ماذا أحدث عن صنعاء.. والخرطوم؟!
مشاري الذايدي
كأنه كان ينقص صنعاء اليمن أن تصبح مثلا يضرب للفوضى والضياع، ومن أين؟ عاصمة أخرى تترنح في ضباب الفوضى وغشاوة التيه.
قبل أيام لم يفوّت رئيس السودان الجنرال عمر البشير الفرصة لتذكير خصومه بأنه لن يسمح لهم بتكرار سيناريو اجتياح صنعاء من قبل الحوثيين وانتهاك حرمة الدولة، أو ما بقي منها بالأحرى.
البشير، وهو عادة يفضل التصعيد الخطابي والتحديات المجازية، قال في تجمع حزبي إنه لن يسمح أن يحدث في الخرطوم ما حدث في صنعاء، حيث سيطر المسلحون الحوثيون. جاء ذلك في سياق مقارنة البشير فكرة الحوار السياسي في السودان، وخطر إخفاق هذا الحوار، كما جرى في اليمن، ثم الاستعاضة عنه من قبل خصومه بالهجوم على الخرطوم، وهو أمر جرى على كل حال تجريبه من قبل، ولكنه لم ينجح.
مشاري الذايدي
كأنه كان ينقص صنعاء اليمن أن تصبح مثلا يضرب للفوضى والضياع، ومن أين؟ عاصمة أخرى تترنح في ضباب الفوضى وغشاوة التيه.
قبل أيام لم يفوّت رئيس السودان الجنرال عمر البشير الفرصة لتذكير خصومه بأنه لن يسمح لهم بتكرار سيناريو اجتياح صنعاء من قبل الحوثيين وانتهاك حرمة الدولة، أو ما بقي منها بالأحرى.
البشير، وهو عادة يفضل التصعيد الخطابي والتحديات المجازية، قال في تجمع حزبي إنه لن يسمح أن يحدث في الخرطوم ما حدث في صنعاء، حيث سيطر المسلحون الحوثيون. جاء ذلك في سياق مقارنة البشير فكرة الحوار السياسي في السودان، وخطر إخفاق هذا الحوار، كما جرى في اليمن، ثم الاستعاضة عنه من قبل خصومه بالهجوم على الخرطوم، وهو أمر جرى على كل حال تجريبه من قبل، ولكنه لم ينجح.
قال عمر البشير واعظا وشارحا ومتوعدا: «سنواصل الحوار الوطني، ولكن الحرية
لا تعني الفوضى التي وصل إليها إخوتنا في اليمن. لن نسمح أن يحدث في
الخرطوم ما حدث في صنعاء».
وهكذا صارت صنعاء موضع عبرة، ومثال قنوط من نجاح الحوار، والمعنى العملي لهذا الكلام هو انسداد الأفق السياسي في السودان، وهو بالفعل مسدود على يد سلطة تقسّم السودان في عهدها إلى سودانين، ومهدد بالمزيد من الانقسامات، وبلد يعاني من سمعة أمنية سيئة، والاتهامات تتوالى على سلطته من ليبيا ومصر وغزة.
سلطة البشير وحزبه المنضوي في شبكة جماعات الإسلام السياسي متشبثة بالسلطة، بقوة الأمن والعناد. بل وترفض حتى فكرة المشاركة والتحول حماية لما بقي من تراب السودان، وتآلف شعبه. فحزب البشير رفض مؤخرا مقترح دول «الترويكا»، التي تضم أميركا وبريطانيا والنرويج، بتشكيل حكومة انتقالية يرأسها الرئيس البشير نفسه، ويشن النظام هذه الأيام حملة اعتقالات ضد خصومه. غريب أمر هذه الجماعات التي هيمنت على الحكم، تارة يتحججون بالشرعية الديمقراطية للبقاء، وإذا طعنوا منها، تسربلوا بحجة الوطنية والصمود، وإذا تخرق هذا السربال، تدثروا بالهوية الدينية ومقاومة الغزو الصهيوصليبي.. يعني عندهم: لكل حالة لبوسها، إما نعيمها وإما بوسها.
على ذكر الشعر وصنعاء والسودان، لا بأس برشفة من معين شاعر اليمن الكبير ومناجي صنعاء الدنف، المرحوم عبد الله البردوني؛ فمما قاله عن صنعاء قبل نصائح البشير:
ماذا أحدّثُ عن صنعاءَ يا أبتي؟ مليحة عاشقاها السلّ والجربُ
ماتتْ بصندوق (وضّاح) بلا ثمن ولم يمتْ في حشاها العشقُ والطربُ
لكنها رغم بخل الغيثِ ما برحت حُبلى وفي بطنِها قحطانُ أو كربُ
وقال موبخا ومحبا:
صنعاءُ ماذا تشتهين؟ أتهدئين لكي تموري؟
ما زال يخذلكِ الزمان فتبزغينَ لكي تغوري
يا شمسَ صنعاء الكسول أما بدا لكِ أن تدوري؟
أما السودان والبشير فليس أحسن من دعوة أحمد شوقي بقصيدته التي غنتها أم كلثوم باسم السودان:
وقى الأرض شر مقاديره لطيف السماء ورحمانها
m.althaidy@asharqalawsat.com
الشرق الاوسط
وهكذا صارت صنعاء موضع عبرة، ومثال قنوط من نجاح الحوار، والمعنى العملي لهذا الكلام هو انسداد الأفق السياسي في السودان، وهو بالفعل مسدود على يد سلطة تقسّم السودان في عهدها إلى سودانين، ومهدد بالمزيد من الانقسامات، وبلد يعاني من سمعة أمنية سيئة، والاتهامات تتوالى على سلطته من ليبيا ومصر وغزة.
سلطة البشير وحزبه المنضوي في شبكة جماعات الإسلام السياسي متشبثة بالسلطة، بقوة الأمن والعناد. بل وترفض حتى فكرة المشاركة والتحول حماية لما بقي من تراب السودان، وتآلف شعبه. فحزب البشير رفض مؤخرا مقترح دول «الترويكا»، التي تضم أميركا وبريطانيا والنرويج، بتشكيل حكومة انتقالية يرأسها الرئيس البشير نفسه، ويشن النظام هذه الأيام حملة اعتقالات ضد خصومه. غريب أمر هذه الجماعات التي هيمنت على الحكم، تارة يتحججون بالشرعية الديمقراطية للبقاء، وإذا طعنوا منها، تسربلوا بحجة الوطنية والصمود، وإذا تخرق هذا السربال، تدثروا بالهوية الدينية ومقاومة الغزو الصهيوصليبي.. يعني عندهم: لكل حالة لبوسها، إما نعيمها وإما بوسها.
على ذكر الشعر وصنعاء والسودان، لا بأس برشفة من معين شاعر اليمن الكبير ومناجي صنعاء الدنف، المرحوم عبد الله البردوني؛ فمما قاله عن صنعاء قبل نصائح البشير:
ماذا أحدّثُ عن صنعاءَ يا أبتي؟ مليحة عاشقاها السلّ والجربُ
ماتتْ بصندوق (وضّاح) بلا ثمن ولم يمتْ في حشاها العشقُ والطربُ
لكنها رغم بخل الغيثِ ما برحت حُبلى وفي بطنِها قحطانُ أو كربُ
وقال موبخا ومحبا:
صنعاءُ ماذا تشتهين؟ أتهدئين لكي تموري؟
ما زال يخذلكِ الزمان فتبزغينَ لكي تغوري
يا شمسَ صنعاء الكسول أما بدا لكِ أن تدوري؟
أما السودان والبشير فليس أحسن من دعوة أحمد شوقي بقصيدته التي غنتها أم كلثوم باسم السودان:
وقى الأرض شر مقاديره لطيف السماء ورحمانها
m.althaidy@asharqalawsat.com
الشرق الاوسط
Comments
Post a Comment