جراحة بيضاء على الطريقة «البورقيبية» في الخرطوم
يرجح بحسابات التجارة كما ترى دوائر ان تطوى مرحلة البشير مع تحميله شخصيا كل الاخطاء، بما فيها التسليم للقضاء الدولي
محجوب حسين
جزء من هذا العنوان هو حديث الشارع السياسي السوداني، الذي يشترك معه عدد من مراكز الرصد التي تشتغل بالسياسة السودانية، وبما ان العنوان ذاته موضوع وحديث للعامة، طبيعي ان تتبعه استفهامات موازية، ليس بالضرورة الاجابة عليها ما دامت تلك هي مهمة المحكومين، وفي ما يرون ويريدون وماذا هم فاعلون، ومن شاكلة هذه الاستفهامات، «اللحية» أم «الخوذة» هي التي تسير شؤون الحكم في السودان الان، وكيف، ولفائدة من؟ أكان شخصا او تيارا سياسيا او مؤسسة في الدولة او جهة او قبيلة او مليشيات او تحالفات مليشياتية، بعدما تحولت دولة «التبشير الاسلاموي» الى دويلات مليشياتية لحراسة ثروة المصالح حول السلطة. الى ذلك، ما هي خارطة مصالح القوى المليشياتية المسيطرة على الدولة؟ في ظل بحث نخبة الحكم عن خيار- شكلاني – للخروج من المأزق الوطني الذي تم رمِي السودان والسودانيين وانفسهم فيه بلا مبرر موضوعي، غير الفهم الاعتباطي للسودان وازمته.
الاستفهامات المشار اليها وثيقة الصلة بمركزية الصراع السوداني، اي بنية «تابو» السلطة السودانية في الخرطوم، هذه البنية تمضي في التفكك بفعل تفاعل عوامل التعــرية، الداخلية منها والتاريخية، وهي متنوعة وعديدة ومتشابكة، جميعها دفعت بالاوضاع، على ما يبدو وتقرأ من اكثر من زاوية، الى حالة من الفراغ الجزئي للسلطة، الذي امتد الى ان وصل الى اعلى هرم للسلطة السيادية في البلاد، كما يرجح كثيرون، وسط تضارب في حديث مجالس الخرطوم حول من بيده السلطة السودانية، هذا الفراغ او الخلل الذي ليس بالموضوع الهين او اليسير، ان ثبت وقوعه فعلا، قد يكون توطئة مهمة ومحددة في الوقت نفسه تجاه الحسم النهائي للازمة السودانية، التي موضوعها ونتائجها، إما التسوية الشاملة او الانهيار الشامل، وفي ذلك فليتنافس المتنافسون .
في هذا الخضم، وعلى صعيد متصل به، يمكن القول ان نسق مجريات سلطة الخرطوم خلال الاشهر الماضية ـ اي بعد خطاب الوثبة الرئاسي وما تمخض عنه من تداعيات ـ ليست بكامل عافيتها، بل تعرف تشققات وتصدعات عميقة تقترب من حدوث انهيار تام لمركزية حُكم الخرطوم للسودانيين، بعدما أُلغيت اهم مؤسسات قوة الدولة واحد اهم مظاهرها من جيش وقوى شرطية وتحويل مقدراتهما او اختصاصاتهما الى نوعين من الميليشات، وهما ميليشات اجهزة الأمن وميليشات قوى «التدخل السريع»، التي تم استدعاؤها بالبريد العاجل لحصار الخرطوم والغاء مهامها في حرب الاطراف والوصول الى القصر الجمهوري، مركز الحكم السوداني الذي يعرف اختلالات وصراعات بين قوى مختلفة، لا تستطيع ان ترجح واحدة على الاخرى، في ظل غياب المعلومات عن حجم ميليشات كل فريق، وهل فريق «التدخل السريع» يتبع الرئيس ام جناحا اخر، وهل جلب للمساعدة على حماية «شاه السودان»، أم للانقضاض عليه، في ظل ازمة سودانية انحسرت اعمدتها حول الخرطوم، ومن يحكم الخرطوم يحكم السودان. كل هذا يسجل في ظل صراع سياسي عنيف على بقايا السلطة في الخرطوم بين اجنحة التنظيمات الاسلاموية التي سقطت في الشارع السوداني، سواء بلافتاتها الحقيقية او المحورة وراثيا.
وعلى خلفية تقاطعات مشاهد السلطة يلاحظ الناظر السياسي، كما يتتبع ويراقب الشعب السوداني، ان رئيس البلاط السوداني مختف عن الانظار والمشهد السياسي منذ فترة ليست بالقصيرة، ويأتي هذا الاختفاء او الاحتجاز، كما يرد في قول متطرفين في التحليل بمعنى – الاقامة الجبرية – بتزامن مع العمليات الجراحية التي اجريت للرئيس مؤخرا في ظل سياج أمني كثيف ضرب حوله، وفي الوقت ذاته ليس هناك ما يفيد او يرشح من معلومات عن حقيقة تفيد بصحة الرئيس الذي توارى عن الانظار على غير عادته واكتفى بالظهور في مقاطع تلفزيونية سريعة تظهر فيه صورته، في ثوان، مجتمعا الى شخصيات غير مهمة وليست ذات شأن قياسا مع قضايا البلاد الكبرى التي تتنظره، علما بان هذه الصور التلفزيونية، التي ظهر فيها بالقطع لا تتجاوز ظاهرة العلاقات العامة التي غالبا ما تدفعه للقيام به الاجهزة المتحكمة، حسب حاجتها او حاجة السلطة له، كإرسال رسائل خادعة لطمأنة الشعب السوداني بانه ما زال مسيطرا على زمام الامور. وبالمقابل الاخرون القائمون على قيادة الامور يسعون الى القول ان النظام قائم والاجهزة التنفيذية والامنية تعمل وفق الخطط المرسومة لها، مع توافر تغطية سياسية جيدة، عبر إلهاء الناس «بالحوار الوطني» الذي تحول الى تسويف يومي ومادة سياسية عبثية لا تحقق غرضا لصالح الوطن، بقدر ما ان الموضوع كله يتعلق باعادة انتاج جديد للحزب «الوطني» الذي فقد الاهلية السياسية والصحية، بل حتى الاهلية الديكتاتورية الشمولية – ان وجدت- أما عملية اعادة الانتاج الجارية هذه باعتبارها احد مطلوبات الساعة لنظام الميلشيا قد لا ترتبط بالحوار الوطني واحدى غايات المعارضة منه، انهاء نظام البشير. لذا يرجح بحسابات التجارة كما ترى دوائر ان تطوى مرحلة البشير مع تحميله شخصيا كل الاخطاء، بما فيها التسليم للقضاء الدولي، عبر عملية جراحة بيضاء على الطريقة «البورقيبية»، وهي التي تؤكدها ذات الدوائر بانها جارية في هدوء، كما حدثت في تونس قبل اكثر من عقدين ونصف العقد، وان اختلفت او تقاربت الحالتان.
كاتب سوداني مقيم في لندن
محجوب حسين
القدس العربي
يرجح بحسابات التجارة كما ترى دوائر ان تطوى مرحلة البشير مع تحميله شخصيا كل الاخطاء، بما فيها التسليم للقضاء الدولي
محجوب حسين
جزء من هذا العنوان هو حديث الشارع السياسي السوداني، الذي يشترك معه عدد من مراكز الرصد التي تشتغل بالسياسة السودانية، وبما ان العنوان ذاته موضوع وحديث للعامة، طبيعي ان تتبعه استفهامات موازية، ليس بالضرورة الاجابة عليها ما دامت تلك هي مهمة المحكومين، وفي ما يرون ويريدون وماذا هم فاعلون، ومن شاكلة هذه الاستفهامات، «اللحية» أم «الخوذة» هي التي تسير شؤون الحكم في السودان الان، وكيف، ولفائدة من؟ أكان شخصا او تيارا سياسيا او مؤسسة في الدولة او جهة او قبيلة او مليشيات او تحالفات مليشياتية، بعدما تحولت دولة «التبشير الاسلاموي» الى دويلات مليشياتية لحراسة ثروة المصالح حول السلطة. الى ذلك، ما هي خارطة مصالح القوى المليشياتية المسيطرة على الدولة؟ في ظل بحث نخبة الحكم عن خيار- شكلاني – للخروج من المأزق الوطني الذي تم رمِي السودان والسودانيين وانفسهم فيه بلا مبرر موضوعي، غير الفهم الاعتباطي للسودان وازمته.
الاستفهامات المشار اليها وثيقة الصلة بمركزية الصراع السوداني، اي بنية «تابو» السلطة السودانية في الخرطوم، هذه البنية تمضي في التفكك بفعل تفاعل عوامل التعــرية، الداخلية منها والتاريخية، وهي متنوعة وعديدة ومتشابكة، جميعها دفعت بالاوضاع، على ما يبدو وتقرأ من اكثر من زاوية، الى حالة من الفراغ الجزئي للسلطة، الذي امتد الى ان وصل الى اعلى هرم للسلطة السيادية في البلاد، كما يرجح كثيرون، وسط تضارب في حديث مجالس الخرطوم حول من بيده السلطة السودانية، هذا الفراغ او الخلل الذي ليس بالموضوع الهين او اليسير، ان ثبت وقوعه فعلا، قد يكون توطئة مهمة ومحددة في الوقت نفسه تجاه الحسم النهائي للازمة السودانية، التي موضوعها ونتائجها، إما التسوية الشاملة او الانهيار الشامل، وفي ذلك فليتنافس المتنافسون .
في هذا الخضم، وعلى صعيد متصل به، يمكن القول ان نسق مجريات سلطة الخرطوم خلال الاشهر الماضية ـ اي بعد خطاب الوثبة الرئاسي وما تمخض عنه من تداعيات ـ ليست بكامل عافيتها، بل تعرف تشققات وتصدعات عميقة تقترب من حدوث انهيار تام لمركزية حُكم الخرطوم للسودانيين، بعدما أُلغيت اهم مؤسسات قوة الدولة واحد اهم مظاهرها من جيش وقوى شرطية وتحويل مقدراتهما او اختصاصاتهما الى نوعين من الميليشات، وهما ميليشات اجهزة الأمن وميليشات قوى «التدخل السريع»، التي تم استدعاؤها بالبريد العاجل لحصار الخرطوم والغاء مهامها في حرب الاطراف والوصول الى القصر الجمهوري، مركز الحكم السوداني الذي يعرف اختلالات وصراعات بين قوى مختلفة، لا تستطيع ان ترجح واحدة على الاخرى، في ظل غياب المعلومات عن حجم ميليشات كل فريق، وهل فريق «التدخل السريع» يتبع الرئيس ام جناحا اخر، وهل جلب للمساعدة على حماية «شاه السودان»، أم للانقضاض عليه، في ظل ازمة سودانية انحسرت اعمدتها حول الخرطوم، ومن يحكم الخرطوم يحكم السودان. كل هذا يسجل في ظل صراع سياسي عنيف على بقايا السلطة في الخرطوم بين اجنحة التنظيمات الاسلاموية التي سقطت في الشارع السوداني، سواء بلافتاتها الحقيقية او المحورة وراثيا.
وعلى خلفية تقاطعات مشاهد السلطة يلاحظ الناظر السياسي، كما يتتبع ويراقب الشعب السوداني، ان رئيس البلاط السوداني مختف عن الانظار والمشهد السياسي منذ فترة ليست بالقصيرة، ويأتي هذا الاختفاء او الاحتجاز، كما يرد في قول متطرفين في التحليل بمعنى – الاقامة الجبرية – بتزامن مع العمليات الجراحية التي اجريت للرئيس مؤخرا في ظل سياج أمني كثيف ضرب حوله، وفي الوقت ذاته ليس هناك ما يفيد او يرشح من معلومات عن حقيقة تفيد بصحة الرئيس الذي توارى عن الانظار على غير عادته واكتفى بالظهور في مقاطع تلفزيونية سريعة تظهر فيه صورته، في ثوان، مجتمعا الى شخصيات غير مهمة وليست ذات شأن قياسا مع قضايا البلاد الكبرى التي تتنظره، علما بان هذه الصور التلفزيونية، التي ظهر فيها بالقطع لا تتجاوز ظاهرة العلاقات العامة التي غالبا ما تدفعه للقيام به الاجهزة المتحكمة، حسب حاجتها او حاجة السلطة له، كإرسال رسائل خادعة لطمأنة الشعب السوداني بانه ما زال مسيطرا على زمام الامور. وبالمقابل الاخرون القائمون على قيادة الامور يسعون الى القول ان النظام قائم والاجهزة التنفيذية والامنية تعمل وفق الخطط المرسومة لها، مع توافر تغطية سياسية جيدة، عبر إلهاء الناس «بالحوار الوطني» الذي تحول الى تسويف يومي ومادة سياسية عبثية لا تحقق غرضا لصالح الوطن، بقدر ما ان الموضوع كله يتعلق باعادة انتاج جديد للحزب «الوطني» الذي فقد الاهلية السياسية والصحية، بل حتى الاهلية الديكتاتورية الشمولية – ان وجدت- أما عملية اعادة الانتاج الجارية هذه باعتبارها احد مطلوبات الساعة لنظام الميلشيا قد لا ترتبط بالحوار الوطني واحدى غايات المعارضة منه، انهاء نظام البشير. لذا يرجح بحسابات التجارة كما ترى دوائر ان تطوى مرحلة البشير مع تحميله شخصيا كل الاخطاء، بما فيها التسليم للقضاء الدولي، عبر عملية جراحة بيضاء على الطريقة «البورقيبية»، وهي التي تؤكدها ذات الدوائر بانها جارية في هدوء، كما حدثت في تونس قبل اكثر من عقدين ونصف العقد، وان اختلفت او تقاربت الحالتان.
كاتب سوداني مقيم في لندن
محجوب حسين
القدس العربي
Comments
Post a Comment