في ترقيم النصّ القرآني
منصف الوهايبي
«الخطاب المنقول» أو«حكاية القول» أو«الإخبار عن القول» كما سمّاه قدماء البلاغيّين والمفسّرين؛ باب في النحو، وظاهرة أدبيّة فنّيّة، لم نجد من عُنِيَ بها عند العرب المعاصرين. ولعلّ الأردني عمر يوسف عكاشة، من قلّة تفطّنت إلى خلوّ النحو العربي، من هذا المبحث. ومردّ هذا النقص في تقديره، إلى أنّ النحاة العرب القدامى صرفوا عنايتهم إلى نحو الجملة، وليس إلى النصّ أو الخطاب، وإلى النصوص الأدبيّة الفنيّة، وليس إلى «لُغَةِ الحديثِ اليومِيِّ النفعِيِّ الشفاهِيَّةِ» بعبارته؛ وهي التي تتجلّى فيها عمليّة نقل الكلام أكثر ما تتجلّى. وعلى ما في هذا الكلام من وجه صواب؛ فإنّ الباحث لم يحكم التمييز بين «شفهيّ» و»كتابيّ» في التراث العربي الإسلامي، ولم يستثمر المادّة النحويّة التراثيّة التي تتعلّق بهذا المبحث؛ على عميق درايته بها. ونعني تلك التي كان مدارها على الفعل «قال»؛ كما هو الشأن عند سيبويه في باب (الأفعال التي تُستَعْمَل وتُلغى) و»قُلتُ»التي تقع في كلامِ العربِ على أنْ يُحكى بها. وتوظيف ابنُ جنّيّ هذا النصَّ؛ في سياق كلامه على ما كانَ مِن الألفاظِ قائماً برأسِه، مستقِلا بمعناه، وأنَّ القول بخلافِ ذلك. وهي إشارة ذكيّة منه، التقطها من سيبويه؛ بيْدَ أنّه لم يدفع بها قُدُما، في إبراز الفروق بين القول والكلام، وحكاية الكلام أو حكاية القول التي نبّه إليها عبد القاهر الجرجاني في «دلائل الإعجاز» والنقل باللفظ، والنقل بالمعنى.
ويدعو الباحث إلى اعتماد مصطلحيْ «الحكاية» و»الإخبار» اللذين يكافئان في تقديره المصطلحين الأجنبيّين
ـ الحكاية أو حكاية الكلام Direct Speech
ـ الإخبار Indirect Speech
وهو ما نشاطره فيه الرأي. غير أنّنا نؤثِرـ استئناسا بمدوّنة التفسير ـ مصطلح» الإخبار عن القول».
أمّا «حكاية القول» فخطابٌ ينزع إلى الإيهام بـ»الواقع» أو»الموضوعيّة»، أو هو يتيح تقديم الخبر بـ»حياد».
ولا يخفى أنّه الشكل المستخدم في نقل كلام الآخر؛ حتى أنّنا لا نتردّد في اعتباره أقرب ما يكون إلى «ترجمة طبق الأصل»؛ أو هكذا يوهمنا الخطاب القصصي «الإقناعي» الذي يحتفظ لكلام الشخصيّة ببنيتها النحويّة أو التركيبيّة. ولا يخفى أنّه ليس كذلك في القرآن؛ فهذا الخطاب يرد محكوما ببنية إيقاعيّة خاصّة مردّها إلى الفاصلة القرآنيّة أساسا.
ويفقد «الإخبار عن القول» استقلاله النحوي؛ وينشأ من حيث هو جملة مدارها على معنى من معاني»قال» أو»فكّر» ومشتقّاتهما. وهو في القصص القرآني مندمج في الخطاب الذي ينضوِي إليهِ؛ كلّما كانت حكايةٌ، وكان حوارٌ. ولكن تسِمُهُ «قطيعة تلفطيّة» كلّما نزع الخطاب إلى الموعظة والعبرة.
على أنّ الباحث لم يلتفت إلى نمط ثالث هو» الإخبار بتصرّف» وهو اقتراح منّا، نجده يوائم المصطلح: Le discours indirect libre، وهذا النمط مطّرد في النصوص الأدبيّة؛ ناهيك عن القرآن. وقلّما وقفنا عليه في اللسان المتداول أو اللغة المحكيّة. وهو يتيح للمؤلّف (الروائي) أن يتحرّر من المثال المسرحي الذي يلزمة مراعاة «المحاكاة» أو «التعبير الإيمائي»؛ أي ما هو راجع إلى «حكاية القول» أو «حكاية الكلام». ونرجّح أنّه الغالب في القصص القرآني حيث تنقل الذات المتلفّظة، كلام الشخصيّات والأفكار المتسلّطة عليها، بواسطة «شكل» خاصّ يوائم الحكاية تماما؛ ومثال ذلك سورة يوسف.
وهذا وغيره ممّا ينبغي أن تنهض به «القرآنيّات» الحديثة، يستدعي في تقديرنا؛ إعادة ترقيم النصّ القرآني، باستخدام علامات الوقف الحديثة، وأن نحتفظ له في الآن نفسه، بعلاماته المأثورة أي تلك المتعلّقة بـ»لحظات الوقف» التي تتيح تلاوته على نحو مخصوص؛ كما أشرنا في مقالنا عن»ترجمة القرآن إلى اللغات المحلّيّة». ولا نحبّ هاهنا أن نخوض في مصطلح «ترجمة المعاني»، وهي استئناف كلام جديد، بعبارة عبد القاهر، وليست ترجمة؛ لأنّ «المعاني» تستدعي فهما وتفسيرا وتأويلا، والقرآن «حمّال أوجه» كما يقول الإمام علي، فعلى أيّ وجه نترجم؟ وكيف؟ أو أيّ تفسير نعتمد عند ترجمة المعاني؟
نقترح إذن اعتماد الترقيم الحديث؛ لأنّه سيمكّننا من إعادة قراءة النصّ القرآني، فنميّز «الكلام الإلهي» أو الذي تتكلّم فيه الذات الإلهيّة، من الكلام المسند إلى البشر أو الحيوان أو الكائنات الغيبيّة. من ذلك مثلا أنّ الآيات الآتية من سورة يوسف؛ وقد رقّمناها الترقيم المعروف منذ ظهور الطباعة؛ توقفنا على أنّ وصف النساء بـ»الكيد العظيم»، وصف بشريّ، أو كلام بشريّ، وليس كلام الذات الإلهيّة؛ إذ الكلام (حكاية القول) مُسندٌ إلى العزيز زوج زليخة أو «راعيل» كما هو عند الطبري:
«وَاسْتَبَقَا الْبَابَ، وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِن دُبُرٍ؛ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ. قَالَتْ: «مَا جَزَاء مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا؟ إِلاَّ أَن يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أليمٌ
قَالَ: هِيَ رَاوَدَتْنِي عَن نَّفْسِي. وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّنْ أَهْلِهَا إِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن قُبُلٍ، فَصَدَقَتْ؛ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ
وإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ، فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِن الصَّادِقِين»
وقسْ على هذا آيات أخرى كثيرة، يُسند فيها الكلام إلى الملائكة والشيطان، وإلى الإنسان والحيوان؛ من شأن الترقيم الحديث أن يمكّن من قراءتها قراءة سياقيّة، وأن يجلوَها في مجلى أوضح. من ذلك مثلا:
ـ وضع نقطة التعجّب في نهاية الجملة التعجّبيّة بعد حروف أو أصوات التعجّب أو تلك التي تعبّر عن مفاجأة.
ـ وضع علامة الاستفهام في نهاية الجملة الاستفهاميّة.
ـ وضع الأقواس لعزل كلمة أو مجموع كلمات. وهي تتعلّق عادة بتفسير عبارة، أو بتعقيب أو تعليق دون رابط من تركيب نحوي مع باقي الجملة. وربّما كان من الأفضل عدم الإكثار منها؛ حتى لا تتسبّب في تقطّع الكلام، وفي تعقيد قراءته وفهمه. وفي القرآن يمكن أن نقتصر على آيات أو أجزاء من آيات. ولا ينبغي أن ننسى وضع النقطة داخل الأقواس؛ كلّما انتهى التعليق.
ـ وضع المطّة كلّما تعلّق الأمر بحوار، وهي تدلّ على تغيّر المحاور. ويمكن أن تؤطّر جملة ينبغي نقلها كما هي، أو جزءا منها. وهي تؤدّي الدور نفسه الذي تؤدّيه الأقواس او الأهلّة.
ويمكن لمن أراد ان يختصرها، أن يشير إلى القسم المحذوف من النص أو الشاهد؛ بالمعقوفين[...].
ـ وضع المزدوجتين أو علامات التنصيص. وهي تؤطّر كلمات أو عبارت شخص ما(شاهد). ويمكن أن نقدّم للمزدوجتين، بنقطتين؛ في سياق الخطاب المباشر. (وإذ قال يوسفُ لأبيه:»يا أبتِ»)… ولنا في القرآن أن نستخدم المزدوجتين لإبراز كلمة أو عبارة غير مألوفة أو هي غير معهودة أو هي من الغريب. ومثال ذلك: غسلين، الرقيم، كلالة، مبلسون، أخبتوا، حصحص، المسجور، قمطـرير، عسعس، سجيل، الناقور، فاقرة، استبرق، مدهامتان…
ـ وضع النقطتين: للتعداد، أو للتسير، أو للشاهد أو للخطاب المنقول.
ـ وضع الفاصلة للدلالة على وقفة قصيرة، دون أن تكون النبرة قد تغيّرت أي نغم الترتيلة في السياق الذي نحن به، وتستعمل أيضا للتعداد، أو للفصل بين كلمات أو مجموع كلمات من جنس واحد أو جمل متجاورة أو جمل مترابطة. ونحن نقترح استعمال الفاصلة في القرآن، حتى وإن كانت حروف الجرّ يمكن أن تنوب منابها. والمسوّغ لذلك أنّ لحرف «الواو» جملة من المعاني، قد لا تتّضح، إن نحن أغفلنا هذه الفاصلة؛ خاصّة أنها يمكن أن تنوب مناب روابط النسق(وـ أو ـ لكن…).
ـ وضع الفاصلة والنقطة للدلالة على وقفة أهمّ من الفاصلة وحدها حيث الصوت لا ينخفض إلاّ قليلا. وهي تفيد أيضا في الفصل بين جمل أو عبارات، رابطها محدود أو هو ضعيف. وتستخدم كلّما افتتحت الجملة الموالية بظرف أو حال.
تترتّب عمّا تقدّم أمور عدّة، لعلّ من أوكدها ما كان ينادي به بعض الباحثين، في النّصف الأوّل من القرن الماضي، من ضرورة إعادة ترتيب المصحف. فقد كتب زكي مبارك عام1935 في تقريظ «القرآن المفهرس»، وتحديدا «تفصيل آيات القرآن الحكيم» وهو العنوان الذي تخيّره محمّد فؤاد عبد الباقي ترجمة لكتاب جول لابوم(«القرآن المفهرس»Jules Labaume, Le Coran Analysé، مصر 1935). وصدور هذا الكتاب أنقذني من ورطة كنت معرّضا لعواقبها المضجرة. فقد فكّرت منذ أعوام في الدّعوة إلى ترتيب المصحف ترتيبا جديدا يساير موضوعات القرآن.
وكنت أخشى الاصطدام بالرّأي العام الذي لا يقبل تغييرا للتّرتيب الذي جرت عليه المصاحف منذ عهد عثمان. وكانت حجّتي أنّ المصحف رتّب بعد وفاة الرّسول، فليس من المحتوم أن يبقى على ترتيب واحد طول الزمان. أمّا الآن فقد استغنيت عن هذا المشروع بفضل هذا الكتاب. فالمصحف للتّلاوة، وهذا للبحث…
ويدعو الباحث إلى اعتماد مصطلحيْ «الحكاية» و»الإخبار» اللذين يكافئان في تقديره المصطلحين الأجنبيّين
ـ الحكاية أو حكاية الكلام Direct Speech
ـ الإخبار Indirect Speech
وهو ما نشاطره فيه الرأي. غير أنّنا نؤثِرـ استئناسا بمدوّنة التفسير ـ مصطلح» الإخبار عن القول».
أمّا «حكاية القول» فخطابٌ ينزع إلى الإيهام بـ»الواقع» أو»الموضوعيّة»، أو هو يتيح تقديم الخبر بـ»حياد».
ولا يخفى أنّه الشكل المستخدم في نقل كلام الآخر؛ حتى أنّنا لا نتردّد في اعتباره أقرب ما يكون إلى «ترجمة طبق الأصل»؛ أو هكذا يوهمنا الخطاب القصصي «الإقناعي» الذي يحتفظ لكلام الشخصيّة ببنيتها النحويّة أو التركيبيّة. ولا يخفى أنّه ليس كذلك في القرآن؛ فهذا الخطاب يرد محكوما ببنية إيقاعيّة خاصّة مردّها إلى الفاصلة القرآنيّة أساسا.
ويفقد «الإخبار عن القول» استقلاله النحوي؛ وينشأ من حيث هو جملة مدارها على معنى من معاني»قال» أو»فكّر» ومشتقّاتهما. وهو في القصص القرآني مندمج في الخطاب الذي ينضوِي إليهِ؛ كلّما كانت حكايةٌ، وكان حوارٌ. ولكن تسِمُهُ «قطيعة تلفطيّة» كلّما نزع الخطاب إلى الموعظة والعبرة.
على أنّ الباحث لم يلتفت إلى نمط ثالث هو» الإخبار بتصرّف» وهو اقتراح منّا، نجده يوائم المصطلح: Le discours indirect libre، وهذا النمط مطّرد في النصوص الأدبيّة؛ ناهيك عن القرآن. وقلّما وقفنا عليه في اللسان المتداول أو اللغة المحكيّة. وهو يتيح للمؤلّف (الروائي) أن يتحرّر من المثال المسرحي الذي يلزمة مراعاة «المحاكاة» أو «التعبير الإيمائي»؛ أي ما هو راجع إلى «حكاية القول» أو «حكاية الكلام». ونرجّح أنّه الغالب في القصص القرآني حيث تنقل الذات المتلفّظة، كلام الشخصيّات والأفكار المتسلّطة عليها، بواسطة «شكل» خاصّ يوائم الحكاية تماما؛ ومثال ذلك سورة يوسف.
وهذا وغيره ممّا ينبغي أن تنهض به «القرآنيّات» الحديثة، يستدعي في تقديرنا؛ إعادة ترقيم النصّ القرآني، باستخدام علامات الوقف الحديثة، وأن نحتفظ له في الآن نفسه، بعلاماته المأثورة أي تلك المتعلّقة بـ»لحظات الوقف» التي تتيح تلاوته على نحو مخصوص؛ كما أشرنا في مقالنا عن»ترجمة القرآن إلى اللغات المحلّيّة». ولا نحبّ هاهنا أن نخوض في مصطلح «ترجمة المعاني»، وهي استئناف كلام جديد، بعبارة عبد القاهر، وليست ترجمة؛ لأنّ «المعاني» تستدعي فهما وتفسيرا وتأويلا، والقرآن «حمّال أوجه» كما يقول الإمام علي، فعلى أيّ وجه نترجم؟ وكيف؟ أو أيّ تفسير نعتمد عند ترجمة المعاني؟
نقترح إذن اعتماد الترقيم الحديث؛ لأنّه سيمكّننا من إعادة قراءة النصّ القرآني، فنميّز «الكلام الإلهي» أو الذي تتكلّم فيه الذات الإلهيّة، من الكلام المسند إلى البشر أو الحيوان أو الكائنات الغيبيّة. من ذلك مثلا أنّ الآيات الآتية من سورة يوسف؛ وقد رقّمناها الترقيم المعروف منذ ظهور الطباعة؛ توقفنا على أنّ وصف النساء بـ»الكيد العظيم»، وصف بشريّ، أو كلام بشريّ، وليس كلام الذات الإلهيّة؛ إذ الكلام (حكاية القول) مُسندٌ إلى العزيز زوج زليخة أو «راعيل» كما هو عند الطبري:
«وَاسْتَبَقَا الْبَابَ، وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِن دُبُرٍ؛ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ. قَالَتْ: «مَا جَزَاء مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا؟ إِلاَّ أَن يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أليمٌ
قَالَ: هِيَ رَاوَدَتْنِي عَن نَّفْسِي. وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّنْ أَهْلِهَا إِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن قُبُلٍ، فَصَدَقَتْ؛ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ
وإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ، فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِن الصَّادِقِين»
وقسْ على هذا آيات أخرى كثيرة، يُسند فيها الكلام إلى الملائكة والشيطان، وإلى الإنسان والحيوان؛ من شأن الترقيم الحديث أن يمكّن من قراءتها قراءة سياقيّة، وأن يجلوَها في مجلى أوضح. من ذلك مثلا:
ـ وضع نقطة التعجّب في نهاية الجملة التعجّبيّة بعد حروف أو أصوات التعجّب أو تلك التي تعبّر عن مفاجأة.
ـ وضع علامة الاستفهام في نهاية الجملة الاستفهاميّة.
ـ وضع الأقواس لعزل كلمة أو مجموع كلمات. وهي تتعلّق عادة بتفسير عبارة، أو بتعقيب أو تعليق دون رابط من تركيب نحوي مع باقي الجملة. وربّما كان من الأفضل عدم الإكثار منها؛ حتى لا تتسبّب في تقطّع الكلام، وفي تعقيد قراءته وفهمه. وفي القرآن يمكن أن نقتصر على آيات أو أجزاء من آيات. ولا ينبغي أن ننسى وضع النقطة داخل الأقواس؛ كلّما انتهى التعليق.
ـ وضع المطّة كلّما تعلّق الأمر بحوار، وهي تدلّ على تغيّر المحاور. ويمكن أن تؤطّر جملة ينبغي نقلها كما هي، أو جزءا منها. وهي تؤدّي الدور نفسه الذي تؤدّيه الأقواس او الأهلّة.
ويمكن لمن أراد ان يختصرها، أن يشير إلى القسم المحذوف من النص أو الشاهد؛ بالمعقوفين[...].
ـ وضع المزدوجتين أو علامات التنصيص. وهي تؤطّر كلمات أو عبارت شخص ما(شاهد). ويمكن أن نقدّم للمزدوجتين، بنقطتين؛ في سياق الخطاب المباشر. (وإذ قال يوسفُ لأبيه:»يا أبتِ»)… ولنا في القرآن أن نستخدم المزدوجتين لإبراز كلمة أو عبارة غير مألوفة أو هي غير معهودة أو هي من الغريب. ومثال ذلك: غسلين، الرقيم، كلالة، مبلسون، أخبتوا، حصحص، المسجور، قمطـرير، عسعس، سجيل، الناقور، فاقرة، استبرق، مدهامتان…
ـ وضع النقطتين: للتعداد، أو للتسير، أو للشاهد أو للخطاب المنقول.
ـ وضع الفاصلة للدلالة على وقفة قصيرة، دون أن تكون النبرة قد تغيّرت أي نغم الترتيلة في السياق الذي نحن به، وتستعمل أيضا للتعداد، أو للفصل بين كلمات أو مجموع كلمات من جنس واحد أو جمل متجاورة أو جمل مترابطة. ونحن نقترح استعمال الفاصلة في القرآن، حتى وإن كانت حروف الجرّ يمكن أن تنوب منابها. والمسوّغ لذلك أنّ لحرف «الواو» جملة من المعاني، قد لا تتّضح، إن نحن أغفلنا هذه الفاصلة؛ خاصّة أنها يمكن أن تنوب مناب روابط النسق(وـ أو ـ لكن…).
ـ وضع الفاصلة والنقطة للدلالة على وقفة أهمّ من الفاصلة وحدها حيث الصوت لا ينخفض إلاّ قليلا. وهي تفيد أيضا في الفصل بين جمل أو عبارات، رابطها محدود أو هو ضعيف. وتستخدم كلّما افتتحت الجملة الموالية بظرف أو حال.
تترتّب عمّا تقدّم أمور عدّة، لعلّ من أوكدها ما كان ينادي به بعض الباحثين، في النّصف الأوّل من القرن الماضي، من ضرورة إعادة ترتيب المصحف. فقد كتب زكي مبارك عام1935 في تقريظ «القرآن المفهرس»، وتحديدا «تفصيل آيات القرآن الحكيم» وهو العنوان الذي تخيّره محمّد فؤاد عبد الباقي ترجمة لكتاب جول لابوم(«القرآن المفهرس»Jules Labaume, Le Coran Analysé، مصر 1935). وصدور هذا الكتاب أنقذني من ورطة كنت معرّضا لعواقبها المضجرة. فقد فكّرت منذ أعوام في الدّعوة إلى ترتيب المصحف ترتيبا جديدا يساير موضوعات القرآن.
وكنت أخشى الاصطدام بالرّأي العام الذي لا يقبل تغييرا للتّرتيب الذي جرت عليه المصاحف منذ عهد عثمان. وكانت حجّتي أنّ المصحف رتّب بعد وفاة الرّسول، فليس من المحتوم أن يبقى على ترتيب واحد طول الزمان. أمّا الآن فقد استغنيت عن هذا المشروع بفضل هذا الكتاب. فالمصحف للتّلاوة، وهذا للبحث…
منصف الوهايبي
- Get link
- Other Apps
Comments
Post a Comment