ترجمة وتحرير نون بوست
قد يفاجأ المتابع للاضطرابات التي تضرب الشرق الأوسط بالعلاقات الودية التي يتم بناءها على نحو متزايد بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية، الدولتان العدوتان اللتان تواجهان الآن تهديدات مشتركة متمثلة في البرنامج النووي الإيراني وتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام.
في نوفمبر الماضي أعرب وزير النفط السعودي علي النعيمي عن استعداد بلاده لبيع النفط لإسرائيل، التي لاتزال دولة غير معترف بها رسميًا من قِبل السعودية، حيث صرّح في مؤتمر صحفي في فيننا بقوله "لطالما كان جلالة الملك عبد الله نموذجًا للعلاقات الطيبة بين المملكة العربية السعودية وغيرها من الدول، والدولة اليهودية ليست استثناء"، وقبل بضعة أشهر فقط، قام رئيس المخابرات السعودية السابق الأمير تركي الفيصل بنشر مقالة رأي في صحيفة هآرتس الإسرائيلية، ورغم أن الفيصل أكد في مقالته موقف الجامعة العربية التقليدي من عملية السلام، والمتمثل بمطالبة إسرائيل بالانسحاب إلى حدود ما قبل عام 1967، بيد أن نشر الفيصل لمقالة في صحيفة إسرائيلية يمثل استهلالاً هامًا، خاصة في ظل تزامن هذه اللفتات مع التكهنات السارية منذ سنوات والتي تتوقع تعاون مشترك إسرائيلي - سعودي، لتنسيق هجوم على المنشآت النووية الإيرانية.
لكن أبرز مشاهد التعاون غير الرسمي بين البلدين، هو التعاون غير المسبوق الذي وقع في بداية ستينيات القرن الماضي، حيث وجدت إسرائيل والمملكة العربية السعودية أرضية مشتركة للتعاون في مواجهة البلدان أو الحركات التي تهدد وجودهما بشكل صريح، وفي تلك الفترة لم يقتصر التعاون ما بين البلدين على تقارب الإستراتيجيات، بل تعداه ليصل إلى مرحلة التعاون على المستوى التكتيكي.
خلال الستينات، انطلق التهديد المشترك من قِبل الرئيس المصري جمال عبد الناصر، زعيم حركة القوميين العرب والشخصية الأكثر شعبية في الشرق الأوسط، حيث وصلت خطاباته السياسية والإذاعية وأثرت بملايين العرب في جميع أنحاء العالم، وكان يستهدف في خطاباته إسرائيل والمملكة العربية السعودية والمملكة المتحدة.
في عام 1962 قام كادر من الضباط اليمنيين المتعاطفين مع القضية القومية العربية بالإطاحة بالنظام الملكي الثيوقراطي "الديني" في اليمن، وحينها عمد عبد الناصر إلى إرسال حوالي 70.000 جندي مصري لدعم حرب الجمهورية الجديدة بمواجهة الموالين للنظام القديم، كما أعلن عبد الناصر عن نيته لمد فتيل الثورة إلى الحدود الشمالية لليمن لمهاجمة المملكة العربية السعودية، وإلى جنوب اليمن لمهاجمة المستعمرة البريطانية في عدن.
لمواجهة هذه التهديدات عمدت المملكة العربية السعودية إلى تمويل القبائل الملكية وقدمت لهم الملاذ والملجأ، أما المرتزقة البريطانيون فحاولوا تمرير المساعدات العسكرية للقوات التي تقاتل ضد القوات المصرية على الأرض، ولكن التضاريس الجبلية القاسية في شمال اليمن وقفت كحجر عثرة كبير، مما استحال معه وصول الأسلحة والإمدادات إلى الميليشيات القبلية الُمحاصرة على الأرض.
لم ترغب كلاً من لندن والرياض بدعم القوات الملكية علنًا، لذا كانتا بحاجة إلى شريك على استعداد لتنظيم عمليات النقل الجوي سرًا فوق الأراضي المعادية، وهنا اتجهت الأنظار نحو إسرائيل، البلد الوحيد الذي كان سيخسر أكثر مما ستخسره السعودية في حال انتصار القوات المصرية في اليمن، حيث كان القادة الإسرائيليون يرون أن دعم حرب بالوكالة على مصر سيساعد على إحباط أي مواجهة محتملة بين القوات المصرية والإسرائيلية في سيناء، كما أن هذه الحرب ستشغل عبد الناصر عن مهاجمة إسرائيل.
قام الطيار الإسرائيلي الشهر أرييه عوز بقيادة مهمة النقل والإمداد، وحينئذ كان زعيم سرب الطيران الدولي الإسرائيلي رقم 120، حيث تم استخدام طائرة بوينغ ستراتوكروز المعدلة لتنفيذ المهمات التي شملت 14 طلعة جوية إلى المرتفعات الشمالية لليمن بين عامي 1964 و1966، حيث حملت هذه الرحلات أسلحة وإمدادات حيوية ساعدت - في كثير من الأحيان - على قلب معادلة المعارك لصالح القوات الملكية، وحينها كان الطيارون الإسرائيليون يستخدمون الأراضي السعودية للعبور بشكل مباشر نحو اليمن، متجنبين بذلك استخدام مسار البحر الأحمر الذي تحرسه الطائرات المقاتلة المصرية بشكل دوري.
كانت عمليات التخطيط وصنع القرار مقتصرة فقط على عدد محدود من المرتزقة البريطانيين والقادة الإسرائيليين والعائلة المالكة السعودية والإمام اليمني المخلوع ووزير خارجيته، ولضمان سلامة وسرية البعثات، لم يكن الشعب السعودي أو اليمني على دراية بتورط إسرائيل في الحرب؛ فعلى سبيل المثال حدثت إحدى عمليات الإنزال الجوي بعد أن أعلن الزعيم المخلوع لزعماء القبائل أن الإمدادات ستهبط عليهم من السماء، وفي منطقة الإنزال سمع عميل للاستخبارات البريطانية أحد قادة القبائل الملكية يقول "انظروا، حتى الله يساعد الإمام".
بالنتيجة انتهت الحرب الأهلية في عام 1968، بعد سلسلة من الاتفاقات، اتحدت على إثرها القوات الملكية والفصائل الجمهورية، لتشكيل الجمهورية العربية اليمنية في الجزء الشمالي من البلاد.
وهنا نقول، طالما تمكّن الإسرائيليون والسعوديون من وضع خلافاتهم جانبًا في وقت سابق لمواجهة التهديدات المشتركة، فإنهم بالتأكيد يمكن أن يفعلوا ذات الشيء اليوم، كلا البلدين تنظران الآن إلى التهديد النووي الإيراني كتهديد مساو - إن لم يكن أكبر- للتهديد القديم بوجود موطئ قدم لمصر في اليمن خلال الستينيات، وفي ظروف معينة سيكون الخطر الإيراني محدق بما فيه الكفاية ليدفع باتجاه التعاون التكتيكي، خاصة إذا اقتربت طهران من تصنيع قنبلة نووية.
بعد خمسة عقود على عمليات النقل الجوي بين إسرائيل والسعودية في اليمن، لاتزال العلاقات غير الرسمية بين البلدين مستمرة حتى الآن، فالرياض تغض الطرف عن الواردات من المنتجات الإسرائيلية التي تدخل البلاد، كما أن رجال الأعمال السعوديين يشترون العقارات في تل أبيب من خلال أطراف ثالثة، لهذا ماتزال التكهنات حول المناقشات الدبلوماسية والأمنية السرية بين الطرفين مستمرة حتى الآن.
بناء عليه، لا يمكن القول إن المؤشرات الأخيرة على ازدياد حميمية العلاقة السعودية الإسرائيلية بشكل تدريجي وارتفاع مستوى التعامل بين الطرفين خلف الستار هو أمر جديد، وينبغي علينا ألا نصاب بالدهشة إذا تم اتخاذ خطوات جريئة لفتح الباب علنًا أمام حقبة جديدة من التعاون الإقليمي ما بين السعودية وإسرائيل.
قد يفاجأ المتابع للاضطرابات التي تضرب الشرق الأوسط بالعلاقات الودية التي يتم بناءها على نحو متزايد بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية، الدولتان العدوتان اللتان تواجهان الآن تهديدات مشتركة متمثلة في البرنامج النووي الإيراني وتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام.
في نوفمبر الماضي أعرب وزير النفط السعودي علي النعيمي عن استعداد بلاده لبيع النفط لإسرائيل، التي لاتزال دولة غير معترف بها رسميًا من قِبل السعودية، حيث صرّح في مؤتمر صحفي في فيننا بقوله "لطالما كان جلالة الملك عبد الله نموذجًا للعلاقات الطيبة بين المملكة العربية السعودية وغيرها من الدول، والدولة اليهودية ليست استثناء"، وقبل بضعة أشهر فقط، قام رئيس المخابرات السعودية السابق الأمير تركي الفيصل بنشر مقالة رأي في صحيفة هآرتس الإسرائيلية، ورغم أن الفيصل أكد في مقالته موقف الجامعة العربية التقليدي من عملية السلام، والمتمثل بمطالبة إسرائيل بالانسحاب إلى حدود ما قبل عام 1967، بيد أن نشر الفيصل لمقالة في صحيفة إسرائيلية يمثل استهلالاً هامًا، خاصة في ظل تزامن هذه اللفتات مع التكهنات السارية منذ سنوات والتي تتوقع تعاون مشترك إسرائيلي - سعودي، لتنسيق هجوم على المنشآت النووية الإيرانية.
لكن أبرز مشاهد التعاون غير الرسمي بين البلدين، هو التعاون غير المسبوق الذي وقع في بداية ستينيات القرن الماضي، حيث وجدت إسرائيل والمملكة العربية السعودية أرضية مشتركة للتعاون في مواجهة البلدان أو الحركات التي تهدد وجودهما بشكل صريح، وفي تلك الفترة لم يقتصر التعاون ما بين البلدين على تقارب الإستراتيجيات، بل تعداه ليصل إلى مرحلة التعاون على المستوى التكتيكي.
خلال الستينات، انطلق التهديد المشترك من قِبل الرئيس المصري جمال عبد الناصر، زعيم حركة القوميين العرب والشخصية الأكثر شعبية في الشرق الأوسط، حيث وصلت خطاباته السياسية والإذاعية وأثرت بملايين العرب في جميع أنحاء العالم، وكان يستهدف في خطاباته إسرائيل والمملكة العربية السعودية والمملكة المتحدة.
في عام 1962 قام كادر من الضباط اليمنيين المتعاطفين مع القضية القومية العربية بالإطاحة بالنظام الملكي الثيوقراطي "الديني" في اليمن، وحينها عمد عبد الناصر إلى إرسال حوالي 70.000 جندي مصري لدعم حرب الجمهورية الجديدة بمواجهة الموالين للنظام القديم، كما أعلن عبد الناصر عن نيته لمد فتيل الثورة إلى الحدود الشمالية لليمن لمهاجمة المملكة العربية السعودية، وإلى جنوب اليمن لمهاجمة المستعمرة البريطانية في عدن.
لمواجهة هذه التهديدات عمدت المملكة العربية السعودية إلى تمويل القبائل الملكية وقدمت لهم الملاذ والملجأ، أما المرتزقة البريطانيون فحاولوا تمرير المساعدات العسكرية للقوات التي تقاتل ضد القوات المصرية على الأرض، ولكن التضاريس الجبلية القاسية في شمال اليمن وقفت كحجر عثرة كبير، مما استحال معه وصول الأسلحة والإمدادات إلى الميليشيات القبلية الُمحاصرة على الأرض.
لم ترغب كلاً من لندن والرياض بدعم القوات الملكية علنًا، لذا كانتا بحاجة إلى شريك على استعداد لتنظيم عمليات النقل الجوي سرًا فوق الأراضي المعادية، وهنا اتجهت الأنظار نحو إسرائيل، البلد الوحيد الذي كان سيخسر أكثر مما ستخسره السعودية في حال انتصار القوات المصرية في اليمن، حيث كان القادة الإسرائيليون يرون أن دعم حرب بالوكالة على مصر سيساعد على إحباط أي مواجهة محتملة بين القوات المصرية والإسرائيلية في سيناء، كما أن هذه الحرب ستشغل عبد الناصر عن مهاجمة إسرائيل.
قام الطيار الإسرائيلي الشهر أرييه عوز بقيادة مهمة النقل والإمداد، وحينئذ كان زعيم سرب الطيران الدولي الإسرائيلي رقم 120، حيث تم استخدام طائرة بوينغ ستراتوكروز المعدلة لتنفيذ المهمات التي شملت 14 طلعة جوية إلى المرتفعات الشمالية لليمن بين عامي 1964 و1966، حيث حملت هذه الرحلات أسلحة وإمدادات حيوية ساعدت - في كثير من الأحيان - على قلب معادلة المعارك لصالح القوات الملكية، وحينها كان الطيارون الإسرائيليون يستخدمون الأراضي السعودية للعبور بشكل مباشر نحو اليمن، متجنبين بذلك استخدام مسار البحر الأحمر الذي تحرسه الطائرات المقاتلة المصرية بشكل دوري.
كانت عمليات التخطيط وصنع القرار مقتصرة فقط على عدد محدود من المرتزقة البريطانيين والقادة الإسرائيليين والعائلة المالكة السعودية والإمام اليمني المخلوع ووزير خارجيته، ولضمان سلامة وسرية البعثات، لم يكن الشعب السعودي أو اليمني على دراية بتورط إسرائيل في الحرب؛ فعلى سبيل المثال حدثت إحدى عمليات الإنزال الجوي بعد أن أعلن الزعيم المخلوع لزعماء القبائل أن الإمدادات ستهبط عليهم من السماء، وفي منطقة الإنزال سمع عميل للاستخبارات البريطانية أحد قادة القبائل الملكية يقول "انظروا، حتى الله يساعد الإمام".
بالنتيجة انتهت الحرب الأهلية في عام 1968، بعد سلسلة من الاتفاقات، اتحدت على إثرها القوات الملكية والفصائل الجمهورية، لتشكيل الجمهورية العربية اليمنية في الجزء الشمالي من البلاد.
وهنا نقول، طالما تمكّن الإسرائيليون والسعوديون من وضع خلافاتهم جانبًا في وقت سابق لمواجهة التهديدات المشتركة، فإنهم بالتأكيد يمكن أن يفعلوا ذات الشيء اليوم، كلا البلدين تنظران الآن إلى التهديد النووي الإيراني كتهديد مساو - إن لم يكن أكبر- للتهديد القديم بوجود موطئ قدم لمصر في اليمن خلال الستينيات، وفي ظروف معينة سيكون الخطر الإيراني محدق بما فيه الكفاية ليدفع باتجاه التعاون التكتيكي، خاصة إذا اقتربت طهران من تصنيع قنبلة نووية.
بعد خمسة عقود على عمليات النقل الجوي بين إسرائيل والسعودية في اليمن، لاتزال العلاقات غير الرسمية بين البلدين مستمرة حتى الآن، فالرياض تغض الطرف عن الواردات من المنتجات الإسرائيلية التي تدخل البلاد، كما أن رجال الأعمال السعوديين يشترون العقارات في تل أبيب من خلال أطراف ثالثة، لهذا ماتزال التكهنات حول المناقشات الدبلوماسية والأمنية السرية بين الطرفين مستمرة حتى الآن.
بناء عليه، لا يمكن القول إن المؤشرات الأخيرة على ازدياد حميمية العلاقة السعودية الإسرائيلية بشكل تدريجي وارتفاع مستوى التعامل بين الطرفين خلف الستار هو أمر جديد، وينبغي علينا ألا نصاب بالدهشة إذا تم اتخاذ خطوات جريئة لفتح الباب علنًا أمام حقبة جديدة من التعاون الإقليمي ما بين السعودية وإسرائيل.
Comments
Post a Comment