عنف
أمير تاج السر
في أحد الأيام كنت في العمل، وجاءت أم تصحب طفلها المريض، ذا الخمسة أعوام، حيث أجلسته على طاولة الفحص، وسألت الأم سؤال معرفة الأعراض الروتيني: ماذا به؟
وقبل أن تنطق الأم، رد الطفل بسرعة كبيرة، وهو يكور قبضته اليمنى، ويرفعها في وجهي: جئت لأضربك وأقتلك.
ابتسمت الأم ابتسامة كبيرة في ذلك اليوم، لكنني لم أبتسم، بدا لي ثمة خلل ما، يتسكع في تلك الطفولة البريئة، ويمكن بسهولة شديدة، أن يحولها في المستقبل المقبل، إلى أداة عنف، لا تفرق بين الخير والشر، خاصة إن انحاز الشخص إلى فكر من تلك الأفكار الغريبة المتطرفة، واتبع غليانه. لقد كان الطبيب في عرف الطفولة العادية، وما يزال، في أي مجتمع من المجتمعات، كائنا خرافيا ينبغي اجتنابه، والسكوت في حضرته، ومراقبة فحصه بحذر حتى ينتهي، وفي أحيان كثيرة، البكاء بصوت مرتفع، والقيام بمحاولات جادة للفرار من غرفته ووجهه، لكن القبضة المكورة، والتصريح بالضرب والقتل، يطرح سؤالا كبيرا:
هل العنف تربية أم سلوك مكتسب؟ وهل توجد بالفعل جينات عنف تكمن لدى البعض، وتخرج في أوان خروجها؟
شخصيا أعتقد بوجود عوامل جينية وراء الجلادين، الذين لا ترهبهم أرواح ضحاياهم، ولا يوقفهم أي ترف إنساني عن أداء أي مهمات غير إنسانية، يكلفون بها أنفسهم، فالذي يربط وسطه بحزام ناسف، ويذهب إلى مسجد مكتظ بالمصلين في يوم الجمعة، وفي شهر القرآن، يعرف أن ثمة شيوخا مسنين، جاءوا يتقربون إلى الله وظهورهم محنية، ثمة أطفال صغار يتعلمون الخشية بذهابهم في سن مبكرة للمساجد، يعرف أن ثمة أمهات سيبكين، وزوجات سيترملن، وأسرا سييتم أبناؤها، لكن تلك المعرفة لا تحدث أي أصداء داخله. وهكذا سيفجر الحزام الناسف، ويتفتت، ومعه، تتفتت كل القيم، ومكتسبات الحضارة الإنسانية، وللأسف الشديد، تنفتح تلك الكوات المغلقة لأعداء الدين، أن يطلوا عبرها. سيمنع الناس من السفر بحجة الإرهاب، سيمنعون من شغل وظائف معينة في الغرب، بحجة الإرهاب، وربما يتعرضون لعنف مماثل، حيث يعيشون، خاصة إن كان ثمة هجوم طال منشأة غربية، ومات فيه أشخاص، كما حدث في الهجوم المتطرف على مجلة «شارلي أيبدو» الفرنسية منذ عدة أشهر، ومات فيه إثنا عشر شخصا، وتلك الحوادث التي تطال سفارات، وباصات سياحية، وفنادق يقيم فيها زوار غربيون في بلاد العرب. ومعروف أن المسلمين ما زالوا يعانون حتى الآن من تبعات تفجير برجي التجارة العالمية في نيويورك، حيث حدثت خلخلة شديدة في العالم، لم تستقم بعدها الأمور أبدا. وحقيقة لم يكن هناك أي مكسب من ذلك الحادث الكبير، وكل ما حدث خسارات كانت تتبعها خسارات.
الآن العنف أصبح رائجا جدا، وأكثر مما كان أيام برجي التجارة العالمية، خاصة بعد أن حدث ما سمي بـ»ثورات الربيع العربي»، التي هبت أصلا للقضاء على ديكتاتوريات مقيتة، لكنها تخلصت من أهدافها الأولى واخترعت أهدافا جديدة، فالكل خائن في عرف الكل، وكل يسعى لتدمير طرف يسعى هو الآخر إلى تدميره، وهكذا يولد العنف ويترعرع بسرعة، ويظهر حاملو تلك الجينات المتطرفة، ليتولوا توجيه العنف في كل اتجاه.
لقد كان أمرا مؤسفا فعلا أن يشهد يوم جمعة من شهر رمضان المبارك، في أحد مساجد الكويت، كل هذا الدم المراق بلا معنى، الحرب الوهمية ضد عدو غير موجود حقيقة، لكنه من اختراع بذرة العنف التي ذكرتها، وذكرت احتمال نموها وتحولها إلى أداة سحق جبارة، فليس كل شاب ورع، مشروعا مدمرا بكل تأكيد، وهناك شباب، نشأوا متدينين، ومهذبين، ويعرفون حدود الله جيدا، ولا يقربوها، إنما أولئك الذين يلوحون بتلك الأدوات العنيفة، منذ الصغر، وتحس جدية في وجوههم، على الرغم من أنها وجوه أطفال صغار. وبكل تأكيد فإن الهجوم على منتجع تونسي، أيضا غير مبرر، فلم يكن رواد هذا المنتجع، حتى، وهم من جنسيات غربية، يحملون مسدسات أو أسلحة رشاشة، ولا كانوا غزاة للأعراض، كانوا ببساطة، سياحا عاديين، يستجمون في بلد آمن، طيب، ومفتوح الصدر للجميع. والذي يزور تونس، ويشاهد علامات الجمال، تزين الساحات والشوارع، ويستمع إلى صوت المحبة الجهوري يحتويه، قطعا يحس بالحزن الشديد.
إذن نحن الآن في قلب العنف، وقد أصبحت بعض البلاد العربية بالفعل، أرحاما كبيرا، تتمخض عن العنف والعنيفين، وابتدأ ذلك العنف يسافر، ليضع بذرة هنا وبذرة هناك، ولا أظنها بذور، ستحترق وينتهي أمرها.
مجددا وعند كل حادث كبير، أنادي بالتنوير، بالتوعية، بانقلاب الناس المعتدلين إلى أدوات تنوير حقيقي، تذكر بالقيم والأخلاق وبما حرم الله سبحانه وتعإلى على عباده، وما حلل لهم، ولنا في الرسول عليه الصلاة والسلام، أسوة حسنة. التنوير الواعي قد ينتزع بذرة العنف من الصدور التي تحملها، وفي أسوأ الأحوال قد يقلل من إمكانية نموها وغليانها المستقبلي. كنت قد شخصت الحالة المرضية للطفل الصغير، صاحب القبضة المكورة، وأنا واجم وقبل أن أمد وصفة العلاج للأم، فوجئت بالطفل، يقفز من مكانه ويشدني من قميصي بقوة وهو يضحك. وأيضا ابتسمت الأم بابتسامة أعرض، وذهبت، وكان في حلقي آلاف من الكلمات لكني لم أقل أي كلمة.
وقبل أن تنطق الأم، رد الطفل بسرعة كبيرة، وهو يكور قبضته اليمنى، ويرفعها في وجهي: جئت لأضربك وأقتلك.
ابتسمت الأم ابتسامة كبيرة في ذلك اليوم، لكنني لم أبتسم، بدا لي ثمة خلل ما، يتسكع في تلك الطفولة البريئة، ويمكن بسهولة شديدة، أن يحولها في المستقبل المقبل، إلى أداة عنف، لا تفرق بين الخير والشر، خاصة إن انحاز الشخص إلى فكر من تلك الأفكار الغريبة المتطرفة، واتبع غليانه. لقد كان الطبيب في عرف الطفولة العادية، وما يزال، في أي مجتمع من المجتمعات، كائنا خرافيا ينبغي اجتنابه، والسكوت في حضرته، ومراقبة فحصه بحذر حتى ينتهي، وفي أحيان كثيرة، البكاء بصوت مرتفع، والقيام بمحاولات جادة للفرار من غرفته ووجهه، لكن القبضة المكورة، والتصريح بالضرب والقتل، يطرح سؤالا كبيرا:
هل العنف تربية أم سلوك مكتسب؟ وهل توجد بالفعل جينات عنف تكمن لدى البعض، وتخرج في أوان خروجها؟
شخصيا أعتقد بوجود عوامل جينية وراء الجلادين، الذين لا ترهبهم أرواح ضحاياهم، ولا يوقفهم أي ترف إنساني عن أداء أي مهمات غير إنسانية، يكلفون بها أنفسهم، فالذي يربط وسطه بحزام ناسف، ويذهب إلى مسجد مكتظ بالمصلين في يوم الجمعة، وفي شهر القرآن، يعرف أن ثمة شيوخا مسنين، جاءوا يتقربون إلى الله وظهورهم محنية، ثمة أطفال صغار يتعلمون الخشية بذهابهم في سن مبكرة للمساجد، يعرف أن ثمة أمهات سيبكين، وزوجات سيترملن، وأسرا سييتم أبناؤها، لكن تلك المعرفة لا تحدث أي أصداء داخله. وهكذا سيفجر الحزام الناسف، ويتفتت، ومعه، تتفتت كل القيم، ومكتسبات الحضارة الإنسانية، وللأسف الشديد، تنفتح تلك الكوات المغلقة لأعداء الدين، أن يطلوا عبرها. سيمنع الناس من السفر بحجة الإرهاب، سيمنعون من شغل وظائف معينة في الغرب، بحجة الإرهاب، وربما يتعرضون لعنف مماثل، حيث يعيشون، خاصة إن كان ثمة هجوم طال منشأة غربية، ومات فيه أشخاص، كما حدث في الهجوم المتطرف على مجلة «شارلي أيبدو» الفرنسية منذ عدة أشهر، ومات فيه إثنا عشر شخصا، وتلك الحوادث التي تطال سفارات، وباصات سياحية، وفنادق يقيم فيها زوار غربيون في بلاد العرب. ومعروف أن المسلمين ما زالوا يعانون حتى الآن من تبعات تفجير برجي التجارة العالمية في نيويورك، حيث حدثت خلخلة شديدة في العالم، لم تستقم بعدها الأمور أبدا. وحقيقة لم يكن هناك أي مكسب من ذلك الحادث الكبير، وكل ما حدث خسارات كانت تتبعها خسارات.
الآن العنف أصبح رائجا جدا، وأكثر مما كان أيام برجي التجارة العالمية، خاصة بعد أن حدث ما سمي بـ»ثورات الربيع العربي»، التي هبت أصلا للقضاء على ديكتاتوريات مقيتة، لكنها تخلصت من أهدافها الأولى واخترعت أهدافا جديدة، فالكل خائن في عرف الكل، وكل يسعى لتدمير طرف يسعى هو الآخر إلى تدميره، وهكذا يولد العنف ويترعرع بسرعة، ويظهر حاملو تلك الجينات المتطرفة، ليتولوا توجيه العنف في كل اتجاه.
لقد كان أمرا مؤسفا فعلا أن يشهد يوم جمعة من شهر رمضان المبارك، في أحد مساجد الكويت، كل هذا الدم المراق بلا معنى، الحرب الوهمية ضد عدو غير موجود حقيقة، لكنه من اختراع بذرة العنف التي ذكرتها، وذكرت احتمال نموها وتحولها إلى أداة سحق جبارة، فليس كل شاب ورع، مشروعا مدمرا بكل تأكيد، وهناك شباب، نشأوا متدينين، ومهذبين، ويعرفون حدود الله جيدا، ولا يقربوها، إنما أولئك الذين يلوحون بتلك الأدوات العنيفة، منذ الصغر، وتحس جدية في وجوههم، على الرغم من أنها وجوه أطفال صغار. وبكل تأكيد فإن الهجوم على منتجع تونسي، أيضا غير مبرر، فلم يكن رواد هذا المنتجع، حتى، وهم من جنسيات غربية، يحملون مسدسات أو أسلحة رشاشة، ولا كانوا غزاة للأعراض، كانوا ببساطة، سياحا عاديين، يستجمون في بلد آمن، طيب، ومفتوح الصدر للجميع. والذي يزور تونس، ويشاهد علامات الجمال، تزين الساحات والشوارع، ويستمع إلى صوت المحبة الجهوري يحتويه، قطعا يحس بالحزن الشديد.
إذن نحن الآن في قلب العنف، وقد أصبحت بعض البلاد العربية بالفعل، أرحاما كبيرا، تتمخض عن العنف والعنيفين، وابتدأ ذلك العنف يسافر، ليضع بذرة هنا وبذرة هناك، ولا أظنها بذور، ستحترق وينتهي أمرها.
مجددا وعند كل حادث كبير، أنادي بالتنوير، بالتوعية، بانقلاب الناس المعتدلين إلى أدوات تنوير حقيقي، تذكر بالقيم والأخلاق وبما حرم الله سبحانه وتعإلى على عباده، وما حلل لهم، ولنا في الرسول عليه الصلاة والسلام، أسوة حسنة. التنوير الواعي قد ينتزع بذرة العنف من الصدور التي تحملها، وفي أسوأ الأحوال قد يقلل من إمكانية نموها وغليانها المستقبلي. كنت قد شخصت الحالة المرضية للطفل الصغير، صاحب القبضة المكورة، وأنا واجم وقبل أن أمد وصفة العلاج للأم، فوجئت بالطفل، يقفز من مكانه ويشدني من قميصي بقوة وهو يضحك. وأيضا ابتسمت الأم بابتسامة أعرض، وذهبت، وكان في حلقي آلاف من الكلمات لكني لم أقل أي كلمة.
روائي سوداني
أمير تاج السر
- Get link
- Other Apps
Comments
Post a Comment