حقوق الإنسان في السودان وصيف جنيف الساخن
06-27-2014 08:16 AM
محجوب محمد صالح
أنهى الخبير المستقل لحقوق الإنسان في السودان والمعين من قبل مجلس حقوق الإنسان الدولي البروفسير مشهود بدرين زيارته السودان هذا الأسبوع بعد أن أمضى عشرة أيام في زيارة شملت الخرطوم ودارفور والتقى بالمسؤولين الحكوميين في الأجهزة المختصة، كما التقى بمنظمات المجتمع المدني والمنظمات الحقوقية المعنية بمتابعة أوضاع حقوق الإنسان في السودان وسيرفع تقريرا بما رصده خلال زيارته إلى اجتماع المجلس في سبتمبر القادم ويقدم تقييما لحالة حقوق الإنسان في السودان في هذه المرحلة.
تجيء هذه الزيارة للسودان في وقت حرج بالنسبة للحكومة؛ لأن أخبار السودان وحالة حقوق الإنسان فيه تصدرت الأخبار في كافة المواقع الإعلامية في شتى أنحاء العالم حول ممارسات رسمية عديدة سلطت الضوء على واقع حقوق الإنسان في السودان وعرضت الحكومة لانتقادات إقليمية ودولية وعلى سبيل المثال فإن حكما بالإعدام صدر في محكمة أول درجة ضد متهمة بالردة أثار ردود فعل غاضبة في شتى أنحاء العالم لدرجة وصفتها وزارة الخارجية في بيان رسمي بأنها شكلت (ضغطا غير مسبوق على السودان)، وتزامنت هذه القضية مع اعتقال زعيم حزب الأمة وأمام الأنصار السيد الصادق المهدي بتهمة توجيه انتقادات لأجهزة نظامية أو شبه نظامية اعتبرته الحكومة تقويضا للدستور واتهمته تحت مادة أقصى عقوبتها الإعدام، وجاء هذا الاتهام في وقت كانت الحكومة تطرح مبادرة للحوار الوطني الشامل وتفتح الأفق السياسي لحرية التعبير وحرية الحراك السياسي فكان الاعتقال إجهاضا لمشروع الحوار، ثم طال الاعتقال رئيس حزب المؤتمر السوداني إبراهيم الشيخ لنفس الحيثيات وفي نفس الموضوع إضافة لبعض الطلاب الناشطين مع تردد اتهامات بتعذيبهم وامتد الحصار للصحافة مباشرة بعد إعلان رئيس الجمهورية رفع العقوبات الإدارية عنها وإتاحة الحرية للصحافة لكن في أقل من أسبوعين عادت كل الممارسات السابقة، وأحكم الحصار على الصحافة وعادت المصادرة ومنع الكتابة من النشر والتعسف في استعمال القانون – لم يعش (ربيع) مبادرة الحوار إلا بضعة أسابيع قبل أن يرتد الوضع إلى أسوأ مما كان عليه.
في هذا الظرف غير المواتي للحكومة تمت الزيارة الدورية للخبير المستقل فكان طبيعيا أن يجد أجندته ممتلئة بهذه القضايا الطارئة إضافة للقضايا القديمة المتجددة في مناطق الحرب -دارفور والنيل الأزرق وجبال النوبة وأحداث سبتمبر الماضي- وكان عليه أن يقف بنفسه على الأوضاع وأن يستمع لمسؤولي الحكومة وللجماعات الحقوقية وناشطي المجتمع المدني، وأن يصل إلى تقييم شامل للأوضاع يضمنه تقريره القادم إلى مجلس حقوق الإنسان الذي يجتمع في شهر سبتمبر.
قبيل مغادرته الخرطوم هذا الأسبوع عقد الخبير مؤتمراً صحافيا ليتحدث عما قام به من اتصالات وما توفرت لديه من ردود وتقارير وشهادات ولكنه حرص ألا يتطرق إلى محتويات تقريره القادم؛ لأن بعض ما تجمع لديه من معلومات يحتاج إلى دراسة وتقييم ولكن ما رشح في مؤتمره الصحافي يعكس بعض ما نتوقع أن يشتمل عليه تقريره، خاصة أن بعض القضايا المثارة تمت معالجتها أثناء وجوده مثل إطلاق سراح زعيم حزب الأمة أو صدور حكم بالبراءة ضد المتهمة بالردة ومغادرتها السجن، بينما ظلت بعض القضايا عالقة ومن بينها اعتقال الطلاب الثلاثة وفشله في الحصول على إذن من السلطات بزيارتهم في محبسهم خاصة وهو قد وصلته شكاوى باتهامات تشير إلى تعرضهم للتعذيب ومع ترحيبه بشطب قضية الردة في مرحلة الاستئناف فقد كان من رأيه أن يتواصل الحوار بين السودانيين المعنيين بقضية التعايش الديني وحول وجود مادة الردة في القانون كما كان من رأيه أن تتهيأ الأجواء لحوار راشد وقاصد بتوفير الحريات.
موضع الحرج بالنسبة للحكومة في هذه القضية أنها بذلت في العام 2011 جهوداً دبلوماسية مكثفة لتخرج بحالة السودان من البند الرابع في لائحة مجلس حقوق الإنسان التي تفرض وجود مقرر خاص للسودان إلى البند العاشر الذي يدعو لتعيين خبير مستقل ولايته الأساسية أن يوفر الدعم الفني للحكومة في مجال حقوق الإنسان، إضافة لمتابعة وتقييم ما يحدث من تقدم أو تراجع وانتهاكات لحقوق الإنسان، وقد نجحت في ذلك وأي تراجع كبير في الحقوق يهدد بعودة السودان للوضع السابق تحت ولاية المقرر وهو ما لا تريده الحكومة أن يحدث، ونتوقع أن يثير تقرير الخبير هذه المرة جدلا واسعا بسبب الأحداث الأخيرة التي سلطت الأضواء على السودان والتراجع الواضح في سجل الحقوق. وكل القضايا ستطرح في اجتماعات جنيف وكل ملاحظات الخبير ومداخلات المجتمع المدني وهيئات حقوق الإنسان العالمية والإقليمية والمحلية ستكون حاضرة في ذلك الاجتماع، وكذلك تبريرات الوفد الحكومي وردوده، ما يعني أن اجتماعات جنيف هذا العام مرشحة لأن تشهد صيفاً ساخناً!!
العرب
06-27-2014 08:16 AM
محجوب محمد صالح
أنهى الخبير المستقل لحقوق الإنسان في السودان والمعين من قبل مجلس حقوق الإنسان الدولي البروفسير مشهود بدرين زيارته السودان هذا الأسبوع بعد أن أمضى عشرة أيام في زيارة شملت الخرطوم ودارفور والتقى بالمسؤولين الحكوميين في الأجهزة المختصة، كما التقى بمنظمات المجتمع المدني والمنظمات الحقوقية المعنية بمتابعة أوضاع حقوق الإنسان في السودان وسيرفع تقريرا بما رصده خلال زيارته إلى اجتماع المجلس في سبتمبر القادم ويقدم تقييما لحالة حقوق الإنسان في السودان في هذه المرحلة.
تجيء هذه الزيارة للسودان في وقت حرج بالنسبة للحكومة؛ لأن أخبار السودان وحالة حقوق الإنسان فيه تصدرت الأخبار في كافة المواقع الإعلامية في شتى أنحاء العالم حول ممارسات رسمية عديدة سلطت الضوء على واقع حقوق الإنسان في السودان وعرضت الحكومة لانتقادات إقليمية ودولية وعلى سبيل المثال فإن حكما بالإعدام صدر في محكمة أول درجة ضد متهمة بالردة أثار ردود فعل غاضبة في شتى أنحاء العالم لدرجة وصفتها وزارة الخارجية في بيان رسمي بأنها شكلت (ضغطا غير مسبوق على السودان)، وتزامنت هذه القضية مع اعتقال زعيم حزب الأمة وأمام الأنصار السيد الصادق المهدي بتهمة توجيه انتقادات لأجهزة نظامية أو شبه نظامية اعتبرته الحكومة تقويضا للدستور واتهمته تحت مادة أقصى عقوبتها الإعدام، وجاء هذا الاتهام في وقت كانت الحكومة تطرح مبادرة للحوار الوطني الشامل وتفتح الأفق السياسي لحرية التعبير وحرية الحراك السياسي فكان الاعتقال إجهاضا لمشروع الحوار، ثم طال الاعتقال رئيس حزب المؤتمر السوداني إبراهيم الشيخ لنفس الحيثيات وفي نفس الموضوع إضافة لبعض الطلاب الناشطين مع تردد اتهامات بتعذيبهم وامتد الحصار للصحافة مباشرة بعد إعلان رئيس الجمهورية رفع العقوبات الإدارية عنها وإتاحة الحرية للصحافة لكن في أقل من أسبوعين عادت كل الممارسات السابقة، وأحكم الحصار على الصحافة وعادت المصادرة ومنع الكتابة من النشر والتعسف في استعمال القانون – لم يعش (ربيع) مبادرة الحوار إلا بضعة أسابيع قبل أن يرتد الوضع إلى أسوأ مما كان عليه.
في هذا الظرف غير المواتي للحكومة تمت الزيارة الدورية للخبير المستقل فكان طبيعيا أن يجد أجندته ممتلئة بهذه القضايا الطارئة إضافة للقضايا القديمة المتجددة في مناطق الحرب -دارفور والنيل الأزرق وجبال النوبة وأحداث سبتمبر الماضي- وكان عليه أن يقف بنفسه على الأوضاع وأن يستمع لمسؤولي الحكومة وللجماعات الحقوقية وناشطي المجتمع المدني، وأن يصل إلى تقييم شامل للأوضاع يضمنه تقريره القادم إلى مجلس حقوق الإنسان الذي يجتمع في شهر سبتمبر.
قبيل مغادرته الخرطوم هذا الأسبوع عقد الخبير مؤتمراً صحافيا ليتحدث عما قام به من اتصالات وما توفرت لديه من ردود وتقارير وشهادات ولكنه حرص ألا يتطرق إلى محتويات تقريره القادم؛ لأن بعض ما تجمع لديه من معلومات يحتاج إلى دراسة وتقييم ولكن ما رشح في مؤتمره الصحافي يعكس بعض ما نتوقع أن يشتمل عليه تقريره، خاصة أن بعض القضايا المثارة تمت معالجتها أثناء وجوده مثل إطلاق سراح زعيم حزب الأمة أو صدور حكم بالبراءة ضد المتهمة بالردة ومغادرتها السجن، بينما ظلت بعض القضايا عالقة ومن بينها اعتقال الطلاب الثلاثة وفشله في الحصول على إذن من السلطات بزيارتهم في محبسهم خاصة وهو قد وصلته شكاوى باتهامات تشير إلى تعرضهم للتعذيب ومع ترحيبه بشطب قضية الردة في مرحلة الاستئناف فقد كان من رأيه أن يتواصل الحوار بين السودانيين المعنيين بقضية التعايش الديني وحول وجود مادة الردة في القانون كما كان من رأيه أن تتهيأ الأجواء لحوار راشد وقاصد بتوفير الحريات.
موضع الحرج بالنسبة للحكومة في هذه القضية أنها بذلت في العام 2011 جهوداً دبلوماسية مكثفة لتخرج بحالة السودان من البند الرابع في لائحة مجلس حقوق الإنسان التي تفرض وجود مقرر خاص للسودان إلى البند العاشر الذي يدعو لتعيين خبير مستقل ولايته الأساسية أن يوفر الدعم الفني للحكومة في مجال حقوق الإنسان، إضافة لمتابعة وتقييم ما يحدث من تقدم أو تراجع وانتهاكات لحقوق الإنسان، وقد نجحت في ذلك وأي تراجع كبير في الحقوق يهدد بعودة السودان للوضع السابق تحت ولاية المقرر وهو ما لا تريده الحكومة أن يحدث، ونتوقع أن يثير تقرير الخبير هذه المرة جدلا واسعا بسبب الأحداث الأخيرة التي سلطت الأضواء على السودان والتراجع الواضح في سجل الحقوق. وكل القضايا ستطرح في اجتماعات جنيف وكل ملاحظات الخبير ومداخلات المجتمع المدني وهيئات حقوق الإنسان العالمية والإقليمية والمحلية ستكون حاضرة في ذلك الاجتماع، وكذلك تبريرات الوفد الحكومي وردوده، ما يعني أن اجتماعات جنيف هذا العام مرشحة لأن تشهد صيفاً ساخناً!!
العرب
Comments
Post a Comment