- مقدمة:
تهدف هذه الورقة إلى تقديم قراءة نقدية لخطاب المهدية الجديدة، الذي هو خطاب الصادق المهدي، وفي آخر تجلياته، كتاب العودة، الذي صدر مؤخراً، وقامت جريدة الحياة بنشره مسلسلا في أكثر من عشر حلقات، وفي توقيت متوافق مع تحركات الصادق المهدي لدرجة قادت بعض الناس إلى إطلاق إشاعات حول تواطؤ تم بينه وبين الجريدة. ومهما يكن من أمر، فهذا جزء من طرائق عمل أجهزة الإعلام العربية في التعامل مع الشأن السوداني، الذي يعتبره البعض انحيازا تقليديا لخطاب المركزية ذات التوجهات الإسلاموعربية.
على أية حال، فكتاب العودة، هو في رأينا تلخيص لعناصر الخطاب المهدوي الجديد. وهو في الواقع شكل من أشكال الترحُّل النصي لمقولات سابقة، إذ أننا وجدنا أن أغلب المقولات الرئيسية هي إعادة إنتاج لأفكار الصادق المهدي السابقة، وكتابه "تحديات التسعينات" بالخصوص.
ولأن الكتاب لم يقم على منهج واضح في تسلسل موضوعاته، وهو أقرب إلى الجالوص منه إلى العمارة، وتكثر فيه التكرارات، وخاصة المقولات المنفستوهاتية، لذلك، فإننا سنحاول الإمساك بالأفكار الجوهرية والمقولات المفصلية (النمطية) والعناصر الأساسية، ومن ثم تفكيك كل منها وإرجاعه إلى حقله الفكري الأيديولوجي، وأساسه الموضوعي ـ الإجتماعي التاريخي؛ أي أن نقدنا يقوم على منهج وصفي تحليلي.
من ملاحظاتنا، أن الصادق المهدي قد زين خطابه بمقولات تصور الأشياء بشكل لا يتسق مع واقعها في كثير من الأحيان، وعلى أساس هذه الصور، استلف المنفستوهات الطافحة فوق الأزمة السودانية وألحقها بآليات، فصلها مثل "قمصان عامر" وألبس كل عامر قميصه (وعامر هنا موديل صوري قابل للتغيير باستمرار حسب ما رغبة الصادق المهدي وما يقتضيه التكتيك). وحتى أن المهتمين والمراقبين بدأوا يتساءلون من فرط (عقلانية) "الأطروحة": إذا كان الأمر كذلك، فما هي المشكلة إذن؟
طبعا الصادق المهدي شخص ذكي، ولديه القدرة على (اصطناع) المنطق الشكلي في حلبة اللامنطق (السياسة السودانية). ولما للأمر من أهمية قصوى تتعلق بمصير ومستقبل شعب في لحظات فارقة، فإننا ـ كما كنا دائما ـ نسعى إلى تفحض دقيق لهذا (المنطق)، إنطلاقا من شكنا المنهجي في المقولات السياسية عامة، ولمفارقة هذا (المنطق) وتلك (العقلانية) للواقع. وبالتالي ليس أمامنا إلا إعادة النظر في الخطاب بالاحتكام إلى السيرورات التاريخية، وإرجاع المقولات إلى منطلقاتها ودوافعها؛ المصالح والرغبات التي تحركها، أهدافها وغاياتها، ومواقع قائليها في حلبة الصراع. هذا لأننا نسلم بأن أي خطاب هو في الواقع تعبير عن أيديولوجيا وأي أيديولوجيا هي بالمقام الأول تبرير مصالح (مادية أومعنوية أو الإثنين معا) في حلبة الصراع التي هي (بنية/بنيات اجتماعية محددة).
ملاحظة أخرى، أن الخطاب المعني هنا، قد شُيّد ليشمل مجالات تأثير متعددة ومتباينة، لأنه في الأساس خطاب سياسي يعتمد على الاعتقادات أكثر من اعتماده على البراهين، ويعتمد أيضا على أساليب اللعب على المجاهيل والغوامض؛ فستقوم استراتيجيتنا في هذه الورقة على تقديم مقارابات نظرية وتعريفات وتحديد لبعض المصطلحات الضرورية، وأيضا على مقاربات تاريخية نتسلح بها وعلى أساسها نتفحص مقولات الخطاب المعني بالنقد.
Comments
Post a Comment