في تهافت حداثية التلاميذ غير النجباء
(وعود القران وادعاءات الحداثيين)
د. محمد المجذوب
(وعود القران وادعاءات الحداثيين)
د. محمد المجذوب
إن منطقة الخلاف الرئيسة مع تأويلية "الحداثة" وما بعد الحداثة، تكمن التعريف بالحقيقة نفسها، فبوصف الحقيقة قارة في الوحي القرآني ننتهي التأويلية السياقية، إلى مفهوم "الاقتراب بهدف التماهي العقلي مع دلالة "الحق" في الوحي القرآني لننال الحقيقة ونمسك بها، لا كما تروج له تأويلات "الحداثة" التي تنتهي إلى معنى المطابقة التي معيارها الفهم ومحورها الذات وينبغي على المعنى الخارجي أن يتعدل وفق بنية الفهم بما هي بنية ذاتية.
إن ما نطرحه طبقاً لهذا الفقه لمعني التأويل، دعوة إلى تجاوز مفهوم التأويلي الحداثوي عند دعاة تلامذة الحداثة غير النجباء ، إذ الملاحظ أن تلك التي تراهن على التأويلية، مشاريع تتصف بالفوضى، والخلط، لأنها في المعني الأخير مشاريع تفكيكية، والتفكيكيون ينظرون إلى النص من خلال ثنائية الحياة والموت، ولكنهم لا يدركون أن المعنى القرآني ليس عرضه للموت لكونه خطاباً مطلقاً ومتجاوز، وهو لا يستنفذ أغراضه، فالمحكم فيه يفعل فعله في الواقع والمتشابه منه ينتظر دوره في مقبل الظروف والأيام.
هذا فضلاً على إنهم لا يبقون على حال واحدة، فالمعنى عندهم لا قيمة له، بل هو متهم حتى ينقضي "يموت" بحجة انه غير مناسب للزمان، وإذا ما "مات" حسب زعمهم فإنهم يعودا ليتحدثوا عن حقه في الحياة. وفي كل الأحوال فإنهم لا يقدمون إلا تحصيل الحاصل. وهكذا فان مناهج التأويل التفكيكية لا تحسن الإنصات لنبض الخطاب، بقدر ما تمارس لعبة "المراوغة"، فهي تتحدث عن الخطاب بالوكالة، وهي مراوغة لا ينطق فيها الخطاب بقدر ما يتم قمعه تحت سلطة مناهج جاهزة ومفروضة، مناهج عاجزة عن إمداد المتلقي بقواعد للتحليل والتفكير.
وقد أدى هذا المنحى التأويلي إلى عدِّ القرآن مصدراً رمزياً تستند إليه كل فرقة في دفاعها عن أفكارها وتصوراتها حتى ظهرت في فكرنا الإسلامي المعاصر آراء عدمية تؤكد قبول الوحي القرآني لكل التأويلات، ففي العصر الحاضر هيمنت التصورات الشكية، وتسربت إلى الفكر النقدي العربي مقولات الاستقلال الدلالي للخطاب، وانفتاحه لكل القراءات وحرية المتلقي في تحطيم سياق الخطاب لصالح سياق المتلقي.
والحق إن المستفيد الأول من هذا النوع من التأويل هو المتلقي، إذ انتقل الاهتمام من الخطاب إلى القارئ ومن الارتباط بالمعنى السياقي إلى الإيمان بالمعنى الذاتي ونسبيته الحادة. ليتم تحطيم السياق الخطابي والعقلي الذي تحاكم إليه التأويلات وتقوم مقامَه مرجعيات متعددة بتعدد الذوات المؤولة، وهي حالة فوضوية تسود لحظة انهيار الأسس العقلية المشتركة في الأمة، وتسود عندها النزعة الفردية، فتبدأ المذاهب الكبرى في الثقافة في التفكك ليحل محلها المذاهب الفردية، فيروح كل فرد ليختار لنفسه ما هو صالح وما هو غير صالح، مما يؤدي إلى الشطح والتناقض والعدم.
باعتبار أن دلالة الخطاب تتغير حسب الأحوال النفسية للقارئ الواحد، لا العكس، بحسب الفروق بين الأفراد وتبعاً للبيئات الثقافية والحضارات والعصور، وقد يأخذ الخطاب الواحد معاني مختلفة اختلافاً كلياً طبقاً لمراحل العمر الواحد، وطبقاً للتجارب المكتسبة حتى ليبدوا الخطاب متساوقاً وتابعاً لتطور الفرد في مراحل عمره، وكأنما المراد من مستويات الخطاب أن تتطابق وأعماق الشعور الإنساني مهما كان، فالخطاب إذاً حامل للخبرة، والقراءة خلق جديد له، واكتشاف لأبعاد ربما لم تكن مقصودة في تنزله الأول.
باعتبار أن دلالة الخطاب تتغير حسب الأحوال النفسية للقارئ الواحد، لا العكس، بحسب الفروق بين الأفراد وتبعاً للبيئات الثقافية والحضارات والعصور، وقد يأخذ الخطاب الواحد معاني مختلفة اختلافاً كلياً طبقاً لمراحل العمر الواحد، وطبقاً للتجارب المكتسبة حتى ليبدوا الخطاب متساوقاً وتابعاً لتطور الفرد في مراحل عمره، وكأنما المراد من مستويات الخطاب أن تتطابق وأعماق الشعور الإنساني مهما كان، فالخطاب إذاً حامل للخبرة، والقراءة خلق جديد له، واكتشاف لأبعاد ربما لم تكن مقصودة في تنزله الأول.
ولهذا فإن المؤول الذي لا يحتاج إلى فهم المعنى السياقي، فهو لا يذهب إلى تركيب وتحليل عقلي للخطاب ليفهم معانيه السياقي، بل هو يؤول الخطاب في غمضة عين يفهم معناه ويستعمله بوصفه حجةً، فالخطاب بهذا المعنى ليست له محكمات، بل هو مجموعة من المتشابهات يقرأ كل عصر فيها نفسه. ولأن عملية التأويل بهذا المعنى ليست سوى التطابق بين الخطاب باعتباره دلالة متشابهة أبداً ومتشكلة وفقاً لطبقات الشعور لدى المؤول، فإنه لا يوجد تأويل خاطئ بل يوجد تأويل قصدي.
سوي إن مثل هذه المداخل لا تصمد أمام النقد أمام نظرية التأويل السياقي، ذلك إن الوحي القرآني بوصفه خطاباً تداولياً عاماً للبشر على مدار التاريخ منذ لحظة نزوله إلى آخر الزمان، يحتم وجود محدد لعملية التأويل تعصم المعنى من الذوبان، وتحد من نفوذ القارئ في إملاء أهوائه وميوله على الخطاب، فالسياق الخطابي وكما يستطيع "الاقتراب" من أحسن التأويلات المطابقة للمراد الإلهي، فانه كذلك يستطيع تعيين التأويلات الخاطئة. فالمؤول وفق نظرية السياق لا يتخلى عن بنية الوحي القرآني ليكتب نصاً آخر بدلاً عنه فيقول شيئاً لا يقوله الوحي القرآني المدروس، فيحمله معاني لا يحتملها .
سوي إن مثل هذه المداخل لا تصمد أمام النقد أمام نظرية التأويل السياقي، ذلك إن الوحي القرآني بوصفه خطاباً تداولياً عاماً للبشر على مدار التاريخ منذ لحظة نزوله إلى آخر الزمان، يحتم وجود محدد لعملية التأويل تعصم المعنى من الذوبان، وتحد من نفوذ القارئ في إملاء أهوائه وميوله على الخطاب، فالسياق الخطابي وكما يستطيع "الاقتراب" من أحسن التأويلات المطابقة للمراد الإلهي، فانه كذلك يستطيع تعيين التأويلات الخاطئة. فالمؤول وفق نظرية السياق لا يتخلى عن بنية الوحي القرآني ليكتب نصاً آخر بدلاً عنه فيقول شيئاً لا يقوله الوحي القرآني المدروس، فيحمله معاني لا يحتملها .
وعلينا – والحال على هذا- أن نتمسك وبوعي بالسياق، لأنه الأكثر من غيره من مداخل التأويل التصاقاً ببينة الخطاب، ولهذا علينا أن نأخذ الوحي القرآني بصفته مؤشراً على تأويلاته الخاصة به. ففعل القراءة وفقاً لنظرية السياق يمكنه الانطلاق من جانب من الوحي القرآني، متوحداً مع أي جانب آخر في الخطاب، بل ومتوحداً بجانب الوحي القرآني في مجموعه، فكل ذلك فعل وتأويل مشروع، لأنه رهان على الخطاب نفسه ليؤول نفسه بنفسه، انه عملية استنطاق للخطاب لا تفكيك وتذويب له.
إذ أن نظرية السياق في تأويل الوحي القرآني تخضع لضوابط محددة بدقة، فلا تنفلت العملية التأويلية عن جملة القواعد والمسلمات السياقية، ووظيفتها أي الضوابط الحد من سلطة المؤول وخلق توحد خلاق بين بنية الخطاب ومراد الله تعالى وعشم المتلقي في الهداية، فالمؤول هنا يساءل الخطاب ولا يساءل نزواته الذاتية، في جدلية خلاقة بين التقوى والتدبر الحر في كتاب الله الكريم.
وعلى هذا فإننا هنا لا نتحدث عن عقل بديل عن الخطاب، فحينما ننفتح على التأويل السياقي ، فإننا نضخم من الخطاب، فنحن نصيون بامتياز، لأننا نحسن الإنصات للخطاب، ولكن هؤلاء الذين يدعون إلى الالتزام بالفهم الذاتي للخطاب ويدعون إلى إيقاف الاجتهاد بحجة أن الخطاب غير قابل للتأويل، هؤلاء يحاصرون الخطاب. أي أن دعاة الالتزام بالهرمنطقيا ليسوا أنصاراً حقيقيين للخطاب، بل هم أعداءه الحقيقيون، وفي ذلك تجاوز لدعوة التفكيكية، القاضية بقراءة الخطاب وفقاً لأحوال القارئ ومزاجيته ، و طرد السياق كأداة للتأويل نهائياً.
Comments
Post a Comment