“الضرب في الميت حرام”، ” ليست المروءة أن تهاجمهم الآن”، “أرِنا ما لديك بدلا من مجرد الكلام”، هذه أمثلة متوقعة من الردود التي قد تأتيني بعد هذه المقالة من المتعاطفين أو المنتمين لجماعة الإخوان المسلمين التي أنا بصدد الكتابة عن بعض من أخطائهم، لعلهم ولعلنا نعتبر من أخطائنا ونحاول إصلاحها حتى نتمكن من إيجاد الحل المناسب لما نمر به من أزمة يعاني منها كل أطياف الشعب ليس الإخوان وحدهم، وغرضي من هذا المقال ليس “ضربا في ميت”، إنما لوم وعتاب، قد يفهمه البعض بشكل ما أو بآخر.
لكن يا صديقي الإخواني، من المرجو قبل أن تكمل قراءة المقال أن تزيح عواطفك جانبا لمدة عشر دقائق وتفكر في صحة ما أنقله من عدمه، ولا أظن أن هناك من يختلف على فشل جماعة الإخوان في تحقيق هدفها، وموضوع إتاحة الفرصة لهم هو في رأيي نوع من السذاجة، فعند هزيمتك بإحدى الحروب، لن تستطيع ادعاء أن خصمك لم يُتح لك الفرصة لتوجيه الضربات له، بل بالطبع ما لن يمكن إنكاره أنك فشلت، ولكل فشل أسباب، وللوصول إلى النجاح لاحقا لابد من دراسة أسباب فشلك ومعالجتها وتحليلها والعمل على إصلاحها حتى لا تقع في نفس أسباب فشلك مرة أخرى، ونسرد سويا بعضا من تلك الأخطاء التي لاحظها الكثير والتي إلى الآن لم يتم إصلاحها بعد مع الأسف.
1- إهمال الوعي
إذا اعتمدت يوما على سذاجة الناس مسميا إياها “طيابة الشعب” طالما كانت في طريق مصالحك، مادحا للشعب بانه “أصيل” و”على نياته”، وما يهمه “هو أكل عيشه”، تاركا المهمة الكبرى التي من أجلها أُسست أصلا جماعتك ألا وهي توعيتهم وتربيتهم، فإن تلك السذاجة ستنقلب عليك يوما ما مزيلة لك من طريقك كله وملقية بك لا مكترثة بمصيرك، فالمهم لديها – وهي بلا وعي – هو طريق مصلحتها هي أيضا! كنا نسمع بعض المنشدين الإخوان يغنون منذ سنتين تقريبا أغانٍ مادحة للشعب المصري وأصالته، فانقلبت تلك الأغاني المادحة إلى كلمات قدح وسب لذلك الشعب من نفس من كانوا يمدحونه من قبل، وعلى الجانب الآخر وجدناهم يغنون” تسلم الأيادي” لمن يقتل من كان يمدحهم من سنوات قليلة.
2- “شحاذة” الاسترضاء!
عانيت لأجد كلمة “محترمة” لوصف تلك السياسة أو السلوك الذي يتبعه قادة الإخوان المسلمين والكثير من أتباعها لاستجداء الشرعية فيما بعد الانقلاب، أو حتى فيما قبله من النفاق أحيانا لإرضاء الخصوم كما أنكر الرئيس السابق “مرسي” من قبل الحدود في الإسلام في فيديو شهير منتشر له على يوتيوب، فذلك الترويج الفاشل لقضيتك يفسدها بلا شك.
أنت تعلم أنك تكذب وتحاول خداع نفسك بأنك تتجمل، وخصمك يعلم جيدا أنك تكذب، وقولك المُتجمل لن يجعله يغير من تفكيره تجاهك، ومع ذلك لا تتراجع عن سياستك الاستجدائية الاسترضائية لكسب نقاط ما في قضيتك، فأنت يا من كنت تنادي بالخلافة والشريعة، لم يصدقك أحدهم حين كنت تتغنى بمفاهيم الديمقراطية والوطنية والقومية.
كنت تبرر أن تلك الخطوات هي مجرد سلم تصل به ثم ستلقها بعد وصولك تدريجيا لتبدلها بمفاهيم الإسلامية، ولكن الطريف هنا أنك انغمست فيها وأصبحت بالفعل جزءا من أيدلوجيتك، وقمت بالتنازلات واحدا تلو الآخر لترضهم، ولكنك لم ترضهم، ولم تصل لغايتك أيضا، والغريب هو ما نجده إلى يومنا هذا من استجداء الغرب لإنقاذك من براثن الانقلاب، أنت يا من كنت تنادي أمريكا على منصات رابعة “أين أنتِ يا أمريكا مما يحدث في مصر؟”.
أنت يا من رفعت إشارة رابعة في المقرات الأمريكية التي تم التخطيط بها لإطاحتك، تظن أنك قد تحقق انتصارا من تلك الخطوات الغلامية منعدمة المنطق والعقل! النصر الذي تنتظره لن يأتي من أمريكا! إن كنت حقا تريد إسلاما تنصره فلا أظن أنه من المفترض عليك أن تنتظر أن تنصر أمريكا الإسلام! وإن قلت لي أنها مسألة “مصالح” فدعني أخبرك أنه ليس لديك أي مصلحة ينتظرونها، أنت الآن جسد هش، لا حول له ولا قوة، في حين أن الطرف الآخر يمتلك السلطة والقوة والسلاح بل وتأييدا شعبيا كبيرا لا يُستهان به.
أنت يا من رفعت إشارة رابعة في المقرات الأمريكية التي تم التخطيط بها لإطاحتك، تظن أنك قد تحقق انتصارا من تلك الخطوات الغلامية منعدمة المنطق والعقل! النصر الذي تنتظره لن يأتي من أمريكا! إن كنت حقا تريد إسلاما تنصره فلا أظن أنه من المفترض عليك أن تنتظر أن تنصر أمريكا الإسلام! وإن قلت لي أنها مسألة “مصالح” فدعني أخبرك أنه ليس لديك أي مصلحة ينتظرونها، أنت الآن جسد هش، لا حول له ولا قوة، في حين أن الطرف الآخر يمتلك السلطة والقوة والسلاح بل وتأييدا شعبيا كبيرا لا يُستهان به.
3- التضحية في سبيل اللا شيء!
“أنا مش مجرد رقم”، نعم سمعنا تلك الكلمة كثيرا، ولكن من المحزن أن قيادات الإخوان بعلم أو بدون علم تتعامل مع أتباعها أحيانا على أساس أنهم مجرد أرقام، مما يستفزني شخصيا هو ما حدث يوم فض رابعة، أنت تعلم أن الداخلية سوف تفض اليوم الميدان، ما الفائدة من تعريض نفسك للقتل وأنت أعزل السلاح؟ ما الذي استفدناه الآن بعد مقتل الآلاف من إخواننا؟ لماذا كنت تنادي عليهم من منصتك بالثبات، الثبات بماذا؟
وأمام من؟ من يمتلك القوة والسلاح؟
كيف ستثبت بصدرك العاري؟ لم يعلمنا الإسلام أبدا أن نلقي بأنفسنا الى التهلكة، أو إلى الانتحار، من المؤسف أنه لم يفكر أحد في ذلك الحين أن البقاء ليس له أي جدوى بل وسيزيد الخسائر والأحزان.
قد يأتي من يقول لي: لُم القاتل ولا تلم المقتول، لوم القاتل شيء طبيعي وليس هو موضع الحديث هنا، ولكن لوم المقتول هنا ليس لوم اتهام بقدر ما هو لوم عتاب، لولا قرارك الخاطئ حينها ما كنا فقدنا من فقدنا، رحمهم الله جميعا، فُقدوا وفُقد الميدان ولم تبقَ إلا أحزاننا وذكرياتنا بين أطلال رابعة، الشاهد هنا، أن الثبات ليس دوما الطريق للانتصار، أحيانا يلزم الانسحاب لالتقاط الأنفاس أو للحفاظ على ما تبقى من طاقتك وروحك، لم يكن يوم الفض حربا كي نقارنه بغزوة مؤتة وانسحاب الصحابي الجليل خالد بن الوليد، ولكن ما أردت الالتفات إليه أن تقليل الخسائر واختيار أخف الضررين هو مما تعلمناه أثناء قراءتنا للسيرة.
4- الاستشهادات الخاطئة
لا أحب جملة ” الإخوان يُسيرون الدين لخدمة مصالحهم”، لأن قائلها في الغالب لا يعلم عن الدين إلا غثاء، ولأنها ارتبطت في ذهني بهؤلاء الإعلاميين الذين استخدموها دوما في قنواتهم لانتقاد الجماعة، ولكن ما أحب توضيحه هنا كسبب من أسباب فشلهم المنتهي بالانقلاب على سلطتهم، هو الفهم الخاطئ في الكثير من الأحيان للدين والاستشهاد بنصوص في غير موضعها لإقناعك بصحة ما يفعلونه، فالمنطق هنا منعكس، هم يفعلون أولا ثم يستشهدون من الدين بما فعلوه، بدلا من أن يستنيروا بالدين ليروا ما يجب عليهم فعله، ولا داعي هنا لأن نستدعي أمثلة لأنني أظن أن جميعنا يعلم تلك النقطة جيدا.
4- الكبر
الكبر والاستعلاء الفكري والسياسي من الصفات المتأصلة في الجماعة وفي الكثير من أتباعها منذ الثورة وخاصة “ألتراس” الجماعة، ممن يتعصبون لها عن جهل، “موتوا بغيظكم”، “الإخوة اللي فوق عارفين”،”أبو إسماعيل عنده هاجس بس من الجيش وخيال ومندفع عالفاضي”. ومما انتهينا له مؤخرا تلك الأيام بتعليق من مقال حذيفة: “استريح عشان أنت تعبان نفسيا ولما نحل المواضيع هنناديلك تيجي، واركن على جنب”.
إلى آخر تلك التعليقات المستفزة التي اعتدنا على سماعها، والتي قد يكون سببها هو الإحساس بأن جماعة الإخوان هي أكبر جماعة لها حشد في مصر وتاريخها الذي لا يستطيع أن ينكره أحد منها ودورها في التأثير على الكثير من فئات المجتمع في بداية نشأتها، ولكنني أظن أن البنا رحمه الله لو كان بدأ هو ومن عاونوه بتلك الطريقة منذ بداية الدعوة لفشلت في بداياتها ولما امتدت إلى الآن، ذلك الكبر هو الذي أفقد الإخوان الكثير من التأييد الذي نالوه، انظروا إلى نتيجة الاستفتاء العسكري الأول وكيف كانت النتيجة تحت تأثير الإخوان والإسلاميين بوجه عام بالطبع، ثم كيف قلت مرة تلو الأخرى من البرلمان إلى الانتخابات الرئاسية..الخ، فالكبر على من يشاركونك المنهج والحلم ذاته بالإضافة إلى محاولة التقرب بل وأحيانا التذلل إلى من يخالفونك أيدلوجيتك لهو من الأمور التي كنت أعجب لها كثيرا في تلك السنوات الماضية.
5- انعدام الشفافية
لا أعلم لم تغيب سياسة المصارحة عن قيادات الإخوان؟ فكل يوم يمر نكتشف إحدى القيادات يُلقون بتصريح صادم من خفايا ما كان يحدث خلال سنوات حكم الإخوان سواء عن طريق البرلمان أو فيما بعد من خلال الرئيس مرسي، كل هذا كان يحدث دون مصارحة أتباعك بما يدور من خطر محدق، هنالك فرق كبير بين الأسرار العسكرية وبين ما يجب على الشعب معرفته، وللأسف فهذا الداء مستمر إلى يومنا هذا، وانعدام الشفافية هذا يؤدي إلى انتشار الشائعات بشكل كبير، والتي في الغالب تُستخدم ضدك، ولانعدام مصداقيتك لدى الشعب فسبيل انتشار وتصديق الشائعات يكون ذا احتمال أكبر.
البعض يسأل الآن وقد بدت على وجهه علامات اليأس، فقد لجأ إلى كل الحلول سواء من الاعتصام والذي انتهى بنهاية فاجعة بمذبحة رابعة والنهضة، أو بالمظاهرات السلمية والتي لا تزيد إلا عدد القتلى أو المعتقلين، أو بالمظاهرات التخريبية والتي لم تحقق مرادها تماما أيضا، فهو إذن لا يعلم ما المطلوب عمله لكي يحقق ما يرنو إليه.
هو فقط لا يريد أن يظل صامتا عما يحدث حوله، يتساءل كثيرا، يحزن، تنزل من عينه قطرات من الدمع حين يخلو بنفسه ليلا ويتذكر صديق طفولته الذي استشهد يوم رمسيس،أو زميله الجامعي ذا الوجه البشوش المعتقل منذ عامين في غيابات السجن والذي لا يعلم عنه أحد أية معلومات، أو عن أستاذه صاحب الفضل الغزير عليه والذي أُصيب بشلل نصفي من كثرة ما تعرض له من التعذيب، يرى ويتذكر كل ذاك ولا يريد أن يستسلم حتى لا يحس ضميره بالتقصير في حقهم، ولكنه أيضا يحس أن مجهودهم يضيع هباء تحت قيادة ليس لديها بصيرة أضاعتهم من قبل، يحس أن حزنهم يذهب أدراج الرياح حين يفكر أنه قد يكون سائرا في الطريق الخاطئ، هذا الشخص صاحب المشاعر المتناقضة ينتقد هو ذاته الإخوان، ولكنه أيضا أحيانا يشعر بالضجر حين يرانا ننتقد الإخوان مسارعا بالتهكم منا متسائلا: “ما الحل إذن يا أبو العريف؟
أرنا ما عندك، هيا أوجد حلا لما نحن فيه!”، يا صديقي لست أنا من ورطنا بهذه المعضلة التي نحن بها الآن لتتهكم بانتقادي لأخطاء جماعتكم الساذجة التي طالما حّذرتم منها، تريد أن أجد لك حلا؟
دعني أخبرك أنه لا حل واضح في تلك الأيام، أتعرف لماذا؟ لأننا أضعنا الحل الواضح حين وجوده، فعوقبنا بغياب الحلول الواضحة حين لم نتبع ما وجب علينا اتباعه، لا أعرف أنحن الآن في عقاب كعقاب أهل التيه؟ فذلك التيه النفسي لا يقل سوءا عن التيه المادي الذي عانى منه بنو إسرائيل من قبل، فذلك التيه النفسي، الذي لا يدري ما الذي يجب على كل منا فعله، أو إلى أين نذهب؟
وماذا نريد … إلى آخر تلك الأسئلة التي من الطبيعي أن نحيا عليها ومن أجلها، تلك الأسئلة حين تنعدم إجابتها، تتحول الحياة إلى مملة، كئيبة أحيانا، نتهرب من واقعها إلى عالم ينسجه خيالنا لنتخلص من معاناة ذلك التيه، أمازلت تسألني عن الحل يا صديقي؟
الحل في كلمات في رأيي المتواضع أولا أن نتعلم من أخطائنا ونحاول تصحيحها وأخيرا إلى أن نتعلم، أن نحاول ألا تُهدر تلك الدماء في غير مواضعها.
Comments
Post a Comment