المصالح السعودية – التركية .. تقاطُع وتصادُم (ليلى الرحباني)
في خطوة لافتة، تقدَّم الجيش السوري ميدانياً هذا الأسبوع، فسيطر على مواقع استراتيجية هامة، أهمها مدينة كسب في ريف اللاذقية الشمالي، وبعض مناطق ريف حمص الشمالي. تأتي أهمية السيطرة على كسب، لموقعها الجغرافي المحاذي للأراضي التركية، والتي شكّلت عمقاً جغرافياً استراتيجياً للمسلحين، ورافداً بشرياً ولوجستياً لهم، وهو ما أكّدته التقارير الصحفية التي أشارت إلى وجود سيارات تركية عسكرية استخدمها الجيش التركي المتدخّل في سورية عسكرياً، بالإضافة إلى سيارات إسعاف تركية استخدمها المسلحون لنقل جرحاهم إلى الداخل التركي.
وهكذا، تستمرّ الإشارات الميدانية والتقارير العسكرية والصحفية بتأكيد التدخُّل العسكري التركي المباشر وغير المباشر على خط المعارك في سورية، منذ بداية الأزمة ولغاية اليوم، فتدخُّل الجيش التركي بدأت ملامحه الواضحة تظهر منذ بدء المعارك على الحدود بين البلدين، وأهمها معارك جسر الشغور، ثم مروراً بالقصف التركي للطائرات العسكرية السورية التي كانت تقوم بضرب معاقل المسلحين، وصولاً إلى منطقة كسب، التي ظهر جلياً تدخُّل الأتراك العسكري المباشر فيها، بالإضافة إلى تأمين الدعم للمسلحين وتسهيل مرورهم، وتأمين متطلباتهم اللوجستية، وتأمين ملاذ آمن للمجموعات الإرهابية لتتحصّن، تمهيداً للانقضاض على الأراضي السورية.
رغم كل هذا التدخل العسكري التركي الواضح، بالإضافة إلى التدخل السياسي لأنقرة، الذي تمظهر بإيواء المعارضة السورية وتأمين الملاذ والدعم السياسي والمالي لها، أضف إلى ذلك التقارير المؤكدة التي تفيد باستفادة - إن لم يكن تشجيع ومشاركة - تركية من نهب المصانع السورية في حلب، ثم نهب النفط السوري في المناطق التي تسيطر عليها المجموعات المسلحة بعد إعلان الاتحاد الأوروبي رغبته بشراء النفط المسروق الخ... رغم كل ذلك، كان لافتاً توجيه الرئيس السوري بشار الأسد مؤخراً الاتهام إلى السعودية بأنها الدولة الإقليمية الأكثر استمراراً في عدائيتها لسورية بعد "إسرائيل"، رغم أنه لم ينفِ عدائية كل من تركيا وقطر لدولته.
وفي محاولة تفسير هذا التصنيف، يمكن لنا تصوُّر الأسباب الآتية:
- فشل مشروع "الإخوان المسلمين" في المنطقة، وترنُّح أصحاب هذا المشروع وسقوطهم رغم بقاء بعض ركائزه على قيد الحياة، لذا لا يملك مشروع "الإخوان المسلمين" سوى أن يمدّ اليد لإيران لتنقذه من الموت المحتّم، وبما أن إيران باتت خشبة الخلاص الوحيدة لمشروعهم، يحاول الرئيس الأسد أن يعطي الإيراني فرصة لمحاولة تعديل الموقف "الإخواني" من الحرب الدائرة في سورية، ما سيؤدي حكماً إلى تفكك الجبهة المعادية بأكملها.
- يعرف الأسد أنه في ظل صراع "إخواني - وهابي" يتجلى اقتتالاً مسلَّحاً في سورية، ومعارك إلغائية في كل من مصر وتونس واليمن وغيرها، يجب عدم فتح المجال لهذين المحورين بالالتقاء على مصلحة واحدة، كما حصل سابقاً حين تكاتفا للنيل من الدولة السورية في بداية المعارك، بل من مصلحته ومصلحة المحور المقاوم أن يزيد الشرخ بينهما وتوسيع هامش الاقتتال.
- يدرك الأسد أن ما قامت به "داعش" في العراق كان بدعم تركي وسعودي معاً، لتقاطع مصالحهما ضد الحكومة العراقية، لكن لكل منهما منطلقاته في دعم المجموعات المسلحة في العراق، فالسعودية تريد أن تستعيد الساحة العراقية بعدما خسرت في سورية، بينما تريد تركيا أن تدفع الولايات المتحدة إلى التعاون والتنسيق معها لمكافحة الإرهاب، ما يعيد الاعتبار إلى دور تركيا في الترتيبات الإقليمية الجديدة، ويعطي دفعاً أميركياً لأردوغان وحزب "العدالة والتنمية" في مواجهة خصومه الداخليين، بعدما تبيّن أن الأميركيين غير بعيدين عما يحصل في تركيا منذ حزيران 2013 ولغاية الآن.
بكل الأحوال، وبغض النظر عن حجم العداء السعودي أو التركي لسورية أو مركزيته، يبقى أن المنطقة اليوم، وبعد سيطرة "داعش" على أجزاء واسعة من العراق، لن تشهد اقتتالاً طائفياً سُنياً شيعياً فحسب كما يريد البعض، بل ستشهد المنطقة العربية بأكلمها اقتتالاً أشدّ بين "الإخوان" و"الوهابيين"، وأبرز الدول المتأثرة فيه ستكون الأردن، والمملكة العربية السعودية، وباقي الدول الخليجية.
Comments
Post a Comment