويفعل بارت كل ذلك ليمارس لعبته المفضلة في تطبيق علم الدلالات والسيميائيات؛ بمعنى البحث في دلالة ومعاني هذه الأشياء التي تناولها وأشبعها بحثاً، وكيف أنها تحولت إلى أساطير.. إنه يكشف تفاصيل العلاقة بين الإنسان وأغراضه اليومية من سلع استهلاكية، ويغوص في مفهوم «التشيؤ» واغتراب الإنسان، ويكشف عن ذلك التفخيم المسرحي لهذه الأغراض أو الأساطير الحديثة، مثلما يحدث في عالم المصارعة الحرة.ولعل بارت يذهب بنا إلى فكرة خفية، ربما كان لها قول حاسم في الصراعات الطبقية والثورات التي شهدتها فرنسا، حين يتناول نمط الحياة البرجوازية؛ تلك الحياة العبثية والصبيانية على حد تعبيره، التي عبّر عنها أحد البرجوازيين عندما ذكر أن الحياة لديه هي عربات الجر، وأماكن تدخين الأفيون، وهي عبثية؛ إذ يتم فيها تقديس هذه الأدوات الاستهلاكية من صابون أو علب سجائر بأنواعها المختلفة، أوالكتابة بطرق معينة، والاهتمام بالصور والمعارض، والألعاب الرياضية، وكل ذلك مما يسميه بارت ب«الحس البرجوازي الصغير»، وهذا الحس يقابله في الضفة الأخرى، العداء من الطبقات الفقيرة.
ربما يحيل عنوان الكتاب، القراء، إلى أن بارت سيحفر عميقاً في التواريخ القديمة ليقلب صفحات الأساطير و«الغرائبيات»، لكنه يفاجئ الجميع بتناوله لمظاهر الحياة العصرية على النمط البرجوازي ومحاولة أسطرتها، فهو يرى أن هذه الحياة تحفل بالأساطير على نحو المصارعة الحرة، والسيارات والإعلان والدعاية والسياحة، فهي أشياء تتحكم في أسلوب الحياة العصرية، وتعمل على اجتياح جميع الذين يولعون بها، وتأخذهم إلى عوالم سحرها المصنوع والمنسوج على قماش أسطوري. لقد قصد بارت أن يرفع تلك الأشياء الصغيرة إلى مجهر يحللها ويفككها، ويكشف ما يقف وراءها من فعل الأيديولوجيا، بعد تعمق ورصد لواقع الحياة اليومية التي تطل من نافذة الصحف الشعبية والأفلام، وشاشات التلفزة، وما تخفيه الممارسات والسلوك في حياة الاستهلاك، وما تنتجه من قيم، أو ما يسميه ب«السيمولوجيات العامة للزمن البرجوازي»، أو السمات والإشارات.
ويفعل بارت كل ذلك ليمارس لعبته المفضلة في تطبيق علم الدلالات والسيميائيات؛ بمعنى البحث في دلالة ومعاني هذه الأشياء التي تناولها وأشبعها بحثاً، وكيف أنها تحولت إلى أساطير.. إنه يكشف تفاصيل العلاقة بين الإنسان وأغراضه اليومية من سلع استهلاكية، ويغوص في مفهوم «التشيؤ» واغتراب الإنسان، ويكشف عن ذلك التفخيم المسرحي لهذه الأغراض أو الأساطير الحديثة، مثلما يحدث في عالم المصارعة الحرة.ولعل بارت يذهب بنا إلى فكرة خفية، ربما كان لها قول حاسم في الصراعات الطبقية والثورات التي شهدتها فرنسا، حين يتناول نمط الحياة البرجوازية؛ تلك الحياة العبثية والصبيانية على حد تعبيره، التي عبّر عنها أحد البرجوازيين عندما ذكر أن الحياة لديه هي عربات الجر، وأماكن تدخين الأفيون، وهي عبثية؛ إذ يتم فيها تقديس هذه الأدوات الاستهلاكية من صابون أو علب سجائر بأنواعها المختلفة، أوالكتابة بطرق معينة، والاهتمام بالصور والمعارض، والألعاب الرياضية، وكل ذلك مما يسميه بارت ب«الحس البرجوازي الصغير»، وهذا الحس يقابله في الضفة الأخرى، العداء من الطبقات الفقيرة.
ويكشف بارت تلك الألاعيب السحرية التي تمارسها الصحف والدعاية في التسويق لهذه الحياة العبثية عبر الترويج الإعلاني للمستهلكات التجارية، وبالتالي دعم النمط البرجوازي في العيش، وبارت يتجاوز في تحليله مجرد تناول تلك الممارسات الاستهلاكية، إلى نقطته الأساسية التي يشتغل عليها، وهي كيف تحولت تلك الأدوات وطرق الحياة والأذواق والهوايات، إلى أساطير العصر.ويعرف المؤلف الأسطورة على أنها: «كلام، ولكن ليس أي كلام»، فهي ليست مجرد فعل شفوي أو نشاط كلامي؛ بل هي مجموعة من الأنظمة الكلامية، هي الكتابة والرسم والصورة، والدعاية الإعلانية، والنشاط الرياضي الجماهيري، وتقوم على وجود متحدثين ومستمعين ومتفاعلين، ويضرب بارت مثلاً لامعاً جداً، بصورة الجندي الفرنسي الأسود التي نشرت على غلاف أحد أعداد صحيفة باري ماتش الفرنسية، والتي يظهر فيها الجندي الزنجي وهو يرتدي زياً عسكرياً فرنسياً، ويؤدي التحية العسكرية، وعيناه مرفوعتان، ومثبتتان، على العلم الفرنسي، ويقول بارت: «هذا هو معنى الصورة، ولكنني سواء كنت ساذجاً أم لا فإنني أفهم ما تعنيه الصورة لي؛ فهي تعني أن فرنسا إمبراطورية كبرى، وأن جميع أبنائها ودون فروق في لون البشرة يخدمون بوفاء تحت رايتها، وأنه ما من رد أفضل على من يُشنع على استعمار مزعوم، إلا همة هذا الزنجي في خدمة من يُعتقد أنهم مضطهِدوه».
ويقوم بارت بكشف تلك الجهات المنتجة للأساطير البرجوازية، خاصة وسائل الإعلام الجماهيري، والصحف الصفراء التي تعود ملكيتها في معظمها إلى الطبقات الغنية، التي تعمل على سيادة خطابها وأسلوبها في العيش، وهذه الصحف والوسائل الإعلامية المختلفة تقوم بإنتاج الحكايا التي تنسجم مع القيم والأحلام البرجوازية.
Comments
Post a Comment