Skip to main content

لا يحكى_ جدل الرواية والتاريخ ___عماد البليك

عماد البليك
لا يحكى
جدل الرواية والتاريخ
عماد البليك 
: ثمة جدل حول علاقة فن الرواية بالتاريخ، وهل توجد بالمعنى الجلي رواية تاريخية، وهو ما ينفيه البعض في حين يثبته البعض الآخر.
الرواية هي استعارة مغلقة على ذاتها حتى لو أنها استندت على العالم الخارجي إلا أنها لا تفسر إلا من داخلها، فأي محاولة لربطها بما هو خارجها يعني أنها تسقط في فخ الواقع والمباشرة وبالتالي تكون ذات علاقة بالتاريخ أو الراهن أو أي إحالات للوقائع الإنسانية وما يعتمل في حياة الناس من تفاصيل وقصص.
لكن هذا التعريف لا يكون صحيح المعنى إلا في حال وفاء الرواية لشروطها كرواية، وهي شروط في حد ذاتها معقدة وغير واضحة بالمعنى الدقيق. وهي أيضا متغيرة ومتجددة مع التجريب والحراك الإنساني الذي لا يتوقف، مع رغبة الكائن المبدع في أن يخلق من كل تجربة جديدة رؤية مختلفة واستثنائية.
قد تكون هناك قواعد مدرسية عامة مثلا أن الرواية لها حكاية تأخذ بعودها وهي صلبها ومرتكزها الهيكلي، وأنه لابد من شخوص يتحركون داخل فضاء العمل الروائي، كذلك لابد من مكان وزمان أو حيز مكاني يتسع للأفكار والرؤى والإحالات الثقافية وغيرها. وزمان هو التاريخ الخاص بالرواية داخل سياقها الذاتي. وغير ذلك من الأصول أو الوصايا كما يسميها كونديرا، لكن أول خطوات كتابة رواية جديدة تتقاطع مع الراهن والمعاصرة وتتجاوز التراث المتراكم في هذا الفن، هي أن يقوم الكاتب بالتمرد على هذه الوصايا.
لكن التمرد لا يعني القطيعة مع التراث ولا يعني الانطلاق من الفراغ ومجرد الرغبات، إذ لابد من استيعاب الماضي والكلاسيكيات بل والتمرين على كتابة التقليد قبل الانتقال إلى كتابة التجديد، هذا الأسلوب البدائي نوعا ما لابد منه قبل يكون للكاتب الانتقال إلى مساحة جديدة من وعي العالم عبر هذه المنظومة الفنية المسماة بالرواية.
وهنا يكون السؤال الذي كثيرا ما يطرح متى أكتب رواية جيدة؟ هل أكتبها لأن لي تجربة حياتية زاخرة بالتفاصيل والقصص والخبرات وكوني إنسانا استثنائيا في حياتي، وهذا يعني أن حياتي وما بها من وقائع ومحطات هو الزاد الذي يشكل رؤيتي للعالم وبالتالي يقودني لكتابة عمل جيد، وإذا حدث أن حياتي فقيرة من حيث المغامرات والتجارب لن أكون قادرا على الكتابة بالشكل الذي يمكن أن يشكل إضافة للمحتوى الإبداعي والفني.
يربط البعض إذن بين فن الرواية وتجارب الحياة، لكن هنا يجب أن نفرق بين مضمون الفن وتجلياته وبين السيرة والمذكرات وفنون الكتابة عن التجارب الشخصية. قد تستفيد الرواية من الخبرة والتجربة الذاتية لكنها ليس هذا المركز أو المحور الذي يصنع الرواية الجيدة أو يجعل العمل المعين ثرياً من حيث الإفادات والغرابة والدهشة وغيرها من أمور تتعلق بجودة الرواية بمنظور القارئ.
دائما هناك مسارين في أي عمل روائي، خط يوهم القارئ بأن هذه التجربة هي الكاتب نفسه، وخط آخر يقول العكس تماما أن هذا النص ليس له علاقة بكاتبه، وبين هاتين المساحتين يتحرك التوهيم في الرواية الجديدة، مع أن الوضع في الاعتبار بعض الكتاب يقوم بزج اسمه مباشرة في النص أو التعريف بذاته أو يضع من الإشارات ما يربط بين استعارة الرواية والعالم الخارجي، وهذا يخالف نوعا ما التعريف المعتاد للرواية ويجعلها تقترب من ناحية شكلية من السيرة مثلا. لكن بقراءة ثانية فهذه المسألة لو تم إنتاجها بشكل جاذب وتقنية متمكنة فإن ذلك يعني الاقتراب بالنص من فضاء تجريبي يفتحه إلى مساحة ثانية من وعي النص الروائي والتجريب.
إن أبرز تنظيرات الرواية "ما بعد الجديدة" هو التركيز الدائم على أن النص ينتج واقعه الذاتي بحيث لا يعيد تشكيل المكان الخارجي فحسب، بل يعمل على إنتاج افتراضه الفريد للأمكنة والأزمنة حتى لو حملت مسميات معروفة للمدن أو الشخوص، فقد تقوم رواية على شخصية معروفة مثلا سواء في التاريخ أو الراهن، وفي كل الأحوال فإن هذا التنظير لم يصل بعد إلى نهايات محددة لنقول إن المسألة مغلقة أو ذات تحديدات نهائية يجب الأخذ بها، فالمثير دائما في فن الرواية أنها مفتوحة للاحتمالات والتوقعات وهذا ما يجعلها ابنة العصر الراهن، حتى لو أنها في بعض الأحيان تواجه عصفا ذهنيا يشير إلى أنها قد تتعرض للفناء والموات سريعا.
قد يحدث ذلك، ولكنه يجري بمعنى أن يتطور منظور الفن الروائي ليكون أكثر كثافة باتجاه الحياة والإنسان والوجود، ليس كقيمة شاعرية أو غنائية بل كسردية لها القدرة على رؤية الطبقات المختلفة والمتعددة من الوعي والخيارات التي يمكن أن تمنحها الحياة للكائن لكي يرى ويتعلم ويميز ويكون له وضع الصانع لا المتلقي فحسب، وهي مسائل ذات طابع تنظيري ينجح اختبارها مع الأعمال سواء في شكل الكتابة أو تجربتها أو مع القراءة والنظرة غير المباشرة لمغزى النص أو دلالاته. مع أن الحديث عن المغزى والدلالة المحددة، في حد ذاته، يعتبر ثيمة تقليدية يتم الآن التخلص منها ونفيها بحيث يصبح الكلام حول الفضاء الكلي الذي يحتمل أكثر من دلالة وأكثر من معنى، بل فيض من الدلالات المتضاربة وغير المتفقة أساسا، وهي طريقة عالمنا الخارجي الذي تتكاثف فيه الصور والمشاهد وتتداخل أنظمة الوعي والاستنارة ويتوه الإنسان أكثر المرات لدرجة أنه لا يعرف موضعه بالضبط من الزمكان، أين يقف وإلى أين يتقدم، وهو السؤال نفسه الذي يطرحه فن الرواية بوصفه احتمالية للحياة البديلة بشكل أو بآخر.
إن التخييل الذي يعني اللعب في المساحات غير المخلقة أساسا أو المعاني غير المرئية من قبل هو شأن التجريب الروائي الجديد، وهو بخلاف الخيال يظل منفتحا وليس له قواعد وأصول معينة تقوم على خارج نظام الوعي داخل النص. في حين أن الخيال غالبا ما يحتاج إلى أنظمة الوعي الخارجية لنقوم بتفسير النص وفهمه، وهو السائد في أغلب النصوص الكلاسيكية أو الرواية التي تقوم على الحبكات التقليدية في البناء والشخوص والأمكنة والوصف وغيرها من الأصول والمرتكزات.
كل هذا التقديم وهذا التنظير حول فن الرواية، يقودنا للسؤال الذي بدأنا به هل الرواية هي التاريخ، وهل تصور لنا وقائع فترة معينة مثلا.. وهل هناك رواية تاريخية.. الإجابة المباشرة وإلى حين.. هي لا.. فالرواية إذا ما كانت تاريخا بأي معنى آخر بمعنى جعلت القارئ يفكر في الروابط الخارجية التي تعطي وعيا بالدلالة الموجودة داخل النص أو الرموز والإشارات، فهي لن تكون رواية أبدا.. بل نص آخر لا أعرف ماذا يُسمى بالضبط.
emadblake@gmail.com
نشرت بصحيفة أول النهار عدد اليوم 30 مارس

Comments

Popular posts from this blog

Mona Farouk reveals scenes of "scandalous video"Egyptian actress Mona Farouk appeared on

Mona Farouk reveals scenes of "scandalous video"Egyptian actress Mona Farouk appeared on Monday in a video clip to discuss the details of the case she is currently facing. She recorded the first video and audio statements about the scandalous video that she brings together with Khaled Youssef.Farouk detonated several surprises, on the sidelines of her summons to the Egyptian prosecution, that Khalid Youssef was a friend of her father years ago, when she was a young age, and then collected a love relationship with him when she grew up, and married him in secret with the knowledge of her parents and her father and brother because his social status was not allowed to declare marriage .Muna Farouk revealed that the video was filmed in a drunken state. She and her colleague Shima al-Hajj said that on the same day the video was filmed, she was at odds with Shima, and Khaled Yusuf repaired them and then drank alcohol.She confirmed that Youssef was the one who filmed the clips whil...

الحلقة 20 هنادي المطلقة والمحلل (ماذا قال كتاب العرب في هنادي)-----------Khalid Babiker

• الجنس شعور فوضوي يتحكم في الذات والعقل . وله قوة ذاتية لا تتصالح إلا مع نفسها . هكذا قال أنصار المحلل الحلقة 20 هنادي المطلقة والمحلل (ماذا قال كتاب العرب في هنادي) أول طريق عبره الإنسان هو طريق الذكر . بعدها شهق وصرخ . تمرغ في الزيت المقدس . وجرب نشوة الأرغوس . عاجلا أم آجلا سيبحث عن هذا الطريق ( كالأسماك تعود إلى أرض ميلادها لتبيض وتموت ) . وسيعبره . سيعبره بحثا عن الديمومة . وسيشهق وسيضحك . لقد جاء إليه غريبا . سيظل بين جدرانه الدافئة غريبا . وحالما يدفع تلك الكائنات الحية الصغيرة المضطربة في الهاوية الملعونة سيخرج فقيرا مدحورا يشعر بخيانة ما ( ..... ) . لن ينسى الإنسان أبدا طريق الذكر الذي عبره في البدء . سيتذكره ليس بالذاكرة وإنما بالذكر . سيعود إليه بعد البلوغ أكثر شوقا وتولعا . ولن يدخل فيه بجميع بدنه كما فعل في تلك السنوات التي مضت وإنما سيدخل برأسه . بعد ذلك سيندفع غير مبال بالخطر والفضيحة والقانون والدين . الله هناك خلف الأشياء الصغيرة . خلف كل شهقة . كل صرخة مندفعا في الظلام كالثور في قاعة المسلخ . الله لا يوجد في الأشياء الكبيرة . في الشرانق . في المح . ينشق فمه . تن...

Trusting Liar (#5) Leave a reply

Trusting Liar (#5) Leave a reply Gertruida is the first to recover.  “Klasie… ?” “Ag drop the pretence, Gertruida. You all call me ‘Liar’ behind my back, so why stop now? Might as well be on the same page, yes?” Liar’s face is flushed with anger; the muscles in his thin neck prominently bulging. “That diamond belongs to me. Hand it over.” “What are you doing? Put away the gun…” “No! This…,” Liar sweeps his one hand towards the horizon, “…is my place.  Mine!   I earned it! And you…you have no right to be here!” “Listen, Liar, we’re not the enemy. Whoever is looking for you with the aeroplane and the chopper….well, it isn’t us. In fact, we were worried about you and that’s why we followed you. We’re here to help, man!” Vetfaan’s voice is pleading as he takes a step closer to the distraught man. “Now, put down the gun and let’s chat about all this.” Liar hesitates, taken aback after clearly being convinced that the group  had hostile intentions. “I…I’m ...