Skip to main content

الدولة الإنسانيَّة- د بابكر فيصل بابكر

الدولة الإنسانيَّة

نشرت يوم
 (photo: )
بابكر فيصل بابكر
أوردت صحيفة "الدايلى ميل" البريطانية خبراً في فبراير الماضي يقول أنَّ المعلِّم البريطاني "راي كو" أنقذ حياة تلميذته, "علياء أحمد علي", المريضة في ستراتفورد, غرب لندن, وتبرع لها بكليته بعد أن علم أنها في حاجة ماسة لكُلية إثر إصابتها بالفشل الكُلَوي.
وفي وقت سابق كانت الصُحف المصرية قد أوردت خبراً يقول أنَّ مواطناً مصرياً مُسلماً يُدعى "عدلي حسن الزناتي" يقطنُ بإحدى قرى الصعيد قد عرض التبرع بإحدى كليتيه للبابا الراحل شنودة الثالث قبل وفاته وحرَّر تعهدًا مكتوبًا بتوقيعه فى هذا الشأن.
من المؤكد أنَّ دافع المعلم البريطاني والمواطن المصري "لقطع" جزء من جسديهما والتبرع به لأناسٍ لا يشاركونهما "المعتقد الديني" في الحالتين, مُضافاً إليه اللغة واللون والجنس والأصل العرقي في حالة المُعلم البريطاني يُعزى فقط للإشتراك في الأصل "الإنساني", الذي علا عند كليهما على أية رابطة أخرى.
هذا السمو في الفهم والإدراك لرفع قيمة "الإنسان" و الأخوة "الإنسانيَّة" إلى أعلى المراتب إذا إنسحب على العلاقات في إطار "الدولة" إرتقى بها إلى ذرى عالية تتخطى العصبيات الدينية والعرقية والجنسية وغيرها.
الشرائع السماوية نزلت في الأصل لخدمة الانسان, و لهدايته و تحقيق وحفظ مصالحه المعتبرة على هذه الأرض, ولم يُخلق الإنسان من أجل خدمة "الشرائع السماوية", فالانسان خلق أولاً, ثم جاء الدين ليُرشدهُ ويهديه إن أراد وإلا فعليه أن يتقبل مصيره يوم القيامة.
 لقد كان الإنسان على الدوام هو محور الأديان والرسالات و الخطاب الإلهي.
إنَّ ما يُعرف بالدولة "المدنيَّة" في عالم اليوم قد قطعت أشواطاً كبيرة في سبيل تحقيق حلم دولة الإنسان, وهى ( أي الدولة المدنية ) وإن إعترتها جوانب كثيرة من النقص تظلُّ أفضل الخيارات المُتاحة في وقتنا الحاضر للوصول لذلك الحُلم.
قد أورثت محاولات بناء الدولة على أساس تفوُّق "العرق" البشرية مآسٍ وفظائع كبيرة ( أمريكا وجنوب إفريقيا في السابق مثلاً), وكذلك فعلت محاولات تحديد سقوف الدولة على أساس "الدين" أو "المذهب" نفس الشىء ( إسرائيل, إيران, البحرين), وليس بعيداً عن ذلك مساعي تمجيد "الطبقة" ( الإتحاد السوفيتي). 
مفهوم "الدولة الإنسانية" يعني تحقيق مقصد الإرادة الإلهية بتكريم الإنسان - ( ولقد كرَّمنا بني آدم ) من حيث هو إنسانٌ وفقط, هى دولة تستبعدُ من هويتها الدستورية والقانونية أية أوصاف أخرى مُلحقة بالانسان من عرق وطائفة ودين ومذهب وحزب وطبقة وغيرها.
وهى دولةٌ غايتها تحقيق "العدل" بين جميع أفرادها ومكوناتها بغض النظر عن إنتماءاتهم العرقية أو المذهبية أو الجنسية, والعدلُ قيمة إنسانية مطلقة لا ترتبطُ بهذه الإنتماءات, و كما قال إبن القيم : إذا ظهرت أمارات العدل فثم شرع الله ودينه.
وفي التراث الإسلامي ما يفيد بذلك فقد إمتدح الرسول الكريم حكم العدل من "غير المسلمين" ووجَّه أصحابه بالإحتماء به , وقال لهم في الهجرة الأولى ( لو خرجتم إلى أرض الحبشة فإنَّ بها ملكاً لا يظلم عنده أحد, وهى أرضُ صدق حتى يجعل الله لكم فرجاً مما أنتم فيه ).
الدولة الإنسانية بالضرورة لا تُعارض "الدين" ولكنها تناقض "الدولة الدينية" التي تميِّز بين أفرادها على أساس إنتماءهم الديني والمذهبي, وهذا التمييز لا بُدَّ أن يقع في ظل الدولة الدينية مهما إدعى المنادون بها من دعاوى تقول بإنها تحفظ حقوق أصحاب الإنتماءات المختلفة, وأمامنا أسطع نموذج لطبيعة هذه الدولة وهو ما تمارسه "الدولة الإسلامية في العراق والشام" وما مارسته قبلها "دولة طالبان" في أفغانستان.
أسَّطرُ هذا المقال وفي ذهني الجدل المُستمر حول طبيعة الدولة التي نأمل في إقامتها في السودان, هل هى دولة مدنيَّة ؟ أم  دينية ؟ أم  مدنية ذات مرجعية إسلامية ؟ أم علمانية ؟ والعبرة عندي بالمحتوى وليس بالتسمية, فالدولة التي ننشدها تقوم فيها كافة الحقوق والواجبات على أساس المواطنة دونما تمييز و التشريع فيها يكون بالإرادة الحرة للشعب, وهذه مبادىء لا تعارض الدين.
وحتى لا ينحرف الناسُ بالجدال حول "المصطلحات" المُفخخة عن التعريف الحقيقي بماهية الدولة التي نرغب في قيامها فإنَّ تسمية "الدولة الإنسانية" تمثل الخيار الأمثل الذي يجب أن نركز عليه في اطروحاتنا.
وكان الدكتور سعد الدين هلالي, أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر, قد دعا لصياغة "الدستور الإنساني" الذي يحقق مبادىء الإسلام وقيمه النبيلة, فينصُّ على أنَّ العدل أساس الحكم, وأنَّ الحرية والكرامة والمساواة من القيم الإنسانية التي "لا يجوز تفسيرها بما يعطلها".
عودٌ على بدء : إذا إستفتى "عدلي حسن الزناتي" أحد شيوخ هذا الزمان العجيب حول نيته التبرع بكليته للبابا الراحل شنودة فالغالب أنَّ الجواب سيأتيه : حرام , لا يجوز إدخال كلية "مسلمة" في جسد "كافر", ولو لجأ "راى كو" لإستشارة رجل دين مسيحي في موضوع تبرعه للطالبة المسلمة ربما أجابه : حسناً, ولكن من الأفضل أن تتبرع بها لأحد أتباع الرَّب يسوع.  
حسناً فعل الرجلان حين إستفتيا قلبيهما, وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم القائل ( إستفت قلبك, إستفت نفسك وإن أفتاك الناس وأفتوك).  

Comments

Popular posts from this blog

Mona Farouk reveals scenes of "scandalous video"Egyptian actress Mona Farouk appeared on

Mona Farouk reveals scenes of "scandalous video"Egyptian actress Mona Farouk appeared on Monday in a video clip to discuss the details of the case she is currently facing. She recorded the first video and audio statements about the scandalous video that she brings together with Khaled Youssef.Farouk detonated several surprises, on the sidelines of her summons to the Egyptian prosecution, that Khalid Youssef was a friend of her father years ago, when she was a young age, and then collected a love relationship with him when she grew up, and married him in secret with the knowledge of her parents and her father and brother because his social status was not allowed to declare marriage .Muna Farouk revealed that the video was filmed in a drunken state. She and her colleague Shima al-Hajj said that on the same day the video was filmed, she was at odds with Shima, and Khaled Yusuf repaired them and then drank alcohol.She confirmed that Youssef was the one who filmed the clips whil...

الحلقة 20 هنادي المطلقة والمحلل (ماذا قال كتاب العرب في هنادي)-----------Khalid Babiker

• الجنس شعور فوضوي يتحكم في الذات والعقل . وله قوة ذاتية لا تتصالح إلا مع نفسها . هكذا قال أنصار المحلل الحلقة 20 هنادي المطلقة والمحلل (ماذا قال كتاب العرب في هنادي) أول طريق عبره الإنسان هو طريق الذكر . بعدها شهق وصرخ . تمرغ في الزيت المقدس . وجرب نشوة الأرغوس . عاجلا أم آجلا سيبحث عن هذا الطريق ( كالأسماك تعود إلى أرض ميلادها لتبيض وتموت ) . وسيعبره . سيعبره بحثا عن الديمومة . وسيشهق وسيضحك . لقد جاء إليه غريبا . سيظل بين جدرانه الدافئة غريبا . وحالما يدفع تلك الكائنات الحية الصغيرة المضطربة في الهاوية الملعونة سيخرج فقيرا مدحورا يشعر بخيانة ما ( ..... ) . لن ينسى الإنسان أبدا طريق الذكر الذي عبره في البدء . سيتذكره ليس بالذاكرة وإنما بالذكر . سيعود إليه بعد البلوغ أكثر شوقا وتولعا . ولن يدخل فيه بجميع بدنه كما فعل في تلك السنوات التي مضت وإنما سيدخل برأسه . بعد ذلك سيندفع غير مبال بالخطر والفضيحة والقانون والدين . الله هناك خلف الأشياء الصغيرة . خلف كل شهقة . كل صرخة مندفعا في الظلام كالثور في قاعة المسلخ . الله لا يوجد في الأشياء الكبيرة . في الشرانق . في المح . ينشق فمه . تن...

Trusting Liar (#5) Leave a reply

Trusting Liar (#5) Leave a reply Gertruida is the first to recover.  “Klasie… ?” “Ag drop the pretence, Gertruida. You all call me ‘Liar’ behind my back, so why stop now? Might as well be on the same page, yes?” Liar’s face is flushed with anger; the muscles in his thin neck prominently bulging. “That diamond belongs to me. Hand it over.” “What are you doing? Put away the gun…” “No! This…,” Liar sweeps his one hand towards the horizon, “…is my place.  Mine!   I earned it! And you…you have no right to be here!” “Listen, Liar, we’re not the enemy. Whoever is looking for you with the aeroplane and the chopper….well, it isn’t us. In fact, we were worried about you and that’s why we followed you. We’re here to help, man!” Vetfaan’s voice is pleading as he takes a step closer to the distraught man. “Now, put down the gun and let’s chat about all this.” Liar hesitates, taken aback after clearly being convinced that the group  had hostile intentions. “I…I’m ...