Skip to main content

أزمة.. وتعدّي!------------ د. سلمان بن فهد العودة

أزمة.. وتعدّي!


لا يتعلَّم النسر كيف يطير إلا بعد ما تقوم أمه بحفزه على القفز؛ ليحصل على الطعام الذي أعدّته له، فيضطر إلى أن يفرد ريشه ويحاول أن يطير، وهي في حال استعداد لإسعافه إذا سقط..
هكذا هي الحياة والتحديات تجعلنا نفرد أجنحتنا ونتعوّد على التحليق!
هل نظرت إلى السماء وهي ملبَّدة بالغبار الأسود الكثيف؟ إن راكب الطائرة لا يراها كذلك بل يجدها ناصعة الصفاء.
السمو والنظر البعيد يجعلك ترى الأشياء بصورة أفضل.. ترى وجهها الجميل!
وربما أراد بك عدوك شراً، وأراد الله لك بهذا الشر خيراً، وإرادة الله غالبة لا معقب لحكمه، ولا رادّ لقضائه، {وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ} (13:الرعد).
حياتنا مقرونة بقدْرٍ من القلق الإيجابي المثير؛ الذي كان وراء الكثير من نجاحات الحياة العظيمة.
كثيرون ألفوا وضعاً عادياً لا يحبون الخروج منه، فيريد الله أن يخرجهم إلى ما هو أفضل بواسطة أزمة عابرة تنتزعهم من الإذعان لذلك الواقع المنقوص..
والألم الذي تُحدثه الأزمة يُظهر أجمل مافي النفس من معاني الإيمان، والحب، والمعرفة، والتواضع، والطِّيبة، والإيثار، والنقاء، والبناء..
قبل طلوع الفجر تشتدّ الظُّلمة وتعصف الرِّيح..
في الأرض والنفس كنوز مخبأة لا يمكن الوصول إليها إلا عبر أقبية الظلام.
كثير من الزهور الجميلة والنباتات لا تنمو إلا في الظلام.
في الظلام نتعلّم كيف نثق باليد التي تمسكنا دون أن نراها.. يد الله!
وقبل الولادة مخاوف وبكاء ومخاض ولكن النتيجة رائعة.. وجه كالقمر.. وعينان كغابتي نخيل!
عَيْنَاكِ غَابَتَا نَخِيلٍ سَاعَةَ السَّحَرْ
أو شُرْفَتَانِ رَاحَ يَنْأَى عَنْهُمَا القَمَرْ..
الإيمان بالله يشحن النفس بالثقة والأمل، ويجعل من الأزمات والضيقات مجالات خصبة للنمو، والبركة، والتجربة، والإبداع.
الأمل الإيجابي هو سحر الحياة وروحها..
تستطيع أن تعيش أربعين يوماً بلا طعام.
وثلاثة أيام بلا ماء.
وثمان دقائق بلا هواء.
ولا تستطيع أن تعيش ثانية واحدة حين تفقد الأمل.. حين يستبدّ بك اليأس!
الآلام تسوقنا إلى الله، وتذكّرنا بالطريق، وتُلهمنا الذكر والتسبيح.
بمقدورك أن تصبح أقوى من ألمك ليس بأن تتحمّله فحسب، ولا بأن تحوّله إلى وسيلة للتفوق والبناء فحسب، ولكن بأن تفيض من روحك على البائسين والمحرومين والمعذَّبين.
كثيرون يظنون أن قربهم من الله يحرمهم اللذة، والمتعة، وجمال الحياة.. والحق أن الإيمان بالله يُضاعف المتعة والبهجة، ويصنع سوراً منيعاً ضد الإحباط والقنوط.
الأكل من الشجرة المحرَّمة قصة بدأت مع آدم وهي تتكرر في حياتنا، ولكن لا يجب أن نفهم الأزمة على أنها (عقاب) محض.. هي تطهير ورفعة منزلة، وحماية من خطر قادم.
لو كنت أكثر قوة مما أنت، أو أكثر جمالاً، أو شباباً، أو مالاً، أو نفوذاً.. لربما صدر منك ما تعيبه على غيرك!
متى نعود إلى الله؟ الابن الشارد يعود إلى المنزل حينما يمرض، أو يفقد ثروته، أو يتحطَّم.. ولله المثل الأعلى.
الفلاح يذرو الحَبّ في الهواء؛ لتطير النخالة وتبقى الحنطة الصافية، وهكذا هي رياح المحنة تذهب رديئك وتبقي طيبك!

هل تقول إنك سَيِّء الحظ؟
كلا؛ فرُبَّ مُقعَد، أو أعمى، أو ضعيف، أو فقير.. كانوا أكثر سعادة، وأعظم تأثيراً من الملوك، والأغنياء، والأصحاء.
ليست الحياة حديقة زهور ولا هي حقل أشواك، ولكنها يمكن أن تكون كذلك إذا كنت مصرّاً على أن تفهمها هكذا.
أنت تثق بالمعلم، والطبيب، وقائد المركبة، والرسّام الماهر، وصانع الفيلم.. فكيف لا تثق بالله الرحيم، الحكيم، اللطيف، الخبير؟!
وإذا لم تفهم عقدة القصة أو سر اللوحة فأعد التأمل واستعن بخبير!
وإن بنيت علاقتك مع الله على المصلحة العاجلة فحسب فقد بنيت منزلك على رمال متحركة!

كيف تعاملت مع الأزمة؟
هل كنت ممن يحتفظ بها، ويغلق الباب على نفسه، ويستسلم للعواصف، ويجترّ الآلام ثم يتحوّل إلى الشرود، والإهمال، والتذبذب، والأمراض النفسية، والروحية؟
أم كنت ممن يتمرّد على الأزمة، فيتمرّد على قيمه الإيمانية، والروحية، والاجتماعية.. ويتحوّل إلى العنف، والقسوة، ومحاولة الانتقام من المجتمع؟
أم حاولت الهروب من الأزمة وتجنب التفكير فيها وعدم مواجهتها، وربما قتلت وقتك بالترفيه السلبي واللهو والإدمان؟
أم أنت من ذلك الصنف الواعي؛ القادر على مواجهة الأزمة بصبر وإيمان وخبرة بالحياة، وعقل منفتح على الخيارات، وروح هادئة تدري أن الحزن مقدمة السرور، وأن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسراً؟
مفتاح الحل بيدك.. أن تنظر إلى الأمام.. إلى الممكن والمقدور، وتتكيّف مع المتغير سريعاً ودون إبطاء، ولا تطل الالتفات إلى الخلف إلا بقدر ما يتطلبه الوفاء والاعتبار، وإياك أن تكون كالشريف إذ يقول:
وَتَلَفَّتَت عَيني فَمُذ خَفِيَت         عَنها الطُلولُ تَلَفَّتَ القَلبُ

{لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ} (23:الحديد).

Comments

Popular posts from this blog

Mona Farouk reveals scenes of "scandalous video"Egyptian actress Mona Farouk appeared on

Mona Farouk reveals scenes of "scandalous video"Egyptian actress Mona Farouk appeared on Monday in a video clip to discuss the details of the case she is currently facing. She recorded the first video and audio statements about the scandalous video that she brings together with Khaled Youssef.Farouk detonated several surprises, on the sidelines of her summons to the Egyptian prosecution, that Khalid Youssef was a friend of her father years ago, when she was a young age, and then collected a love relationship with him when she grew up, and married him in secret with the knowledge of her parents and her father and brother because his social status was not allowed to declare marriage .Muna Farouk revealed that the video was filmed in a drunken state. She and her colleague Shima al-Hajj said that on the same day the video was filmed, she was at odds with Shima, and Khaled Yusuf repaired them and then drank alcohol.She confirmed that Youssef was the one who filmed the clips whil

الحلقة 20 هنادي المطلقة والمحلل (ماذا قال كتاب العرب في هنادي)-----------Khalid Babiker

• الجنس شعور فوضوي يتحكم في الذات والعقل . وله قوة ذاتية لا تتصالح إلا مع نفسها . هكذا قال أنصار المحلل الحلقة 20 هنادي المطلقة والمحلل (ماذا قال كتاب العرب في هنادي) أول طريق عبره الإنسان هو طريق الذكر . بعدها شهق وصرخ . تمرغ في الزيت المقدس . وجرب نشوة الأرغوس . عاجلا أم آجلا سيبحث عن هذا الطريق ( كالأسماك تعود إلى أرض ميلادها لتبيض وتموت ) . وسيعبره . سيعبره بحثا عن الديمومة . وسيشهق وسيضحك . لقد جاء إليه غريبا . سيظل بين جدرانه الدافئة غريبا . وحالما يدفع تلك الكائنات الحية الصغيرة المضطربة في الهاوية الملعونة سيخرج فقيرا مدحورا يشعر بخيانة ما ( ..... ) . لن ينسى الإنسان أبدا طريق الذكر الذي عبره في البدء . سيتذكره ليس بالذاكرة وإنما بالذكر . سيعود إليه بعد البلوغ أكثر شوقا وتولعا . ولن يدخل فيه بجميع بدنه كما فعل في تلك السنوات التي مضت وإنما سيدخل برأسه . بعد ذلك سيندفع غير مبال بالخطر والفضيحة والقانون والدين . الله هناك خلف الأشياء الصغيرة . خلف كل شهقة . كل صرخة مندفعا في الظلام كالثور في قاعة المسلخ . الله لا يوجد في الأشياء الكبيرة . في الشرانق . في المح . ينشق فمه . تن

Trusting Liar (#5) Leave a reply

Trusting Liar (#5) Leave a reply Gertruida is the first to recover.  “Klasie… ?” “Ag drop the pretence, Gertruida. You all call me ‘Liar’ behind my back, so why stop now? Might as well be on the same page, yes?” Liar’s face is flushed with anger; the muscles in his thin neck prominently bulging. “That diamond belongs to me. Hand it over.” “What are you doing? Put away the gun…” “No! This…,” Liar sweeps his one hand towards the horizon, “…is my place.  Mine!   I earned it! And you…you have no right to be here!” “Listen, Liar, we’re not the enemy. Whoever is looking for you with the aeroplane and the chopper….well, it isn’t us. In fact, we were worried about you and that’s why we followed you. We’re here to help, man!” Vetfaan’s voice is pleading as he takes a step closer to the distraught man. “Now, put down the gun and let’s chat about all this.” Liar hesitates, taken aback after clearly being convinced that the group  had hostile intentions. “I…I’m not sure I believe