الضحية والجلاد: لا جديد تحت الشمس!
صبحي حديدي
تقرير الأمم المتحدة، حول الحرب الوحشية التي شنتها إسرائيل على غزّة صيف 2014، لقي من «المجتمع الدولي» معاملة معتادة، إزدواجية دائماً، كالعادة أيضاً، إزاء تقارير سابقة أو وقائع مماثلة: الإهمال، في التصريحات الرسمية، وكذلك في تغطيات وسائل الإعلام الرئيسية؛ ومساواة الضحية بالجلاد، من حيث أنّ «حماس» ـ المنظمة الصغيرة المحاصَرة، ذات الإمكانيات المادية والعسكرية المحدودة ـ تتساوى في جرائم الحرب مع إسرائيل، الدولة النووية المدججة بأحدث الأسلحة الكونية، ومدللة أمريكا والغرب عموماً.
هل ثمة جديد، في هذا؟ كلا، حتى على صعيد الشكل والمحتوى، بل يمكن القول إنّ تقرير القاضي ريشارد غولدستون، خريف 2009، يبدو متقدماً على تقرير الهيئة الأممية الحالي؛ ولا مفاجأة، هنا أيضاً، في أنّ الحاضر الراهن أسوأ من الماضي القريب. صحيح أنّ مقاربة جرائم الحرب تستوجب اعتماد مفاهيم واضحة قابلة للتصنيف الدقيق والتطبيق السليم، إلا أنّ سياقات ارتكاب الجريمة ـ خلال حرب شعواء تشنها دولة عاتية القوّة، ضدّ مجموعة ضعيفة، مثلاً ـ عامل حاسم في التفريق العادل بين جريمة وأخرى ـ كما في حال الدفاع عن النفس، بوسائل بدائية وفقيرة، على غرار صواريخ «القسام» مثلاً ـ وفي فصل الجلاد عن الضحية، مفهومياً أوّلاً، ثمّ قانونياً تالياً.
على صعيد الصحافة، وفي مثال فرنسا التي يصعب أن تجاري الصحافة الأمريكية من حيث الانحياز إلى إسرائيل، نقرأ كريستوف باربييه، مدير أسبوعية الـ «إكسبريس» الفرنسية، يناشد قارئه أن يتأمل الوضع في غزّة بمعزل عن الفظائع، وأن يفكّر في النزاعات دون تأثّر بالصور، بل بفرض الرقابة على الصور! يكتب صاحبنا: «لا يوجد مَن هو أكثر عمىً من عسكري، ولا أكثر صمماً من إرهابي. الأوّل يطلق النار على كلّ ما يتحرّك، لأنه يمكن أن يكون عدوّاً؛ والثاني يسدّد أيضاً على كلّ ما لا يتحرّك، لأنّه حتى المدنيّ النائم يُعتبر عدوّاً». غير أنّ هذه الفلسفة الخرقاء مفتضَحة، مسبقاً، في انحيازها إلى العسكري، بدلالة العنوان الذي اختاره باربييه لمقالته: «حرب عادلة، مجرّد حرب»؛ ثمّ مقّدمة المقال التي تسير هكذا: «إسرائيل على حقّ في شنّ هذه الحرب، وهي تقوم بها من أجل راحتنا أيضاً»!.
في المقابل، يقتضي الإنصاف الإشارة إلى أصوات أخرى، قليلة ونادرة في الواقع، لكنها ذات نبرة أخلاقية وسياسية عالية تكفل بلوغ الأسماع على نطاق واسع، خاصة إذا صدرت عن جهة يصعب اتهامها بمحاباة «حماس». هذه حال الرسالة التي كتبها المؤرّخ والجامعي الفرنسي اليهودي أندريه نوشي، إلى السفير الإسرائيلي في باريس، وجاء فيها: «أنتم تتصرّفون مثل لصوص الأراضي، وتديرون ظهوركم لقواعد الخُلُق اليهودي. العار عليكم! العار على إسرائيل! أنتم تحفرون قبوركم دون أن تدركوا ذلك، كيف يمكن لليهود، الذين عانوا الكثير، أن يقلّدوا جلاّديهم الهتلريين؟». وختم نوشي رسالته بهذه الكلمات النارية: «إنني، كيهودي ومحارب قديم في الحرب العالمية الثانية، أشعر بالعار إزاء أفعالكم. ألا فليعلنكم الله إلى أبد الآبدين! وآمل أن يحلّ بكم العقاب».
ليس أقلّ أهمية، في المقابل، أن تسارع السلطة الوطنية الفلسطينية إلى استثمار هذا التقرير الأخير على النحو الأفضل الممكن، في كلّ حال، على علاته ونواقصه؛ في مختلف المحافل الدولية، خاصة «الحكمة الجنائية الدولية» التي انضمت إليها دولة فلسطين مؤخراً. «المجتمع الدولي» مسمّى زائف، بالطبع، وهو خلاصة هيمنة الكبار على الصغار في العلاقات الدولية؛ غير أنّ حقّ الضحية الفلسطينية يُلزم المجتمع الفلسطيني بطرق كلّ باب يمكن أن ينفتح، أو يردد صدى الطرقة… أضعف الإيمان.
هل ثمة جديد، في هذا؟ كلا، حتى على صعيد الشكل والمحتوى، بل يمكن القول إنّ تقرير القاضي ريشارد غولدستون، خريف 2009، يبدو متقدماً على تقرير الهيئة الأممية الحالي؛ ولا مفاجأة، هنا أيضاً، في أنّ الحاضر الراهن أسوأ من الماضي القريب. صحيح أنّ مقاربة جرائم الحرب تستوجب اعتماد مفاهيم واضحة قابلة للتصنيف الدقيق والتطبيق السليم، إلا أنّ سياقات ارتكاب الجريمة ـ خلال حرب شعواء تشنها دولة عاتية القوّة، ضدّ مجموعة ضعيفة، مثلاً ـ عامل حاسم في التفريق العادل بين جريمة وأخرى ـ كما في حال الدفاع عن النفس، بوسائل بدائية وفقيرة، على غرار صواريخ «القسام» مثلاً ـ وفي فصل الجلاد عن الضحية، مفهومياً أوّلاً، ثمّ قانونياً تالياً.
على صعيد الصحافة، وفي مثال فرنسا التي يصعب أن تجاري الصحافة الأمريكية من حيث الانحياز إلى إسرائيل، نقرأ كريستوف باربييه، مدير أسبوعية الـ «إكسبريس» الفرنسية، يناشد قارئه أن يتأمل الوضع في غزّة بمعزل عن الفظائع، وأن يفكّر في النزاعات دون تأثّر بالصور، بل بفرض الرقابة على الصور! يكتب صاحبنا: «لا يوجد مَن هو أكثر عمىً من عسكري، ولا أكثر صمماً من إرهابي. الأوّل يطلق النار على كلّ ما يتحرّك، لأنه يمكن أن يكون عدوّاً؛ والثاني يسدّد أيضاً على كلّ ما لا يتحرّك، لأنّه حتى المدنيّ النائم يُعتبر عدوّاً». غير أنّ هذه الفلسفة الخرقاء مفتضَحة، مسبقاً، في انحيازها إلى العسكري، بدلالة العنوان الذي اختاره باربييه لمقالته: «حرب عادلة، مجرّد حرب»؛ ثمّ مقّدمة المقال التي تسير هكذا: «إسرائيل على حقّ في شنّ هذه الحرب، وهي تقوم بها من أجل راحتنا أيضاً»!.
في المقابل، يقتضي الإنصاف الإشارة إلى أصوات أخرى، قليلة ونادرة في الواقع، لكنها ذات نبرة أخلاقية وسياسية عالية تكفل بلوغ الأسماع على نطاق واسع، خاصة إذا صدرت عن جهة يصعب اتهامها بمحاباة «حماس». هذه حال الرسالة التي كتبها المؤرّخ والجامعي الفرنسي اليهودي أندريه نوشي، إلى السفير الإسرائيلي في باريس، وجاء فيها: «أنتم تتصرّفون مثل لصوص الأراضي، وتديرون ظهوركم لقواعد الخُلُق اليهودي. العار عليكم! العار على إسرائيل! أنتم تحفرون قبوركم دون أن تدركوا ذلك، كيف يمكن لليهود، الذين عانوا الكثير، أن يقلّدوا جلاّديهم الهتلريين؟». وختم نوشي رسالته بهذه الكلمات النارية: «إنني، كيهودي ومحارب قديم في الحرب العالمية الثانية، أشعر بالعار إزاء أفعالكم. ألا فليعلنكم الله إلى أبد الآبدين! وآمل أن يحلّ بكم العقاب».
ليس أقلّ أهمية، في المقابل، أن تسارع السلطة الوطنية الفلسطينية إلى استثمار هذا التقرير الأخير على النحو الأفضل الممكن، في كلّ حال، على علاته ونواقصه؛ في مختلف المحافل الدولية، خاصة «الحكمة الجنائية الدولية» التي انضمت إليها دولة فلسطين مؤخراً. «المجتمع الدولي» مسمّى زائف، بالطبع، وهو خلاصة هيمنة الكبار على الصغار في العلاقات الدولية؛ غير أنّ حقّ الضحية الفلسطينية يُلزم المجتمع الفلسطيني بطرق كلّ باب يمكن أن ينفتح، أو يردد صدى الطرقة… أضعف الإيمان.
صبحي حديدي
- Get link
- Other Apps
Comments
Post a Comment