لفتت الفضيحة التي تفجرت في الفيفا خلال الأسابيع القليلة الماضية الاهتمام الى أقوى هيئة لكرة القدم في العالم، وقد أسفرت هذه الفضيحة عن اعتقال سبعة 7 مسؤولين من الفيفا في سويسرا واستقالة رئيسها جوزيف بلاتير. تلك بعض القضايا التي يتناولها طوني تروب في المقال التالي.
كي نفهم العوامل التي أدت إلى هذه الأحداث علينا أن نعود إلى كيفية تشكل هذه المنظمة. لقد تأسست هذه الأخيرة عام 1904 للإشراف على المنافسة الدولية بين مختلف جمعيات كرة القدم الأوروبية، ومع مرور الوقت، توسعت حتى صار لها الآن 209 جمعية وطنية. وهي المسؤولة عن تنظيم بطولات كرة القدم الكبرى لاسيما كأس العالم (منذ 1930) وكأس العالم للسيدات الذي ابتدأ سنة 1991.
اشتغلت الفيفا في سنواتها الأولى كناد للهواة يعمل بميزانية مالية صغيرة، وفي وقت متأخر من بداية السبعينات كانت لا تزال كصنعة بعدد قليل من الموظفين بدوام كامل. تغير هذا الحال عام 1974 عندما فاز جواو هافيلانج(وهو رئيس اتحاد كرة القدم البرازيلي) برئاسة الفيفا على حساب منافسه الانكليزي السير ستانلي راوس في انتخابات كانت حامية الوطيس. فاز هافيلانج بهذه الانتخابات بعد حشده لأصوات جمعيات كرة القدم في الدول الحديثة الاستعمار في كل من أفريقيا والكاريبي وآسيا، التي تم تجاهل أعضاءها من قبل الأوروبيين الذين سيطروا في السابق على الفيفا. ومثلما قدم لهم الاحترام قدم لهم كذلك المزيد من الأماكن في بطولة كأس العالم والمزيد من المقاعد في اللجنة التنفيذية للفيفا.
ازدادت عائدات الفيفا بعدما أصبح عالم كرة القدم تجاريا بشكل متزايد، حيث تجاوزت 1.3 مليار دولار 2013 وبربح صاف قدره 72 مليون دولار. وتضم قائمة رعاتها شركات عالمية رئيسية مثل ماكدونالدز وفيزا.
كان محتما مع الزيادة الهائلة في النفوذ المالي للفيفا أن يمهد ذلك الطريق أمام الفساد. فخلال الفترة التي قضاها هافيلانج في الفيفا حول نظام التبادل والرعاية(التي تغذيها القيمة التصاعدية لكأس العالم) إلى شكل من أشكال الفن.
في الواقع كانت هناك إشاعات على مدى سنوات عدة عن فساد كبير داخل المنظمة، فالفيفا تسير مثل معظم الأندية الخاصة مع قليل من المحاسبة العامة. وفي سنة 2010 زعم فيلم وثائقي شامل أن ثلاثة مسؤولين رسميين كبار من الفيفا تلقوا رشاوى ضخمة من شريك الفيفا التسويقي، “آي.إل.إس” ( International Sports Leisure ) ما بين 1989 و1999 والذي فشلت الفيفا في التحقيق حوله. وصرح مسؤول تنفيذي سابق في ISL “آي.إل.إس” عن شكوكه بأن الآي.إل.إس. حصلت على العقود بفعل الرشاوي.
وزعم البرنامج أيضا أن الفيفا تطلب من الدول طلبا للعروض ضروريا لتنفيذ قوانين خاصة بكأس العالم، بما في ذلك الإعفاء الضريبي للفيفا ورعاتها، والحد من حقوق العمال. بقيت عملية طلب العروض هذه سرا إلى أن كشفت عنها الحكومة الهولندية لأنها رفضت أن توافق على هذه الشروط عند تقديم طلبها. ومع التسريبات الأخيرة، يزعم أيضا أن جنوب إفريقيا دفعت لأحد كبار التنفيذيين في الفيفا جاك وارنر (رئيس اتحاد كرة القدم الكاريبي وأمريكا الوسطى) 10 ملايين دولار للتأثير في انتخابات كأس العالم لسنة 2010 (تحت قناع منحة لمنطقة الكاريبي).
يجب أن ينظر إلى تطورات أوضاع الفيفا في سياق دعمها المقدم لجعل كرة القدم رياضة عالمية حقا. أثناء رئاسة بلاتر،استثمرت الفيفا ملايين الدولارات في البنية التحتية ومشاريع في كل من أفريقيا وآسيا، هذا ما يفسر الدعم الكبير الذي يتلقاه من هذه المناطق. بالطبع هذه عملية فاسدة إلى حد كبير، وصناع القرار يعرفون تماما أن الملاعب العملاقة بعد كأس العالم، مصيرها كالفيلة البيضاء التي بقيت بدون استعمال.
استضافت جنوب أفريقيا كأس العالم سنة 2010 والبرازيل العام الماضي، ومن المقرر أن تستضيفه روسيا سنة 2018 وقطر سنة 2022. هذا يعني أن ألمانيا كانت سنة 2006 آخر دولة غربية استضافت كأس العالم. بينما كانت بريطانيا والولايات المتحدة يائستين لاستضافة بطولتي 2018 وفي 2022 على التوالي، ولكن فازت روسيا وقطر.
ولذلك، يبدو أنهما يريدان حالة يمكن فيها عكس الأمور. من ثم قامت السلطات السويسرية (بتعاون مع FBI وبعض الصحفيين) بالهجوم على كبار مسؤولي الفيفا وذلك لوضع المنظمة في وضع حرج. حاولت الولايات المتحدة كسب دول أمريكا اللاتينية الى اللعبة، ولكن هذا التحرك الأخير نفرهم منها ونتجت عنه نتائج عكسية سيئة.
لقد كانت هناك حملة منظمة للضغط على المندوبين للتصويت لصالح المرشح الأردني للرئاسة، والذي كان يعتبر المرشح الموالي للغرب الأكثر مرونة. كما طالبت الدول الغربية أيضا بمراجعة نظام التصويت القائم عل كل دولة تساوي صوتا لأنه يمنح سلطة أكبر للدول الأقل قوة (صرح جريج دايك رئيس اتحاد كرة القدم الإنجليزية بهذه الدعوة).
مع استمرار روسيا تحت العقوبات الاقتصادية الغربية إثر سيطرتها على القرم، تواصل الولايات المتحدة بحرص الضغط على موسكو لحرمانها من فرصة استعراض قوتها الناعمة لجمهور التلفزيون العالمي الذي يزيد عن مليار شخص.
بالإضافة إلى ذلك، هناك أموال هامة على المحك. فكأس العالم هو الحدث الرياضي الأكثر ربحا في العالم، متفوقا حتى على الألعاب الأولمبية. لقد جلبت الدورات التأهيلية والمباراة النهائية لمونديال 2014 ما يعادل 4.8 مليار دولار ليخلق ذلك، على مدى أربع سنوات، صورة إيجابية عن البلاد بالنسبة لملايين من الزوار الأجانب. سيؤدي دعم مماثل للاقتصاد الروسي لتحسين صورة روسيا في العالم، ويبطل بالتالي جهود الغرب لعزل روسيا عن المجتمع الدولي.
يعاني العمال المهاجرون بشكل رهيب في بناء المرافق استعدادا لمونديال قطر 2022. وهم ينحدرون بالأساس من دول جنوب آسيا، وتشير تقارير إلى مقتل المئات منهم جراء ظروف العمل غير الآمنة، وأغلب الحالات منهم بفعل الحرارة الشديدة. هذه هي الفضيحة الكبرى التي ينبغي أن تكشفها الحركة العمالية،لا ينبغي أن ننخدع بدموع تماسيح الدول الغربية التي استيقظت فجأة بفعل هذا، حينما وافق ذلك مصالحها.
على الاشتراكيين-ات أن يقوموا بحملة من أجل فيفا ديمقراطية، وشفافة تمثل فعلا المصلحة العامة. كما يجب كشف مؤامرات بلاتر وشركاؤه، لكن دون تجاهل نفاق المصالح الغربية التي عزلت الرئيس السابق.
تعريب، ح.شي.
Comments
Post a Comment