عليك ان تُغير اسمك بالعراق… ومن الأسماء ما قتل!
هيفاء زنكنة
هناك ظاهرة يزداد انتشارها، حاليا، بالعراق، تستحق المتابعة لفهم تأثير
الوضع السياسي على الاجتماعي العام. ففي جرد سريع لصفحات الاعلانات في
جريدة «الصباح» الرسمية العراقية، يوم الأثنين 23 آذار/ مارس، فقط، وجدت
أنها تحتوي 19 أعلانا موقعا من قبل اللواء تحسين عبد الرزاق فليح، مدير
الجنسية العام، بصدد أشخاص قدموا طلبات رسمية إلى المديرية يرومون فيها
تبديل أسمائهم، مطالبا من لديه اعتراض على الدعوى مراجعة المديرية.
فما هي الاسماء ولم الرغبة بتبديلها في الوثائق الرسمية؟
اللافت للانتباه ان الاسم الاول الذي يراد تغييره بالنسبة إلى الذكور هو عمر. وغالبا ما يكون الطلب مقدما من قبل والدة أو والد عمر، وتأتي الصيغة بشكل واحد للجميع. ويحتل اسم عمار المرتبة الأولى من بين الاسماء الجديدة المقترحة كبدائل لعمر بالاضافة إلى أمجد ومعتز و عبد الله وكرار. ويحتل اسم سفيان المرتبة الثانية بين الاسماء التي يسعى حاملوها إلى تغييرها حيث طلب سفيان ناجي تغيير اسمه إلى وسام. أما علاء حاتم فقد طلب تبديل اسم أبنه من موسى الكاظم إلى موسى.
أما بالنسبة إلى الأناث، فهناك دعوى بتغيير أسم عائشة إلى لجين. ولا تقتصر الدعاوى على تغيير اسماء الافراد بل هناك من يسعى لتغيير لقبه العائلي. اذ قدم رائد جواد وشقيقه طلبا لتغيير لقبهما من الفيلي إلى العلوي.
المعروف ان تغيير الاسماء والألقاب ليس ظاهرة جديدة ولا تقتصر على العراق، ولأسباب عدة. ففي الغرب، تنتشر الظاهرة بين نجوم السينما والمسرح والفنانين عموما سعيا للعثور على اسم يجلب الانتباه ويسهل انتشاره بين الجمهور. هناك من يرغب، أيضا، بتغيير اسمه تماهيا مع من يعجب به من النجوم او لاعبي كرة القدم او القادة السياسيين او المفكرين. ويلجأ بعض المهاجرين عند استقرارهم في بلدان غير بلدانهم، إلى تغيير اسمائهم أما رغبة في الاندماج في المجتمع الجديد، او لكي يخفوا هويتهم، او ما يدل على بلدانهم الاصلية، او لصعوبة اللفظ، أو على الاقل لكي لايجذبوا الانتباه اليهم. حينئذ يصبح «مو» بديلا لأسم محمد وأليكس بدلا من علي وكلير بديلا لآمنة.
يشكل تغيير الدين أحد العوامل الداعية إلى تبديل الاسماء. فعند أعتناق اليهودية، يصر الحاخام على ان يحمل المعتنق اسما عبريا. ويصبح الاسم الاول ابراهيم للذكور وسارة للأناث للدلالة على التغيير الجذري في الفكر والهوية. ولا سيصح اختيار اسم، حسب رغبة الشخص، الا في الجيل الثاني من المعتنقين الجدد.
أما بالنسبة إلى الإسلام فليس هناك اجبار على تغيير الاسم الا اذا كان الاسم دينيا بحتا كاسماء القديسين مثلا. مع ذلك، يختار بعض المعتنقين الجدد تغيير اسمائهم، كما فعل الملاكم المشهور كاسيوس كلاي، الذي غير اسمه إلى محمد علي كلاي، والمغني البريطاني كات ستيفنز الذي اصبح يوسف أسلام.
ويعتبر القمع السياسي والعرقي والديني، اما بشكل منفرد أو جماعي، واما بشكل مشرعن قانونيا أو نتيجة خلق اجواء خوف وترويع، من الاسباب الرئيسية الداعية إلى تغيير الاسماء، للحفاظ على الحياة وللحصول على عمل أو أكمال الدراسة أو الزواج.
بالنسبة إلى العراق، علينا التمييز بين الحاجة إلى تغيير الأسم بسبب تشريع قانوني يميز بين المواطنين وبين جو الخوف العام الشائع حول استهداف فئة معينة وهذا ما يجري حاليا، اذ تنص القوانين على المساواة بين الجميع في الحقوق والواجبات بغض النظر عن القومية والدين والجنس. خلافا، مثلا، لما كان عليه الحال في بلغاريا. اذ كان القانون، تحت النظام الشيوعي، ينص على منع التحدث باللغة التركية للأقلية الناطقة بالتركية، إلى ان قرر الحزب الشيوعي الغاء القانون عام 1989 ومنح الاقلية التركية حق التخاطب واطلاق اسماء تركية على اطفالهم.
وشهد العراق المعاصر اطلاق أسماء تتماشى مع التغيرات السياسية العراقية والعربية أحيانا، بالاضافة إلى تبديل الاسم بآخر بما يساير الحزب المهيمن على السلطة في حينها.
وفي خمسينيات القرن الماضي، وما تلا ثورة 14 تموز 1958، شاعت اسماء مثل تضامن، تحرير، كفاح، سلام، وأمل، ولم يخل العراق من نهرو ولينين وجمال.
أما اثناء حكم حزب البعث ورئاسة صدام حسين فقد اصبح أسم صدام مرغوبا في العراق وعدد من البلدان العربية، وتسابق مواطنون لتبني القاب تقترب بهم من عشيرته أو اقاربه. فمن كان مقيما بمدينة الناصرية، جنوب العراق، صار يسمي نفسه «الناصري» ويدٌعي انه من تكريت.
الا ان ما تجدر الاشارة اليه هو، أولا: على اختلاف الحقب السياسية، وتعاقب الحكومات، كان العامل السياسي هو الطاغي على اطلاق وتبديل الاسماء. ثانيا: بقيت للاسماء العربية ذات الرمز الديني الاسلامي مثل محمد وبكر وحسن وحسين وعلي وعمر وعثمان، وصفات مثل الفاروق وكرار، واسماء القيادات الاسلامية التاريخية والعسكرية مثل طارق وخالد وسعد وزياد وقتيبة ونعمان ومثنى، مكانتها الثابتة وبشكل يوازي استنباط الاسماء الحديثة أو ذات العلاقة بالمتغيرات السياسية. كما نجد، أيضا، أسماء منذورة حصرا للأئمة مثل عبد الحسين وعبد الزهرة، وهي أقل شيوعا لكنها حاضرة.
وغالبا، ما تجد علي وعمر وفاطمة وعائشة ابناء عائلة واحدة سواء كانت في الموصل أو في النجف. ولا تقتصر هذه الحالات على العوائل التي يتزاوج فيها الشيعة والسنة. وهي حالات وصلت في بغداد والبصرة وغيرهما بنسب عالية وفي كل الطبقات، (ولاتزال حاضرة رغم الجو الطائفي). فالعراقيون، في الغالب، لا ينظرون إلى المذهب كحالة إقصاء لبعضهم البعض إجتماعيا أو في نظرتهم للشخصيات التاريخية.
الا ان الغزو الأنكلو أمريكي للعراق وسياسة فرق تسد الطائفية التي دعمتها احزاب بحاجة ماسة إلى الدعم الخارجي من جهة واستغلال الطائفية لتنمية قاعدتها الاجتماعية، أدى إلى تأسيس حالة تخويف باتت تمزق بنية المجتمع وتفرض سبلا لحماية النفس من الأذى والبقاء على قيد الحياة. ومن بينها تبديل الاسماء، التي باتت تصنف في أجواء الهستيريا الطائفية العام المتغذية على فساد غنيمة أموال النفط، باعتبارها أسماء سنية وأسماء شيعية. وبالتالي إلى اضطرار الكثيرين إلى تغيير اسمائهم إلى اسماء بلا مغزى ديني أو تاريخي، خشية استهدافهم على اساس اسمائهم او القابهم، خصوصا عند مراجعة الدوائر الرسمية، وحتى في التعامل مع التلاميذ في المدارس. إن حاجة المواطن إلى تبديل أسمه باسم آخر حماية لحياته يعني الوصول إلى هوة سيكون قرارها تفتيت الهوية الوطنية وتقسيم العراق.
وأذا لم يتم تدارك هذه الظاهرة الدالة على عمق الهوة، واذا استمر النظام الحالي بسياسته التجزيئية للمجتمع، فلن يكون مستبعدا محاسبة المواطن على عدد الحروف باسمه او قتله لأنه يرتدي ألوانا مغايرة لذائقة حكام الطائفة.
٭ كاتبة من العراق
هيفاء زنكنة
فما هي الاسماء ولم الرغبة بتبديلها في الوثائق الرسمية؟
اللافت للانتباه ان الاسم الاول الذي يراد تغييره بالنسبة إلى الذكور هو عمر. وغالبا ما يكون الطلب مقدما من قبل والدة أو والد عمر، وتأتي الصيغة بشكل واحد للجميع. ويحتل اسم عمار المرتبة الأولى من بين الاسماء الجديدة المقترحة كبدائل لعمر بالاضافة إلى أمجد ومعتز و عبد الله وكرار. ويحتل اسم سفيان المرتبة الثانية بين الاسماء التي يسعى حاملوها إلى تغييرها حيث طلب سفيان ناجي تغيير اسمه إلى وسام. أما علاء حاتم فقد طلب تبديل اسم أبنه من موسى الكاظم إلى موسى.
أما بالنسبة إلى الأناث، فهناك دعوى بتغيير أسم عائشة إلى لجين. ولا تقتصر الدعاوى على تغيير اسماء الافراد بل هناك من يسعى لتغيير لقبه العائلي. اذ قدم رائد جواد وشقيقه طلبا لتغيير لقبهما من الفيلي إلى العلوي.
المعروف ان تغيير الاسماء والألقاب ليس ظاهرة جديدة ولا تقتصر على العراق، ولأسباب عدة. ففي الغرب، تنتشر الظاهرة بين نجوم السينما والمسرح والفنانين عموما سعيا للعثور على اسم يجلب الانتباه ويسهل انتشاره بين الجمهور. هناك من يرغب، أيضا، بتغيير اسمه تماهيا مع من يعجب به من النجوم او لاعبي كرة القدم او القادة السياسيين او المفكرين. ويلجأ بعض المهاجرين عند استقرارهم في بلدان غير بلدانهم، إلى تغيير اسمائهم أما رغبة في الاندماج في المجتمع الجديد، او لكي يخفوا هويتهم، او ما يدل على بلدانهم الاصلية، او لصعوبة اللفظ، أو على الاقل لكي لايجذبوا الانتباه اليهم. حينئذ يصبح «مو» بديلا لأسم محمد وأليكس بدلا من علي وكلير بديلا لآمنة.
يشكل تغيير الدين أحد العوامل الداعية إلى تبديل الاسماء. فعند أعتناق اليهودية، يصر الحاخام على ان يحمل المعتنق اسما عبريا. ويصبح الاسم الاول ابراهيم للذكور وسارة للأناث للدلالة على التغيير الجذري في الفكر والهوية. ولا سيصح اختيار اسم، حسب رغبة الشخص، الا في الجيل الثاني من المعتنقين الجدد.
أما بالنسبة إلى الإسلام فليس هناك اجبار على تغيير الاسم الا اذا كان الاسم دينيا بحتا كاسماء القديسين مثلا. مع ذلك، يختار بعض المعتنقين الجدد تغيير اسمائهم، كما فعل الملاكم المشهور كاسيوس كلاي، الذي غير اسمه إلى محمد علي كلاي، والمغني البريطاني كات ستيفنز الذي اصبح يوسف أسلام.
ويعتبر القمع السياسي والعرقي والديني، اما بشكل منفرد أو جماعي، واما بشكل مشرعن قانونيا أو نتيجة خلق اجواء خوف وترويع، من الاسباب الرئيسية الداعية إلى تغيير الاسماء، للحفاظ على الحياة وللحصول على عمل أو أكمال الدراسة أو الزواج.
بالنسبة إلى العراق، علينا التمييز بين الحاجة إلى تغيير الأسم بسبب تشريع قانوني يميز بين المواطنين وبين جو الخوف العام الشائع حول استهداف فئة معينة وهذا ما يجري حاليا، اذ تنص القوانين على المساواة بين الجميع في الحقوق والواجبات بغض النظر عن القومية والدين والجنس. خلافا، مثلا، لما كان عليه الحال في بلغاريا. اذ كان القانون، تحت النظام الشيوعي، ينص على منع التحدث باللغة التركية للأقلية الناطقة بالتركية، إلى ان قرر الحزب الشيوعي الغاء القانون عام 1989 ومنح الاقلية التركية حق التخاطب واطلاق اسماء تركية على اطفالهم.
وشهد العراق المعاصر اطلاق أسماء تتماشى مع التغيرات السياسية العراقية والعربية أحيانا، بالاضافة إلى تبديل الاسم بآخر بما يساير الحزب المهيمن على السلطة في حينها.
وفي خمسينيات القرن الماضي، وما تلا ثورة 14 تموز 1958، شاعت اسماء مثل تضامن، تحرير، كفاح، سلام، وأمل، ولم يخل العراق من نهرو ولينين وجمال.
أما اثناء حكم حزب البعث ورئاسة صدام حسين فقد اصبح أسم صدام مرغوبا في العراق وعدد من البلدان العربية، وتسابق مواطنون لتبني القاب تقترب بهم من عشيرته أو اقاربه. فمن كان مقيما بمدينة الناصرية، جنوب العراق، صار يسمي نفسه «الناصري» ويدٌعي انه من تكريت.
الا ان ما تجدر الاشارة اليه هو، أولا: على اختلاف الحقب السياسية، وتعاقب الحكومات، كان العامل السياسي هو الطاغي على اطلاق وتبديل الاسماء. ثانيا: بقيت للاسماء العربية ذات الرمز الديني الاسلامي مثل محمد وبكر وحسن وحسين وعلي وعمر وعثمان، وصفات مثل الفاروق وكرار، واسماء القيادات الاسلامية التاريخية والعسكرية مثل طارق وخالد وسعد وزياد وقتيبة ونعمان ومثنى، مكانتها الثابتة وبشكل يوازي استنباط الاسماء الحديثة أو ذات العلاقة بالمتغيرات السياسية. كما نجد، أيضا، أسماء منذورة حصرا للأئمة مثل عبد الحسين وعبد الزهرة، وهي أقل شيوعا لكنها حاضرة.
وغالبا، ما تجد علي وعمر وفاطمة وعائشة ابناء عائلة واحدة سواء كانت في الموصل أو في النجف. ولا تقتصر هذه الحالات على العوائل التي يتزاوج فيها الشيعة والسنة. وهي حالات وصلت في بغداد والبصرة وغيرهما بنسب عالية وفي كل الطبقات، (ولاتزال حاضرة رغم الجو الطائفي). فالعراقيون، في الغالب، لا ينظرون إلى المذهب كحالة إقصاء لبعضهم البعض إجتماعيا أو في نظرتهم للشخصيات التاريخية.
الا ان الغزو الأنكلو أمريكي للعراق وسياسة فرق تسد الطائفية التي دعمتها احزاب بحاجة ماسة إلى الدعم الخارجي من جهة واستغلال الطائفية لتنمية قاعدتها الاجتماعية، أدى إلى تأسيس حالة تخويف باتت تمزق بنية المجتمع وتفرض سبلا لحماية النفس من الأذى والبقاء على قيد الحياة. ومن بينها تبديل الاسماء، التي باتت تصنف في أجواء الهستيريا الطائفية العام المتغذية على فساد غنيمة أموال النفط، باعتبارها أسماء سنية وأسماء شيعية. وبالتالي إلى اضطرار الكثيرين إلى تغيير اسمائهم إلى اسماء بلا مغزى ديني أو تاريخي، خشية استهدافهم على اساس اسمائهم او القابهم، خصوصا عند مراجعة الدوائر الرسمية، وحتى في التعامل مع التلاميذ في المدارس. إن حاجة المواطن إلى تبديل أسمه باسم آخر حماية لحياته يعني الوصول إلى هوة سيكون قرارها تفتيت الهوية الوطنية وتقسيم العراق.
وأذا لم يتم تدارك هذه الظاهرة الدالة على عمق الهوة، واذا استمر النظام الحالي بسياسته التجزيئية للمجتمع، فلن يكون مستبعدا محاسبة المواطن على عدد الحروف باسمه او قتله لأنه يرتدي ألوانا مغايرة لذائقة حكام الطائفة.
٭ كاتبة من العراق
هيفاء زنكنة
Comments
Post a Comment