من الصعب تصور وجود تفاهمات كبرى في المنطقة. الأرجح أن
هناك بعض الانفراجات التي أدت الى عودة الحريري إلى لبنان. الصراع مستمر.
الضغط سيزيد أكثر على سوريا وحزب الله من السعودية والغرب وتركيا بعد فوز
رجب طيب أردوغان. كيف سيكون الضغط المقابل؟
من مفارقات التاريخ
والجغرافيا أن جيشاً يصاب بنكسة عسكرية خطيرة، فيتحول في عيون شعبه إلى "بطل".
هذه هي حال الجيش اللبناني في عرسال. فوجئ بـ "داعش". إشتبك معها من دون
غطاء عسكري أو سياسي فعلي. فقد مجموعة من رجاله بين قتيل وجريح وأسير، فإذا بقائده
جان قهوجي يصبح أبرز المرشحين للرئاسة، ويصير الجيش على كل شفة ولسان.
هذا دليل على ثلاثة أمور رئيسة، أولها أن الجيش محبوب فعلاً من قبل الشرائح الكبرى من المجتمع اللبناني. ثانياً إن الناس قلقون جدِّياً من خطر الخلافة الإسلامية. ثالثاً، وهذا هو المقلق، أن الجيش اللبناني صار جزءاً من معركة سياسية إقليمية ودولية قد تحرق أوراق قهوجي، أو تصيب هذه المؤسسة المحترمة المحبوبة من شعبها بنصال الحرب الدائرة في المنطقة.
لنستعد قليلاً مشهد الأيام القليلة الماضية كي نفهم: "داعش" تحتل عرسال فجأة. تُسقط كل مخططات الدولة اللبنانية التي من المفترض أنها تراقب عرسال منذ ثلاث سنوات. يصاب الناس بالهلع. يخرج قائد الجيش، للمرة الأولى، على شعبه بخطاب واضح ومباشر وجريء. يلتهب الإقليم بتهجير مسيحيي العراق وقتل الأزيديين والتقدم باتجاه الأكراد. تسري أخبار فيها كثير من المغالاة حول سقوط اللواء 93 السوري في يد "داعش". تنسحب "داعش" من عرسال بتسوية غريبة. يستقبل السيد حسن نصرالله رئيس جبهة النضال وليد جنبلاط، يتفقان على أن يزور جنبلاط الجنرال ميشال عون. يعود رئيس الحكومة السابق سعد الحريري إلى لبنان، وينتخب مفت جديد للجمهورية برعاية سعودية.
هذه كلها خطوط حمراء جرى اختراقها في أسبوع واحد. قابلها تحرك مهم من السعودية وأميركا: الرياض قدّمت مليار دولار للجيش اللبناني (فيما الهبات الاخرى بقيت حبراً على ورق، تماماً كما اوضح بلطشته الذكية وزير الداخلية نهاد المشنوق).
باراك أوباما قرر البدء بمعركته الجوية ضد "داعش" في العراق حين خرجت عن الحدود المقبولة، أي عن الموصل. (تحرك الفاتيكان لعب دوراً ضاغطاً).
بمعنى آخر، جرى وضع خصوم السعودية والولايات المتحدة الأميركية أمام معادلة واضحة: إما "داعش" أو معادلة سياسية مغايرة لا تترك إيران ولا حزب الله ولا سوريا ولا حلفاءهم رابحين.
جاء الدخول إذاً على خط الجيش اللبناني واضح المعالم تماماً. يجب أن يصبح هذا الجيش صاحب القوة الأبرز في لبنان، والأقدر على مواجهة الإرهاب. يجب أن يصبح لاحقاً الأقدر على إنهاء كل الوجود المسلح بما في ذلك حزب الله. هذا شرط دولي وإقليمي معلن ويجري العمل عليه منذ سنوات، حتى ولو أن القيادات العسكرية جميعاً في هذا الجيش أحسنت دائماً التصرف حيال ذلك، لمعرفتها بحساسية الصدام مع الحزب، ثم لأن للحزب وطائفته في الجيش بقدر ما للآخرين.
كلام السفير الاميركي في بيروت واضح. دعوة رئيس كتلة تيار المستقبل فؤاد السنيورة لإغلاق الحدود وتطبيق القرار 1701 أوضح.
الهدف اذاً هو تقريب الجيش اللبناني قدر الإمكان من محور السعودية وأميركا وحلفائهما وإبعاده من المحور الآخر. الأمر نفسه حصل في العراق. فبعد هروب الجيش من الموصل أمام "داعش" بطريقة مذلّة ومثيرة للريبة والشفقة فعلاً، صار رئيس الحكومة نوري المالكي وحلفاؤه أكثر المطالبين بالحضور العسكري الأميركي. إنتهى عصر الجدال حول الاتفاقات الأمنية والدور العسكري الاميركي وغيره.
هذا دليل على ثلاثة أمور رئيسة، أولها أن الجيش محبوب فعلاً من قبل الشرائح الكبرى من المجتمع اللبناني. ثانياً إن الناس قلقون جدِّياً من خطر الخلافة الإسلامية. ثالثاً، وهذا هو المقلق، أن الجيش اللبناني صار جزءاً من معركة سياسية إقليمية ودولية قد تحرق أوراق قهوجي، أو تصيب هذه المؤسسة المحترمة المحبوبة من شعبها بنصال الحرب الدائرة في المنطقة.
لنستعد قليلاً مشهد الأيام القليلة الماضية كي نفهم: "داعش" تحتل عرسال فجأة. تُسقط كل مخططات الدولة اللبنانية التي من المفترض أنها تراقب عرسال منذ ثلاث سنوات. يصاب الناس بالهلع. يخرج قائد الجيش، للمرة الأولى، على شعبه بخطاب واضح ومباشر وجريء. يلتهب الإقليم بتهجير مسيحيي العراق وقتل الأزيديين والتقدم باتجاه الأكراد. تسري أخبار فيها كثير من المغالاة حول سقوط اللواء 93 السوري في يد "داعش". تنسحب "داعش" من عرسال بتسوية غريبة. يستقبل السيد حسن نصرالله رئيس جبهة النضال وليد جنبلاط، يتفقان على أن يزور جنبلاط الجنرال ميشال عون. يعود رئيس الحكومة السابق سعد الحريري إلى لبنان، وينتخب مفت جديد للجمهورية برعاية سعودية.
هذه كلها خطوط حمراء جرى اختراقها في أسبوع واحد. قابلها تحرك مهم من السعودية وأميركا: الرياض قدّمت مليار دولار للجيش اللبناني (فيما الهبات الاخرى بقيت حبراً على ورق، تماماً كما اوضح بلطشته الذكية وزير الداخلية نهاد المشنوق).
باراك أوباما قرر البدء بمعركته الجوية ضد "داعش" في العراق حين خرجت عن الحدود المقبولة، أي عن الموصل. (تحرك الفاتيكان لعب دوراً ضاغطاً).
بمعنى آخر، جرى وضع خصوم السعودية والولايات المتحدة الأميركية أمام معادلة واضحة: إما "داعش" أو معادلة سياسية مغايرة لا تترك إيران ولا حزب الله ولا سوريا ولا حلفاءهم رابحين.
جاء الدخول إذاً على خط الجيش اللبناني واضح المعالم تماماً. يجب أن يصبح هذا الجيش صاحب القوة الأبرز في لبنان، والأقدر على مواجهة الإرهاب. يجب أن يصبح لاحقاً الأقدر على إنهاء كل الوجود المسلح بما في ذلك حزب الله. هذا شرط دولي وإقليمي معلن ويجري العمل عليه منذ سنوات، حتى ولو أن القيادات العسكرية جميعاً في هذا الجيش أحسنت دائماً التصرف حيال ذلك، لمعرفتها بحساسية الصدام مع الحزب، ثم لأن للحزب وطائفته في الجيش بقدر ما للآخرين.
كلام السفير الاميركي في بيروت واضح. دعوة رئيس كتلة تيار المستقبل فؤاد السنيورة لإغلاق الحدود وتطبيق القرار 1701 أوضح.
الهدف اذاً هو تقريب الجيش اللبناني قدر الإمكان من محور السعودية وأميركا وحلفائهما وإبعاده من المحور الآخر. الأمر نفسه حصل في العراق. فبعد هروب الجيش من الموصل أمام "داعش" بطريقة مذلّة ومثيرة للريبة والشفقة فعلاً، صار رئيس الحكومة نوري المالكي وحلفاؤه أكثر المطالبين بالحضور العسكري الأميركي. إنتهى عصر الجدال حول الاتفاقات الأمنية والدور العسكري الاميركي وغيره.
تفاهمات أم اشتباك؟
السؤال الأول المتعلق
بالعراق: هل يجوب الطيران الأميركي سماء العراق بالتفاهم الضمني مع إيران أو من دونه؟
هذه مسألة مفصلية.
السؤال الثاني المتعلق بلبنان: هل تمت عودة الحريري بتنسيق غير مباشر مع حزب الله، وهل لعب رئيس جبهة النضال وليد جنبلاط ورئيس مجلس النواب نبيه بري الدور الأبرز أم لا؟ هذه مسألة مفصلية أيضاً. السؤال الثالث المتعلق بغزة خصوصاً بعد التسريبات الإسرائيلية الكثيرة حول تقارب مع السعودية: بعد التدمير الممنهج للقطاع، هل سينجح الطرف المناهض لحماس والمقاومة وإيران بفرض المعادلة الخطيرة التي تقول "إما أن تقبلوا بحل تكون فيه السعودية ومصر الأساس، أو نترك القطاع مدمراً لتتحمل حماس والجهاد وغيرهما المسؤولية؟". إذا كان كل ما تقدم حصل بناء على تفاهمات أو نتيجة احتدام الصراع، فهذا يعني أن السعودية لا تزال أقوى مما يعتقد خصومها. يعني أيضاً ألا أحد في المنطقة قادر على فرض تسويات عسكرية وسياسية من دون التفاهم مع الطرف الآخر.
السؤال الثاني المتعلق بلبنان: هل تمت عودة الحريري بتنسيق غير مباشر مع حزب الله، وهل لعب رئيس جبهة النضال وليد جنبلاط ورئيس مجلس النواب نبيه بري الدور الأبرز أم لا؟ هذه مسألة مفصلية أيضاً. السؤال الثالث المتعلق بغزة خصوصاً بعد التسريبات الإسرائيلية الكثيرة حول تقارب مع السعودية: بعد التدمير الممنهج للقطاع، هل سينجح الطرف المناهض لحماس والمقاومة وإيران بفرض المعادلة الخطيرة التي تقول "إما أن تقبلوا بحل تكون فيه السعودية ومصر الأساس، أو نترك القطاع مدمراً لتتحمل حماس والجهاد وغيرهما المسؤولية؟". إذا كان كل ما تقدم حصل بناء على تفاهمات أو نتيجة احتدام الصراع، فهذا يعني أن السعودية لا تزال أقوى مما يعتقد خصومها. يعني أيضاً ألا أحد في المنطقة قادر على فرض تسويات عسكرية وسياسية من دون التفاهم مع الطرف الآخر.
ماذا عن سوريا؟
هي تبقى الأساس.
السعودية لم تغيّر موقفها حيال الرئيس بشار الأسد. ثمة اعتقاد بأن ضرب "داعش"
في العراق، ومساعدة الجيش اللبناني سيعيدان الكرة إلى ملعبها الأساس، أي ترك الجيش
السوري يقاتل "داعش" والإرهاب الى ما شاء الله.
سرَّب الاوربيون قبل فترة اقتراحاً بصيغة مغايرة لجنيف تكون إيران جزءاً منها. يعتقدون بأن الصراع الأطلسي مع روسيا لا يترك مجالاً للطلب منها الضغط على النظام السوري. يعتقدون أيضاً بأن طهران يمكن أن تلعب دوراً في إقناع الرئيس بشار الأسد بالجلوس إلى طاولة تفاوض دولي مع المعارضة بحيث يصار إلى وضع دستور جديد وحكومة جامعة. في المقابل يبدو أن الأسد حدّد خطوطه الحمراء. لا شيء للمستقبل أكثر من إشراك بعض معارضي الداخل في حكومة تنطلق فقط من الدستور الحالي. ولا شيء أكثر من تعزيز المصالحات الداخلية. معارضة الخارج بالنسبة إليه قد انتهت (خطابه الأخير واضح). من الصعب إذاً تصور وجود تفاهمات كبرى في المنطقة. الأرجح أن هناك بعض الانفراجات التي أدت الى عودة الحريري إلى لبنان. الصراع مستمر. الضغط سيزيد أكثر على سوريا وحزب الله من السعودية والغرب وتركيا بعد فوز رجب طيب أردوغان. كيف سيكون الضغط المقابل؟ لا شك في أن المنطقة العربية والشرق أوسطية تمر في مرحلة التدمير المزدوج والاحتواء المزدوج. من مصلحة الدول الكبرى أن تشلّ قدرات الجميع. التدمير الكبير الذي شهدته المنطقة مفيد لها. ظهور "داعش" مفيد رغم خطر الإرهاب. القلق السعودي مهم. إحراج إيران مهم. التعاون الإقليمي والدولي يمكنه القضاء على "داعش" حين يشاء. الأهم هو إشعار الجميع بأن أي تعاون وأي حل سياسي، من دون غطاء أميركي وغربي أطلسي، مستحيل. غير ذلك في هذه الأوقات الحرجة هو من باب الوهم السياسي وليس الواقعية.
سرَّب الاوربيون قبل فترة اقتراحاً بصيغة مغايرة لجنيف تكون إيران جزءاً منها. يعتقدون بأن الصراع الأطلسي مع روسيا لا يترك مجالاً للطلب منها الضغط على النظام السوري. يعتقدون أيضاً بأن طهران يمكن أن تلعب دوراً في إقناع الرئيس بشار الأسد بالجلوس إلى طاولة تفاوض دولي مع المعارضة بحيث يصار إلى وضع دستور جديد وحكومة جامعة. في المقابل يبدو أن الأسد حدّد خطوطه الحمراء. لا شيء للمستقبل أكثر من إشراك بعض معارضي الداخل في حكومة تنطلق فقط من الدستور الحالي. ولا شيء أكثر من تعزيز المصالحات الداخلية. معارضة الخارج بالنسبة إليه قد انتهت (خطابه الأخير واضح). من الصعب إذاً تصور وجود تفاهمات كبرى في المنطقة. الأرجح أن هناك بعض الانفراجات التي أدت الى عودة الحريري إلى لبنان. الصراع مستمر. الضغط سيزيد أكثر على سوريا وحزب الله من السعودية والغرب وتركيا بعد فوز رجب طيب أردوغان. كيف سيكون الضغط المقابل؟ لا شك في أن المنطقة العربية والشرق أوسطية تمر في مرحلة التدمير المزدوج والاحتواء المزدوج. من مصلحة الدول الكبرى أن تشلّ قدرات الجميع. التدمير الكبير الذي شهدته المنطقة مفيد لها. ظهور "داعش" مفيد رغم خطر الإرهاب. القلق السعودي مهم. إحراج إيران مهم. التعاون الإقليمي والدولي يمكنه القضاء على "داعش" حين يشاء. الأهم هو إشعار الجميع بأن أي تعاون وأي حل سياسي، من دون غطاء أميركي وغربي أطلسي، مستحيل. غير ذلك في هذه الأوقات الحرجة هو من باب الوهم السياسي وليس الواقعية.
المصدر:
Comments
Post a Comment