علي الحاج : صحيح نحن (جبنا) الحكومة لكن المعارضين طوّلوا عُمرها.... لم أنس مرارات الماضي ولكن تجاوزتها لأن المستقبل أسوأ
لابد من إعادة النظر في برنامج الإسلام السياسي.. التوقعات تراجعت بعد الاعتقالات لكني مازلت مع الحوار
مع د. علي الحاج في أكثر من اتجاه:
- لابد من إعادة النظر في برنامج الإسلام السياسي
- لم أنس مرارات الماضي ولكن تجاوزتها لأن المستقبل أسوأ
- مافي قضية اسمها دارفور
- الشعبي لم يتصالح مع الحكومة حتى الآن
حاوره: فتح الرحمن شبارقة
في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بجنيف الذي يعج هذه الأيام بمؤيدي الإنقاذ ومعارضيها الأشداء التقيت ظهيرة أمس بالدكتور علي الحاج محمد. وهو رجل ذو رمزية عالية لا تضيف إليها الصفات من قبيل نائب الترابي أو القيادي في المؤتمر الشعبي شيئاً فيما يبدو. فـ (الماكينة) التي يتحرك بها الرجل في ألمانيا ودول غربية أخرى جعلته مرغوباً لذاته ووجهة لكثير من وسائل الإعلام التي نصبت له الكثير من الفخاخ هناك.
لكن د. علي الحاج أبدى ترحيباً لافتاً بالحديث لـ (الرأي العام) وهو ترحيب أغراني بطرح أسئلة كانت تبحث عنه بإلحاح من قبيل.. ألم تزل بعد، الأسباب التي أدت إلى لجوئه السياسي في ألمانيا؟ وهل صحيح ان وزنه السياسي قد خفّ كثيرا بعد ان تصالح الشعبي مع الحكومة..؟ أين يقف علي الحاج من الحوار الوطني، وماذا جنى من الغربة، التي قال إنها لم تجن عليه مثلما فعلت الإنقاذ..؟ وكيف ينظر علي الحاج إلى مستقبله ومستقبل الإسلام السياسي..؟ وهل آن أوان مراجعة فكرته أم تلك الفكرة مقدسة ربما..؟:
* ابتداءً كيف ينظر د. علي الحاج للتطورات السياسية الجارية الآن في السودان؟
- التطورات السياسية مع بداية العام الحالي عندما طرح الرئيس ما يسمى
بالوثبة ومهما كانت الأطروحات فإنها رفعت بدون شك المستوى بصفة عامة من ناحية سياسية للقضايا، وكل أعناق الشعب السوداني وكل المحيط الإقليمي والعالم الخارجي كانت مُشرئبة لما يحدث، وكنت أحسب أنّ هذا الطرح قد يكون هو الطرح الأمثل للخروج من مأزق السودان الذي نحن فيه بطريقة سودانية سلمية.
* عندما تقول (كنت أحسب) هل يعني ذلك أن توقعاتك وقناعتك قد تغيّرت الآن؟
- إلى حدٍّ كبيرٍ حدث بعض التشوهات، وهناك بطء كبير في كل المسألة منذ أن تم الطرح في يناير الماضي، والقضايا المطروحة نفسها قضايا كبيرة ومعقدة، وكنا نأمل في أن تُناقش هذه القضايا في ظل حريات بصورة عامة. فالحريات تجعل الناس يتحدّثون عن قضاياهم وآرائهم بنوع من الأريحية، وفي ضوء الحرية يمكن للناس أن يتوصلوا إلى شئٍ ويجمعوا عليه. لكن مساحة الحريات تناقصت خاصة بعد الاعتقالات السياسية للصادق المهدي وإبراهيم الشيخ ومريم، وهذا بدون شك أحدث تراجعا في التوقعات والآمال التي كنت أرجوها.
* في ظل هذه المتغيرات إذاً ما هو موقع د. علي الحاج من الحوار الوطني؟
- أنا ما زلت مع الحوار، وبدون شك حصلت تشوهات، لكن حتى الآن أنا مقتنع بأنه لابد من الحوار السوداني السوداني بأسس معينة، وأعتقد أن الهدف في النهاية الوصول الى حلول سلمية لكل القضايا المطروحة في الساحة السياسية ودرء الحروبات وكل المسائل الأمنية بالتي هي أحسن.
* رغم التشوهات التي تحدثت عنها، لكن ما هي مساهمتك في الحوار؟
- أهم مساهمة هو الكلام الذي أقوله الآن، فأي كلام أقوله يعكسه الإعلام
خاصةً الإعلام السوداني ويعبر عن الآراء التي أقولها، وبدون شك أتحدّث لبعض المسؤولين الذين يأتون إلى ألمانيا - وكان آخرهم غندور - في كثير من القضايا بطريقة بعيدة عن الإعلام، وحتى إذا كان هنالك نقد أوجهه بعيداً عن الإعلام، ونحن بقدر الإمكان لا نريد أن تتكرّر التشوهات التي حدثت...
= مُقاطعة =
* ما هو سر هذا اللطف المفاجئ منك في تعاطيك مع النظام وتوجيه النقد له بعيداً عن الإعلام وأنت الذي كنت رأس الحربة في الهجوم عليه في وقت سابق؟
- تلك كانت مرحلة مُواجهة مع الحكومة، فالحكومة وقتها ما كانت تريد أن تستمع للمؤتمر الشعبي أصلاً وكانت تضرب حوله سياجا سميكا جداً. وهي تحاورت مع كل القوى السياسية وكان الحوار مفتوحا للجميع بما في ذلك الحركة الشعبية للجبهة الوطنية وكل القوى السياسية أحزاباً وأفراداً ومجتمعين، ولكن كانت هناك مقاطعة بين الوطني والشعبي ولم يكن هناك حوارٌ أصلاً، ولذلك عندما جاءت الفرصة نحن رأينا أنّ أكثر جهة قد تكون معنية بالحوار هي المؤتمر الشعبي، لأنّ كل القوى المعارضة الآن هي تعاطت ودخلت مع الحكومة بدءاً من الحركة الشعبية والمعارضة في التجمع الوطني كلها وكل القوى السياسية الأخرى سواء أكانت الحزب الإتحادي برئاسة مولانا الميرغني أو حزب الأمة برئاسة الصادق، فكلهم دخلوا في حوارٍ مع الحكومة.
* لكن الدعوة للحوار ليست جديدة فقد دعت الحكومة له أكثر من مرّة؟
- هذه الدعوة جديدة وأهم حاجة فيها هذه المرة أنها لم تستثنِ أحداً، وأنا أعتقد أن الذي كان مستثنى من أبناء السودان هو المؤتمر الشعبي وكل الآخرين لم يكونوا مستثنين من الحوار، فكثير من الناس الموجودين في المعارضة الآن كانوا مُشاركين في الحكومة.
* ولكنكم جئتم بالحكومة نفسها؟
- صحيح نحن (جبنا) الحكومة لكن هم طوّلوا عُمر الحكومة كمان.
* من تقصد بالذين طوّلوا عُمر الحكومة على وجه التحديد؟
- أقصد بهم الذين شاركوا في الحكومة مثل الحركة الشعبية والإتحادي الديمقراطي وكل المعارضين الذين تعاطوا مع الحكومة، ولذلك كانت فرصة هذا الحوار أنه بلا استثناء لأحد وبلا قيود وبلا شروط، وهذه أطروحة جيدة بالنسبة لي.
* كيف تنظر لخطى إجراء الانتخابات في موعدها باعتبارها استحقاق دستوري؟
أنا مرجعيتي حتى الآن الطرح الذي طرحه الرئيس، وكل الأوضاع في البلد لم تتغيّر، وأحسب أن التأجيل كان هو الأوفق، وطبعاً تأجيل الانتخابات يحتاج إلى اتفاق، وكان من المُمكن أن تتفق كل القوى المُشتركة في الحوار على تأجيل الانتخابات، وهذا يتطلب بدون شك تعديلا في الدستور، لأننا لا نستطيع أن نترك الأمور بدون تقنين لها. وإذا أقدمت الحكومة على انتخابات لوحدها فهي بدون شك تكاد تلغي الحوار تماماً.
* هل صحيح إن الوزن السياسي للدكتور علي الحاج قد قلّ بعد تصالح الشعبي مع الحكومة؟
- الشعبي لم يتصالح مع الحكومة، هو يتحاور معها حتى الآن. وكثير من الناس يتعجلون النتائج ويعتقدون أنّ الشعبي تصالح مع الحكومة وهذه ليست الحقيقية. وعلى أية حال إذا قلّ أو ضعُف وزن الشخص السياسي فلا أرى أنّ هذه قضية فالأشخاص كلهم ذاهبون، والوزن السياسي للحزب ولمبادئ الحزب هو الأهم في نظري.
* ألا ترى أنّ هنالك ملامح شبه بين مبادرة الحوار الوطني وبين مبادرتك التي أطلقتها عبر الأستاذ علي عثمان محمد طه؟
- من حيث القضايا المطروحة نعم، لكن من حيث المضمون مُختلف.
* أين مستقبل د. علي الحاج السياسي، أم أن مستقبل الدكتور هو ماضيه نفسه؟
- المستقبل بيد الله، وأنا لا أنظر لمستقبلي السياسي، لكن من ناحية سياسية أنا أرجو للسودان أن يكون أفضل مما أراه اليوم.
* ما هي الأمنية السياسية التي يتمنى علي الحاج تحقيقها؟
- أنا أتمنى مُعالجة الأشياء التي يعاني منها الآن الشعب السوداني سواء أكان الحرب أو الوضع الاقتصادي أو عدم الحريات.. أتمنى تحقق الحريات في البلد وأن تقف الحرب وتتحسّن الأوضاع الاقتصادية للمواطنين، وأن تكون العلاقة بين السودانيين عامة ودية وأحسن مما كانت، وأن تكون العلاقة مع دول الجوار أفضل مما كانت، وهذه هي المسائل التي أود أن أراها في حياتي.
* مسيرتك السياسية الطويلة مثلما فيها إنجازات فيها إخفاقات بالضرورة.. ما هي أكبر أخطائك يا دكتور؟
- بصفة عامة (كل ابن آدم خطاء....)، وهناك كثير من الأشياء التي حدثت فيها أخطاء، وعندما أقول أخطاء بلا شك انّ الإنسان فقيه نفسه فيما يحصل، لكن أعتقد من أكبر الأخطاء التي حدثت اننا عملنا هذا الانقلاب لكن مآلاته كانت سيئة، وعندما أقول إنّ المآلات ساءت ليس بأيدي الآخرين كما يظن البعض وإنما بأيدينا، فالمآلات كانت أبلغ ممّا كنا نتصوّر.
* ألم تزل حتى الآن الأسباب التي تجعل علي الحاج لاجئاً سياسياً في ألمانيا؟
- أهم شئ في هذه الأسباب هي الحرية طبعاً، وأنا أعتقد الحرية التي أريدها ليس لنفسي وإنما للشعب السوداني، فأنا أريد نوعا من الحرية والحياة الكريمة للشعب السوداني، وأعتقد أنّ هذه أولوية وطبعاً لا تعتمد عليّ أنا لكي أعملها. فالآخرون والقيادات السودانية سواء أكانوا في المؤتمر الشعبي أو المؤتمر الوطني أو القوى السياسية الأخرى هم الأقدر على تحقيق هذه الأشياء التي أطلبها.
* ماذا جنى علي الحاج من الغربة؟
- استفدت كثيرا. صحيح الواحد بعيد عن الأحفاد والحفيدات والأبناء والبنات وعن السودانيين عامة وهذه لم تعد مشكلة في ظل تطور الاتصالات، لكن بدون شك استفدت من الفترة التي قضيتها في ألمانيا استفادة كبيرة جداً لم أكن أتصوّرها.
* أيهما جنى عليك أكثر.. الغربة أم الإنقاذ؟
- الإنقاذ بدون شك.. ولكني تجاوزت ذلك.
* هل يمكن أن نقول إنك تجاوزت مرارات الماضي تماماً؟
- تماماً... أنا لم أنسَ مرارات الماضي، ولكني تجاوزتها تماماً ولا أقف عندها لكي أتفادى المستقبل الأسوأ.
* ما هي العبرة التي خلص إليها د. علي الحاج من خلال ممارسته الطويلة للسياسة؟
- أهم شئ أن تكون صادقاً مع نفسك، ومع اعتقادك، فأنا لا أريد أن أُزكي نفسي لكني كنت صادقاً جداً مع نفسي منذ أن ارتبطت بالحركة الإسلامية. وهذه مسألة مهمة جداً.
* إلى أي مدى يمكن لعلي الحاج أن يكون مؤثراً في حل قضية دارفور؟
- ما في قضية اسمها دارفور، فالقضايا قضايا السودان، فالتوصيف بأن هناك قضية في دارفور تحل هناك هو في الحقيقة توصيف ضعيف وبائس وغير صحيح.
* أنت بهذا التوصيف لقضية دارفور تتبنى طرح المعارضة والحركات والجبهة الثورية المناقض لطرح الحكومة؟
- أنا لا أتبنى، فطرحي أساساً أن يكون هناك حلٌ لكل قضايا السودان. ومعظم الناس الموجودين في المعارضة الآن كانوا في الحكومة ولكنهم لم يحلوا حلاً شاملاً، فالحركة الشعبية عملت حلاً ثنائياً وكذلك فعل الحزب الإتحادي وحزب الأمة، ولابد من حلول جذرية تشمل كل أهل السودان.
* هل هذا رأيك أم رأي المؤتمر الشعبي ربما؟
- هذا رأيي، وإلى حد كبير رأي المؤتمر الشعبي، وطبعاً جائز يكون هناك تفاوت أو اختلاف في الأمر.
* هل آن للإسلاميين في السودان أن يتراجعوا عن فكرة الإسلام السياسي؟
- الإسلام السياسي ما في تراجع عنه، لكن هناك تدارس وتفاكر وتشاور ونقد له ولكن لابد من أن تتكلم عنه.
* ألا تعتقد أن تجربة الإسلام السياسي باتت تحتاج لمراجعة الآن؟
- المراجعة لابد منها، لكن ليس إلغاء. فالإسلام السياسي هو برنامج و(سوفت وير) بلغة الكمبيوتر، ومهما تكلمنا عن برنامج إسلامي أو برنامج إسلاميين هو في نهاية المطاف اجتهاد بشري قابل للسلب والإيجاب ولابد من مراجعته وإعادة مراجعته من وقتٍ لآخرٍ في كل مجتمع. ولابد من إعادة النظر في برنامج الإسلام السياسي وفي المنهج نفسه، وكل هذه اجتهادات بشرية تختلف من وقتٍ لآخرٍ، ومن قُطرٍ لآخرٍ، وهي أبعد ما تكون عن القدسية.
* أخيــراً من أين تكسب قوت يومك ومعاشك يا دكتور؟
- أنا أعمل هنا وفي السودان أيضاً، وفي ألمانيا هناك فرصة كبيرة جداً للعمل والكسب لشخص مثلي، لكن أنا ومعي كل الأسرة نعمل جميعاً كل حسب وضعه رغم أني بالقانون الألماني في المعاش.
* هل يعني أن أحوالك مستورة؟
- والله مستورة، وأكثر من مستورة والحمد لله.
* يبدو أنك معجب بعبارة مستورة هذه؟
= ضحك بشدة =
الراي العام
لابد من إعادة النظر في برنامج الإسلام السياسي.. التوقعات تراجعت بعد الاعتقالات لكني مازلت مع الحوار
مع د. علي الحاج في أكثر من اتجاه:
- لابد من إعادة النظر في برنامج الإسلام السياسي
- لم أنس مرارات الماضي ولكن تجاوزتها لأن المستقبل أسوأ
- مافي قضية اسمها دارفور
- الشعبي لم يتصالح مع الحكومة حتى الآن
حاوره: فتح الرحمن شبارقة
في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بجنيف الذي يعج هذه الأيام بمؤيدي الإنقاذ ومعارضيها الأشداء التقيت ظهيرة أمس بالدكتور علي الحاج محمد. وهو رجل ذو رمزية عالية لا تضيف إليها الصفات من قبيل نائب الترابي أو القيادي في المؤتمر الشعبي شيئاً فيما يبدو. فـ (الماكينة) التي يتحرك بها الرجل في ألمانيا ودول غربية أخرى جعلته مرغوباً لذاته ووجهة لكثير من وسائل الإعلام التي نصبت له الكثير من الفخاخ هناك.
لكن د. علي الحاج أبدى ترحيباً لافتاً بالحديث لـ (الرأي العام) وهو ترحيب أغراني بطرح أسئلة كانت تبحث عنه بإلحاح من قبيل.. ألم تزل بعد، الأسباب التي أدت إلى لجوئه السياسي في ألمانيا؟ وهل صحيح ان وزنه السياسي قد خفّ كثيرا بعد ان تصالح الشعبي مع الحكومة..؟ أين يقف علي الحاج من الحوار الوطني، وماذا جنى من الغربة، التي قال إنها لم تجن عليه مثلما فعلت الإنقاذ..؟ وكيف ينظر علي الحاج إلى مستقبله ومستقبل الإسلام السياسي..؟ وهل آن أوان مراجعة فكرته أم تلك الفكرة مقدسة ربما..؟:
* ابتداءً كيف ينظر د. علي الحاج للتطورات السياسية الجارية الآن في السودان؟
- التطورات السياسية مع بداية العام الحالي عندما طرح الرئيس ما يسمى
بالوثبة ومهما كانت الأطروحات فإنها رفعت بدون شك المستوى بصفة عامة من ناحية سياسية للقضايا، وكل أعناق الشعب السوداني وكل المحيط الإقليمي والعالم الخارجي كانت مُشرئبة لما يحدث، وكنت أحسب أنّ هذا الطرح قد يكون هو الطرح الأمثل للخروج من مأزق السودان الذي نحن فيه بطريقة سودانية سلمية.
* عندما تقول (كنت أحسب) هل يعني ذلك أن توقعاتك وقناعتك قد تغيّرت الآن؟
- إلى حدٍّ كبيرٍ حدث بعض التشوهات، وهناك بطء كبير في كل المسألة منذ أن تم الطرح في يناير الماضي، والقضايا المطروحة نفسها قضايا كبيرة ومعقدة، وكنا نأمل في أن تُناقش هذه القضايا في ظل حريات بصورة عامة. فالحريات تجعل الناس يتحدّثون عن قضاياهم وآرائهم بنوع من الأريحية، وفي ضوء الحرية يمكن للناس أن يتوصلوا إلى شئٍ ويجمعوا عليه. لكن مساحة الحريات تناقصت خاصة بعد الاعتقالات السياسية للصادق المهدي وإبراهيم الشيخ ومريم، وهذا بدون شك أحدث تراجعا في التوقعات والآمال التي كنت أرجوها.
* في ظل هذه المتغيرات إذاً ما هو موقع د. علي الحاج من الحوار الوطني؟
- أنا ما زلت مع الحوار، وبدون شك حصلت تشوهات، لكن حتى الآن أنا مقتنع بأنه لابد من الحوار السوداني السوداني بأسس معينة، وأعتقد أن الهدف في النهاية الوصول الى حلول سلمية لكل القضايا المطروحة في الساحة السياسية ودرء الحروبات وكل المسائل الأمنية بالتي هي أحسن.
* رغم التشوهات التي تحدثت عنها، لكن ما هي مساهمتك في الحوار؟
- أهم مساهمة هو الكلام الذي أقوله الآن، فأي كلام أقوله يعكسه الإعلام
خاصةً الإعلام السوداني ويعبر عن الآراء التي أقولها، وبدون شك أتحدّث لبعض المسؤولين الذين يأتون إلى ألمانيا - وكان آخرهم غندور - في كثير من القضايا بطريقة بعيدة عن الإعلام، وحتى إذا كان هنالك نقد أوجهه بعيداً عن الإعلام، ونحن بقدر الإمكان لا نريد أن تتكرّر التشوهات التي حدثت...
= مُقاطعة =
* ما هو سر هذا اللطف المفاجئ منك في تعاطيك مع النظام وتوجيه النقد له بعيداً عن الإعلام وأنت الذي كنت رأس الحربة في الهجوم عليه في وقت سابق؟
- تلك كانت مرحلة مُواجهة مع الحكومة، فالحكومة وقتها ما كانت تريد أن تستمع للمؤتمر الشعبي أصلاً وكانت تضرب حوله سياجا سميكا جداً. وهي تحاورت مع كل القوى السياسية وكان الحوار مفتوحا للجميع بما في ذلك الحركة الشعبية للجبهة الوطنية وكل القوى السياسية أحزاباً وأفراداً ومجتمعين، ولكن كانت هناك مقاطعة بين الوطني والشعبي ولم يكن هناك حوارٌ أصلاً، ولذلك عندما جاءت الفرصة نحن رأينا أنّ أكثر جهة قد تكون معنية بالحوار هي المؤتمر الشعبي، لأنّ كل القوى المعارضة الآن هي تعاطت ودخلت مع الحكومة بدءاً من الحركة الشعبية والمعارضة في التجمع الوطني كلها وكل القوى السياسية الأخرى سواء أكانت الحزب الإتحادي برئاسة مولانا الميرغني أو حزب الأمة برئاسة الصادق، فكلهم دخلوا في حوارٍ مع الحكومة.
* لكن الدعوة للحوار ليست جديدة فقد دعت الحكومة له أكثر من مرّة؟
- هذه الدعوة جديدة وأهم حاجة فيها هذه المرة أنها لم تستثنِ أحداً، وأنا أعتقد أن الذي كان مستثنى من أبناء السودان هو المؤتمر الشعبي وكل الآخرين لم يكونوا مستثنين من الحوار، فكثير من الناس الموجودين في المعارضة الآن كانوا مُشاركين في الحكومة.
* ولكنكم جئتم بالحكومة نفسها؟
- صحيح نحن (جبنا) الحكومة لكن هم طوّلوا عُمر الحكومة كمان.
* من تقصد بالذين طوّلوا عُمر الحكومة على وجه التحديد؟
- أقصد بهم الذين شاركوا في الحكومة مثل الحركة الشعبية والإتحادي الديمقراطي وكل المعارضين الذين تعاطوا مع الحكومة، ولذلك كانت فرصة هذا الحوار أنه بلا استثناء لأحد وبلا قيود وبلا شروط، وهذه أطروحة جيدة بالنسبة لي.
* كيف تنظر لخطى إجراء الانتخابات في موعدها باعتبارها استحقاق دستوري؟
أنا مرجعيتي حتى الآن الطرح الذي طرحه الرئيس، وكل الأوضاع في البلد لم تتغيّر، وأحسب أن التأجيل كان هو الأوفق، وطبعاً تأجيل الانتخابات يحتاج إلى اتفاق، وكان من المُمكن أن تتفق كل القوى المُشتركة في الحوار على تأجيل الانتخابات، وهذا يتطلب بدون شك تعديلا في الدستور، لأننا لا نستطيع أن نترك الأمور بدون تقنين لها. وإذا أقدمت الحكومة على انتخابات لوحدها فهي بدون شك تكاد تلغي الحوار تماماً.
* هل صحيح إن الوزن السياسي للدكتور علي الحاج قد قلّ بعد تصالح الشعبي مع الحكومة؟
- الشعبي لم يتصالح مع الحكومة، هو يتحاور معها حتى الآن. وكثير من الناس يتعجلون النتائج ويعتقدون أنّ الشعبي تصالح مع الحكومة وهذه ليست الحقيقية. وعلى أية حال إذا قلّ أو ضعُف وزن الشخص السياسي فلا أرى أنّ هذه قضية فالأشخاص كلهم ذاهبون، والوزن السياسي للحزب ولمبادئ الحزب هو الأهم في نظري.
* ألا ترى أنّ هنالك ملامح شبه بين مبادرة الحوار الوطني وبين مبادرتك التي أطلقتها عبر الأستاذ علي عثمان محمد طه؟
- من حيث القضايا المطروحة نعم، لكن من حيث المضمون مُختلف.
* أين مستقبل د. علي الحاج السياسي، أم أن مستقبل الدكتور هو ماضيه نفسه؟
- المستقبل بيد الله، وأنا لا أنظر لمستقبلي السياسي، لكن من ناحية سياسية أنا أرجو للسودان أن يكون أفضل مما أراه اليوم.
* ما هي الأمنية السياسية التي يتمنى علي الحاج تحقيقها؟
- أنا أتمنى مُعالجة الأشياء التي يعاني منها الآن الشعب السوداني سواء أكان الحرب أو الوضع الاقتصادي أو عدم الحريات.. أتمنى تحقق الحريات في البلد وأن تقف الحرب وتتحسّن الأوضاع الاقتصادية للمواطنين، وأن تكون العلاقة بين السودانيين عامة ودية وأحسن مما كانت، وأن تكون العلاقة مع دول الجوار أفضل مما كانت، وهذه هي المسائل التي أود أن أراها في حياتي.
* مسيرتك السياسية الطويلة مثلما فيها إنجازات فيها إخفاقات بالضرورة.. ما هي أكبر أخطائك يا دكتور؟
- بصفة عامة (كل ابن آدم خطاء....)، وهناك كثير من الأشياء التي حدثت فيها أخطاء، وعندما أقول أخطاء بلا شك انّ الإنسان فقيه نفسه فيما يحصل، لكن أعتقد من أكبر الأخطاء التي حدثت اننا عملنا هذا الانقلاب لكن مآلاته كانت سيئة، وعندما أقول إنّ المآلات ساءت ليس بأيدي الآخرين كما يظن البعض وإنما بأيدينا، فالمآلات كانت أبلغ ممّا كنا نتصوّر.
* ألم تزل حتى الآن الأسباب التي تجعل علي الحاج لاجئاً سياسياً في ألمانيا؟
- أهم شئ في هذه الأسباب هي الحرية طبعاً، وأنا أعتقد الحرية التي أريدها ليس لنفسي وإنما للشعب السوداني، فأنا أريد نوعا من الحرية والحياة الكريمة للشعب السوداني، وأعتقد أنّ هذه أولوية وطبعاً لا تعتمد عليّ أنا لكي أعملها. فالآخرون والقيادات السودانية سواء أكانوا في المؤتمر الشعبي أو المؤتمر الوطني أو القوى السياسية الأخرى هم الأقدر على تحقيق هذه الأشياء التي أطلبها.
* ماذا جنى علي الحاج من الغربة؟
- استفدت كثيرا. صحيح الواحد بعيد عن الأحفاد والحفيدات والأبناء والبنات وعن السودانيين عامة وهذه لم تعد مشكلة في ظل تطور الاتصالات، لكن بدون شك استفدت من الفترة التي قضيتها في ألمانيا استفادة كبيرة جداً لم أكن أتصوّرها.
* أيهما جنى عليك أكثر.. الغربة أم الإنقاذ؟
- الإنقاذ بدون شك.. ولكني تجاوزت ذلك.
* هل يمكن أن نقول إنك تجاوزت مرارات الماضي تماماً؟
- تماماً... أنا لم أنسَ مرارات الماضي، ولكني تجاوزتها تماماً ولا أقف عندها لكي أتفادى المستقبل الأسوأ.
* ما هي العبرة التي خلص إليها د. علي الحاج من خلال ممارسته الطويلة للسياسة؟
- أهم شئ أن تكون صادقاً مع نفسك، ومع اعتقادك، فأنا لا أريد أن أُزكي نفسي لكني كنت صادقاً جداً مع نفسي منذ أن ارتبطت بالحركة الإسلامية. وهذه مسألة مهمة جداً.
* إلى أي مدى يمكن لعلي الحاج أن يكون مؤثراً في حل قضية دارفور؟
- ما في قضية اسمها دارفور، فالقضايا قضايا السودان، فالتوصيف بأن هناك قضية في دارفور تحل هناك هو في الحقيقة توصيف ضعيف وبائس وغير صحيح.
* أنت بهذا التوصيف لقضية دارفور تتبنى طرح المعارضة والحركات والجبهة الثورية المناقض لطرح الحكومة؟
- أنا لا أتبنى، فطرحي أساساً أن يكون هناك حلٌ لكل قضايا السودان. ومعظم الناس الموجودين في المعارضة الآن كانوا في الحكومة ولكنهم لم يحلوا حلاً شاملاً، فالحركة الشعبية عملت حلاً ثنائياً وكذلك فعل الحزب الإتحادي وحزب الأمة، ولابد من حلول جذرية تشمل كل أهل السودان.
* هل هذا رأيك أم رأي المؤتمر الشعبي ربما؟
- هذا رأيي، وإلى حد كبير رأي المؤتمر الشعبي، وطبعاً جائز يكون هناك تفاوت أو اختلاف في الأمر.
* هل آن للإسلاميين في السودان أن يتراجعوا عن فكرة الإسلام السياسي؟
- الإسلام السياسي ما في تراجع عنه، لكن هناك تدارس وتفاكر وتشاور ونقد له ولكن لابد من أن تتكلم عنه.
* ألا تعتقد أن تجربة الإسلام السياسي باتت تحتاج لمراجعة الآن؟
- المراجعة لابد منها، لكن ليس إلغاء. فالإسلام السياسي هو برنامج و(سوفت وير) بلغة الكمبيوتر، ومهما تكلمنا عن برنامج إسلامي أو برنامج إسلاميين هو في نهاية المطاف اجتهاد بشري قابل للسلب والإيجاب ولابد من مراجعته وإعادة مراجعته من وقتٍ لآخرٍ في كل مجتمع. ولابد من إعادة النظر في برنامج الإسلام السياسي وفي المنهج نفسه، وكل هذه اجتهادات بشرية تختلف من وقتٍ لآخرٍ، ومن قُطرٍ لآخرٍ، وهي أبعد ما تكون عن القدسية.
* أخيــراً من أين تكسب قوت يومك ومعاشك يا دكتور؟
- أنا أعمل هنا وفي السودان أيضاً، وفي ألمانيا هناك فرصة كبيرة جداً للعمل والكسب لشخص مثلي، لكن أنا ومعي كل الأسرة نعمل جميعاً كل حسب وضعه رغم أني بالقانون الألماني في المعاش.
* هل يعني أن أحوالك مستورة؟
- والله مستورة، وأكثر من مستورة والحمد لله.
* يبدو أنك معجب بعبارة مستورة هذه؟
= ضحك بشدة =
الراي العام
Comments
Post a Comment