Skip to main content

عيسى الحلو.. مزاج السرد السوداني

عيسى الحلو.. مزاج السرد السوداني
عيسى الحلو.. مزاج السرد السوداني


05-01-2014 06:16 AM
الخرطوم - محفوظ بشرى- الركوبة

 
 في الخامسة صباحاً، يستيقظ عيسى الحلو مفتقداً مذاق التبغ المحرّم عليه طبياً منذ سنوات. يستعيض عن القهوة ـ المحرمة كذلك ـ بكوب شاي قبل خروجه من باب منزله بمدينة أم درمان. يسير مسافة ليست بالقصيرة قبل أن يستقل الحافلة العامة متوجهاً إلى مبنى صحيفة "الرأي العام" بالخرطوم، حيث يعمل مشرفاً على القسم الثقافي. وهو عمل ظل يزاوله منذ عام 1975 في عدة صحف ومجلات.

قبل العاشرة يصل إلى مكتبه في الصحيفة الذي يطل على النيل الأزرق، فيشارك بحيوية في اجتماع التحرير، ثم يدير بعد انتهائه نقاشات أخرى تتصل باليومي من التفاصيل الإنسانية، مع كثير من الصحافيين في صالة التحرير. أثناء كل ذلك، لا يبدو عليه أنه يحمل فوق كتفيه خمسة وسبعين عاماً، فالرجل المشعّ حيوية، ولد عام 1939 بمدينة كوستي، وخطا في هذه السنة إلى يوبيله الماسي.

قضى الحلو 55 عاماً في الكتابة، إذ نشر أول نصوصه القصصية في صحيفة "الأمة" عام 1959، وكان بعنوان "مفتاح النور". بعده، تدفق إنتاجه القصصي والروائي حتى اليوم. وثمة دائماً ما هو قيد الكتابة.

في العام 1963 صدرت أول مجموعة قصصية له بعنوان "ريش الببغاء" (دار الحياة) وعدّت وقتها نقلة في كتابة القصة القصيرة، من الواقعية إلى القصة الذهنية الفلسفية. تبعتها خمس مجموعات، هي: "الوهم" (1971)، "وردة حمراء من أجل مريم" (1998)، "أختبئ لأبحث عنك" (2003)، "قيامة الجسد" (2005)، و"رحلة الملاك اليومية" (2008)،

وفي الميدان الروائي له: "حمّى الفوضى والتماسك" (1972)، "صباح الخير أيها الوجه اللا مرئي الجميل" (1997)، "عجوز فوق الأرجوحة" (2010)، "الورد وكوابيس الليل" (2013)، إلى جانب روايات ثلاث نشرها في صحيفتين سودانيتين: "البرتقالة" (صحيفة الصحافة، 1971)، "مداخل العصافير إلى الحدائق" (صحيفة الأيام، 1976) و"الجنة بأعلى التل" (صحيفة الأيام، 1978).

رغم هذا الإنتاج الغزير، يصرّح الحلو بعدم حبه للكتابة، بل بعدم حبه لما كتب. يقول لـ"العربي الجديد": "لم أقل بعد ما أريده. يبدو أن ما أريد قوله ضخم جداً وغامض، إذ كلما حاولت قوله أجده أفلت، لذا لا أحب أياً مما كتبت، أحس أنها تضييع للوقت.. شيء لا جدوى منه. أحب القراءة أكثر، ففي القراءة يبدع القارئ العالم بخيال خلاق وغير محدود ولا محدد. أما في الكتابة فالخيال يتحدد وينحبس بين دفتي الكتاب ولا يمكن تغييره. باختصار: الفرجة على العالم أسهل من صناعته بكثير".

مع ذلك، خلّف الحلو أثراً لا تخطئه العين في مشهد السرد السوداني. إذ يقول القاص والناقد نبيل غالي لـ"العربي الجديد": "مجموعة "ريش الببغاء" تعدّ من علامات الحداثة في أفق القصة القصيرة السودانية والقصة العربية". وعن ذات الأثر يقول محمد خير عبد الله رئيس نادي القصة السوداني: "أجزم بأن لعيسى الحلو أثراً كبيراً في الانفجار الروائي والقصصي الذي يشهده السودان اليوم.. بل أكاد أجزم أن له الأثر الوحيد".

"الكتابة لا تصل إلى غاياتها" يقول الحلو، ثم يفصِّل: "الأهداف النبيلة للكاتب، مثل تغيير العالم أو تغيير نفسه، لا تفضي إلى غاياتها. أظن هيمنغواي انتحر لأنه وصل إلى هذه النتيجة. ذلك يشبه ما قاله ماركيز حين مُنح نوبل: "لقد انطلت عليهم الخدعة".

يحب الحلو الحرية حتى إنه يجعلها معادلاً للحياة: "الموت نقيض الحرية، واستمرار التفكير فيه يقتل حيوية الحياة ويجعلك كمن يحيا في الموت. أنا لم أسأم العيش لأفكر كثيراً بالموت. الحياة قبل الانخراط في اللحظة المعاشة تحتمل أكثر من طريقة للعيش، لكنك حين تنخرط في هذه اللحظة داخل قالب سلوكي محدد، ثم تنتهي اللحظة، فأنت تشعر بأنك لم تتحقق كذات في هذه الحياة بكل طاقة الإرادة المبدعة، لذا نكرر ما عشناه في الماضي لأننا لم نستطع إنجازه بالكامل".

يعشق الحلو الشعر ويرى فيه محاولة الإنسان لاستئناس العالم: "بعد كل هذه السنوات أعرف أن العالم مخيف. نحن فقط استأنسناه وأسقطنا عليه مشاعر الألفة".

أما الأفكار والفلسفة فتشكّل ركيزة عوالمه القصصية والروائية في ألاعيبها السردية؛ علماً أن تفاصيل ذلك العالم "المخيف" نجدها مجدولة في ضفائر السرد لديه: "أفضل ما فيّ أن الأفكار تجري في دمي.. نعم، ليست الأفكار في جهة وجسدي في جهة أخرى".

ويرى القاص والناقد نبيل غالي أن الحلو ما زال يواصل حداثويته التي تعتمد في نخاعها على فكرة "الفلسفة الحياتية". وينتقد إقحام بعض النقاد قصص الحلو في التيار الوجودي لكونه "تضييقاً لمجرى تلك "الفلسفة الفكرية" التي اتبعها الحلو ولم ينسلخ عنها حتى الآن".

ويوافقه الناقد عامر محمد أحمد بقوله: "عيسى الحلو قاموس حداثة. وما من كاتب عربي منخرط في الكتابة يمكن أن يقاس به". ويضيف: "السرد المديني هو الوصف الأكمل لقراءة صاحب "ريش الببغاء"، فهو ابن المدينة وكاتبها والناطق بلسانها في زمن القرية والبساطة ومحاربة الاستعمار وأذياله بالعودة إلى الريف. لكن الحلو، على غير عادة أبناء جيله، رسم المدينة بعمّالها دون التزام باشتراكية، وموظفيها دون اهتمام ببرجوازية صغيرة أو بروح الحارة المصرية المتمثلة في خط نجيب محفوظ. نص الحلو لا يسعى إلى القرية لينقلها إلى المدينة بل يرسم المدينة ومشروع الحداثة ونجاعة الحضور".

يتميز الحلو بعمق تجربته النقدية، فهو إلى جانب الرواية والقصة القصيرة، يعالج النقد أيضاً، إلا أنه نقد يسميه نبيل غالي "النقد الثقافي"، ويقول إنه يتسرَّب أحياناً إلى نسيج قصص وروايات الحلو، قبل أن ينوّه إلى أن "الأدباء الذين جمعوا بين الإبداع والنقد قليلون في خريطتنا الثقافية، ومن بينهم عيسى الحلو". قبل أن يصفه بأنه: "نعمة في السرد السوداني".

ويعتبر غالي أن "أعمال عيسى الحلو القصصية والروائية تحتاج وقفة نقدية لاكتشاف عروق الذهب في نصوصه. تصيبني الدهشة حين ملاحظة أن ليست هناك أي رسالة ماجستير أو دكتوراه تتناول أعمال أديبنا الرمز. وهناك من هم أقل منه قامة وقيمة إبداعية نالوا حظوة في ذلك المنحى".

بثلاثة عشر عملاً منشورة، وأخرى قيد النشر، يشكّل الحلو حالة فريدة في السرد السوداني لأكثر من نصف قرن. ولا يختلف اثنان على عمق تجربته والقيمة الكبيرة لما يكتب. وهو يمثل اليوم، بالنسبة للكتّاب الجدد، نموذجاً محفزاً على فعل الكتابة.

العربي

Comments

Popular posts from this blog

Mona Farouk reveals scenes of "scandalous video"Egyptian actress Mona Farouk appeared on

Mona Farouk reveals scenes of "scandalous video"Egyptian actress Mona Farouk appeared on Monday in a video clip to discuss the details of the case she is currently facing. She recorded the first video and audio statements about the scandalous video that she brings together with Khaled Youssef.Farouk detonated several surprises, on the sidelines of her summons to the Egyptian prosecution, that Khalid Youssef was a friend of her father years ago, when she was a young age, and then collected a love relationship with him when she grew up, and married him in secret with the knowledge of her parents and her father and brother because his social status was not allowed to declare marriage .Muna Farouk revealed that the video was filmed in a drunken state. She and her colleague Shima al-Hajj said that on the same day the video was filmed, she was at odds with Shima, and Khaled Yusuf repaired them and then drank alcohol.She confirmed that Youssef was the one who filmed the clips whil

الحلقة 20 هنادي المطلقة والمحلل (ماذا قال كتاب العرب في هنادي)-----------Khalid Babiker

• الجنس شعور فوضوي يتحكم في الذات والعقل . وله قوة ذاتية لا تتصالح إلا مع نفسها . هكذا قال أنصار المحلل الحلقة 20 هنادي المطلقة والمحلل (ماذا قال كتاب العرب في هنادي) أول طريق عبره الإنسان هو طريق الذكر . بعدها شهق وصرخ . تمرغ في الزيت المقدس . وجرب نشوة الأرغوس . عاجلا أم آجلا سيبحث عن هذا الطريق ( كالأسماك تعود إلى أرض ميلادها لتبيض وتموت ) . وسيعبره . سيعبره بحثا عن الديمومة . وسيشهق وسيضحك . لقد جاء إليه غريبا . سيظل بين جدرانه الدافئة غريبا . وحالما يدفع تلك الكائنات الحية الصغيرة المضطربة في الهاوية الملعونة سيخرج فقيرا مدحورا يشعر بخيانة ما ( ..... ) . لن ينسى الإنسان أبدا طريق الذكر الذي عبره في البدء . سيتذكره ليس بالذاكرة وإنما بالذكر . سيعود إليه بعد البلوغ أكثر شوقا وتولعا . ولن يدخل فيه بجميع بدنه كما فعل في تلك السنوات التي مضت وإنما سيدخل برأسه . بعد ذلك سيندفع غير مبال بالخطر والفضيحة والقانون والدين . الله هناك خلف الأشياء الصغيرة . خلف كل شهقة . كل صرخة مندفعا في الظلام كالثور في قاعة المسلخ . الله لا يوجد في الأشياء الكبيرة . في الشرانق . في المح . ينشق فمه . تن

Trusting Liar (#5) Leave a reply

Trusting Liar (#5) Leave a reply Gertruida is the first to recover.  “Klasie… ?” “Ag drop the pretence, Gertruida. You all call me ‘Liar’ behind my back, so why stop now? Might as well be on the same page, yes?” Liar’s face is flushed with anger; the muscles in his thin neck prominently bulging. “That diamond belongs to me. Hand it over.” “What are you doing? Put away the gun…” “No! This…,” Liar sweeps his one hand towards the horizon, “…is my place.  Mine!   I earned it! And you…you have no right to be here!” “Listen, Liar, we’re not the enemy. Whoever is looking for you with the aeroplane and the chopper….well, it isn’t us. In fact, we were worried about you and that’s why we followed you. We’re here to help, man!” Vetfaan’s voice is pleading as he takes a step closer to the distraught man. “Now, put down the gun and let’s chat about all this.” Liar hesitates, taken aback after clearly being convinced that the group  had hostile intentions. “I…I’m not sure I believe