د.حسن الترابى -------- الثورة لابد ان تكون مقاصدها متكاملة في كل فضايا الحياة
والثورة لا بد أن تكون مقاصدها متكاملة في كل قضايا الحياة صادعة بها الأصوات محيطة بها البيانات -قضاء الضرورات ورد المظالم المعاشيه، وانتزاع الحرية السياسية وممارستها، وتحريك القوة الساكنة والطاقات المضيعة، وإرساء البنى المتوازنة المتضابطة ووضع المناهج المرسومة الحكيمة بحكم الدستور والقانون، وسد ثغور الهوى وذرائع الطغيان وضرب الفساد السياسي والمالي، واسترداد الأوضاع العادلة والحقوق المضيعة،
وهكذا تتقصد الثورة كل إصلاح في كل الحياة وترفع كل الشعارات وتهاجم كل وجوه الشر وأوضاعه وتفتح كل طرق الخير. وذلك لئلا يغلب شعار بعينه وتسود قضية بحدها وتسكت وتنخسف سائر القضايا أو يجند كل دفع الثورة فقط لنزع السلطة وعزل المتولين للوظائف القديمة لتخلفهم وجهوه جديدة أو إزالة وقع ظلامه مشهودة وحسب وترك ما سواها سدى أو طمس بعض آثار أو تدابير كان يفاخر بها القديم. وذلك حتى لا تبرد الثورة بعد توّة ثم تبدأ الشكاوى تتصوب إلى الهموم المكبوتة والذرائع تنفتح للفساد والمظالم الجديدة.
ان الثورة لا بد أن تكون خطتها جائزة المدى من إبطال الباطل وخلع النظام المكروه إلى إحقاق الحق كله وإثبات المنشود ونافذة الهدف من تهديم وتخريب إلى بناء وإعمار، وممتدة الساحة من بروز أبطال مجاهداتها والذين أشعلوها إلى تقديم حكماء التمكين وذوي الرأي الرشيد لما يعقبها ومصرّفة طاقات الجماهير من التجاوب فيها إلى الأهداف التالية لزخم الثورة.
ولا بد أن تتعدى الثورة من همّ شفاء الغيظ المستفز ومهاجرة الظالمين إلى السعي اللاحق نحو الحكمة والرشد ومن تذكر عهد النصرة والعطاء والغضب المقتحم إلى تقدير مرحلة السلام والإقدام المتوكل إلى الأمام.
والثورة لا بد أن تتعادل وتتكافل قواها، تدفعها الجماهير بطاقات متعاظمة ولكنها لا تفيض هوجة هول مضطرب، وتحفظ نسقها وترتب تصويبها شرائح واعية قيادية ولكنها لا تحتويها مكراً واستلاباً للغنيمة. فهي ثورة متوازنة القوى فاعلة لا تمضي لتطغى بل لتبسط الحرية والعدالة والحكمة، طلائعها قد تقتحم بابها بدفع مرتد ولكنها تعبئ رضا الجماهير وتجاوبها الحر الصادق لتفرق بؤر الشر القديم بفيضان الخير ولتنصب قاعدة الجماهير العريضة أساساً للبناء الجديد للحياة.
حسن الترابى
من كتاب عبرة المسير 2002م
المصدر: الفيس بوك حساب حسن الرشيد
Comments
Post a Comment