مصر: غرق الفوسفات (ومصداقية النظام أيضا)
رأي القدس
لم تكد تمر ساعات على ذيوع انباء غرق سفينة تحمل خمسمئة طن من الفوسفات في نيل محافظة قنا جنوب مصر الاسبوع الماضي حتى هرع المسؤولون في الحكومة إلى طمأنة المواطنين، والتقليل من اهمية الحادث الذي اعتبره خبراء «كارثة بيئية بكل معنى الكلمة» كما نقل تقرير ل»القدس العربي» عن احدهم امس الاول.
واستند المسؤولون في تصريحاتهم إلى ان الفوسفات ليس من المواد القابلة للذوبان في الماء، حتى أن احدى الوزراء المتحمسين تعهد ان يشرب كوب ماء من النيل مباشرة في موقع الحادث للتأكيد على صدقية موقف الحكومة. وحسب احد القنوات الفضائية المعروفة بانحيازها للنظام فقد اتصلوا بالوزير لارسال كاميرا تصوره وهو يشرب الماء الا انه لم يرد على هاتفه (..).
وحسب احد العلماء فان «كمية الفوسفات الغارقة تحتوي نحو خمسة غرامات من اليورانيوم لكل طن، اي باجمالي نحو الفين وخمسمئة غرام يورانيوم اصبحت تلوث مياه النيل، ومن المستحيل الحكم على مدى صلاحية المياه للشرب قبل اجراء تحاليل يومية عليها لشهر ونصف الشهر».
ولم يمر يومان الا ووقعت كارثة اخرى تمثلت في اصابة نحو ستمئة مواطن بالتسمم في بلدة الابراهيمية بمحافظة الشرقية شمال البلاد، ثم وفاة احدهم متأثرا باصابته. وكالعادة سارعت الحكومة إلى التنصل من اي مسؤولية اذ اعتبرت ان التسمم جاء نتيجة شربهم مياها تباع في «جراكن»، وليس مياه الشبكة العامة. لكن نتيجة الاختبارات الحكومية نفسها جاءت لتؤكد ان المصابين شربوا مياها اختلطت بالصرف الصحي، وان الآثار الصحية الكارثية تتوقف على انواع البكتيريا المسببة للامراض الموجودة فيها. والغريب اننا لم نر مسؤولا حكوميا يعتذر للشعب او يقدم تفسيرا لهذا التلوث الخطير لمياه الشرب، بل ان احدهم سرب إلى بعض الابواق الاعلامية ان المواطن الذي توفي باعراض التسمم، المعروفة جيدا للاطباء، كان مصابا بمرض في الكبد قد يكون ادى لموته(..).
الحقيقة التي لا تستطيع الحكومة او ابواقها الاعلامية ان تنكرها هي ان تلوث مياه الشرب في مصر هو التفسير الوحيد لاحصائيات مأساوية من نوع ان نحو مليونين وستمائة الف مواطن مصابون بالفشل الكلوي، وان تسعين بالمئة منهم تحت سن الخمسين، وان مصر تتصدر المعدلات الدولية في الاصابة بالتهاب الكبد الوبائي فيروس سي بنسبة تتجاوز الخمسة عشر في المئة، وغير ذلك مما تضيق عنه هذه المساحة.
انها حصيلة عقود من الاهمال بل والاجرام ايضا في عهد المخلوع حسني مبارك تجاه مشاريع البنية التحتية، ما ترك اغلب المواطنين، وخاصة في الارياف، بدون شبكات للصرف الصحي تحميهم من تلوث مياه الشرب، وبالتالي انتشار الامراض المزمنة والقاتلة بنسب قياسية.
نعم انه مبارك نفسه الذي وجد من «البجاحة» ما جعله يطل على المصريين كـ «بطل» في مداخلة هاتفية امس الاول عبر قناة «فلولية» ليهنئهم بذكرى تحرير سيناء(..) متجاهلا المآسي التي تسبب فيها لملايين البسطاء الذين لا يستطيعون شراء المياه المعدنية، فيما يكافحون للحصول على لقمة الخبز اصلا.
الواقع ان اسلوب تعامل الحكومة مع كارثتي غرق الفوسفات واصابة المئات بالتسمم ليؤكد ان قليلا تغير في مصر بعد الثورة، وان نظام مبارك باق ممثلا في «تراث الانكار والمكابرة وعدم الاكتراث الحكومي». ويذكر المصريون جيدا كيف ان مبارك تجاهل انباء حادث غرق العبارة الشهير في العام 2006، والذي اودى بحياة نحو الف مواطن، ومضى في خطط الاحتفال ببطولة الامم الافريقية لكرة القدم دون تغيير.
ولعل رئيس الوزراء ابراهيم محلب الذي لا يكف عن الاشادة بـ «حكمة القيادة السياسية» يحتاج إلى بعض من هذه الحكمة، خاصة ان الاستمرار في هذه السياسة كفيل باغراق مصداقية الحكومة بل والنظام بأسره في النيل مع شحنة الفوسفات.
اما بالنسبة إلى الاغلبية الساحقة من المصريين، والذين اصبحوا يدفعون فواتير مياه باهظة، لتحمل اليهم الامراض، فان استمرار هذه المأساة يمثل تهديدا للعنصر الاساسي لحياتهم وصحتهم، وهو ما لا يمكن السكوت عليه.
واذا كان كثيرون استقبلوا انباء غرق الفوسفات بالسخرية على مواقع التواصل الاجتماعي، فان هذا لا يجب بالضرورة ان يدفع الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى الاطمئنان او تصديق تصريحات حكومته، اذ انه في حقيقته دليل على تراكم غضب واحتقان، لم تعد خطورته خافية على احد.
واستند المسؤولون في تصريحاتهم إلى ان الفوسفات ليس من المواد القابلة للذوبان في الماء، حتى أن احدى الوزراء المتحمسين تعهد ان يشرب كوب ماء من النيل مباشرة في موقع الحادث للتأكيد على صدقية موقف الحكومة. وحسب احد القنوات الفضائية المعروفة بانحيازها للنظام فقد اتصلوا بالوزير لارسال كاميرا تصوره وهو يشرب الماء الا انه لم يرد على هاتفه (..).
وحسب احد العلماء فان «كمية الفوسفات الغارقة تحتوي نحو خمسة غرامات من اليورانيوم لكل طن، اي باجمالي نحو الفين وخمسمئة غرام يورانيوم اصبحت تلوث مياه النيل، ومن المستحيل الحكم على مدى صلاحية المياه للشرب قبل اجراء تحاليل يومية عليها لشهر ونصف الشهر».
ولم يمر يومان الا ووقعت كارثة اخرى تمثلت في اصابة نحو ستمئة مواطن بالتسمم في بلدة الابراهيمية بمحافظة الشرقية شمال البلاد، ثم وفاة احدهم متأثرا باصابته. وكالعادة سارعت الحكومة إلى التنصل من اي مسؤولية اذ اعتبرت ان التسمم جاء نتيجة شربهم مياها تباع في «جراكن»، وليس مياه الشبكة العامة. لكن نتيجة الاختبارات الحكومية نفسها جاءت لتؤكد ان المصابين شربوا مياها اختلطت بالصرف الصحي، وان الآثار الصحية الكارثية تتوقف على انواع البكتيريا المسببة للامراض الموجودة فيها. والغريب اننا لم نر مسؤولا حكوميا يعتذر للشعب او يقدم تفسيرا لهذا التلوث الخطير لمياه الشرب، بل ان احدهم سرب إلى بعض الابواق الاعلامية ان المواطن الذي توفي باعراض التسمم، المعروفة جيدا للاطباء، كان مصابا بمرض في الكبد قد يكون ادى لموته(..).
الحقيقة التي لا تستطيع الحكومة او ابواقها الاعلامية ان تنكرها هي ان تلوث مياه الشرب في مصر هو التفسير الوحيد لاحصائيات مأساوية من نوع ان نحو مليونين وستمائة الف مواطن مصابون بالفشل الكلوي، وان تسعين بالمئة منهم تحت سن الخمسين، وان مصر تتصدر المعدلات الدولية في الاصابة بالتهاب الكبد الوبائي فيروس سي بنسبة تتجاوز الخمسة عشر في المئة، وغير ذلك مما تضيق عنه هذه المساحة.
انها حصيلة عقود من الاهمال بل والاجرام ايضا في عهد المخلوع حسني مبارك تجاه مشاريع البنية التحتية، ما ترك اغلب المواطنين، وخاصة في الارياف، بدون شبكات للصرف الصحي تحميهم من تلوث مياه الشرب، وبالتالي انتشار الامراض المزمنة والقاتلة بنسب قياسية.
نعم انه مبارك نفسه الذي وجد من «البجاحة» ما جعله يطل على المصريين كـ «بطل» في مداخلة هاتفية امس الاول عبر قناة «فلولية» ليهنئهم بذكرى تحرير سيناء(..) متجاهلا المآسي التي تسبب فيها لملايين البسطاء الذين لا يستطيعون شراء المياه المعدنية، فيما يكافحون للحصول على لقمة الخبز اصلا.
الواقع ان اسلوب تعامل الحكومة مع كارثتي غرق الفوسفات واصابة المئات بالتسمم ليؤكد ان قليلا تغير في مصر بعد الثورة، وان نظام مبارك باق ممثلا في «تراث الانكار والمكابرة وعدم الاكتراث الحكومي». ويذكر المصريون جيدا كيف ان مبارك تجاهل انباء حادث غرق العبارة الشهير في العام 2006، والذي اودى بحياة نحو الف مواطن، ومضى في خطط الاحتفال ببطولة الامم الافريقية لكرة القدم دون تغيير.
ولعل رئيس الوزراء ابراهيم محلب الذي لا يكف عن الاشادة بـ «حكمة القيادة السياسية» يحتاج إلى بعض من هذه الحكمة، خاصة ان الاستمرار في هذه السياسة كفيل باغراق مصداقية الحكومة بل والنظام بأسره في النيل مع شحنة الفوسفات.
اما بالنسبة إلى الاغلبية الساحقة من المصريين، والذين اصبحوا يدفعون فواتير مياه باهظة، لتحمل اليهم الامراض، فان استمرار هذه المأساة يمثل تهديدا للعنصر الاساسي لحياتهم وصحتهم، وهو ما لا يمكن السكوت عليه.
واذا كان كثيرون استقبلوا انباء غرق الفوسفات بالسخرية على مواقع التواصل الاجتماعي، فان هذا لا يجب بالضرورة ان يدفع الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى الاطمئنان او تصديق تصريحات حكومته، اذ انه في حقيقته دليل على تراكم غضب واحتقان، لم تعد خطورته خافية على احد.
رأي القدس
- Get link
- Other Apps
Comments
Post a Comment