Skip to main content

من وحي عُرس العَالَم.. ليتهم كانوا يفقهون! 06-27-2014 09:09 AM فتحي الضَّـو

من وحي عُرس العَالَم.. ليتهم كانوا يفقهون!
06-27-2014 09:09 AM
فتحي الضَّـو
لم يكن ذلك المشهد الآسر يلفت انتباهي كثيراً فيما سبق، وذلك ربما بحكم اللا مبالاة أو العادة المتأصلة أو الغفلة المتدارجة – سمها ما شئت – فما أكثر العبر وأقل الاعتبار. بيد أن هذه المرة كان لحضوره فعل السحر في نفسي. فبأسباب أدريها وقد يدريها مثلي ممن أرهقتهم قرائن الأحوال، أي بين ما هو كائن في واقع نرزح في جحيمه وما هو مفترض في حياة نحلم بها. كان هذا مدعاة لتأمل وقائع حدث؛ ظلَّ يستقطب أنظار العالم بصورة عامة، وفي جوفه المشهد الذي نحن بصدد الحديث عنه بصورة خاصة. وأقول ليس على المحروم مثلي حرج إن تأمله هذه المرة بشغف زائد ومتعة شائقة لا يضاهيها شيء. فقد أدركت - يا سادتي - ما انطوت عليه تلك الظاهرة من معانٍ حضارية جميلة؛ يعجز الراصد عن التعبير عنها حتى ولو تفانى في الوصف!
جرى العُرف، في مباريات كأس العالم التي تجري منافساتها هذه الأيام في البرازيل على عزف ما يُسمى بـ (النشيد الوطني) لكلا الفريقين المتنافسين قبيل كل مباراة. أثناء ذلك ظللنا نتابع الكاميرا وهي تتهادى على وجوه اللاعبين المتحفزين للنصر وجمهورهم أيضاً، وهم يرددون معاً أناشيدهم الوطنية، بحناجر راعدة وقسمات صارمة، وغالباً ما تكون كفوف أيديهم مقبوضة إلى صدورهم في دلالة على مكانة الأوطان في قلوبهم، في حين تسري ألحانها المموسقة في آذان السامعين، كما يسري الماء الزُلال في جوف الظامئين. فهل تأملنا ذلك – يا سادتي - بنظرة غَيْرى تعيد إلينا الوطن الذي تسرب من بين أيدينا ونحن غافلون!
كأس العالم أو (المونديال) هو عرس كروي لأكثر الأنشطة الرياضية شعبيةً في العالم. لذلك يعيش الملايين بل البلايين عبر قارات العالم السبع شهر عسل حقيقي وهم يتابعون وقائع تلك المباريات بمتعة وولع وإثارة. وكنت قد دأبت على متابعته أيضاً منذ عقود مضت. بيد أنني لم أكتف بالمشاهدة المجردة هذه المرة وإنما حاولت أن أسبح بعقلي وخيالي معاً إلى مرئيات هذا العُرس وما تضمنته من معانٍ خفية؛ جعلت من العالم بكل تنوعه الثقافي والإثني والعقدي يكاد يتوحد على قلب إنسان واحد!
الجمال عنوان كل شيء، فالاستادات أو بوابة الدخول للمنافسات، عبارة عن تحفة معمارية تكاد تسلب عقول الناظرين. تتوسطها تلك الميادين الخضراء بخطوطها الهندسية الجذابة، وتحيط بها المدرجات المختلفة بتناسق بارع. في حين تظل جماهير الفرق المختلفة هي اللوحة الأكثر بهاءً ورونقاً، لا سيَّما، وأن بعضهم تبارى في لفت الانتباه بشتى السبل من أجل إدخال البهجة في النفوس، وإكساب المنافسات جمالاً وإشراقاً. كما إن البلد المضيف نفسه – البرازيل - شأنها شأن كل بلد أقيمت فيه المنافسات، فقد بذلت جهداً خرافياً في التنظيم والرفاهية لمئات الآلاف من الذين هوت قلوبهم وأفئدتهم لديارها من عشاق كرة القدم!
إن المتأمل لهذه الرياضة يرى فيها تجلي كثير من المُثل والقيم النبيلة، فهي تعبر عن معاني الحرية والمسؤولية والديمقراطية والتسامح واحترام الآخر. يبذل اللاعبون قصارى جهدهم في المحافظة على شباك مرماهم خالية من الأهداف، وفي نفس الوقت يبذلون جهوداً مضاعفة من أجل إحراز الأهداف في مرمى الخصم، وذلك لا يتأتى عشوائياً وإنما بخطط مدروسة؛ تدربوا وتمرسوا عليها لسنوات عدة، وخلالها رعوا المواهب وصقلوا الخبرات، وأعدوا لليوم الموعود ما استطاعوا من عدة وعتاد، ولهذا فإن المنافسات لا تفاجئهم بمثلما يفاجئنا العيد والسيول والفيضانات والانقلابات العسكرية!
ورد في حديث صحيح أن الله جميل يُحب الجمال، وأقول نحن كذلك. ومن منا يكره الجمال غير العصبة ذوي البأس؛ التي تفانت في تكدير حياتنا. وفي واقع الأمر لم أعرف في سِير الأولين والآخرين - وفق قرءاتي المتواضعة - إنساناً صارع الجمال وهام به حتى صرعه؛ مثل شاعرنا العبقري الراحل إدريس جماع. أتذكره وأترحم عليه كلما رأيت الكاميرا تنتخب وجوهاً مليحة لحسناوات تفانين في صبغ وتزيين وجوههن بأعلام بلدانهن الزاهية الألوان، أو أي شيء من هذا القبيل، وذلك بهدف لفت الانتباه بنظرة تُنسي الوقار وتسعد روح المُعنّى. فإن أصبنه بسهام لحظهن وأحللن عقدة من لسانه، فلسوف يهتف من أعماق قلبه ممجداً رب الجمال، الذي خلقهن وسواهن وعدلهن، وسيقول سراً أو جهراً.. ينصر دينك يا رب!
يعجبني كثيراً قولٌ جميل تردده إذاعة البي بي سي العربية بين فواصلها وهو منسوب للإمام الغزالي وفيه يقول «من لم يهزه الربيع وأزهاره والعود وأوتاره، فاسد المزاج ليس له علاج» كلما سمعت هذا القول ظننت أن الإمام الغزالي يعني به (البروفيسور) محمد عثمان صالح؛ الذي يرأس هيئة علماء السلطان، فهو من تلك الفصيلة التي ليس لها علاج، آخر فتواه كانت عن تحريم الغناء في رمضان، وبمثلما يحدث في (أوكازيونات) الأسواق طلب التقليل منه بقية شهور العام. والإمام الغزالي قال قوله ذاك وهو لا يعلم أن بيننا ثلة من أئمة الحيض والنفاس، أفتوا أيضاً بتحريم مشاهدة هذا العرس العالمي الذي يأتي مرة كل أربعة أعوام. ولا شك أن البعض قرأ بعين الدهشة قول أحدهم عشية المنافسات «الفيفا مؤسسة طاغوتية تديرها الشياطين» فتأمل!
علماء الحيض والنفاس هؤلاء ظلوا يعكرون صفو حياتنا بفتاويهم الممعنة في التخلف والانحطاط. ومن المفارقات التي تجعل الدواب تفغر أفواهها دهشة، أنهم لا يرون ما يرى الناس ولا يعايشون ما يعيشونه. لم يسمعوا بأنين عشرات الآلاف من الضحايا في دارفور وجنوب كردفان وجنوب النيل الأزرق، بل في الخرطوم العاصمة وولاياتها؛ حيث أزهقت أرواح أبرياء. ولم يروا التعذيب على أجساد شباب زجوا بهم في السجون والمعتقلات، ولجموا ألسنتهم عن قصص الفساد الذي تمدد واستشرى حتى أصبح ديناً يُعبد لدى عصبتهم. لربع قرن ظلّ عبد الجليل الكاروري ومحمد عبد الكريم وعبد الحي يوسف وعصام أحمد البشير والصافي جعفر ومن لف لفهم، يحتكرون المنابر ليحللوا الحرام ويحرِّموا الحلال؛ وفق ما تشتهي عصبتهم الحاكمة!
بالطبع لن أقول جديداً إن قلت إنني تيقنت بما لا يدع مجالاً للشك أن أيديولوجية العصبة تستند على الاستغلال البشع لكل شيء في الدين أو الدنيا بهدف التشبث بالسلطة. فهم حينما يتحرون رؤية هلال رمضان ويكثرون من التظاهر بمقدمه، فلا يظنن أحد أن ذلك حرصاً منهم على إحياء ركن من أركان الإسلام الخمسة، بقدر ما يرون في الصوم فرصة لشغل الناس عن التمرد على سلطتهم الغاشمة. وبنفس القدر هم يستثمرون مناسبات مثل منافسات كأس العالم الحالية للغرض نفسه وليس كرياضة يستمتع بها الناس في حيواتهم، ناهيك عن أن الرياضة نفسها دجنوها وجعلوا منها وسيلة سلطوية للوصول لغايات يرومونها، فلا غروّ أنْ حاق بها ما حاق بالبلاد من دمار شامل. كما إن الاستغلال البشع قد طال حتى المناخ، وكأني بهم يتمنون أن تمد الطبيعة صيف السودان ليصبح كل العام، وتزيد فيه درجات الحرارة، وترسل الشمس شواظها اللاهبة، ويثور الغبار والأتربة ليكونا سداً لا يبصر الناس من خلاله مساوئهم!
صفوة القول يا كرام؛ ليس بالتمني تبقى أنظمة السوء على سدة السلطة وإن طالت سلامتها، وليس بالفهلوة يستمر الأبالسة في تقبيح الجميل وتجميل القبيح. فلا تبتئسوا يا من تمطى وتثاءب نهاركم وطال ليلكم؛ غداً ستشرق شمس الحقيقة، وسيرى التواقون للحرية والديمقراطية والمساواة والعدالة الاجتماعية، كيف سيكون العالم ليس في مضمار الرياضة وحدها وإنما في كل أوجه الحياة. وحينئذٍ سينزوي شُذاذ الآفاق والمتطرفون والمهوسون والمتاجرون بالدين وكهنة الإسلام السياسي.. وتجد تلك القيم الجميلة مناخها الملائم لتعم وتسود وتزدهر!
آخر الكلام: لابد من الديمقراطية وإن طال السفر!!
faldaw@hotmail.com

Comments

Popular posts from this blog

Mona Farouk reveals scenes of "scandalous video"Egyptian actress Mona Farouk appeared on

Mona Farouk reveals scenes of "scandalous video"Egyptian actress Mona Farouk appeared on Monday in a video clip to discuss the details of the case she is currently facing. She recorded the first video and audio statements about the scandalous video that she brings together with Khaled Youssef.Farouk detonated several surprises, on the sidelines of her summons to the Egyptian prosecution, that Khalid Youssef was a friend of her father years ago, when she was a young age, and then collected a love relationship with him when she grew up, and married him in secret with the knowledge of her parents and her father and brother because his social status was not allowed to declare marriage .Muna Farouk revealed that the video was filmed in a drunken state. She and her colleague Shima al-Hajj said that on the same day the video was filmed, she was at odds with Shima, and Khaled Yusuf repaired them and then drank alcohol.She confirmed that Youssef was the one who filmed the clips whil

الحلقة 20 هنادي المطلقة والمحلل (ماذا قال كتاب العرب في هنادي)-----------Khalid Babiker

• الجنس شعور فوضوي يتحكم في الذات والعقل . وله قوة ذاتية لا تتصالح إلا مع نفسها . هكذا قال أنصار المحلل الحلقة 20 هنادي المطلقة والمحلل (ماذا قال كتاب العرب في هنادي) أول طريق عبره الإنسان هو طريق الذكر . بعدها شهق وصرخ . تمرغ في الزيت المقدس . وجرب نشوة الأرغوس . عاجلا أم آجلا سيبحث عن هذا الطريق ( كالأسماك تعود إلى أرض ميلادها لتبيض وتموت ) . وسيعبره . سيعبره بحثا عن الديمومة . وسيشهق وسيضحك . لقد جاء إليه غريبا . سيظل بين جدرانه الدافئة غريبا . وحالما يدفع تلك الكائنات الحية الصغيرة المضطربة في الهاوية الملعونة سيخرج فقيرا مدحورا يشعر بخيانة ما ( ..... ) . لن ينسى الإنسان أبدا طريق الذكر الذي عبره في البدء . سيتذكره ليس بالذاكرة وإنما بالذكر . سيعود إليه بعد البلوغ أكثر شوقا وتولعا . ولن يدخل فيه بجميع بدنه كما فعل في تلك السنوات التي مضت وإنما سيدخل برأسه . بعد ذلك سيندفع غير مبال بالخطر والفضيحة والقانون والدين . الله هناك خلف الأشياء الصغيرة . خلف كل شهقة . كل صرخة مندفعا في الظلام كالثور في قاعة المسلخ . الله لا يوجد في الأشياء الكبيرة . في الشرانق . في المح . ينشق فمه . تن

Trusting Liar (#5) Leave a reply

Trusting Liar (#5) Leave a reply Gertruida is the first to recover.  “Klasie… ?” “Ag drop the pretence, Gertruida. You all call me ‘Liar’ behind my back, so why stop now? Might as well be on the same page, yes?” Liar’s face is flushed with anger; the muscles in his thin neck prominently bulging. “That diamond belongs to me. Hand it over.” “What are you doing? Put away the gun…” “No! This…,” Liar sweeps his one hand towards the horizon, “…is my place.  Mine!   I earned it! And you…you have no right to be here!” “Listen, Liar, we’re not the enemy. Whoever is looking for you with the aeroplane and the chopper….well, it isn’t us. In fact, we were worried about you and that’s why we followed you. We’re here to help, man!” Vetfaan’s voice is pleading as he takes a step closer to the distraught man. “Now, put down the gun and let’s chat about all this.” Liar hesitates, taken aback after clearly being convinced that the group  had hostile intentions. “I…I’m not sure I believe