( هكذا تآمرت حكومتا الكويت والإمارات على العراق..
رسالة نائب رئيس الوزراء، وزير خارجيّة الجمهوريّة العراقيّة الرّفيق الأسير طارق عزيز إلى الأمين العام لجامعة الدّول العربيّة بتاريخ 15 جويلية (تمّوز) 1990 .. )
رسالة نائب رئيس الوزراء، وزير خارجيّة الجمهوريّة العراقيّة الرّفيق الأسير طارق عزيز إلى الأمين العام لجامعة الدّول العربيّة بتاريخ 15 جويلية (تمّوز) 1990 .. )
سيادة الأخ الشّاذلي القليبي
الأمين العام لجامعة الدّول العربيّة
تحيّة أخويّة...
في بداية هذه الرّسالة لا بدّ من التّذكير بالمبادئ التي يؤمن بها العراق والتي طبّقها بكلّ أمانة وحرص في علاقاته العربيّة.
إنّ العراق يؤمن بأنّ العرب في كلّ أقطارهم أمّة واحدة.. ويفترض أن يعمّ خيرهم الجميع ويستفيدوا منه، وإذا ما أصاب أحدهم ضرر أو أسى فإنّ هذا الضّرر والأسى يلحق بهم جميعا وأنّ العراق ينظر إلى ثروات الأمّة على أساس هذه المبادئ.. وقد تصرّف في ثروته منطلقا من هذه المبادئ..
كما يؤمن العراق .. بأنّه رغم ما أصاب الأمّة العربيّة في العهد العثمانيّ وبعده تحت ظلّ الاستعمار الغربيّ من شتّى ألوان التّقسيم والهوان والاضطهاد ومحاولة فسخ الشّخصيّة القوميّة، فإنّ مقوّمات وحدة الأمّة العربيّة ما تزال حيّة وقويّة.. وأنّ الوطن العربيّ برغم انقسامه إلى دول هو وطن واحد وأنّ أيّ شبر من هذا الوطن هنا أو هناك في أرض هذا القٌطر أو ذاك ينبغي أن ينظر إليه من منظور الاعتبارات القوميّة وخاصّة اعتبارات الأمن القوميّ العربيّ المشترك، كما ينبغي تجنّب الوقوع في مهاوي النّظرة الضّيقة والأنانيّة في التّعامل مع المصالح والحقوق لهذا القطر أو ذاك. إنّ مصالح الأمّة العربيّة العليا.. والحسابات الاستراتيجيّة العليا للأمن القوميّ العربيّ يجب أن تكون حاضرة دائما كما يجب أن تكون المعيار الأوّل في التّعامل في كلّ هذه المسائل بين الأقطار العربيّة.
على أساس هذه المبادئ القوميّة والأخويّة المخلصة والصّادقة تعامل العراق مع الكويت رغم ما هو معروف من حقائق الماضي والحاضر بالنّسبة للكويت والعراق. والذي دعانا إلى كتابة هذه الرّسالة .. إنّنا مع عميق الأسف بتنا نواجه الآن من جانب حكومة الكويت حالة تخرج عن إطار المفاهيم القوميّة التي ذكرنا.. بل تتناقض معها وتهدّدها في الصّميم.. وتتناقض مع أبسط مقوّمات العلاقات بين الأقطار العربيّة.. إنّ المسؤولين في حكومة الكويت وبرغم مواقفنا الأخويّة الصّادقة في التّعامل معهم في جميع القضايا، وبرغم حرصنا على مواصلة الحوار الأخويّ معهم في كلّ الأوقات قد سعوا وبأسلوب مخطّط ومدبّر ومتواصل إلى التّجاوز على العراق والإضرار به وتعمّدوا إضعافه بعد خروجه من الحرب الطّاحنة التي استمرّت ثمان سنوات والتي أكّد كلّ العرب المخلصين قادة ومفكّرين ومواطنين، ومنهم رؤساء دول الخليج بأنّ العراق كان يدافع خلالها عن سيادة الأمّة العربيّة كلّها وخاصّة دول الخليج ومنها بل وبصورة خاصّة الكويت. كما سلكت حكومة الكويت هذه السّياسة التي تتعمّد إضعاف العراق في الوقت الذي يواجه فيه العراق حملة امبرياليّة صهيونيّة شرسة بسبب مواقفه القوميّة في الدّفاع عن الحقّ العربيّ، تدفعها إلى ذلك مع الأسف دوافع أنانيّة ونظرة ضيّقة وأهداف لم يعد ممكنا النّظر إليها إلاّ على أنّها مريبة وخطيرة. وفي هذا الشّأن هنالك صفحتان رئيسيّتان:
الأولى: من المعروف أنّه منذ عهد الاستعمار والتّقسيمات التي فرضها على الأمّة العربيّة هنالك موضوع معلّق بين العراق والكويت بشأن تحديد الحدود.. ولم تفلح الاتصالات التي جرت خلال السّتينات والسّبعينات في الوصول إلى حلّ بين الطّرفين لهذا الموضوع حتّى قيام الحرب بين العراق وإيران.. وفي أثناء سنوات الحرب الطّويلة بصورة خاصّة وفي الوقت الذي كان فيه أبناء العراق النّشامى يسفحون دمهم الغالي في الجبهات دفاعا عن الأرض العربيّة ومنها أرض الكويت وعن السّيادة والكرامة العربيّة ومنها كرامة الكويت، استغلّت حكومة الكويت انشغال العراق كما استغلّت مبادئه القوميّة الأصيلة ونهجه النّبيل في التّعامل مع الأشقّاء وفي القضايا القوميّة لكي تنفّذ مخطّطا في تجميد وتيرة الزّحف التّدريجيّ والمبرمج باتّجاه أرض العراق فصارت تقيم المنشآت العسكريّة والمخافر والمنشآت النّفطيّة والمزارع على أرض العراق وقد سكتنا على كلّ ذلك واكتفينا بالتّلميح والإشارات علّها تكفي في إطار مفاهيم الأخوّة التي كنّا نعتقد أنّ الجميع يؤمنون بها. ولكن تلك الإجراءات استمرّت وبأساليب ماكرة وإصرار يؤكّد التّعمّد والتّخطيط.
وبعد تحرير الفاو، بادرنا – في أثناء مؤتمر قمّة الجزائر عام 1988 – إلى إبلاغ الجانب الكويتيّ برغبتنا الصّادقة في حلّ هذا الموضوع في إطار علاقات الأخوّة والمصلحة القوميّة العليا ولكنّنا وجدنا أنفسنا أمام حالة تثير الاستغراب الشّديد.. فبرغم أنّ المنطق يفترض أن يفرح المسؤولون الكويتيّون لهذه المبادرة الأخويّة الكريمة من جانبنا وأن يعملوا لإنجاز هذا الموضوع بسرعة، لاحظنا التّردّد والتّباطؤ المتعمّدين من جانبهم في مواصلة المباحثات والاتّصالات وإثارة تعقيدات مصطنعة مع الاستمرار في التّجاوز وإقامة المنشآت البتروليّة والعسكريّة والمخافر والمزارع على الأراضي العراقيّة وقد صبرنا على هذه التّصرّفات بدواعي الحكمة والحلم.
وكان استعدادنا لمزيد من العمل كبيرا لولا انتقال الأمور إلى مستوى خطير لم يعد ممكنا السّكوت عليه وهو ما سنتناوله في الصّفحة الثّانية والأكثر خطورة في الموضوع.
إنّ العراق يحتفظ بسجلّ كامل لهذا الموضوع يوضّح بالوثائق والحيثيّات كلّ التّجاوزات التي قامت بها حكومة الكويت.
الثّانية: بدأت حكومة الكويت ومنذ مدّة أشهر، وبالتّحديد منذ أن رفع العراق صوته عاليا يدعو بقوّة إلى استعادة حقوق العرب في فلسطين وينبّه إلى مخاطر الوجود الأمريكيّ في الخليج، بدأت بانتهاج سياسة ظالمة القصد منها هو إيذاء الأمّة العربيّة وإيذاء العراق خاصّة.
وفي هذا الجانب اشتركت حكومة الإمارات العربيّة المتّحدة مع حكومة الكويت. فقد نفّذت حكومتا الكويت والإمارات عمليّة مدبّرة لإغراق سوق النّفط بمزيد من الإنتاج خارج حصّتهما المقرّرة في الأوبك بمبرّرات واهية لا تستند إلى أيّ أساس من المنطق أو العدالة أو الإنصاف.. وبذرائع لم يشاركهما فيها أيّ من الأشقّاء من الدّول المنتجة.. وقد أدّت هذه السّياسة المدبّرة إلى تدهور أسعار النّفط تدهورا خطيرا.. فبعد التّدهور الذي حصل قبل سنوات في السّعر، من المعدّلات العالية التي كان قد بلغها وهي 24، 29، 28 دولارا للبرميل الواحد، أدّت تصرّفات حكومتي الكويت والإمارات إلى انهيار سعر الحدّ الأدنى المتواضع الذي تمّ الاتّفاق عليه في الأوبك أخيرا وهو 18 دولارا للبرميل إلى ما بين 11، 12 دولارا للبرميل. وبعمليّة حسابيّة بسيطة يمكننا أن نقدّر مقدار الخسائر الباهضة التي لحقت بالدّول العربيّة المنتجة للنّفط.
أوّلا: إنّ معدّل إنتاج الدّول العربيّة من النّفط هو 14 مليون برميل في اليوم وأنّ تدهور الأسعار في الفترة الواقعة بين 1981 – 1990 قد أدّى إلى خسارة الدّول العربيّة بحدود 500 مليار دولار، كانت حصّة العراق منها خسارة 89 مليار دولار. ولو انّ العرب جميعا لم يخسروا هذه المبالغ الهائلة ووفّرنا نصفها للتنمية القوميّة ولمساعدة البلدان العربيّة الفقيرة لحقّقنا تقدّما هائلا في التّنمية القوميّة وأسعدنا الفقراء من أبناء أمّتنا.. ولكان وضع الأمّة أقوى وأكثر رفاها وتقدّما ممّا هو عليه الآن.
إذا اعتمدنا الحدّ الأدنى للأسعار كما قرّرته الأوبك عام 1987 وهو 18 دولارا للبرميل، فإنّ خسارة الدّول العربيّة خلال الفترة من 1987-1990 بسبب تدهور هذا السّعر تبلغ حوالي 25 مليار دولار.
ثانيا: إنّ نقص كلّ دولار من سعر النّفط يؤدّي إلى إلحاق خسارة بالعراق تبلغ مليار دولار سنويّا. ومن المعروف أنّ السّعر قد انخفض هذه السّنة عدّة دولارات عن سعر 18 بسبب سياسة حكومتي الكويت والإمارات، ممّا يعني خسارة العراق لعدّة مليارات من دخله لهذه السّنة في الوقت الذي يعاني فيه العراق من ضائقة ماليّة بسبب تكاليف الدّفاع الشّرعيّ عن أرضه وأمنه ومقدّساته وعن أرض العرب وأمنهم ومقدّساتهم طيلة ملحمة الثّمان سنوات. إنّ هذه الخسائر الجسيمة من جرّاء تدهور أسعار النّفط لم تصب الدّول العربيّة المنتجة للنّفط وحدها.. وإنّما أصابت بنتائجها الدّول الشّقيقة الأخرى التي كانت تتلقّى المعونات من أخواتها الدّول العربيّة المنتجة للنّفط.. فقلّت إمكانات الدّعم بل توقّفت في بعض الحالات كما تدهورت أيضا أوضاع مؤسّسات العمل العربيّ المشترك وعانت الأزمات وهي الآن في أصعب الظّروف، لهذا السّبب أو لاتّخاذ ذلك ذريعة لتقليل أو إيقاف المساعدات والدّعم لمؤسّسات العمل العربيّ المشترك.
وقد أضافت حكومة الكويت إلى هذه الإساءة المتعمّدة إساءة أخرى مستهدفة الإضرار بالعراق بالذّات. فقد نصبت منذ عام 1980 وخاصّة في ظروف الحرب منشآت نفطيّة على الجزء الجنوبيّ من حقل الرّميلة العراقي وصارت تسحب النّفط منه. ويتّضح من ذلك أنّها كانت تغرق السّوق العالميّ بالنّفط الذي كان جزءا منه هو النّفط الذي تسرقه من حقل الرّميلة العراقي وبهذا تلحق الضّرر المتعمّد بالعراق مرّتين..
مرّة بإضعاف اقتصاده وهو أحوج ما يكون فيه إلى العوائد ومرّة أخرى بسرقة ثروته. وتبلغ قيمة النّفط الذي سحبته حكومة الكويت من حقل الرّميلة فقط بهذه الطّريقة المنافية لعلاقات الأخوّة وفقا للأسعار المتحقّقة بين 1980- 1990 ( 2400 ) مليون دولار.
وإنّنا نسجّل أمام جامعة الدّول العربيّة وأمام الدّول العربيّة كلّها حقّ العراق في استعادة المبالغ المسروقة من ثروته وحقّ العراق في مطالبة المعنيّين بإصلاح التّجاوز والضّرر الذي وقع عليه.
لقد سبق أن شرحنا مخاطر سياسة حكومتي الكويت والإمارات لإخوتنا في الدّول العربيّة المنتجة ومنهم الكويت والإمارات مرّات عديدة .. وشكونا.. وحذّرنا.. وفي قمّة بغداد تحدّث السّيد الرّئيس صدّام حسين حول هذه المسألة أمام الملوك والرّؤساء والأمراء وبحضور المعنيّين بصراحة وبروح أخويّة ( ونرفق طيّا نصّ حديث سيادته حول الموضوع في مؤتمر قمّة بغداد ). وكنّا نتصوّر وخاصّة بعد الأجواء الأخويّة الإيجابيّة التي تحقّقت في قمّة بغداد أنّ حكومتي الكويت والإمارات سترعويان عن هذا النّهج ولكنّ الحقيقة المؤلمة هي أنّ كلّ ما قمنا به من مساع ثنائيّة ومن اتّصالات مع دول شقيقة لتلعب دورا إيجابيّا في ثني حكومتي الكويت والإمارات عن هذا النّهج وبرغم حديث السّيد الرّئيس صدّام حسين في قمّة بغداد فقد تعمّدت هاتان الحكومتان مواصلة هذه السّياسة واستمرّتا فيها بل إنّ بعض المسؤولين فيهما أطلقوا تصريحات وقحة عندما ألمحنا إلى هذه الحقائق وشكونا منها. لذلك لم يبق هناك أيّ مجال لاستبعاد الاستنتاج بأنّ ما فعلته حكومتا الكويت والإمارات في هذا الشّأن إنّما هو سياسة مدبّرة تستهدف أهدافا خفيّة. ومع إدراكنا بأنّ هذه السّياسة التي أدّت إلى انهيار أسعار النّفط تضرّ في المحصّلة النّهائيّة باقتصاد هذين البلدين نفسيهما.. فلم يبق أمامنا غير أن نستنتج بأنّ من تعمّد هذه السّياسة بصورة مباشرة ومكشوفة أو من آزرها أو دفع لها، إنّما ينفّذ جزءا من المخطّط الامبرياليّ – الصّهيونيّ ضدّ العراق وضدّ الأمّة العربيّة خاصّة في التّوقيت الذي جاءت فيه وهو ظروف التّهديد الخطير من جانب " إسرائيل" و الامبرياليّة الذي يتعرّض إليه الوطن العربيّ عامّة والعراق خاصّة، إذ كيف يمكن لنا أن نواجه هذا التّهديد الخطير ونحافظ على التّوازن في القوّة الذي حقّقه العراق بأغلى التّكاليف وهو الذي عانى ما عانى من الخسائر في أثناء الحرب مع انهيار مورد العراق الأساسيّ وموارد الدّول العربيّة المصدّرة للنّفط وهي العراق، السّعوديّة، قطر، عمان، اليمن، مصر، سوريّة، الجزائر وليبيا؟!
هذا فضلا عمّا تؤدّي إليه هذه السّياسة المريبة من إضعاف قدرة هذه الدّول العربيّة على مواجهة المشاكل الاقتصاديّة والاجتماعيّة الخطيرة التي تعاني منها وهي مشكلات ذات طبيعة مصيريّة.. فإلى أيّ مصير تريد حكومتا الكويت والإمارات أن تجرّا الأمّة العربيّة؟!.. في هذا الظّرف الصّعب الدّقيق والخطير؟!.. وسياسات من وأهداف من تريدان إرضاءهما؟!.
إنّا.. وبعد أن أوضحنا هذه الأمور لكلّ الأشقّاء وبعد أن طلبنا مباشرة من هاتين الحكومتين الكفّ عن هذه السّياسة الظّالمة والمدمّرة وشرحنا لهما ما نتعرّض إليه من أضرار كبيرة.. قبل قمّة بغداد وفي أثناء القمّة .. وبعدها.. وأرسلنا المبعوثين وكتبنا الرّسائل.. لذلك فإنّنا ندين ما فعلته حكومتا الكويت والإمارات بالعدوان المباشر على العراق فضلا عن عدوانهما على الأمّة العربيّة.
أمّا بالنّسبة لحكومة الكويت فإنّ اعتداءها على العراق وهو اعتداء مزدوج فمن ناحية تعتدي عليه وعلى حقوقه بالتّجاوز على أراضينا وحقولنا النّفطيّة وسرقة ثرواتنا الوطنيّة.. وإنّ مثل هذا التّصرّف هو بمثابة عدوان عسكريّ. ومن ناحية أخرى تتعمّد حكومة الكويت تحقيق انهيار في الاقتصاد العراقيّ في هذه المرحلة التي يتعرّض فيها إلى التّهديد الامبرياليّ – الصّهيونيّ الشّرس وهو عدوان لا يقلّ في تأثيره عن العدوان العسكريّ.
إنّنا إذ نعرض هذه الحقائق المؤلمة أمام الأشقّاء العرب فإنّنا نأمل أن يرفع الأشقّاء صوتهم عاليا لوضع حدّ لهذا العدوان المتعمّد المدبّر ولكي ينصحوا المنحرفين للعودة إلى السّلوك السّويّ الذي يأخذ بالاعتبار المصلحة القوميّة المشتركة ومتطلّبات الأمن القوميّ المشترك.
ثالثا: وبمناسبة الحديث عن المصالح القوميّة العليا وارتباط الثّروة العربيّة بمصير الأمّة العربيّة نطرح مقترحا كالتّالي:
- لو تضامنت كلّ الدّول العربيّة المنتجة وغير المنتجة تضامنا سياسيّا متينا واتّفقت على العمل على رفع سعر النّفط إلى ما يزيد عن 25 دولارا ثمّ أقامت صندوقا للمعونة والتّنمية العربيّة على غرار ما اتّفق عليه في قمّة عمان على أن يموّل هذا الصّندوق بدولار عن كلّ برميل نفط تبيعه الدّول العربيّة المنتجة بأكثر من سعر 25 دولارا فإنّ المبلغ الذي سيتحقّق لهذا الصّندوق هو 5 مليارات دولار سنويّا في نفس الوقت الذي تتحقّق فيه زيادات كبيرة في مداخيل الدّول المصدّرة للنّفط، لأنّ التّضامن العربيّ الجماعيّ الذي يفترضه هذا السّعر المنصف يزيد من مدخولاتها الماليّة ويحميها من المحاولات العدائيّة التي تستهدف إضعاف القوّة العربيّة من خلال إضعاف مواردها من الثّروة البتروليّة.
ويمكننا أن نتصوّر كيف أنّ مبلغا ثابتا كهذا سيعزّز الأمن القوميّ العربيّ ويوفّر إمكانات نموّ لكلّ الدّول العربيّة ويمكّنها من مواجهة الضّائقة الاقتصاديّة الخانقة التي تعاني منها أغلب دولنا.
إنّ العراق يطرح هذا المقترح للدّراسة الجادّة وقد يكون مؤتمر القمّة العربيّة القادم في القاهرة مناسبة لبحث هذا المقترح وإقراره.
رابعا: ولمناسبة الحديث عن هذه الحقائق المؤلمة نرى من الضّروريّ أن نوضّح اللّبس الذي ربّما يكون موجودا لدى بعض الأشقّاء حول موضوع ( المساعدات ) التي قدّمتها الكويت والإمارات للعراق أثناء الحرب.
لقد أجمع العرب المخلصون في كلّ الوطن العربيّ على أنّ الحرب التي اضطرّ العراق إلى خوضها لم تكن للدّفاع عن سيادته فحسب وإنّما كانت دفاعا عن البوّابة الشّرقيّة.
إنّنا نضع هذه الحقائق المؤلمة أمام ضمير كلّ عربيّ شريف وفي المقدّمة منهم شعب الكويت الشّقيق لكي يقدّروا الألم والضّرر والأذى الذي أصابنا ويصيبنا.
أرجو سيادة الأمين العامّ توزيع هذه الرّسالة على الدّول العربيّة..
مع أطيب التّحيّات والتّمنّيات.
طارق عزيز
نائب رئيس الوزراء
وزير خارجيّة الجمهوريّة العراقيّة
بغداد في 23 ذي الحجّة 1410 هـ
الموافق 15 تمّوز 1990
الأمين العام لجامعة الدّول العربيّة
تحيّة أخويّة...
في بداية هذه الرّسالة لا بدّ من التّذكير بالمبادئ التي يؤمن بها العراق والتي طبّقها بكلّ أمانة وحرص في علاقاته العربيّة.
إنّ العراق يؤمن بأنّ العرب في كلّ أقطارهم أمّة واحدة.. ويفترض أن يعمّ خيرهم الجميع ويستفيدوا منه، وإذا ما أصاب أحدهم ضرر أو أسى فإنّ هذا الضّرر والأسى يلحق بهم جميعا وأنّ العراق ينظر إلى ثروات الأمّة على أساس هذه المبادئ.. وقد تصرّف في ثروته منطلقا من هذه المبادئ..
كما يؤمن العراق .. بأنّه رغم ما أصاب الأمّة العربيّة في العهد العثمانيّ وبعده تحت ظلّ الاستعمار الغربيّ من شتّى ألوان التّقسيم والهوان والاضطهاد ومحاولة فسخ الشّخصيّة القوميّة، فإنّ مقوّمات وحدة الأمّة العربيّة ما تزال حيّة وقويّة.. وأنّ الوطن العربيّ برغم انقسامه إلى دول هو وطن واحد وأنّ أيّ شبر من هذا الوطن هنا أو هناك في أرض هذا القٌطر أو ذاك ينبغي أن ينظر إليه من منظور الاعتبارات القوميّة وخاصّة اعتبارات الأمن القوميّ العربيّ المشترك، كما ينبغي تجنّب الوقوع في مهاوي النّظرة الضّيقة والأنانيّة في التّعامل مع المصالح والحقوق لهذا القطر أو ذاك. إنّ مصالح الأمّة العربيّة العليا.. والحسابات الاستراتيجيّة العليا للأمن القوميّ العربيّ يجب أن تكون حاضرة دائما كما يجب أن تكون المعيار الأوّل في التّعامل في كلّ هذه المسائل بين الأقطار العربيّة.
على أساس هذه المبادئ القوميّة والأخويّة المخلصة والصّادقة تعامل العراق مع الكويت رغم ما هو معروف من حقائق الماضي والحاضر بالنّسبة للكويت والعراق. والذي دعانا إلى كتابة هذه الرّسالة .. إنّنا مع عميق الأسف بتنا نواجه الآن من جانب حكومة الكويت حالة تخرج عن إطار المفاهيم القوميّة التي ذكرنا.. بل تتناقض معها وتهدّدها في الصّميم.. وتتناقض مع أبسط مقوّمات العلاقات بين الأقطار العربيّة.. إنّ المسؤولين في حكومة الكويت وبرغم مواقفنا الأخويّة الصّادقة في التّعامل معهم في جميع القضايا، وبرغم حرصنا على مواصلة الحوار الأخويّ معهم في كلّ الأوقات قد سعوا وبأسلوب مخطّط ومدبّر ومتواصل إلى التّجاوز على العراق والإضرار به وتعمّدوا إضعافه بعد خروجه من الحرب الطّاحنة التي استمرّت ثمان سنوات والتي أكّد كلّ العرب المخلصين قادة ومفكّرين ومواطنين، ومنهم رؤساء دول الخليج بأنّ العراق كان يدافع خلالها عن سيادة الأمّة العربيّة كلّها وخاصّة دول الخليج ومنها بل وبصورة خاصّة الكويت. كما سلكت حكومة الكويت هذه السّياسة التي تتعمّد إضعاف العراق في الوقت الذي يواجه فيه العراق حملة امبرياليّة صهيونيّة شرسة بسبب مواقفه القوميّة في الدّفاع عن الحقّ العربيّ، تدفعها إلى ذلك مع الأسف دوافع أنانيّة ونظرة ضيّقة وأهداف لم يعد ممكنا النّظر إليها إلاّ على أنّها مريبة وخطيرة. وفي هذا الشّأن هنالك صفحتان رئيسيّتان:
الأولى: من المعروف أنّه منذ عهد الاستعمار والتّقسيمات التي فرضها على الأمّة العربيّة هنالك موضوع معلّق بين العراق والكويت بشأن تحديد الحدود.. ولم تفلح الاتصالات التي جرت خلال السّتينات والسّبعينات في الوصول إلى حلّ بين الطّرفين لهذا الموضوع حتّى قيام الحرب بين العراق وإيران.. وفي أثناء سنوات الحرب الطّويلة بصورة خاصّة وفي الوقت الذي كان فيه أبناء العراق النّشامى يسفحون دمهم الغالي في الجبهات دفاعا عن الأرض العربيّة ومنها أرض الكويت وعن السّيادة والكرامة العربيّة ومنها كرامة الكويت، استغلّت حكومة الكويت انشغال العراق كما استغلّت مبادئه القوميّة الأصيلة ونهجه النّبيل في التّعامل مع الأشقّاء وفي القضايا القوميّة لكي تنفّذ مخطّطا في تجميد وتيرة الزّحف التّدريجيّ والمبرمج باتّجاه أرض العراق فصارت تقيم المنشآت العسكريّة والمخافر والمنشآت النّفطيّة والمزارع على أرض العراق وقد سكتنا على كلّ ذلك واكتفينا بالتّلميح والإشارات علّها تكفي في إطار مفاهيم الأخوّة التي كنّا نعتقد أنّ الجميع يؤمنون بها. ولكن تلك الإجراءات استمرّت وبأساليب ماكرة وإصرار يؤكّد التّعمّد والتّخطيط.
وبعد تحرير الفاو، بادرنا – في أثناء مؤتمر قمّة الجزائر عام 1988 – إلى إبلاغ الجانب الكويتيّ برغبتنا الصّادقة في حلّ هذا الموضوع في إطار علاقات الأخوّة والمصلحة القوميّة العليا ولكنّنا وجدنا أنفسنا أمام حالة تثير الاستغراب الشّديد.. فبرغم أنّ المنطق يفترض أن يفرح المسؤولون الكويتيّون لهذه المبادرة الأخويّة الكريمة من جانبنا وأن يعملوا لإنجاز هذا الموضوع بسرعة، لاحظنا التّردّد والتّباطؤ المتعمّدين من جانبهم في مواصلة المباحثات والاتّصالات وإثارة تعقيدات مصطنعة مع الاستمرار في التّجاوز وإقامة المنشآت البتروليّة والعسكريّة والمخافر والمزارع على الأراضي العراقيّة وقد صبرنا على هذه التّصرّفات بدواعي الحكمة والحلم.
وكان استعدادنا لمزيد من العمل كبيرا لولا انتقال الأمور إلى مستوى خطير لم يعد ممكنا السّكوت عليه وهو ما سنتناوله في الصّفحة الثّانية والأكثر خطورة في الموضوع.
إنّ العراق يحتفظ بسجلّ كامل لهذا الموضوع يوضّح بالوثائق والحيثيّات كلّ التّجاوزات التي قامت بها حكومة الكويت.
الثّانية: بدأت حكومة الكويت ومنذ مدّة أشهر، وبالتّحديد منذ أن رفع العراق صوته عاليا يدعو بقوّة إلى استعادة حقوق العرب في فلسطين وينبّه إلى مخاطر الوجود الأمريكيّ في الخليج، بدأت بانتهاج سياسة ظالمة القصد منها هو إيذاء الأمّة العربيّة وإيذاء العراق خاصّة.
وفي هذا الجانب اشتركت حكومة الإمارات العربيّة المتّحدة مع حكومة الكويت. فقد نفّذت حكومتا الكويت والإمارات عمليّة مدبّرة لإغراق سوق النّفط بمزيد من الإنتاج خارج حصّتهما المقرّرة في الأوبك بمبرّرات واهية لا تستند إلى أيّ أساس من المنطق أو العدالة أو الإنصاف.. وبذرائع لم يشاركهما فيها أيّ من الأشقّاء من الدّول المنتجة.. وقد أدّت هذه السّياسة المدبّرة إلى تدهور أسعار النّفط تدهورا خطيرا.. فبعد التّدهور الذي حصل قبل سنوات في السّعر، من المعدّلات العالية التي كان قد بلغها وهي 24، 29، 28 دولارا للبرميل الواحد، أدّت تصرّفات حكومتي الكويت والإمارات إلى انهيار سعر الحدّ الأدنى المتواضع الذي تمّ الاتّفاق عليه في الأوبك أخيرا وهو 18 دولارا للبرميل إلى ما بين 11، 12 دولارا للبرميل. وبعمليّة حسابيّة بسيطة يمكننا أن نقدّر مقدار الخسائر الباهضة التي لحقت بالدّول العربيّة المنتجة للنّفط.
أوّلا: إنّ معدّل إنتاج الدّول العربيّة من النّفط هو 14 مليون برميل في اليوم وأنّ تدهور الأسعار في الفترة الواقعة بين 1981 – 1990 قد أدّى إلى خسارة الدّول العربيّة بحدود 500 مليار دولار، كانت حصّة العراق منها خسارة 89 مليار دولار. ولو انّ العرب جميعا لم يخسروا هذه المبالغ الهائلة ووفّرنا نصفها للتنمية القوميّة ولمساعدة البلدان العربيّة الفقيرة لحقّقنا تقدّما هائلا في التّنمية القوميّة وأسعدنا الفقراء من أبناء أمّتنا.. ولكان وضع الأمّة أقوى وأكثر رفاها وتقدّما ممّا هو عليه الآن.
إذا اعتمدنا الحدّ الأدنى للأسعار كما قرّرته الأوبك عام 1987 وهو 18 دولارا للبرميل، فإنّ خسارة الدّول العربيّة خلال الفترة من 1987-1990 بسبب تدهور هذا السّعر تبلغ حوالي 25 مليار دولار.
ثانيا: إنّ نقص كلّ دولار من سعر النّفط يؤدّي إلى إلحاق خسارة بالعراق تبلغ مليار دولار سنويّا. ومن المعروف أنّ السّعر قد انخفض هذه السّنة عدّة دولارات عن سعر 18 بسبب سياسة حكومتي الكويت والإمارات، ممّا يعني خسارة العراق لعدّة مليارات من دخله لهذه السّنة في الوقت الذي يعاني فيه العراق من ضائقة ماليّة بسبب تكاليف الدّفاع الشّرعيّ عن أرضه وأمنه ومقدّساته وعن أرض العرب وأمنهم ومقدّساتهم طيلة ملحمة الثّمان سنوات. إنّ هذه الخسائر الجسيمة من جرّاء تدهور أسعار النّفط لم تصب الدّول العربيّة المنتجة للنّفط وحدها.. وإنّما أصابت بنتائجها الدّول الشّقيقة الأخرى التي كانت تتلقّى المعونات من أخواتها الدّول العربيّة المنتجة للنّفط.. فقلّت إمكانات الدّعم بل توقّفت في بعض الحالات كما تدهورت أيضا أوضاع مؤسّسات العمل العربيّ المشترك وعانت الأزمات وهي الآن في أصعب الظّروف، لهذا السّبب أو لاتّخاذ ذلك ذريعة لتقليل أو إيقاف المساعدات والدّعم لمؤسّسات العمل العربيّ المشترك.
وقد أضافت حكومة الكويت إلى هذه الإساءة المتعمّدة إساءة أخرى مستهدفة الإضرار بالعراق بالذّات. فقد نصبت منذ عام 1980 وخاصّة في ظروف الحرب منشآت نفطيّة على الجزء الجنوبيّ من حقل الرّميلة العراقي وصارت تسحب النّفط منه. ويتّضح من ذلك أنّها كانت تغرق السّوق العالميّ بالنّفط الذي كان جزءا منه هو النّفط الذي تسرقه من حقل الرّميلة العراقي وبهذا تلحق الضّرر المتعمّد بالعراق مرّتين..
مرّة بإضعاف اقتصاده وهو أحوج ما يكون فيه إلى العوائد ومرّة أخرى بسرقة ثروته. وتبلغ قيمة النّفط الذي سحبته حكومة الكويت من حقل الرّميلة فقط بهذه الطّريقة المنافية لعلاقات الأخوّة وفقا للأسعار المتحقّقة بين 1980- 1990 ( 2400 ) مليون دولار.
وإنّنا نسجّل أمام جامعة الدّول العربيّة وأمام الدّول العربيّة كلّها حقّ العراق في استعادة المبالغ المسروقة من ثروته وحقّ العراق في مطالبة المعنيّين بإصلاح التّجاوز والضّرر الذي وقع عليه.
لقد سبق أن شرحنا مخاطر سياسة حكومتي الكويت والإمارات لإخوتنا في الدّول العربيّة المنتجة ومنهم الكويت والإمارات مرّات عديدة .. وشكونا.. وحذّرنا.. وفي قمّة بغداد تحدّث السّيد الرّئيس صدّام حسين حول هذه المسألة أمام الملوك والرّؤساء والأمراء وبحضور المعنيّين بصراحة وبروح أخويّة ( ونرفق طيّا نصّ حديث سيادته حول الموضوع في مؤتمر قمّة بغداد ). وكنّا نتصوّر وخاصّة بعد الأجواء الأخويّة الإيجابيّة التي تحقّقت في قمّة بغداد أنّ حكومتي الكويت والإمارات سترعويان عن هذا النّهج ولكنّ الحقيقة المؤلمة هي أنّ كلّ ما قمنا به من مساع ثنائيّة ومن اتّصالات مع دول شقيقة لتلعب دورا إيجابيّا في ثني حكومتي الكويت والإمارات عن هذا النّهج وبرغم حديث السّيد الرّئيس صدّام حسين في قمّة بغداد فقد تعمّدت هاتان الحكومتان مواصلة هذه السّياسة واستمرّتا فيها بل إنّ بعض المسؤولين فيهما أطلقوا تصريحات وقحة عندما ألمحنا إلى هذه الحقائق وشكونا منها. لذلك لم يبق هناك أيّ مجال لاستبعاد الاستنتاج بأنّ ما فعلته حكومتا الكويت والإمارات في هذا الشّأن إنّما هو سياسة مدبّرة تستهدف أهدافا خفيّة. ومع إدراكنا بأنّ هذه السّياسة التي أدّت إلى انهيار أسعار النّفط تضرّ في المحصّلة النّهائيّة باقتصاد هذين البلدين نفسيهما.. فلم يبق أمامنا غير أن نستنتج بأنّ من تعمّد هذه السّياسة بصورة مباشرة ومكشوفة أو من آزرها أو دفع لها، إنّما ينفّذ جزءا من المخطّط الامبرياليّ – الصّهيونيّ ضدّ العراق وضدّ الأمّة العربيّة خاصّة في التّوقيت الذي جاءت فيه وهو ظروف التّهديد الخطير من جانب " إسرائيل" و الامبرياليّة الذي يتعرّض إليه الوطن العربيّ عامّة والعراق خاصّة، إذ كيف يمكن لنا أن نواجه هذا التّهديد الخطير ونحافظ على التّوازن في القوّة الذي حقّقه العراق بأغلى التّكاليف وهو الذي عانى ما عانى من الخسائر في أثناء الحرب مع انهيار مورد العراق الأساسيّ وموارد الدّول العربيّة المصدّرة للنّفط وهي العراق، السّعوديّة، قطر، عمان، اليمن، مصر، سوريّة، الجزائر وليبيا؟!
هذا فضلا عمّا تؤدّي إليه هذه السّياسة المريبة من إضعاف قدرة هذه الدّول العربيّة على مواجهة المشاكل الاقتصاديّة والاجتماعيّة الخطيرة التي تعاني منها وهي مشكلات ذات طبيعة مصيريّة.. فإلى أيّ مصير تريد حكومتا الكويت والإمارات أن تجرّا الأمّة العربيّة؟!.. في هذا الظّرف الصّعب الدّقيق والخطير؟!.. وسياسات من وأهداف من تريدان إرضاءهما؟!.
إنّا.. وبعد أن أوضحنا هذه الأمور لكلّ الأشقّاء وبعد أن طلبنا مباشرة من هاتين الحكومتين الكفّ عن هذه السّياسة الظّالمة والمدمّرة وشرحنا لهما ما نتعرّض إليه من أضرار كبيرة.. قبل قمّة بغداد وفي أثناء القمّة .. وبعدها.. وأرسلنا المبعوثين وكتبنا الرّسائل.. لذلك فإنّنا ندين ما فعلته حكومتا الكويت والإمارات بالعدوان المباشر على العراق فضلا عن عدوانهما على الأمّة العربيّة.
أمّا بالنّسبة لحكومة الكويت فإنّ اعتداءها على العراق وهو اعتداء مزدوج فمن ناحية تعتدي عليه وعلى حقوقه بالتّجاوز على أراضينا وحقولنا النّفطيّة وسرقة ثرواتنا الوطنيّة.. وإنّ مثل هذا التّصرّف هو بمثابة عدوان عسكريّ. ومن ناحية أخرى تتعمّد حكومة الكويت تحقيق انهيار في الاقتصاد العراقيّ في هذه المرحلة التي يتعرّض فيها إلى التّهديد الامبرياليّ – الصّهيونيّ الشّرس وهو عدوان لا يقلّ في تأثيره عن العدوان العسكريّ.
إنّنا إذ نعرض هذه الحقائق المؤلمة أمام الأشقّاء العرب فإنّنا نأمل أن يرفع الأشقّاء صوتهم عاليا لوضع حدّ لهذا العدوان المتعمّد المدبّر ولكي ينصحوا المنحرفين للعودة إلى السّلوك السّويّ الذي يأخذ بالاعتبار المصلحة القوميّة المشتركة ومتطلّبات الأمن القوميّ المشترك.
ثالثا: وبمناسبة الحديث عن المصالح القوميّة العليا وارتباط الثّروة العربيّة بمصير الأمّة العربيّة نطرح مقترحا كالتّالي:
- لو تضامنت كلّ الدّول العربيّة المنتجة وغير المنتجة تضامنا سياسيّا متينا واتّفقت على العمل على رفع سعر النّفط إلى ما يزيد عن 25 دولارا ثمّ أقامت صندوقا للمعونة والتّنمية العربيّة على غرار ما اتّفق عليه في قمّة عمان على أن يموّل هذا الصّندوق بدولار عن كلّ برميل نفط تبيعه الدّول العربيّة المنتجة بأكثر من سعر 25 دولارا فإنّ المبلغ الذي سيتحقّق لهذا الصّندوق هو 5 مليارات دولار سنويّا في نفس الوقت الذي تتحقّق فيه زيادات كبيرة في مداخيل الدّول المصدّرة للنّفط، لأنّ التّضامن العربيّ الجماعيّ الذي يفترضه هذا السّعر المنصف يزيد من مدخولاتها الماليّة ويحميها من المحاولات العدائيّة التي تستهدف إضعاف القوّة العربيّة من خلال إضعاف مواردها من الثّروة البتروليّة.
ويمكننا أن نتصوّر كيف أنّ مبلغا ثابتا كهذا سيعزّز الأمن القوميّ العربيّ ويوفّر إمكانات نموّ لكلّ الدّول العربيّة ويمكّنها من مواجهة الضّائقة الاقتصاديّة الخانقة التي تعاني منها أغلب دولنا.
إنّ العراق يطرح هذا المقترح للدّراسة الجادّة وقد يكون مؤتمر القمّة العربيّة القادم في القاهرة مناسبة لبحث هذا المقترح وإقراره.
رابعا: ولمناسبة الحديث عن هذه الحقائق المؤلمة نرى من الضّروريّ أن نوضّح اللّبس الذي ربّما يكون موجودا لدى بعض الأشقّاء حول موضوع ( المساعدات ) التي قدّمتها الكويت والإمارات للعراق أثناء الحرب.
لقد أجمع العرب المخلصون في كلّ الوطن العربيّ على أنّ الحرب التي اضطرّ العراق إلى خوضها لم تكن للدّفاع عن سيادته فحسب وإنّما كانت دفاعا عن البوّابة الشّرقيّة.
إنّنا نضع هذه الحقائق المؤلمة أمام ضمير كلّ عربيّ شريف وفي المقدّمة منهم شعب الكويت الشّقيق لكي يقدّروا الألم والضّرر والأذى الذي أصابنا ويصيبنا.
أرجو سيادة الأمين العامّ توزيع هذه الرّسالة على الدّول العربيّة..
مع أطيب التّحيّات والتّمنّيات.
طارق عزيز
نائب رئيس الوزراء
وزير خارجيّة الجمهوريّة العراقيّة
بغداد في 23 ذي الحجّة 1410 هـ
الموافق 15 تمّوز 1990
Comments
Post a Comment