إله العهد القديم، هل هو إله ظالم؟ شبهة والرد عليها
يسأل عدد كبير من الأصدقاء قائلين: نجد صعوبة كبيرة في فهم كلام الرب: ((لآنَّ أَنَا الرًّبَّ إِلهَكَ إِلهُّ غَيُورٌ. أّفُتَقِدُ ذُنُوبَ الآبَاءِ فِي الأبنَاءِ فِي الجِيِل الثَّالِثِ وَالرَّابعِ مِنْ مُبْغِضِيَّ)) (خر 5:20). وقد كرر الرب هذه الكلمات أكثر من مرة (راجع: خر6:34-7؛ تث 5:9). فأين العدالة؟ وما هو ذنب الابناء والاحفاد حتى يعاقبهم الرب؟
وللإجابة على هذا السؤال أقول:
عندما ندرس كلمة الله بعمق سنجد الملاحظات الآتية:
- عدالة الشريعة المدنية
عندما أعطى الله موسى الشريعة المدنية لتنظيم المجتمع اليهودي قال له: ((لاَ يُقْتَلُ الآباء عَنِ الأولاد وَلاَ الاَوْلاَدُ عَنِ الآبَاءِ. كُلُّ إِنْسَانٍ بِخَطيَّتِهِ يُقْتَلُ)) (تث 16:24). هنا نجد العدالة. فما ذنب الابن حتى يقتل بسبب خطية أرتكبها أو العكس!
وهذا ما نفَّذه الملك أَمَصْيَا بْنُ يُؤآشَ مَلِكِ يَهُوذَا الذي كان ملكا تقياً. فنقرا الاتي: ((وَلَمَا تَثَبَتِ الْمَمْلَكَةُ بِيَدِهِ، قتَلَ عَبِيدَهُ الَّذِينَ قَتَلُوا الملك أّبَاهُ. وَلكِنَّهُ لَمْ يَقْتُلَ أّبنَاءَ الْقاتِلينَ حَسَبَ مَا هُوَ مَكْتُوبٌ فِي سِفْرِ شَرِيعَةِ مُوسَى، حَيْثُ أَمَرَ الرَّبُّ قائلِاً: ((لاَ يُقْتَلُ الآبَاءُ مِنْ أّجْلِ الْبَنِينَ. وَالبَنُونَ لاَ يُقْتَلُونَ مِنْ أَجْلِ الاَباءِ. إِنَّمَا كُلُّ إِنْسَانٍ يُقْتَلُ بِخَطِيَّتِهِ)) (2مل 6:14).
أن عقاب الابن على جريمة أرتكبها الآب أو العكس شيء لا يقبله العقل أو المنطق، تخيل أن قاضي المحكمة يحكم على طفل بالإعدام لآن أبيه قتل شخص عمداً!!! أليس هذا جنون؟
- عدالة القانون السماوي
إن كان الله يدين الظلم. ويطلب البر والحق والعدالة في القانون الارضي فهل يكون القانون السماوي ظالماً؟ كلا. لقد كان أحد الامثال الشائعة في تلك الفترة بين شعوب الديانات الوثنية والحضارات القديمة ((الآباءُ أَكَلُوا الْحِصْرِمَ وأسْنَانُ الأبناء ضَرِسَتْ))، ولكننا نجد الرب يدخل في حوار مع شعبه لكي يريحهُ من كل جوانب ويطمئن قلبه ولا يجعله يقلق من جهة هذا الاعتقاد. وحتى يمكن أن يواجه الحياة بتفاؤل وإشراقة أمل. فقال لهم على فم حزقيال النبي: ((مَا لَكُمْ أَنْتُمْ تَضْرِبُونَ هذاَ اَلْمَثَلَ عَلَى أَرْضِ إِسْرَائيلَ. قائلين: الاَبَاءُ أّكَلُوا الْحِصْرِمَ وَأَسْنَانُ الأبْنَاءِ ضَرِسَتْ؟ حيًّ آَنَا. يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ. لا يكون لَكُمْ مِنْ بَعْدُ أَن تَضْرِبُوا هذَا الْمَثَلَ فِي إِسْرَائيلَ. هَا كُلُّ النُّفُوسِ هِيَ لِي. نَفْسُ الأَبِ كَنَفْسِ الأبْنِ. كِلاَهُمَا لِي. النَّفْسُ اَّلتِي تخطئ هِيَ تَمُوتُ)) (حز 1:18-5). وكرر نفس الشيء على لسان أرميا قائلاً: ((لاَ يَقُولُونَ بَعْدُ: الآباء أّكَلُوا حِصْرِماً. وَأَسْنَانُ الأبناء ضَرِسَتْ. بَلْ كُلُّ وَاحِدٍ يَمُوتُ بِذَنْبِهِ. كُلُّ إِنْسَانٍ يأكل الحصرم تَضْرَسُ أَسْنَانُهُ)) (إر 29:31). ((والمقصود بالموت هنا الموت الروحي بالانفصال عن الله. والموت الابدي)). وأسهب في الشرح على لسان حزقيال مؤكداً له أنه لو ان هناك أنساناً باراً فَعَلَ حَقَّاً وَعَدلاً. وَسَلَكَ فِي فَرَائِض الرب وَحَفِظَ أَحْكَامِه لِيَعْمَلَ بها. فأنه حياة يَحْيَا. ولكن هذا الشخص البار إِنْ وَلَدَ أبناً مُعْتَنِقاً سَفَّاكَ دَمٍ. نجَّس نفسه وحياته، فأنه لا يحيا بل مَوْتاً يَمُوتُ. دَمُهُ يكون عَلَى نَفَسهِ. وهذا الشخص الشرير إِنْ وَلَدَ أبناً رأي جَمِيعَ خَطَايَا أَبِيِه الَّتِي فَعَلَهَا. وَلَمْ يَفعَلْ مِثْلَهَا، بَلْ بَذَلَ خُبْرَةُ للْجَوْعَانِ، وَكَسَا الْعُرُيَانَ ثَوْباً. وأَجرى أَحْكَام الرب وَسَلَكَ فِي فَرَائِضِه. فَإِنَّهُ لا يموت بأثم أبِيهِ بَلْ حَيَاةّ يَحْيَا. ثم يؤكد الرب قائلاً: ((الابن لاَ يَحْمِلُ مِنْ إِثْمِ الاَبُ لاَ يَحْمِلُ مِنْ إِثْمِ الابن. بِرُّ الْبَارِّ عَلَيْهِ يَكُونُ. وَشَرُّ الشِّرَّيرِ عَلَيْهِ يَكُونُ)) (حز 1:18-25).
- الرب يسر بالرحمة:
إننا نعبد إلهاً وحباً لا حدود لها. أما غضبه فله حدود وهذه الحدود متماثلة في عودة الشرير وطلب غفران الله. هذا الاله المحب المهيب يدخل في عتاب مع الشعب ويقول لهم: ((مَاذَا وَجَدَ فِيَّ آباؤُكُمْ مِنْ جَوْرٍ حَتَّى ابْتَعَدُوا عَنِّي وَسَارُوا وَرَاءَ الْبَاطِلِ وَصَارُوا بَاطِلاً؟ وَلَمْ يَقُولُوا: أّيْنَ هُوَ الرَّبًّ ألَّذِي أّصْعَدَنَا مِنْ أّرْضِ مِصْرَ. الَّذِي سَارَ بِنَا فِي الْبَريَّةِ؟)) (أر 5:2-6). ويقول أيضاً على لسان زكريا: ((أرْجعُوا إِلَيَّ يَقُولُ رَبُّ الْجُنُودِ. فَأَرْجِعَ إِلَيْكُمْ، يَقُولُ رَبُّ الُجُنُودِ. لاَ تَكُونُوا كإبائكم أَلذِينَ نَادَاهُمُ الاَنْبِيَاءُ الاَوَّلونَ قائِلينَ: هكَذَا قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ: أرْجِعُوا عَنْ طُرُقكُمُ الشِّرِّيرَةِ وَعَنْ أّعْمَالِكُمُ الشِّرِّيرَةِ. فَلَمْ يَسْمَعُوا وَلَمْ يُصْغُوا إِلَيَّ)) (زك 3:1-4).
لو أن هذا إله القدوس البار يعاقب الابناء بذنب الاباء ما كان قد دخل معهم في حوار هنا وطلب التوبة. ولكن هذا ألاله الغفور يُسَرُّ بِالرَّأْفَةِ، لا يعذب شخصاً باراًّ لاْن أباه شرشر! كلا. أنه يريد هذا الشرير يعود عن طرقه الرديئة، فهو يريد أن الجميع يخلصون والى معرفة الحق يقبلون. لذلك يقول لحزقيال: ((هَلْ مَسَرَّةَّ أُسَرُّ بِمَوْتِ الشَّرَّيرِ؟ يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ. أَلاَ بِرُجُوعِهِ عِنْ طُرُقِهِ فَيَحْيَا؟ (حز 23:18). نعم مسرة الرب هي برجوع الشرير عن طرقه الشريرة. وطلب رحمته ونعمته.
ويقول ميخا: ((مَنْ هُوَ إلهٌ مِثُلكَ غافر الاثْمَ وَصَافِحٌ عَنِ الذَّنْبِ لبقيته مِيرَاثِهِ! لاَ يَحْفَظُ إِلَى ألاَبَدِ غضَبَهُ. فَأنَّهُ يُسَرُّ بالرأفة. يَعُودُ يَرْحَمُنَا. يَدُوسُ آثاَمَنَا. وَتُطْرَحُ فِي أّعماق الْبَحْرِ جَمِيعُ خَطَايَاهُمْ)) (مي: 18:7-19).
والسؤال الذي يطرح نفسهُ: أن كان الله رؤوف ورحيم وبار وعادل فما هو المقصود بعبارة ((أّفُتَقِدُ ذُنُوبَ الآبَاءِ فِي الأبنَاءِ فِي الجِيِل الثَّالِثِ وَالرَّابعِ؟))
وللرد نقول:
(1) إعلان أن الله لا يتهاون مع الخطية
عندما ندرس الآية بتدقيق نجد أن الرب يقول: ((لآنَّ أَنَا الرًّبَّ إِلهَكَ إِلهُّ غيور. أفتقد ذُنُوبَ الآبَاءِ فِي الأبنَاءِ فِي الجِيِل الثَّالِثِ وَالرَّابعِ مِنْ مُبْغِضِيَّ)) (خر 5:20). فهو يؤكد هنا أن العقاب سيستمر طالما أن الابناء نهجوا نفس نهج أباءهم في الاثم والخطية. هكذا يقول القديس يوحنا ذهبي الفم: ((ليس معنى هذا أن أنساناً يتحمل وزر غيره. ولكن ما دام هذا الانسان لايزال يرتكب نفس الخطايا التي فعلها أباءه ولم ينصح حاله. فبعدل يستحق العقاب أيضاً)) ويقول ج. س. كونيل: ((إن الله لا يعاقب الابناء على ذنوب أباءهم، إلا إذا ما اقترف الابناء الذنوب عينها التي اقترفها آباؤهم. فإنهم يعانون بالطريقة عينها (مِنْ مُبْغِضِيَّ))) (2).
أذا الله لا يعاقب الابناء والاحفاد بخطايا أباءهم بل بخطاياهم هم. فالأبناء هنا يسيرون على نهج أباءهم في بغض الله. فقد أضاف بعبارة ((مِنْ مُبْغِضِيَّ)). وفي تثنية 5:9 يقول (مِنْ الَّذِينَ يُبْغِضونَنِي) أي لو أستمر الابناء في شرور والديهم حتى الجيل الثالث والرابع بل والى ألف جيل. فكما يقول الآن كول (R. Alan Cole) تعبير (فِي الجِيِل الثَّالِثِ وَالرَّابعِ) كانت عبارة نمطية شائعة في اللغة السامية تشير الى معنى الاستمرار وليس المقصود بها معنى حسابياً، كما انها تنطبق على أولئك الذين يكرهون الرب. الذين يرفضون أن يعيشوا طبقاً لمشيئته (3).
(2) تأكيد أن الله طويل الروح وكثير الرحمة
فالفعل (أّفتَقِدُ) في اللغة العبرية هو (פֹּקֵד) (بقاد) وهو لا يعني فقط ((أعاقب)) بل يحمل عدة معانٍ منها يزور، يراقب، يشرف، يلاحظ، يفتقد، يعين، يحاسب، يعد، ينظر، يعاقب، يتعهد) (4).
To attend to muster, number, reckon, to visit, punish, appoint, look after, care for, to oversee, miss, commit, count, deliver to keep)(5)
وقد ورد هذا الفعل في العهد القديم 295 مرة. وأرجو أن تتأمل معي في بعض الآيات التي ورد فيها الفعل (أّفتَقِدُ) (פֹּקֵד) (6)
(تك 1:21) ((وَأفْتَقَدَ) (פָּקַד) الرَّبُّ سَارَةَ كَمَا قالَ وَفَعَلَ الرَّبُّ لِسَارَةَ كَمَا تَكَلَّمَ))
(تك 24:50) وَقَالَ يُوسُفُ لإِخْوَتِهِ: (أَنا أَمُوتُ وَلَكَنَّ الله سَيَفْتَقِدَكُمْ (פָּקֹד) وَيُصْعِدُكُمْ مِنْ هَذِهِ الأرضِ إِلى ألأَرضِ الَّتِي حَلَفَ لإِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ).
(تك 25:50) وَأستحْلَفَ يُوسُفُ بَنِي إِسْرَائِيلَ قائلاً: اللهُ سَيَفْتَقِدُكُمْ (פָּקֹד) فَتُصْعِدُونَ عِظَامِي مِنْ هُنَا.
(مز 4:8) فَمَنْ هُوَ الإنسان حَتَّى تَذْكُرَهُ وَأبْنُ آدَمَ حَتَّى تَفْتَقِدَهُ (תִפְקְדֶנּוּ)!
(مز 3:17) جَرَّبْتَ قَلْبِي. تَعَهَّدْتَهُ (פָּקַדְתָּ) لَيْلاً. مَحَّصْتَنِي. لاَ تَجِدُ فِيَّ ذُمُوماً. لا يتعدى فَمِي.
(مز 5:31) فِي يَدِكَ أَسْتوْدِعُ (אַפְקִיד) رُوحِي. فَدَيْتَنِي يَا رَبُّ إِلَهَ أَلْحَقَّ.
(مز 9:65) تَعَهَّدْتَ (פָּקַדְתָּ) الأَرْضَ وَجَعَلتَهَا تَفِيضُ. تُغْنِيهَا جِداً. سَوَاقِي اللهِ مَلآَنَةٌ مَاءً. تهيئ طَعَامَهُمْ لأَنكَ هَكَذَا تُعِدًّهَا.
(مز 14:80) يَا إِلهَ الْجُنُودِ ارْجعَنَّ. أطَّلِعْ مِنَ السماء وَانْظُرْ وَتَعَهَّدْ (וּפְקֹד) هَذِهِ الْكَرْمَةَ.
(مز 4:106) أذْكُرْنِي يَا رَبُّ بِرِضَا شَعْبِكَ. تَعَهَّدْنِي (פָּקְדֵנִי) بِخَلاَصِكَ.
(إش 6:62) عَلَى أَسْوَارِكِ يَا أُورُشَلِيمُ أّقمْتُ (הִפְקַדְתִּי) حُرَّاسًّاً لاَ يَسْكُتُونَ كُلَّ النَّهَارِ وَكُلَّ اللَّيِل عَلَى الدَّوَامِ. يَا ذَاكِرِي الرب لاَ تَسْكُتُوا.
(إر 10:1) أَنْظُرْ! قَدْ وَكَّلْتُكَ (הִפְקַדְתִּיךָ) هَذَا الْيَوْمَ عَلَى الشَّعُوبِ وَعَلَى الْمَمَالِكِ لِتَقْلَعَ وَتَهْدِمَ وَتُهِلكَ وَتَنَقُضَ وَتَبْنِيَ وَتَغْرِسَ.
(إر 15:15) أَنْتَ يَا رَبُّ عَرَفْتَ. أذْكَرْنِي وَتَعَهَّدْنِي (וּפָקְדֵנִי) وَأنْتَقِمْ لِي مِنْ مُضْطَهِدِيَّ. بِطُولِ أَنَاتِكَ لاتخذني. أعْرِفِ احتمالي الْعَارَ لأجلك.
(إر 2:23) لذلك هكذا قال الرب إله اسرائيل عن الرعاة الذين يرعون شعبي: ((أَنْتُم بَدَّدْتُم غَنَمِي وَطَرَدْتُهُمَا وَلَمْ تَتَعَهَّدُهَما (פְקַדְתֶּם). هَئَنَذَا أُعَاقِبُكُمْ عَلَى شَرِّ أَعْمَالِكُمْ يَقُولُ الرَّبُّ)).
(إر 4:23) وَأُقِيمُ عَلَيْهَا رُعَاةً يَرْعُونَهَا فَلاَ تَخَافُ بَعْدُ وَلاَ تَرْتَعِدُ لأتفقد(יִפָּקֵדוּ) يَقُولُ الرَّبُّ.
ولهذا فآية موضوعنا ترد في التراجم المختلفة كالآتي:
(ك ح) ((لآنَّ أَنَا الرًّبَّ إِلهَكَ إِلهُّ غَيُورٌ. أّفُتَقِدُ ذُنُوبَ الآبَاءِ فِي الأبنَاءِ فِي الجِيِل الثَّالِثِ وَالرَّابعِ مِنْ مُبْغِضِيَّ))
(ESV), (ASV) for i Jehovah thy God am a jealous God, visiting the iniquity for the fathers upon the children, upon the third and upon the fourth generation of them that hate me.
(JPS), (Webster), (RV), (DRB), for I the Lord thy God am a Jealous God, visiting the iniquity of the fathers upon the children, upon the third and upon the fourth generation of them that hate me;
لذلك يرى البعض أن المقصود من كلمة (أُفَتْقِدُ) (פֹּקֵד) هو ان الرب عندما يرى تيار الشر والفساد من عبادة الاوثان وسحر وشعوذة وزيغان عن الرب بدأ يستشري في جيل معين فهو يتمهل عليهم ولا يفنيهم مباشرة. ولكن يضعهم تحت الملاحظة، ويرسل لهم مئات بل ألاف التحذيرات لكي يرجعوا عن شرهم. ويستمر في مراقبتهم جيلاً بعد جيل. ولكن عندما يرى أن شرهم كثر وتضخم وأنتشر وزاد من جيل الى جيل فيأتي العقاب الجماعي بعد عدة أجيال. بعد ان يكون قد أعطاهم زماناً طويلاً للتوبة والرجوع ولم يحدث. بل وأصروا على فعل الشر ونشره في بقية الشعوب. وأصبحت خطيتهم مثل السرطان المميت.
إذاً فالمعنى عكس ما قصد المشكك فالرب يقول انه يترك زماناً للتوبة مع التحذيرات والانذارات والملاحظة حتى الجيل الثالث والرابع وأن لم يتوبوا يأتي العقاب الجماعي لأنهم لم يستغلوا زمان التوبة
فهذه الآية تذكرنا بالصورة التي قدمها المسيح مِثل مَثل التينة التي لم تثمر وكان يجب أن تقطع ولكن جاء الصوت: ((أتركها هذه السنة ايضا حتى انقب حولها واضع زيلا. 9فان صنعت ثمرا وإلا ففيما بعد تقطعها)) (لو 9:8,13).
(3) يؤكد أن للخطية نتائج بعيدة المدى:
للخطية عقاب روحي وأبدي ونفسي وصحي ومالي واجتماعي. أما العقاب الروحي والابدي فيرفع بالاعتراف والتوبة والايمان فلا يكون شيء من الدينونة على الذين في المسيح (رو 2:8) ولا يعاقب الله أحداً على خطية غيره، فكل واحد مسئول عن نفسه. غير ان العقاب الصحي والمالي والاجتماعي يظل يعاني منه الانسان وقد يستمر الى الجيل الثالث والرابع. تخيل شخصاً سقط في خطية الادمان. وعاش سنيناً، وباع كل ما يملك، وقبض عليه. وسُجن لمدة سنتين، وبعد ذلك تاب وآمن لكن الكبد الذي تهرأ من المخدرات والمسكرات سيظل كما هو. كذلك ربما يعاني سنيناً من نظرة المجتمع له. وسيدفع أبناءه ثمناً غالياً. من سمعة سيئة وديون. وهناك أمراض وراثية بسبب ممارسة الجنس وخارج نطاق الزواج. يدفع الابناء ثمنها. وهناك ديون بسبب اسراف الاباء أو سوء إدارتهم يضطر الابناء الى سدادها. وهناك وصيت سيئ بسبب سوء تصرف الاباء يلوث سمعة العائلة.
يقول قداسة البابا شنودة الثالث: ((الابناء يحملون ذنب ابائهم على الاقل في قوانين الوراثة الطبيعية فالأب الفاسد أو المذنب كثيراً ما يُورث أبنه أمراضاً في الجسد. أو يورِّثهُ طباعاً رديئة.
أشياء كثيرة يرثها الأبناء لا ذنب لهم فيها. سواء في صحتهم أو في طباعهم. بالإضافة الى ما يرثونه من جهة الحالة الاجتماعية أو السمعة وما يشبهها. يرث الأبناء الكثير من ابائهم. كما يرثون الشكل أو الطبع أو العقل مثلاً. أما من جهة خلاص النفس فلا ذنب للابن في خطية أبيه، لا يهلك بسببها في مصيره الابدي” (7)
ومرة أخرى أؤكد أن السارق قد يعاني ضيقة مادية، أو سمعة سيئة، أو مشاكل اجتماعية بسبب خطية أبيه. والأب المستهتر في علاقاته الجنسية قد يمرض بمرض معدٍ الإيدز فينقله لابنه، والاب يُدان أمام الله على زناه، ويحمل الابن هذا المرض أو غيره من الأمراض الوراثية ويجني ثمار شر أبيه ولكنه لا يدان امام الله لأنه لم يزنِ.
(4) إعلان أن هناك مسئولية اجتماعية
أننا نعيش في عالم تقع عليه مسؤولية كبيرة نحو الأخرين، فكل ما نفعله له تأثيره على ما حولنا، فالأعمال الصالحة التي نفعلها تأتي بالبركة ليس على أنفسنا فقط بل غيرنا أيضاً. كما أن اعمالنا السيئة لها ذات التأثير. فالجنين الذي يتغذى على دم أم غضوب يحمل ثمار هذا الغضب في صحته الجسدية والنفسية. وكثيراً ما يحل بالأطفال البؤس والشقاء نتيجة شر والديهم أو قرار خاطئ اتخذوه. وكثيراً ما تتبارك الكنيسة كلها بسبب وجود قائد فيها والعكس صحيح. والجندي المهمل قد يسبب هزيمة الجيش كلهُ. والخطية الحادثة في جبل تؤثر على الاجيال التي بعده. فعندما يأتي جبل مبارك يقود الكنيسة برؤية واضحة وبحماس فأن الكنيسة تتبارك الأجيال من بعده. وإذا جاء مثلاً جبل شرير يقود دولة فأنه يدمرها وتظل الاجيال التالية من بعدها تدفع الثمن. ألم يكن أبن العبد قديماً يخرج للدنيا وارثاً العبودية. ومن يولد تحت الاحتلال يخرج للدنيا محتلاً.
عزيزي القارئ: إن كل ما تفعله لا يؤثر عليك فقط بل ايضاً على أبنائك وأحفادك والمجتمع بأكملهِ فلتحذر
المراجع
(1) دير القديس، أنبا مقار. شرح سفر الخروج، ص461.
(2) ج. س. كونيل. مركز للمطبوعات المسيحية. تفسير الكتاب المقدس ج1، ص 244.
(3) آلان كول. التفسير الحديث. الخروج، ص177…
(4) Karl Feyerabend. Langenschebrew Pocket Hebrew Dictionary to the O. T. U. S. A . . . PP. 178-188
(5) Enhanced Brown-Driver-Briggs Hebrew and English lexicon. P.394.
(6) Strong’s Exhaustive Concordance Lexicon Entries. Hebrew and Greek. P.284.
(7) ألبابا شنودة الثالث. الوصايا العشرة ص 36-39.
Comments
Post a Comment