+ الحريــــــــــة +
+ اتركوا الجهالات فتحيوا، وسيروا في طريق الفهم (أمثال 9: 6)
+ فتح كلامك (إعلان أقوالك) يُنير، يُعقل الجُهال (مزمور 119: 130)
الحرية هي إرادة النفس العاقلة المستنيرة المُهيأة للتحرك إلى ما تُريد بكامل وعيها وإدراكها الداخلي، ولا شيء يُقيدها فيمنعها عن المسير في طريقها التي اختارته، إذ يكون هدفها واضح أمام أعينها، وقد حسبت نفقة الطريق التي تسير فيه، وأصرت على انها تجتازه مهما ما كان فيه من صِعاب لأن لها رؤية نافذة للحق المُعلن الواضح أمامها مثل شمس النهار المُنير الذي لا يتعثر فيه أحد، وهذا يختلف عن ظلام الليل الكاحل الذي كل من يسير فيه لابد من أن تتعثر خطواته لأنه لا يرى.
وهكذا النفس التي حررها الابن الوحيد [ وتعرفون الحق والحق يحرركم… فان حرركم الابن فبالحقيقة تكونون احراراً – يوحنا 8: 32 و36 ]، وأنار ذهنها وفتح بصيرتها على الحق [ حينئذ فتح ذهنهم ليفهموا الكتب – لوقا 24: 45 ]، فصار الهدف أمامها واضح في نور إشراق وجهه [ لأن الله الذي قال أن يُشرق نور من ظلمة، هو الذي أشرق في قلوبنا لإنارة معرفة مجد الله في وجه يسوع المسيح – 2كورنثوس 4: 6 ]، فلا تتخبط النفس في ليل عدم الإدراك ولا رؤية الهدف [ فسيروا ما دام لكم النور لئلا يُدرككم الظلام، والذي يسير في الظلام لا يعلم إلى أين يذهب – يوحنا 12: 35 ]، لذلك فأن طريق الحياة في المسيح يسوع لا يضل فيها أحد قط حتى ولو لم يكن لهُ المعرفة الكاملة أو كان مبتدئ مثل طفلٍ صغير رضيع لا يزال يجهل الكثير [ وَتَكُونُ هُنَاكَ طَرِيقٌ تُدْعَى طَرِيقَ الْقَدَاسَةِ، لاَ يَسْلُكُ فِيهَا مَنْ هُوَ دَنِسٌ، إِنَّمَا تَكُونُ مِنْ نَصِيبِ السَّالِكِينَ فِي تِلْكَ الطَّرِيقِ، وَلاَ يَضِلُّ فِيهَا حَتَّى الْجُهَّالُ – إشعياء 35: 8 ]، لأنه طريق مُنير بنور اللوغوس حمل الله وحيد الآب [ ثم كلمهم يسوع أيضاً قائلاً: “أنا هو نور العالم من يتبعني فلا يمشي في الظلمة بل يكون له نور الحياة” – يوحنا 8: 12 ]
والنفس التي دخلت في حرية مجد أولاد الله، وانفكت كل قيودها بقوة مسيح القيامة والحياة، فأنه – بالضرورة – صار لها غرض وهدف واحد هو أن تستكمل المسيرة في طريق الحق والحياة متجهه نحو الحياة الأبدية غير مكترثة بالمعوقات لأن من معها أعظم وأقوى من هم عليها، لأن سندها هو القائد المُزيل العوائق ومُمهد الطريق، لأنه يرفع النفس بجناحي الروح الوديع الهادئ الذي هو سند النفس ومُعينها الحقيقي:
+ أزرعوا لأنفسكم بالبرّ، احصدوا بحسب الصلاح، احرثوا لأنفسكم حرثاً، فأنه وقت لطلب الرب حتى يأتي ويُعلمكم البرّ (هوشع 10: 12)
+ وأما المُعزي الروح القدس الذي سيرسله الآب باسمي فهو يُعلمكم كل شيء ويُذكركم بكل ما قلته لكم (يوحنا 14: 26)
+ وأما أنتم فالمسحة التي أخذتموها منه ثابتة فيكم ولا حاجة بكم إلى أن يُعلمكم أحد، بل كما تُعلمكم هذه المسحة عينها عن كل شيء وهي حق وليست كذباً، كما علمتكم تثبتون فيه (1يوحنا 2: 27)
وعلامة حُرية النفس الظاهرة هي سعيها الدائم للكمال الموضوع أمامها – حسب المثال الحي الإنجيلي للخلاص (أي شخص المسيح الذي كان ينموا في القامة والنعمة عند الله والناس) – لكي يُثمر زرع الكلمة فيها، فالروح الذي فيها يحثها على أن تخضع بحريتها لوصية المسيح بحُبٍ كثير، فتتخلى عن امتلاك نفسها والتفكير المنحصر فيها حتى تتغير وتستمر تسعى أن تكون على مثال من صالحنا بالمحبة، فتلتصق بالرب الصالح وحده فيُباد بصلاحه ذكر الشرور التي تعكر صفو فكر النفس وتعوقها عن المسيرة الروحانية حسب تدبير الخلاص المُعلن بالروح القدس في الإنجيل.
+ المعرفــــــــــة +
المعرفة الروحية الحقيقية حسب القصد الإلهي وتدبير الخلاص، لا تأتي للنفس إلا بالاستنارة أولاً والدخول في الحرية، لأن طالما النفس مقيدة بقيود الذهن المُظلم، فأنها تسير في ليل عدم الفهم، لأن كيف لإنسان أن يحيا في الظلمة ويرى وينظر أي شيء، لأن النفس المُعتمة بليل ظلمة هذا الدهر كيف ترى إنجيل نور المسيح: [ الذين فيهم إله هذا الدهر قد أعمى أذهان غير المؤمنين لئلا تُضيء لهم أناره إنجيل مجد المسيح الذي هو صورة الله ] (2كورنثوس 4: 4)
فالنفس التي لم تنظر نور الابن الوحيد ولم ينفتح ذهنها على الحق الإلهي بالروح، لا تقدر أن تُميز الأمور المتخالفة بمقارنة الروحيات بالروحيات، بل دائماً من خلال الجسديات والحسيات وأيضاً أحياناً كثيرة بما تصدقه من غيبيات حسب فكر الناس أو ما تربت عليه من أفكار وعادات تُقارن الروحيات وتشرحها في حدود إمكانيتها وذكائها الخاص بمعزل عن الله الحي، وتظن أنها في قمة الروحيات وتُدافع عن الحق التي تغضب لأجله حتى تهتاج على الناس وتود ان تمحوهم من أمامها لأنها تغير غيرة الله كما ترى، مع أن في الواقع الروحي، فهي تعمل في اتجاه مخالف تماماً للحق، لأنها تحيا في معزل عن النور وتسلك في الظلام الذي لا يقدر أن يميز الطريق الصحيح من الباطل، ولا قصد الله من قصد الناس…
يا إخوتي أن في المعرفة الحقيقية نور خاص مُشرق ببهاء المجد الإلهي الفائق والمفرح للنفس جداً، نور يُميز بدقة شديدة للغاية ما بين الخير حسب الله والخير المشوش الممزوج فيه سم الحية بالعسل، لأن الذهن المستنير بالنور الإلهي يلتصق بالصلاح التصاقاً وينجذب للمحبة جذباً تقوده في طريق العدل الإلهي بغيرة التقوى فيدخل وينمو في استنارة المعرفة الإلهية التي لا حد لها، وكلما يتعمق يعشق أن يُنادي على الجميع بقوة الحب المنسكب في قلبه بالروح القدس لكي يأتوا لمسيح القيامة والحياة، مسيح الحرية، ليشاركوه هذا المجد الفائق باستنارة المعرفة الحقيقية…
فعلامة من دخل في استنارة المعرفة الحقيقية هو شوقه ولهفته أن يُجمع لا أن يُفرق، أن يضم لا أن يحرم، أن يُقرب لا أن يبعد، أن يُشارك لا أن يعزل…
+ الحديث الروحي +
Comments
Post a Comment