فشل الحلول السلمية في دولتي السودان.. بدأت الدعاوى القبلية تترسخ أكثر في الشمال والجنوب وزادت النزعة (التفكيكية)-محجوب محمد صالح
فشل الحلول السلمية في دولتي السودان.. بدأت الدعاوى القبلية تترسخ أكثر في الشمال والجنوب وزادت النزعة (التفكيكية)
محجوب محمد صالح
المجتمع الدولي الذي سعى جاهدا لمناصرة انفصال جنوب السودان وتأسيس دولته الخاصة يعاني الآن من أزمة لأن الانتصار الذي منى نفسه به بقيام الدولة الجديدة تحول إلى كابوس حرب أهلية لا يبدو في الأفق القريب احتمال حلها حلا توافقيا- بل على العكس من ذلك فإن كل المعطيات تؤشر نحو استمرار الصراع المسلح المستعصي على الحل والذي تحول واقعيا إلى حرب قبلية مرشحة لمزيد من التشظي الداخلي.
الشيء الذي لم يدركه -أو على الأحرى رفض أن يدركه- المجتمع الدولي بقيادة الولايات المتحدة هو أن أزمة السودان كانت أزمة شاملة طالت بدرجات متفاوتة كل أقاليم السودان الواحد وأنها كانت مرتبطة بتحديات بناء (الأمة السودانية) في مجتمع يعيش حالة تعددية قبلية حادة في شماله وجنوبه وشرقه وغربه، وأن انفصال الجنوب وحده لا يعني سوى استمرار الأزمة بتجلياتها في بلدين لا في بلد واحد- فالأزمة الآن مستقرة في كلا الشمال والجنوب معاً وبات المجتمع الدولي يواجه دولتين مأزومتين بدلاً من دولة واحدة تعاني من أزمة.
كلا السودان وجنوب السودان يواجه الآن النزاع المسلح والاحتقان السياسي والصراع المدني وكلاهما يشكل عبئا على المجتمع الدولي والإقليمي ومرشح لأن يبقى جزءاً من حزمة نزاعات إقليمية ممتدة من إقليم البحيرات والقرن الإفريقي حتى ليبيا على شاطئ البحر الأبيض المتوسط- فتفتيت الدولة السودانية بدلاً من مساعدتها في إنجاز مهام الأمة السودانية بكل تنوعها وتعددها الإقليمي في كيان واحد يعترف بالتنوع ويحترمه ويتيح له التعبير والمشاركة في كيان ديمقراطي إثر المجتمع الدولي أن يدعم ويساند ويسعى لتحقيق الانفصال والتشظي بدرجة تسهم في تداعي حبات (الدومينو) بطريقة تلقائية بحيث يغذي كل نزاع النزاع الآخر ليسهم في إحداث المزيد من التفتيت.
كل الجهود التي بذلت لحل قضية دارفور بمعزل عن أزمة السودان الشاملة كانت استمرارا للسيناريو الذي طبق في الجنوب والذي لم يأخذ بمبدأ الحل الشامل، وآثر أن يتبع سياسة قطع العقدة بالسيف فأنجز الانفصال في الجنوب لكنه لم يحقق فيه الدولة المستقرة وبنفس القدر لم ينجح في تحقيق سلام دارفور- والآن وبعد فوات الأوان يتحدث المجتمع الإقليمي والدولي عن ضرورة الحل الشامل سواء في دولة الشمال أو في دولة الجنوب دون أن يفطن المتحدثون إلى أن منهجهم (التفكيكي) الذي طبقوه في الجنوب أسهم في تقوية مسار التشظي وجعل الوحدة الوطنية في كلا الدولتين أصعب تحقيقا وأبعد منالاً!!
لقد بدأت الدعاوى القبلية تترسخ أكثر في الشمال والجنوب وزادت النزعة (التفكيكية) وتصاعدت الولاءات الجهوية والقبلية على حساب مشروع الدولة القومية المعترفة بالتنوع والتي تسعى لخلق الوحدة عبر احترام ذلك التنوع ومنحه الفرصة الكافية للتعبير عن ذاته؛ ولذلك فإن تلك المهمة أصبحت الآن أصعب وأكثر تعقيدا فبدلا من حل أزمة دارفور في الشمال انضمت لها الآن النيل الأزرق وجبال النوبة وبدلا من احتواء صراع السلطة في جوبا تحول الآن إلى حرب ضروس بين الدينكا والنوير، وثمة مؤشرات على أن الولاية الاستوائية في الجنوب تجمع صفوفها لتدفع بمشروع فيدرالي أو كونفيدرالي وتبحث عن تحالفات في شرق إفريقيا. فشل الجولة الأخيرة من محادثات أديس أبابا وامتناع حكومة الجنوب والمعارضة الجنوبية المسلحة عن المشاركة في الجولة الأخيرة التي أعدت لها (الإيقاد) يعادله فشل الجولة الأخيرة من المحادثات بين الحركة الشعبية قطاع الشمال وحكومة السودان حول الولايتين (جنوب كردفان والنيل الأزرق) -فكل محاولات الحل السلمي في كلا الدولتين تفشل الآن وواحد من أسباب فشلها أن الضغوط والسياسات التي رسمت أبعادها الولايات المتحدة منذ نهاية القرن الماضي كانت قائمة على أسس خاطئة، وسار معها الآخرون على نفس هذا الطريق الخاطئ -وليس مستغربا أن تؤدي المقدمات الخاطئة للنتائج الخاطئة- لكن الجديد أن الولايات المتحدة وحلفاءها باتوا الآن يتحدثون عن الحل الشامل لأنهم لم يستبينوا النصح إلا ضحى الغد -بعد أن أصبحت القضايا أكثر تعقيدا والحلول أصعب منالاً والحل الشامل عصي المنال.
العرب
mahgoubsalih@maktoob.com
محجوب محمد صالح
المجتمع الدولي الذي سعى جاهدا لمناصرة انفصال جنوب السودان وتأسيس دولته الخاصة يعاني الآن من أزمة لأن الانتصار الذي منى نفسه به بقيام الدولة الجديدة تحول إلى كابوس حرب أهلية لا يبدو في الأفق القريب احتمال حلها حلا توافقيا- بل على العكس من ذلك فإن كل المعطيات تؤشر نحو استمرار الصراع المسلح المستعصي على الحل والذي تحول واقعيا إلى حرب قبلية مرشحة لمزيد من التشظي الداخلي.
الشيء الذي لم يدركه -أو على الأحرى رفض أن يدركه- المجتمع الدولي بقيادة الولايات المتحدة هو أن أزمة السودان كانت أزمة شاملة طالت بدرجات متفاوتة كل أقاليم السودان الواحد وأنها كانت مرتبطة بتحديات بناء (الأمة السودانية) في مجتمع يعيش حالة تعددية قبلية حادة في شماله وجنوبه وشرقه وغربه، وأن انفصال الجنوب وحده لا يعني سوى استمرار الأزمة بتجلياتها في بلدين لا في بلد واحد- فالأزمة الآن مستقرة في كلا الشمال والجنوب معاً وبات المجتمع الدولي يواجه دولتين مأزومتين بدلاً من دولة واحدة تعاني من أزمة.
كلا السودان وجنوب السودان يواجه الآن النزاع المسلح والاحتقان السياسي والصراع المدني وكلاهما يشكل عبئا على المجتمع الدولي والإقليمي ومرشح لأن يبقى جزءاً من حزمة نزاعات إقليمية ممتدة من إقليم البحيرات والقرن الإفريقي حتى ليبيا على شاطئ البحر الأبيض المتوسط- فتفتيت الدولة السودانية بدلاً من مساعدتها في إنجاز مهام الأمة السودانية بكل تنوعها وتعددها الإقليمي في كيان واحد يعترف بالتنوع ويحترمه ويتيح له التعبير والمشاركة في كيان ديمقراطي إثر المجتمع الدولي أن يدعم ويساند ويسعى لتحقيق الانفصال والتشظي بدرجة تسهم في تداعي حبات (الدومينو) بطريقة تلقائية بحيث يغذي كل نزاع النزاع الآخر ليسهم في إحداث المزيد من التفتيت.
كل الجهود التي بذلت لحل قضية دارفور بمعزل عن أزمة السودان الشاملة كانت استمرارا للسيناريو الذي طبق في الجنوب والذي لم يأخذ بمبدأ الحل الشامل، وآثر أن يتبع سياسة قطع العقدة بالسيف فأنجز الانفصال في الجنوب لكنه لم يحقق فيه الدولة المستقرة وبنفس القدر لم ينجح في تحقيق سلام دارفور- والآن وبعد فوات الأوان يتحدث المجتمع الإقليمي والدولي عن ضرورة الحل الشامل سواء في دولة الشمال أو في دولة الجنوب دون أن يفطن المتحدثون إلى أن منهجهم (التفكيكي) الذي طبقوه في الجنوب أسهم في تقوية مسار التشظي وجعل الوحدة الوطنية في كلا الدولتين أصعب تحقيقا وأبعد منالاً!!
لقد بدأت الدعاوى القبلية تترسخ أكثر في الشمال والجنوب وزادت النزعة (التفكيكية) وتصاعدت الولاءات الجهوية والقبلية على حساب مشروع الدولة القومية المعترفة بالتنوع والتي تسعى لخلق الوحدة عبر احترام ذلك التنوع ومنحه الفرصة الكافية للتعبير عن ذاته؛ ولذلك فإن تلك المهمة أصبحت الآن أصعب وأكثر تعقيدا فبدلا من حل أزمة دارفور في الشمال انضمت لها الآن النيل الأزرق وجبال النوبة وبدلا من احتواء صراع السلطة في جوبا تحول الآن إلى حرب ضروس بين الدينكا والنوير، وثمة مؤشرات على أن الولاية الاستوائية في الجنوب تجمع صفوفها لتدفع بمشروع فيدرالي أو كونفيدرالي وتبحث عن تحالفات في شرق إفريقيا. فشل الجولة الأخيرة من محادثات أديس أبابا وامتناع حكومة الجنوب والمعارضة الجنوبية المسلحة عن المشاركة في الجولة الأخيرة التي أعدت لها (الإيقاد) يعادله فشل الجولة الأخيرة من المحادثات بين الحركة الشعبية قطاع الشمال وحكومة السودان حول الولايتين (جنوب كردفان والنيل الأزرق) -فكل محاولات الحل السلمي في كلا الدولتين تفشل الآن وواحد من أسباب فشلها أن الضغوط والسياسات التي رسمت أبعادها الولايات المتحدة منذ نهاية القرن الماضي كانت قائمة على أسس خاطئة، وسار معها الآخرون على نفس هذا الطريق الخاطئ -وليس مستغربا أن تؤدي المقدمات الخاطئة للنتائج الخاطئة- لكن الجديد أن الولايات المتحدة وحلفاءها باتوا الآن يتحدثون عن الحل الشامل لأنهم لم يستبينوا النصح إلا ضحى الغد -بعد أن أصبحت القضايا أكثر تعقيدا والحلول أصعب منالاً والحل الشامل عصي المنال.
العرب
mahgoubsalih@maktoob.com
Comments
Post a Comment