قررت الولايات المتحدة الأميركية قصف داعش في سوريا. تبلغت
دمشق القرار الذي سيتم تنفيذه بالتنسيق معها. قريباً جداً ستحلق الطائرات
الأميركية فوق الأراضي السورية ويتم تبادل الإحداثيات بين الأجهزة الأمنية
الغربية ونظيرتها السورية.
تستطيع واشنطن ودول أوروبية عديدة
نفي أي رغبة بالتعاون مع إدارة الرئيس بشار الأسد. هذا طبيعي. إنه جزء من
المشهد الجديد. لا بل قد يكون هو الآخر متفقاً عليه. من الصعب على الدول
التي طالبت منذ بداية الأزمة السورية برحيل الأسد أن تبرر للعالم اليوم
التعاون معه.
هذا مجرد إخراج، أما في الواقع فخطوات التعاون تسارعت، وهذه أبرزها:
دمشق كانت قد تلقفت بإيجابية القرار الدولي 2170. وزير خارجيتها وليد المعلم أعرب عن ترحيب بلاده بـ«التعاون والتنسيق على الصعيدين الإقليمي والدولي في مكافحة الإرهاب». ذهب أبعد من ذلك. قال صراحة إن التعاون مع أميركا وبريطانيا موضع ترحيب. لكن المعلم اعتبر أيضاً أن أي انتهاك لسيادة سوريا سيكون بمثابة عدوان. كان الموقف السوري هذا بمثابة التحول العلني الأهم في العلاقة مع الغرب. فالمعلم نفسه كان قد محا أوروبا قبل أكثر من عامين عن الخريطة، والأسد كان قد اعتبر أن هذه الدول جميعاً جزء من المؤامرة على سوريا.
من يعرف كيف يقيس وليد المعلم عادةً كلامه بميزان الذهب، يدرك أن تحولاً كهذا يكون نتيجة لسلسلة من الاتصالات المباشرة وغير المباشرة التي سبقت هذا الإعلان. ثمة دول معروفة مثل روسيا وإيران لعبتا دوراً في تسهيل التواصل، ودول بقيت بعيدة عن الأضواء. الهدف هو كيفية التوصل الى صيغة تسمح لأميركا بقصف داعش في سوريا، دون أن يكون في ذلك خرق للسيادة السورية أو تحول علني في الموقف الأميركي من الأسد. حصل التفاهم والإخراج.
جاءت صور إعدام الصحافي جيمس فولي لتسهّل وتسرّع التقارب. لم يكن الإعدام كفيلاً فقط بتوضيح أن فولي كان عند التكفيريين، لا عند النظام. ولكن نشر الصور المرعبة لقطع رأسه (بغض النظر عن دقة التاريخ وكيفية الإعدام) دفع الرئيس باراك أوباما إلى القول «إن داعش لا دين له ولن يكون له مكان في العالم». اعتبرت أميركا أن قتل الصحافي هو إعلان الحرب عليها. ثم جاء احتجاز موظفي الأمم المتحدة وتطورات الجولان لتسرع خطوات التنسيق. كل تحالف إذاً سيكون مبرراً.
سبق ذلك طبعاً قرار مجلس الأمن. من يدقق في القرار يجد أنه يتحدث عن تعاون «جميع الدول». بمعنى آخر هو لم يستثن سوريا من التعاون. المعلومات تؤكد أن دمشق كانت قد اطلعت على نص المشروع البريطاني قبل إقراره. لو لم يصبّ القرار في صالح التعاون مع القيادة السورية لضرب داعش، لكانت روسيا استخدمت الفيتو. الرسالة واضحة. أما وقد اتخذ القرار بضرب داعش في سوريا، فكيف سيبرر أوباما أنه لا يساعد الأسد؟ القضية معقدة طبعاً. يقال إن نقاشاً صعباً حصل في داخل الإدارة الأميركية. نقاش أكثر صعوبة جرى مع بعض حلفاء سوريا؛ ومنهم الروس والإيرانيون. مبدأ التحول الأميركي حيال النظام السوري كان قد أُقر قبل فترة. لم يعد أوباما وغيره يتحدثون عن رحيل الأسد أو عن تغيير النظام. كان الأمل الأميركي هو أن يقبل الحلفاء، وتحديداً موسكو وطهران، بأن يبقى النظام ويتوسع قليلاً، شرط أن يحل شخص آخر مكان الأسد. لم يلق الاقتراح آذاناً صاغية حتى ولو أن الأوروبيين اعتبروا أن التقارب مع طهران صار أكثر جدوى من النقاش مع الروس. بقيت القيادتان الإيرانية والروسية صلبتين حيال منع رحيل الأسد.
كان لا بد إذاً من تسهيل الأمر على أوباما بعدد من التسريبات. من يقرأ الصحف الأميركية والبريطانية في خلال الأسابيع الماضية لن يفاجأ بحجم الترويج لفكرة أن لا استئصال لداعش من دون التعاون مع الأسد. وأن التعاون مع النظام السوري أفضل من أي حديث عن معارضة وغيرها اليوم. هكذا عادة يتم التمهيد للتحولات.
تزامن الأمر مع حركة إيرانية ناشطة صوب دول الخليج. جرى تواصل مباشر سعودي إيراني. سبق الأمر توافق إيراني خليجي وإيراني أميركي بشأن العراق. لم يكن القبول بإبعاد نوري المالكي أمراً عابراً. تزامن أيضاً مع زيارة مهمة للرئيس المصري عبد الفتاح السياسي لروسيا، حيث جرى التوافق على دعم الحل السياسي في سوريا. بقيت أوراق الضغط قائمة، من داعش وهجماتها على الجيش السوري الى الحوثيين وتطويقهم لصنعاء.
هذا مجرد إخراج، أما في الواقع فخطوات التعاون تسارعت، وهذه أبرزها:
دمشق كانت قد تلقفت بإيجابية القرار الدولي 2170. وزير خارجيتها وليد المعلم أعرب عن ترحيب بلاده بـ«التعاون والتنسيق على الصعيدين الإقليمي والدولي في مكافحة الإرهاب». ذهب أبعد من ذلك. قال صراحة إن التعاون مع أميركا وبريطانيا موضع ترحيب. لكن المعلم اعتبر أيضاً أن أي انتهاك لسيادة سوريا سيكون بمثابة عدوان. كان الموقف السوري هذا بمثابة التحول العلني الأهم في العلاقة مع الغرب. فالمعلم نفسه كان قد محا أوروبا قبل أكثر من عامين عن الخريطة، والأسد كان قد اعتبر أن هذه الدول جميعاً جزء من المؤامرة على سوريا.
من يعرف كيف يقيس وليد المعلم عادةً كلامه بميزان الذهب، يدرك أن تحولاً كهذا يكون نتيجة لسلسلة من الاتصالات المباشرة وغير المباشرة التي سبقت هذا الإعلان. ثمة دول معروفة مثل روسيا وإيران لعبتا دوراً في تسهيل التواصل، ودول بقيت بعيدة عن الأضواء. الهدف هو كيفية التوصل الى صيغة تسمح لأميركا بقصف داعش في سوريا، دون أن يكون في ذلك خرق للسيادة السورية أو تحول علني في الموقف الأميركي من الأسد. حصل التفاهم والإخراج.
جاءت صور إعدام الصحافي جيمس فولي لتسهّل وتسرّع التقارب. لم يكن الإعدام كفيلاً فقط بتوضيح أن فولي كان عند التكفيريين، لا عند النظام. ولكن نشر الصور المرعبة لقطع رأسه (بغض النظر عن دقة التاريخ وكيفية الإعدام) دفع الرئيس باراك أوباما إلى القول «إن داعش لا دين له ولن يكون له مكان في العالم». اعتبرت أميركا أن قتل الصحافي هو إعلان الحرب عليها. ثم جاء احتجاز موظفي الأمم المتحدة وتطورات الجولان لتسرع خطوات التنسيق. كل تحالف إذاً سيكون مبرراً.
سبق ذلك طبعاً قرار مجلس الأمن. من يدقق في القرار يجد أنه يتحدث عن تعاون «جميع الدول». بمعنى آخر هو لم يستثن سوريا من التعاون. المعلومات تؤكد أن دمشق كانت قد اطلعت على نص المشروع البريطاني قبل إقراره. لو لم يصبّ القرار في صالح التعاون مع القيادة السورية لضرب داعش، لكانت روسيا استخدمت الفيتو. الرسالة واضحة. أما وقد اتخذ القرار بضرب داعش في سوريا، فكيف سيبرر أوباما أنه لا يساعد الأسد؟ القضية معقدة طبعاً. يقال إن نقاشاً صعباً حصل في داخل الإدارة الأميركية. نقاش أكثر صعوبة جرى مع بعض حلفاء سوريا؛ ومنهم الروس والإيرانيون. مبدأ التحول الأميركي حيال النظام السوري كان قد أُقر قبل فترة. لم يعد أوباما وغيره يتحدثون عن رحيل الأسد أو عن تغيير النظام. كان الأمل الأميركي هو أن يقبل الحلفاء، وتحديداً موسكو وطهران، بأن يبقى النظام ويتوسع قليلاً، شرط أن يحل شخص آخر مكان الأسد. لم يلق الاقتراح آذاناً صاغية حتى ولو أن الأوروبيين اعتبروا أن التقارب مع طهران صار أكثر جدوى من النقاش مع الروس. بقيت القيادتان الإيرانية والروسية صلبتين حيال منع رحيل الأسد.
كان لا بد إذاً من تسهيل الأمر على أوباما بعدد من التسريبات. من يقرأ الصحف الأميركية والبريطانية في خلال الأسابيع الماضية لن يفاجأ بحجم الترويج لفكرة أن لا استئصال لداعش من دون التعاون مع الأسد. وأن التعاون مع النظام السوري أفضل من أي حديث عن معارضة وغيرها اليوم. هكذا عادة يتم التمهيد للتحولات.
تزامن الأمر مع حركة إيرانية ناشطة صوب دول الخليج. جرى تواصل مباشر سعودي إيراني. سبق الأمر توافق إيراني خليجي وإيراني أميركي بشأن العراق. لم يكن القبول بإبعاد نوري المالكي أمراً عابراً. تزامن أيضاً مع زيارة مهمة للرئيس المصري عبد الفتاح السياسي لروسيا، حيث جرى التوافق على دعم الحل السياسي في سوريا. بقيت أوراق الضغط قائمة، من داعش وهجماتها على الجيش السوري الى الحوثيين وتطويقهم لصنعاء.
ماذا يعني كل ذلك؟
هناك احتمالان لا ثالث لهما. إما أن أميركا قبلت بالأمر الواقع، أي ببقاء الأسد والتنسيق معه، مهما كلف الأمر، خشية تعرضها لاحقاً لهجمات إرهابية. أو أن ثمة أملاً عندها بأن يصار لاحقاً الى التأسيس لتركيبة سياسية سورية داخلية تسمح لخصوم الأسد بالمشاركة في السلطة، دون أن يكون في الأمر قلب للنظام، وتسمح لأميركا بإرضاء حلفائها.ثمة من يروّج لخيار ثالث مفاده أن السماح للطائرات الأميركية بقصف داعش قد يفتح الطريق نحو ضرب قواعد النظام. دمشق وحلفاؤها يبدون واثقين من أن هذا مستحيل الحصول لأسباب استراتيجية تتعلق بكامل المنطقة.
الواقع أن صورة المنطقة تظهر أن كل الأطراف باتت منهكة، وكلها تنشد حلولاً توقف نزف الدماء وتردع وحش الإرهاب. من الصعب، والحالة هذه، أن يتصور المرء أن ثمة طرفاً سيربح كثيراً، وطرفاً آخر سيخسر كثيراً. لعل المنطقة باشرت فعلاً بالدخول في عصر التقارب الضروري بعدما تخطّت داعش الخطوط الحمراء وصارت تهدد الجميع.
حين تحلق الطائرات الأميركية قريباً جداً فوق سوريا، يكون جزء من المشهد الإقليمي والدولي في طريق التحول. أما الخاتمة، فلا أحد يستطيع الآن تصورها. الجميع مربك ومتعب ويبحث عن حلول أقل كلفة.
Comments
Post a Comment