الحلم السوري لن يموت
الياس خوري
النقاش حول من يرث وكيف وفي ظل أية معادلات، يحتل اليوم عناوين النقاش. فالنظام الاستبدادي في سورية يتهاوى، ولن يستطيع أحد إنقاذه. لا أمريكا تستطيع ذلك ولا إيران أو روسيا. فالآلة العسكرية الوحشية تتفكك، وستزداد تفككا، وأصوات الانهيارات تتوالى. مسألة بقاء النظام لم تعد مطروحة، المطروح هو الصراع بين القوى المسلحة البديلة. هل يدخل زهران علوش دمشق؟ أم يسبقه إليها البغدادي؟ وهل ينجح الكرد في تثبيت دعائم إقليمهم أم سيواجهون الأهوال التركية في طريقهم إلى ذلك؟ وهل تستطيع النصرة التمدد؟ وإلى آخره… وهناك سؤال عن بقايا آلة النظام، هل تستطيع هذه البقايا التماسك وإزاحة الأسد قبل أن تسقط دمشق، أم انها عاجزة ومشرذمة بحيث ستضطر إلى الالتحاق ببقايا النظام المتهالك في الساحل؟
هذه هي الأسئلة التي تطفو على السطح، وهي أسئلة تتعلق بالقوى الإقليمية التي تتلاعب بالساحة السورية: السعودية والخليج من جهة، وتركيا من جهة أخرى، وإيران وحلفائها من جهة ثالثة.
صار النقاش في مربع النهاية، والقوى المسلحة الأصولية ترث خطاب النظام الاستبدادي بشكل واع، فهي قررت الإقامة في الخراب، واعتبار مقولة «الأسد أو نحرق البلد» حقيقة لا تراجع عنها. لذا فهي تفترض ان البلد احترق، وأنها تخوض حرب الرماد، وأنها تنطلق من ساحة مدمرة، تستطيع استغلال بؤس شعبها وتهجيرهم وإفقارهم وإذلالهم، من أجل بناء أنظمتها الاستبدادية الجديدة.
ونظام الوارثين سيكون نظام حرب أهلية دائمة، فلا توجد قوة إسلامية أصولية قادرة على السيطرة على البلاد والسلطة، لذا فإن السيناريوهات المتداولة اليوم هي سيناريوهات تقاسم، لأن التقسيم مستحيل. تقاسم وحروب وإغارات وقتل متواصل.
هذا هو الإرث الذي أراد النظام الاستبدادي ان يتركه وراءه. إرث الدمار الذي لا يتوقف، لأن النظام قام بإلغاء الدولة وحطم قوى المجتمع المنظمة، معتقداً أن لا بديل له سوى الأصولية التكفيرية، وأن العالم لن يسمح لهذه الأصولية بالوصول إلى السلطة.
المعادلة سقطت، لا لأن الأسد الصغير أساء تقدير الموقف، بل لأن العالم الذي تقوده الولايات المتحدة لم يعد مباليا. فليذهب المشرق العربي إلى الجحيم، وليكن حصاده من المعادلة الدولية الجديدة هو تحويل كل مناطقه إلى ما يشبه الحادي عشر من أيلول/سبتمبر الأمريكي. ذهب بوش الصغير إلى العراق وجلب معه القاعدة على حطام الدولة العراقية. واليوم يتكفل حلفاؤه الخليجيون بمهمة تعميم «إدارة التوحش» على سوريا والعراق.
لم يخطئ الأسد الصغير في استراتيجيته الدموية التي حطمت الانتفاضة الشعبية السورية الكبرى التي عمت كل المدن والأرياف في آذار/مارس 2011. (لا تصدقوا بلهاء التوحش الذين لم يروا مظاهرات في المدن السورية، فهؤلاء لا يبصرون ولا يريدون ان يروا سوى صورهم في مرايا الكلمات) لكن حساباته لم تأت مطابقة للواقع الدولي الجديد الذي تقوده الولايات المتحدة ببراغماتية متوحشة. الأسد الصغير كان يعلم أن هناك ثورة شعبية حقيقية لا يمكن إيقافها، لذا لجأ إلى القمع الوحشي، وأمر دباباته بإطلاق النار على المتظاهرين. دعس شبيحته على رؤوس الناس، قتلوا ودمروا، كي يدفعوا الثورة إلى التوحش.
وفي عملية توحيش الثورة وجد في إعدائه الخليجيين والأتراك، وفي حلفائه الإيرانيين وميليشياتهم اللبنانية والعراقية حليفا مثاليا. فقام هذا الثالوث بدفن الثورة الشعبية تحت الركام، وتحطيم احتمال نشوء بنية سياسية مستقلة للمعارضة الوطنية الديموقراطية. وها هو الديكتاتور الصغير يجلس اليوم على قمة الخراب ويكتشف ان خطته بلغت ذروة نجاحها، لكن نجاحها كان مصدر انهيارها.
هذا التحليل يدعو إلى اليأس، ولمَ لا، اذا كان لا بد من اليأس فلنذهب اليه ونتعامل معه كما هو، وبلا فهلوة. فنحن في المشرق العربي نعيش عصر نهاية المرحلة القومية الاستبدادية الفاشية، والنهايات صعبة كالبدايات. بل ان صعوبة النهايات وآلامها هي التي تختزن احتمالات البدايات التي لا تزال غامضة الملامح.
نحن في لحظة عماء تاريخي يسود فيها القتلة وأصحاب الفكر الغيبي من كل المشارب. لكن الشعب السوري الذي يدخل هذا المنعطف الرهيب ممزقا ومجرحا، لن يستسلم.
تكفي مظاهرة صغيرة واحدة في إدلب ضد ممارسات «جبهة النصرة» وأمرائها القادمين من أمكنة شتى، كي ترسم قوس الحلم من جديد.
مظاهرة واحدة تهتف بخروج مقاتلي الجولاني من قرية صغيرة في ريف إدلب، تحمل في داخلها احتمالات ان لا تكون هذه النهايات الدموية المروعة التي يعيشها السوريات والسوريون هي الأفق والمصير.
سقوط الأسد الحتمي وخروجه من الزمن السوري الذي أوقفت السلالة المستبدة عقاربه أربعة عقود ونصف، لن يعني ان الزمن سوف يبقى متوقفا على إيقاع جنون «القاعدة» ودولة البغدادي وجيوش الذين خطفوا الثورة السورية. سقوط الأسد سوف يعني أن القوى التي امتطت الثورة وسط الكيميائي والبراميل، وكانت مهمتها إطفاء الضوء في العيون، هذه القوى سوف تواجه شعبا تعلم بنضاله ودماء بناته وابنائه معنى الحرية التي لن يتخلى عنها.
الشباب والقوى الديموقراطية التي حاول النظام الاستبدادي إبادتها، ونجح في قتل الكثير من المناضلين وتشريد ألوف منهم، على هؤلاء ان ينظروا بعيون جديدة إلى الواقع الذي سينشأ بعد سقوط المستبد ورحيل نظامه.
عندها ستبدأ المرحلة الثانية من الثورة، وهي مرحلة ستكون بالغة الصعوبة، لكنها معركة استعادة الوطن السوري من خاطفيه.
استعادة سوريا من هيمنة حكم الملالي واتباعهم، واستعادتها ايضا من هيمنة النفط والغاز الملوثين بالاستبداد والفكر الأصولي. ومن «إدارة التوحش»، التي تريد ان تجعل من الحياة جحيما يحتله القتلة والمعتوهون.
الحلم السوري لن يموت، وحنجرة القاشوش المقطوعة تنتظر لحظة البداية الجديدة.
هذه هي الأسئلة التي تطفو على السطح، وهي أسئلة تتعلق بالقوى الإقليمية التي تتلاعب بالساحة السورية: السعودية والخليج من جهة، وتركيا من جهة أخرى، وإيران وحلفائها من جهة ثالثة.
صار النقاش في مربع النهاية، والقوى المسلحة الأصولية ترث خطاب النظام الاستبدادي بشكل واع، فهي قررت الإقامة في الخراب، واعتبار مقولة «الأسد أو نحرق البلد» حقيقة لا تراجع عنها. لذا فهي تفترض ان البلد احترق، وأنها تخوض حرب الرماد، وأنها تنطلق من ساحة مدمرة، تستطيع استغلال بؤس شعبها وتهجيرهم وإفقارهم وإذلالهم، من أجل بناء أنظمتها الاستبدادية الجديدة.
ونظام الوارثين سيكون نظام حرب أهلية دائمة، فلا توجد قوة إسلامية أصولية قادرة على السيطرة على البلاد والسلطة، لذا فإن السيناريوهات المتداولة اليوم هي سيناريوهات تقاسم، لأن التقسيم مستحيل. تقاسم وحروب وإغارات وقتل متواصل.
هذا هو الإرث الذي أراد النظام الاستبدادي ان يتركه وراءه. إرث الدمار الذي لا يتوقف، لأن النظام قام بإلغاء الدولة وحطم قوى المجتمع المنظمة، معتقداً أن لا بديل له سوى الأصولية التكفيرية، وأن العالم لن يسمح لهذه الأصولية بالوصول إلى السلطة.
المعادلة سقطت، لا لأن الأسد الصغير أساء تقدير الموقف، بل لأن العالم الذي تقوده الولايات المتحدة لم يعد مباليا. فليذهب المشرق العربي إلى الجحيم، وليكن حصاده من المعادلة الدولية الجديدة هو تحويل كل مناطقه إلى ما يشبه الحادي عشر من أيلول/سبتمبر الأمريكي. ذهب بوش الصغير إلى العراق وجلب معه القاعدة على حطام الدولة العراقية. واليوم يتكفل حلفاؤه الخليجيون بمهمة تعميم «إدارة التوحش» على سوريا والعراق.
لم يخطئ الأسد الصغير في استراتيجيته الدموية التي حطمت الانتفاضة الشعبية السورية الكبرى التي عمت كل المدن والأرياف في آذار/مارس 2011. (لا تصدقوا بلهاء التوحش الذين لم يروا مظاهرات في المدن السورية، فهؤلاء لا يبصرون ولا يريدون ان يروا سوى صورهم في مرايا الكلمات) لكن حساباته لم تأت مطابقة للواقع الدولي الجديد الذي تقوده الولايات المتحدة ببراغماتية متوحشة. الأسد الصغير كان يعلم أن هناك ثورة شعبية حقيقية لا يمكن إيقافها، لذا لجأ إلى القمع الوحشي، وأمر دباباته بإطلاق النار على المتظاهرين. دعس شبيحته على رؤوس الناس، قتلوا ودمروا، كي يدفعوا الثورة إلى التوحش.
وفي عملية توحيش الثورة وجد في إعدائه الخليجيين والأتراك، وفي حلفائه الإيرانيين وميليشياتهم اللبنانية والعراقية حليفا مثاليا. فقام هذا الثالوث بدفن الثورة الشعبية تحت الركام، وتحطيم احتمال نشوء بنية سياسية مستقلة للمعارضة الوطنية الديموقراطية. وها هو الديكتاتور الصغير يجلس اليوم على قمة الخراب ويكتشف ان خطته بلغت ذروة نجاحها، لكن نجاحها كان مصدر انهيارها.
هذا التحليل يدعو إلى اليأس، ولمَ لا، اذا كان لا بد من اليأس فلنذهب اليه ونتعامل معه كما هو، وبلا فهلوة. فنحن في المشرق العربي نعيش عصر نهاية المرحلة القومية الاستبدادية الفاشية، والنهايات صعبة كالبدايات. بل ان صعوبة النهايات وآلامها هي التي تختزن احتمالات البدايات التي لا تزال غامضة الملامح.
نحن في لحظة عماء تاريخي يسود فيها القتلة وأصحاب الفكر الغيبي من كل المشارب. لكن الشعب السوري الذي يدخل هذا المنعطف الرهيب ممزقا ومجرحا، لن يستسلم.
تكفي مظاهرة صغيرة واحدة في إدلب ضد ممارسات «جبهة النصرة» وأمرائها القادمين من أمكنة شتى، كي ترسم قوس الحلم من جديد.
مظاهرة واحدة تهتف بخروج مقاتلي الجولاني من قرية صغيرة في ريف إدلب، تحمل في داخلها احتمالات ان لا تكون هذه النهايات الدموية المروعة التي يعيشها السوريات والسوريون هي الأفق والمصير.
سقوط الأسد الحتمي وخروجه من الزمن السوري الذي أوقفت السلالة المستبدة عقاربه أربعة عقود ونصف، لن يعني ان الزمن سوف يبقى متوقفا على إيقاع جنون «القاعدة» ودولة البغدادي وجيوش الذين خطفوا الثورة السورية. سقوط الأسد سوف يعني أن القوى التي امتطت الثورة وسط الكيميائي والبراميل، وكانت مهمتها إطفاء الضوء في العيون، هذه القوى سوف تواجه شعبا تعلم بنضاله ودماء بناته وابنائه معنى الحرية التي لن يتخلى عنها.
الشباب والقوى الديموقراطية التي حاول النظام الاستبدادي إبادتها، ونجح في قتل الكثير من المناضلين وتشريد ألوف منهم، على هؤلاء ان ينظروا بعيون جديدة إلى الواقع الذي سينشأ بعد سقوط المستبد ورحيل نظامه.
عندها ستبدأ المرحلة الثانية من الثورة، وهي مرحلة ستكون بالغة الصعوبة، لكنها معركة استعادة الوطن السوري من خاطفيه.
استعادة سوريا من هيمنة حكم الملالي واتباعهم، واستعادتها ايضا من هيمنة النفط والغاز الملوثين بالاستبداد والفكر الأصولي. ومن «إدارة التوحش»، التي تريد ان تجعل من الحياة جحيما يحتله القتلة والمعتوهون.
الحلم السوري لن يموت، وحنجرة القاشوش المقطوعة تنتظر لحظة البداية الجديدة.
الياس خوري
- Get link
- X
- Other Apps
Comments
Post a Comment