عبد الباري عطوان
تشكيل قوة تدخل سريع عسكرية عربية "بمن حضر" هل ستؤشر لعودة حلف "الاعتدال العربي"؟ وهل ستكون لحمايةالانظمة من الشعوب؟
وهل ستبدأ الحرب البرية في اليمن ام ليبيا؟
تعيش المنطقة العربية هذه الايام "اجواء حرب" تتوازى مع عملية استقطاب اقليمي وطائفي حادة، ومن الطبيعي في ظل هذه الاجواء ان تطفو على السطح مشاريع تحالفات سياسية وعسكرية مشابهة لما حدث اثناء حرب "عاصفة الصحراء" الامريكية التي استهدفت تدمير العراق تحت عنوان اخراج قواته من الكويت والتمهيد لحرب اخرى لاحقا، انتهت باحتلاله بعد استنزاف قواه وشعبه في حرب وحصار تجويعي.واذا كانت منظومة "دول اعلان دمشق" التي تكونت من"دول المنع" التي ايدت التدخل العسكري الامريكي في حرب الكويت )دول الخليج وسورية ومصر( فان منظومة سياسية وعسكرية جديدة تتبلور في الوقت الراهن وتضم الدول العربيةالعشر التي ايدت التدخل العسكري السعودي ضد التمدد الحوثي في اليمن وهي خمس دول خليجية )سلطنة عماننأت بنفسها( الى جانب الاردن ومصر والسودان والمغرب والمملكة العربية السعودية بطبيعة الحال.
الحلف الجديد بات يحكم في جامعة الدول العربية، وسيكون مهيمنا قطعا على مؤسسة القمة المنبثقة عنها، وبات يعزز وجوده من خلال تكوين قوة عربية عسكرية مشتركة عمادها وحدات من جيوش الدول المنضوية تحت لوائه.
وزراء خارجية دول الحلف او المنظومة العربية الجديدة ايدوا في اجتماع عقدوه على هامش التحضيرات للقمة العربية)السبت( في شرم الشيخ فكرة تأسيس هذه القوة، وقال السيد نبيل العربي امين عام الجامعة العربية انه "تقرر انشاء قوة عربية عسكرية تشارك فيها الدول اختيارا تضطلع بمهام التدخل العسكري السريع، وبما يجري تكليفها من مهام اخرى لمواجهة التحديات التي تهدد امن وسلامة اي من الدول الاعضاء ووحداتها الوطنية وتشكل تهديدا مباشرا للسلم والامن العربيين"
تشكيل قوة عربية مشتركة تجسد الحلم العربي في تفعيل معاهدة الدفاع العربي المشترك خطوة جيدة بكل المقاييس، كما ان الحفاظ على وحدة التراب العربي ايضا هدف وطني يستحق التأييد والمساندة، ولكن اللافت ان الهدف الرئيسي من تشكيل هذه القوة هو الحفاظ على امن الانظمة الحاكمة واستقرارها، والقيام بأعمال عسكرية انتقائية، وفق اهداف ومعايير الدول المؤسسة لها وليس وفق الاهداف التي جرى وضع معاهدة الدفاع العربي المشترك من اجل تحقيقها واهمها التصدي للمشروع التوسعي الاسرائيلي.الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي كان اول من طرح هذه الفكرة، وحملها الى العاهل السعودي الجديد الملك سلمان بن عبد العزيز اثناء زيارته للرياض، وكان يتطلع من خلال هذه القوات، الى توفير غطاء عربي، جزئي او كلي لخطط مصرية بالتدخل عسكريا في ليبيا لدعم قوات اللواء خليفة حفتر، وحكومة طبرق تحت عنوان محاربة "الارهاب" و"الدولة الاسلامية" التي اعدمت 21 قبطيا مصريا بطريقة دموية مرعبة.
بعد قرار القيادة السعودية التدخل عسكريا في اليمن للقضاء على التمرد الحوثي المدعوم ايرانيا، بدأت فكرة تشكيل هذه القوات تأخذ زخما اكبر وسط حماس سعودي خليجي للتسريع ببلورتها عمليا كأنياب لحلف عسكري جديد.السؤال هو حول كيفية اندماج القوات المتعددة الولاءات في القوة الجديدة، وكيفية ازالة التناقضات والخلافات بين الدول المشاركة فيها، مثل الخلاف القطري المصري، على سبيل المثال لا الحصر، ثم تحديد معايير هذا التدخل خاصة المتوقع منه في اليمن، ومن سيكلف بقيادة هذه القوات في ميادين القتال.ربما يكون من الصعب تقديم اجابات حاسمة حول جميع هذه الاسئلة او بعضها، لان الفكرة ما زالت مجرد "نطفة" وفي بداية عملية النمو، لكن ما يمكن الجزم به انها ستؤدي الى احداث انقسامات جديدة بين القوى المشاركة فيها او تلك التي قررت ان تنأى بنفسها عنها.اي قوة عربية مشتركة او غير مشتركة لا تؤشر بوصلتها نحو الركيزة الاساسية للامن القومي العربي، وهي قضية فلسطين، ولا تضع مواجهة الخطر الاسرائيلي على قمة اولوياتها، سيظل ينظر اليها واهدافها بعين الشك.
فبينما ترفع ايران العدو الاول للدول التي تقف خلف تشكيل هذه القوة شعار مواجهة العدو الاسرائيلي، وتدعم حركات المقاومة، لم يتطرق اجتماع وزراء الخارجية العرب الذي باركتشكيل هذه القوة بكلمة واحدة الى الخطر الاسرائيلي، الامرالذي يشي باشياء كثيرة لا تطمئن، ولا تبدد علامات الاستفهام المطروحة حول حلفاء هذه القوة في صراعها المحتمل ضد الخطر الايراني.
"راي اليوم"
Comments
Post a Comment