Skip to main content

*أساطير صغيرة------- منصور الصُويّم **-------نساء فلاندرز

*أساطير صغيرة
منصور الصُويّم
**نساء فلاندرز
"هؤلاء نساء فلاندرز
ينتظرن الضّائعين،
ينتظرنَ الضّائعين الذين أبداً لنْ يُغادروا الميناء،
ينتظرن الضّائعين الّذين أبداً لن يجيء بهم القطار
إلى أحضان هؤلاء النّسوة، ذوات الوجوه الميتة،
ينتظرن الضّائعين الّذين يرقدون موتى في الخندق والحاجز والطّين في ظلام الليل.
هذه محطّة تشارنغ كروس. السّاعة جاوزت الواحدة.
ثمّة ضوء ضئيل
ثمّة ألم عظيم".
بهذه الأبيات الشعرية، كشف مصطفى سعيد عن سره – شخصيته لراوي رواية (موسم الهجرة إلى الشمال) "محميد!"، ويكمن الكشف في أن القائل تلا هذه المقاطع بلغة إنجليزية سليمة تتناقض مع ثقافته المفترضة من حيث المكان والمهنة وحتى السن، كما يكمن في دقة الاختيار الذي ينبئ عن حس ثقافي - شعري وإنساني رفيع تجلى في تلك اللحظة الحاسمة من جلسة المسامرة الخمرية التي جمعت الراوي بـ مصطفى سعيد.
"ينتظرن الضّائعين الّذين أبداً لن يجيء بهم القطار.. إلى أحضان هؤلاء النّسوة، ذوات الوجوه الميتة"، هل حملت هذه المقاطع الشعرية في لحظتها الكشفية تلك نبرة ندم شجني ينعى عبره م. سعيد نساءه الضائعات في الزمن الآفل واللاتي سيضعن في الزمن المقبل.. هل كان نعيا مبكرا من م. سعيد لروحه التي ستغيب في خضم فيضان النيل؛ مخلفا الانتظار والألم لـ "حُسناه"؟ هل كانت الأبيات رسالة سرية غامضة أسلمها سعيد للراوي الذي كان عليه فك طلاسمها بذكاء أكثر وتلافي مأساة الشهيدة حُسنة بت محمود؟
"ينتظرن الضّائعين الّذين يرقدون موتى في الخندق والحاجز والطّين في ظلام الليل"، بلا شك كان مستر م. سعيد – مثلما قدمه الطيب صالح - مثقفا فريدا من نوعه وإن حملت روحه العدمية بذرة فنائه وفناء من عشقنه من نساء. فهل استقرأ بحسه السياسي والاقتصادي – المتشائم مصائر النساء في هذه الأرض؛ التي سيغرق ويغيب في مائها.. هل مرر - في السهرة تلك - للراوي التربوي المثقف ولصديقه السياسي المتحمس "محجوب" شفرة تَعرض أحوال نساء البلاد بعد سنوات طوال حبلى بالحروب والنزوح والتشرد والاغتراب؟ نعم حُسنة ستموت أبشع ميتة وهي تنتظر "ميت الطين في ظلام الليل"، ونعم أن شاعر هذه الأبيات كان يخاطب بشاعة العالم في حروبه العبثية، لكن أوليس الحرب هي الحرب، والانتظار هو الانتظار، والألم هو الألم سواء أكان لدى نساء فلاندرز أو نساء الخرطوم أو نساء نيالا أو تلك القرية ود حامد.
"ثمّة ضوء ضئيل.. ثمّة ألم عظيم"، بانتظار النساء الآملات هناك في محطات القطار والموانئ، في حقول الذرة والسمسم، أمام نيران مواقد الشاي، وفي الحروب الدائرة أبداً.
"ينتظرن الضّائعين"، أو قصيدة " انتويرب"، للشاعر الإنجليزي فورد مادوكس فورد..
*زاوية يومية بصحيفة (اليوم التالي)
** تشكيل – سيف اللعوتة

Comments

Popular posts from this blog

Mona Farouk reveals scenes of "scandalous video"Egyptian actress Mona Farouk appeared on

Mona Farouk reveals scenes of "scandalous video"Egyptian actress Mona Farouk appeared on Monday in a video clip to discuss the details of the case she is currently facing. She recorded the first video and audio statements about the scandalous video that she brings together with Khaled Youssef.Farouk detonated several surprises, on the sidelines of her summons to the Egyptian prosecution, that Khalid Youssef was a friend of her father years ago, when she was a young age, and then collected a love relationship with him when she grew up, and married him in secret with the knowledge of her parents and her father and brother because his social status was not allowed to declare marriage .Muna Farouk revealed that the video was filmed in a drunken state. She and her colleague Shima al-Hajj said that on the same day the video was filmed, she was at odds with Shima, and Khaled Yusuf repaired them and then drank alcohol.She confirmed that Youssef was the one who filmed the clips whil

الحلقة 20 هنادي المطلقة والمحلل (ماذا قال كتاب العرب في هنادي)-----------Khalid Babiker

• الجنس شعور فوضوي يتحكم في الذات والعقل . وله قوة ذاتية لا تتصالح إلا مع نفسها . هكذا قال أنصار المحلل الحلقة 20 هنادي المطلقة والمحلل (ماذا قال كتاب العرب في هنادي) أول طريق عبره الإنسان هو طريق الذكر . بعدها شهق وصرخ . تمرغ في الزيت المقدس . وجرب نشوة الأرغوس . عاجلا أم آجلا سيبحث عن هذا الطريق ( كالأسماك تعود إلى أرض ميلادها لتبيض وتموت ) . وسيعبره . سيعبره بحثا عن الديمومة . وسيشهق وسيضحك . لقد جاء إليه غريبا . سيظل بين جدرانه الدافئة غريبا . وحالما يدفع تلك الكائنات الحية الصغيرة المضطربة في الهاوية الملعونة سيخرج فقيرا مدحورا يشعر بخيانة ما ( ..... ) . لن ينسى الإنسان أبدا طريق الذكر الذي عبره في البدء . سيتذكره ليس بالذاكرة وإنما بالذكر . سيعود إليه بعد البلوغ أكثر شوقا وتولعا . ولن يدخل فيه بجميع بدنه كما فعل في تلك السنوات التي مضت وإنما سيدخل برأسه . بعد ذلك سيندفع غير مبال بالخطر والفضيحة والقانون والدين . الله هناك خلف الأشياء الصغيرة . خلف كل شهقة . كل صرخة مندفعا في الظلام كالثور في قاعة المسلخ . الله لا يوجد في الأشياء الكبيرة . في الشرانق . في المح . ينشق فمه . تن

Trusting Liar (#5) Leave a reply

Trusting Liar (#5) Leave a reply Gertruida is the first to recover.  “Klasie… ?” “Ag drop the pretence, Gertruida. You all call me ‘Liar’ behind my back, so why stop now? Might as well be on the same page, yes?” Liar’s face is flushed with anger; the muscles in his thin neck prominently bulging. “That diamond belongs to me. Hand it over.” “What are you doing? Put away the gun…” “No! This…,” Liar sweeps his one hand towards the horizon, “…is my place.  Mine!   I earned it! And you…you have no right to be here!” “Listen, Liar, we’re not the enemy. Whoever is looking for you with the aeroplane and the chopper….well, it isn’t us. In fact, we were worried about you and that’s why we followed you. We’re here to help, man!” Vetfaan’s voice is pleading as he takes a step closer to the distraught man. “Now, put down the gun and let’s chat about all this.” Liar hesitates, taken aback after clearly being convinced that the group  had hostile intentions. “I…I’m not sure I believe