ﻧﺰﺍﺭ ﺃﻓﺮﻳﻘﻴﺎ.. ﺳﻴّﺎﺏ ﺍﻟﺴﻮﺩﺍﻥ: »ﺩﺍﻡ ﻛﺜﻴﺮ ﺍﻟﻤﻮﺍﺟﻊ «
ﺍﻟﺜﻼﺛﺎﺀ 10 - ﺭﺟﺐ 1436 ﻫـ 28 - ﺃﺑﺮﻳﻞ 2015 ﻣـ
ﺭﻗﻢ ﺍﻟﻌﺪﺩ ]13300 [
A + A -
»ﻓﺄﺑﻲ ﺳﻮﺩﺍﻧﻲ ﺃﺳﻮﺩ، ﻭﺃﻣﻲ ﻟﻴﺒﻴﺔ ﺍﺑﻨﺔ ﻭﺍﺣﺪ ﻣﻦ ﻛﺒﺎﺭ
ﺗﺠّﺎﺭ ﺍﻟﺮﻗﻴﻖ ﻓﻲ ﻟﻴﺒﻴﺎ ﻓﻲ ﺑﺪﺍﻳﺔ ﺍﻟﻘﺮﻥ. ﻭﻛﺎﻧﺖ ﺟﺪﺗﻲ
ﻣﻦ ﺃﻣﻲ ﺟﺎﺭﻳﺔ ﺟﻤﻴﻠﺔ ﺳﻮﺩﺍﺀ ﺗﺰﻭﺟﻬﺎ ﺟﺪﻱ ﻭﺃﻋﺘﻘﻬﺎ،
ﻭﻓﻲ ﺣﻀﻦ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺠﺪﺓ ﺗﺮﺑﻴﺖ ﻣﺪﺓ ﻣﻦ ﺣﻴﺎﺗﻲ
ﻣﺘﺸﺒﻌًﺎ ﺑﺘﺎﺭﻳﺦ ﺍﻟﻨﺨﺎﺳﺔ «.
ﻟﻢ ﻳﻘﺪﻡ ﺷﺎﻋﺮ ﻟﻨﻔﺴﻪ ﻭﻟﻌﺬﺍﺑﻪ ﻣﺜﻠﻤﺎ ﺍﺧﺘﺼﺮ ﺍﻟﻔﻴﺘﻮﺭﻱ
ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻤﻠﺤﻤﺔ: ﺟﺪ ﻳﺘﺎﺟﺮ ﺑﺎﻟﺮﻗﻴﻖ، ﻭﺟﺪﺓ ﺟﺎﺭﻳﺔ ﺗﺰﻭﺟﻬﺎ
ﺍﻟﺠﺪ ﺍﻵﺧﺮ ﻭﺃﻋﺘﻘﻬﺎ. ﻭﻋﻠﻰ ﻳﺪﻫﺎ ﻧﺸﺄ ﻣﺤﻤﺪ ﺍﻟﻨﺸﺄﺓ
ﺍﻷﻭﻟﻰ، ﻗﺒﻞ ﺃﻥ ﻳﻨﺘﻘﻞ ﻣﻦ ﻭﻋﻮﺭﺓ ﺑﺤﺮ ﺍﻟﻐﺰﺍﻝ ﺇﻟﻰ
ﺍﻹﺳﻜﻨﺪﺭﻳﺔ، ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍﻷﺑﻴﺾ »ﻭﺗﻠﻚ ﺍﻟﻤﺪﻳﻨﺔ
ﺍﻟﺘﺠﺎﺭﻳﺔ ﺍﻟﻜﺒﻴﺮﺓ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺴﻜﻨﻬﺎ ﺍﻟﻄﺒﻘﺔ ﺍﻷﺭﺳﺘﻘﺮﺍﻃﻴﺔ
ﺍﻟﺒﻴﻀﺎﺀ، ﻭﺍﻟﺘﻲ ﻻ ﺗﻌﺮﻑ ﺍﻟﻮﺟﻪ ﺍﻷﺳﻮﺩ ﺇﻻ ﺧﺎﺩﻣًﺎ ﻟﻬﺎ «،
ﻛﻤﺎ ﻗﺎﻝ ﻣﺤﻤﻮﺩ ﺃﻣﻴﻦ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ.
ﻓﻲ ﺍﻹﺳﻜﻨﺪﺭﻳﺔ، ﺃﺟﻤﻞ ﻭﺃﻫﻢ ﺣﻮﺍﺿﺮ ﺍﻟﻤﺘﻮﺳﻂ ﻓﻲ
ﺍﻷﺭﺑﻌﻴﻨﺎﺕ ﻭﺍﻟﺨﻤﺴﻴﻨﺎﺕ، ﻭﺍﺟﻪ ﺍﻟﻔﻴﺘﻮﺭﻱ ﺍﻟﻤﺴﺘﻌﻤﺮ
ﺍﻷﺑﻴﺾ، ﻭﺍﻧﻔﺘﺢ ﺃﻳﻀًﺎ ﻋﻠﻰ ﻋﺎﻟﻤﻪ. ﻭﺭﻏﻢ ﺍﻧﺘﻤﺎﺋﻪ
ﺍﻟﻌﺮﺑﻲ، ﻇﻞ ﺍﻟﻔﺘﻰ ﺍﻷﺳﻮﺩ ﻏﺮﻳﺒًﺎ ﻭﺣﺰﻳﻨًﺎ ﻭﻧﺎﻗﻤًﺎ ﻋﻠﻰ
ﺍﻻﺳﺘﻌﻤﺎﺭ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻼﺣﻘﻪ ﻣﻦ ﺑﺤﺮ ﺍﻟﻐﺰﺍﻝ. ﻭﻟﺬﻟﻚ،
ﺳﺮﻋﺎﻥ ﻣﺎ ﺗﺄﺛﺮ ﺑﺄﺑﻲ ﺍﻟﻘﺎﺳﻢ ﺍﻟﺸﺎﺑﻲ، ﺍﻷﻓﺮﻳﻘﻲ
ﺍﻷﺑﻴﺾ، ﺷﺎﻋﺮ ﺍﻹﺭﺍﺩﺓ ﻭﺍﻷﻟﻢ: »ﻛﺄﻧﻲ ﺃﺳﻤﻊ ﺷﺒّﺎﺑﺔ/
ﺣﻨﻴﻨﻬﺎ ﺍﻟﺠﺎﺭﻑ ﻳﻄﻮﻱ ﺍﻟﺤﺪﻭﺩ/ ﻛﺄﻧﻨﻲ ﺃﺑﺼﺮ ﺫﺍ ﻏﺮﺑﺔ/
ﻳﻮﺩ ﻣﻦ ﻏﺮﺑﺘﻪ ﺃﻥ ﻳﻌﻮﺩ «.
ﻳﺘﻄﻠﻊ ﺍﻟﻔﻴﺘﻮﺭﻱ ﻓﻲ ﻓﺘﻰ ﺗﻮﻧﺲ، ﻓﻴﺨﻄﺮ ﻟﻪ ﺃﻥ ﻳﻜﺘﺐ
ﺇﻟﻰ ﺑﻼﺩﻩ، »ﺭﺳﺎﻟﺔ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺨﺮﻃﻮﻡ «: »ﻓﻲ ﺍﻷﺭﺽ
ﺣﻴﺮﺍﻥ ﺿﺎﺋﻊ/ ﺩﺍﻡ ﻛﺜﻴﺮ ﺍﻟﻤﻮﺍﺟﻊ/ ﺃﺭﻧﻮ ﺇﻟﻴﻚ.. ﻭﺃﻋﺪﻭ/
ﻛﺎﻟﻄﻔﻞ ﻓﻲ ﻛﻞ ﺷﺎﺭﻉ/ ﻭﺃﺭﺗﻤﻲ ﻓﻮﻕ ﺣﺰﻧﻲ/ ﻭﻓﻮﻕ
ﺷﻮﻙ ﺍﻟﻤﻀﺎﺟﻊ/ ﻭﺑﻴﻨﻨﺎ ﻳﺎ ﺑﻼﺩﻱ/ ﺳﺘﺎﺭﺓ ﻣﻦ ﻣﺪﺍﻣﻊ/
ﻭﺻﻮﺭﺓ ﻳﺎ ﺑﻼﺩﻱ ﻗﺪ ﻟﻮﻧﺘﻬﺎ ﺍﻟﻤﻔﺎﺟﻊ/ ﻭﺍﻟﺸﻌﺐ ﻛﺎﻟﻨﻴﻞ/
ﻓﻲ ﻋﻤﻘﻪ ﺍﻧﻔﻌﺎﻝ ﺍﻟﻤﻨﺎﺑﻊ/ ﺭﺍﺡ ﺍﻟﻄﻐﺎﺓ ﺍﻟﻤﺴﺎﻛﻴﻦ/
ﻭﺍﻧﺘﻬﻮﺍ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺨﺎﺩﻉ/ ﻭﺍﻟﺸﻌﺐ ﻣﺎ ﺯﺍﻝ ﻳﻤﺸﻲ/
ﻭﻳﺴﺘﺮﺩ ﺍﻟﻤﻮﺍﻗﻊ «.
ﺃﻟﺤﻖ ﺍﻟﻔﻴﺘﻮﺭﻱ ﻇﻠﻤًﺎ ﻛﺒﻴﺮًﺍ ﺑﺸﻌﺮﺍﺀ ﺍﻟﺴﻮﺩﺍﻥ. ﺍﺣﺘﻜﺮ
ﺑﻘﺼﻴﺪﻩ ﺍﻟﺠﻤﻴﻞ ﺗﻜﻮّﻥ ﺃﻓﺮﻳﻘﻴﺎ، ﻭﻋﺰﺓ ﺍﻟﻌﺮﻭﺑﺔ، ﻭﺑﺆﺱ
ﺍﻟﻴﺘﻢ، ﻭﻓﻘﺮ ﺑﻴﻮﺕ ﺍﻟﻘﺶ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻨﻴﻞ. ﻭﻫﻨﺎ ﻳﻠﺘﻘﻲ
ﺷﻌﺮﻩ ﻣﻊ ﻧﺜﺮ ﺍﻟﻄﻴﺐ ﺻﺎﻟﺢ ﻭﻗﺮﻯ ﺍﻟﺴﺤﺮﺓ ﻭﺍﻟﻘﻮﺍﺭﺏ
ﺍﻟﺼﻐﻴﺮﺓ ﺍﻟﻌﺎﺋﺪﺓ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺴﺎﺀ ﺧﺎﻭﻳﺔ، ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺒﻴﻮﺕ
ﺍﻟﺨﺎﻭﻳﺔ، ﻭﺍﻟﺒﻄﻮﻥ ﺍﻟﺨﺎﻭﻳﺔ، ﻭﺍﻟﻘﻠﻮﺏ ﺍﻟﻤﻠﻴﺌﺔ ﺑﺄﺣﺰﺍﻥ
ﺍﻟﻐﺮﻭﺏ ﻭﺧﻮﺍﺀ ﺍﻟﺸﺮﻭﻕ.
»ﺍﻟﺴﻮﺩﺍﻥ ﻭﺍﻟﺤﺮﻛﺔ ﺍﻷﺩﺑﻴﺔ « ﻣﺠﻠﺪ ﻣﻦ ﺟﺰﺃﻳﻦ )1213
ﺻﻔﺤﺔ ( ﻟﻸﺳﺘﺎﺫ ﺣﻠﻴﻢ ﺍﻟﻴﺎﺯﺟﻲ)ﻣﻨﺸﻮﺭﺍﺕ ﺍﻟﺠﺎﻣﻌﺔ
ﺍﻟﻠﺒﻨﺎﻧﻴﺔ 1985 ( ﻳﺆﺭﺥ ﻟﻠﺸﻌﺮ ﺍﻟﺴﻮﺩﺍﻧﻲ ﻓﻲ ﻗﺮﻧﻴﻦ،
ﺷﺎﻋﺮًﺍ ﺑﻌﺪ ﺷﺎﻋﺮ. ﻭﻣﻦ ﻗﺮﺍﺀﺗﻪ ﻧﻌﺮﻑ ﻛﻢ ﺃﻥ ﺍﻟﻌﺮﺏ
ﺃﻫﻤﻠﻮﺍ، ﺩﻭﻥ ﻋﻤﺪ، ﻣﻮﺟﺔ ﻛﺒﺮﻯ ﻣﻦ ﺍﻟﺸﻌﺮ ﻭﺍﻟﺸﻌﺮﺍﺀ.
ﻭﻟﻌﻞ ﻣﺼﺮ ﺑﺄﺩﺑﺎﺋﻬﺎ ﻭﺷﻌﺮﺍﺋﻬﺎ، ﻇﻠﻠﺖ ﺃﺩﺑﺎﺀ ﺍﻟﺠﺎﺭﺓ
ﺍﻷﺧﺮﻯ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻨﻴﻠﻴﻦ، ﺭﻏﻢ ﺃﻧﻬﺎ ﺭﻋﺘﻬﻢ ﺃﻳﻀًﺎ. ﻭﺗﺠﺪ
ﺑﻮﺍﻛﻴﺮ ﺍﻟﻔﻴﺘﻮﺭﻱ ﻓﻲ ﺃﻭﺍﺋﻞ ﺍﻟﺨﻤﺴﻴﻨﺎﺕ ﻓﻲ ﻣﺠﻠﺔ
»ﺍﻟﺮﺳﺎﻟﺔ « ﺍﻟﺘﻲ ﺃﻋﺎﺩﺕ»ﺩﺍﺭ ﺳﻌﺎﺩ ﺍﻟﺼﺒﺎﺡ « ﻃﺒﻌﻬﺎ
ﻗﺒﻞ ﻧﺤﻮ ﺭﺑﻊ ﻗﺮﻥ. ﻛﻤﺎ ﺗﺠﺪ ﻓﻴﻬﺎ ﺃﻋﻤﺎﻝ ﺳﻮﺩﺍﻧﻴﻴﻦ
ﺁﺧﺮﻳﻦ، ﺃﻃﻠّﻮﺍ ﺛﻢ ﺗﺮﺍﺟﻌﻮﺍ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺨﻴﻤﺔ ﺍﻟﻤﺤﻠﻴﺔ، ﻓﻴﻤﺎ
ﺭﺍﺡ ﺍﻟﻔﻴﺘﻮﺭﻱ ﻳﻀﺮﺏ ﺧﻴﺎﻣﻪ ﻓﻲ ﻛﻞ ﺃﺭﺽ، ﺇﻟﻰ ﺃﻥ
ﺫﻭﻯ ﻓﻲ ﺃﺭﺽ ﺯﻭﺟﺘﻪ ﻭﺍﺑﻨﺘﻪ، ﻋﻠﻰ ﻣﻘﺮﺑﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﺮﺑﺎﻁ.
ﻟﻜﻦ ﻳﻨﺴﺐ ﺇﻟﻴﻪ ﺃﻥ ﻣﻦ ﺑﻴﻦ ﺟﻤﻴﻊ ﺍﻷﻭﻃﺎﻥ، ﻛﺎﻥ
ﺣﻨﻴﻨﻪ ﺍﻟﺨﺎﺹ ﺇﻟﻰ ﻟﺒﻨﺎﻥ. ﻫﻨﺎ، ﺭﺃﻳﺖ ﺍﻟﻔﻴﺘﻮﺭﻱ ﺳﻌﻴﺪًﺍ
ﻭﺿﺎﺣﻜًﺎ. ﺣﺘﻰ ﺑﻌﺪ ﺍﺷﺘﻌﺎﻝ ﺍﻟﺤﺮﺏ، ﻛﺎﻥ ﻳﻔﺎﺟﺌﻨﻲ ﺃﻥ
ﺃﺭﺍﻩ ﻓﻲ ﺳﻬﺮﺓ ﺃﻭ ﺣﺘﻰ ﻓﻲ ﺃﻣﺴﻴﺔ، ﻛﺄﻧﻪ ﻳﺘﺤﺴﺲ ﻓﻲ
ﺫﺍﺗﻪ ﻣﻼﻣﺢ ﺟﺪﻳﺪﺓ ﻻ ﻓﻘﺮ ﻓﻴﻬﺎ ﻭﻻ ﺩﻣﺎﻣﺔ ﻭﻻ ﺷﻔﺔ
ﺳﻔﻠﻰ ﻳﺄﻧﻔﻬﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺮﺁﺓ، ﻭﻳﻜﺘﺐ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺍﻟﻘﺼﺎﺋﺪ. ﻭﻗﺪ
ﻛﺎﻥ ﺍﻟﻔﻴﺘﻮﺭﻱ ﺇﻧﺴﺎﻧًﺎ ﺟﻤﻴﻼً ﻣﺜﻞ ﻏﻨﺎﺀ ﺍﻟﺰﻧﻮﺟﺔ. ﻭﻛﺎﻥ
ﻣﺴﻜﻴﻨًﺎ ﻓﻲ ﺍﻷﻧﻮﻑ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺸﺒﻪ »ﻣﻘﺒﺮﺓ ﻟﻢ ﺗﺘﻢ «، ﻭﻛﺎﻥ
ﻋﻈﻴﻤًﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﺸﻌﺮ ﻭﻓﻲ ﺍﻟﻘﻠﻮﺏ ﻭﻓﻲ ﺍﻟﺮﺟﺎﻝ. ﻭﻛﺎﻥ
ﺃﻛﺜﺮ ﻧﺼﻮﻋًﺎ ﻣﻦ ﺟﻤﻴﻊ ﻗﺎﺭﺍﺕ ﺍﻟﺒﻴﺾ.
2
ﺳﻤﻴﺮ ﻋﻄﺎ ﺍﻟﻠﻪ
ﻛﺎﺗﺐ ﻭﺻﺤﺎﻓﻲّ ﻟﺒﻨﺎﻧﻲ
ﺍﻟﺜﻼﺛﺎﺀ 10 - ﺭﺟﺐ 1436 ﻫـ 28 - ﺃﺑﺮﻳﻞ 2015 ﻣـ
ﺭﻗﻢ ﺍﻟﻌﺪﺩ ]13300 [
A + A -
»ﻓﺄﺑﻲ ﺳﻮﺩﺍﻧﻲ ﺃﺳﻮﺩ، ﻭﺃﻣﻲ ﻟﻴﺒﻴﺔ ﺍﺑﻨﺔ ﻭﺍﺣﺪ ﻣﻦ ﻛﺒﺎﺭ
ﺗﺠّﺎﺭ ﺍﻟﺮﻗﻴﻖ ﻓﻲ ﻟﻴﺒﻴﺎ ﻓﻲ ﺑﺪﺍﻳﺔ ﺍﻟﻘﺮﻥ. ﻭﻛﺎﻧﺖ ﺟﺪﺗﻲ
ﻣﻦ ﺃﻣﻲ ﺟﺎﺭﻳﺔ ﺟﻤﻴﻠﺔ ﺳﻮﺩﺍﺀ ﺗﺰﻭﺟﻬﺎ ﺟﺪﻱ ﻭﺃﻋﺘﻘﻬﺎ،
ﻭﻓﻲ ﺣﻀﻦ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺠﺪﺓ ﺗﺮﺑﻴﺖ ﻣﺪﺓ ﻣﻦ ﺣﻴﺎﺗﻲ
ﻣﺘﺸﺒﻌًﺎ ﺑﺘﺎﺭﻳﺦ ﺍﻟﻨﺨﺎﺳﺔ «.
ﻟﻢ ﻳﻘﺪﻡ ﺷﺎﻋﺮ ﻟﻨﻔﺴﻪ ﻭﻟﻌﺬﺍﺑﻪ ﻣﺜﻠﻤﺎ ﺍﺧﺘﺼﺮ ﺍﻟﻔﻴﺘﻮﺭﻱ
ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻤﻠﺤﻤﺔ: ﺟﺪ ﻳﺘﺎﺟﺮ ﺑﺎﻟﺮﻗﻴﻖ، ﻭﺟﺪﺓ ﺟﺎﺭﻳﺔ ﺗﺰﻭﺟﻬﺎ
ﺍﻟﺠﺪ ﺍﻵﺧﺮ ﻭﺃﻋﺘﻘﻬﺎ. ﻭﻋﻠﻰ ﻳﺪﻫﺎ ﻧﺸﺄ ﻣﺤﻤﺪ ﺍﻟﻨﺸﺄﺓ
ﺍﻷﻭﻟﻰ، ﻗﺒﻞ ﺃﻥ ﻳﻨﺘﻘﻞ ﻣﻦ ﻭﻋﻮﺭﺓ ﺑﺤﺮ ﺍﻟﻐﺰﺍﻝ ﺇﻟﻰ
ﺍﻹﺳﻜﻨﺪﺭﻳﺔ، ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍﻷﺑﻴﺾ »ﻭﺗﻠﻚ ﺍﻟﻤﺪﻳﻨﺔ
ﺍﻟﺘﺠﺎﺭﻳﺔ ﺍﻟﻜﺒﻴﺮﺓ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺴﻜﻨﻬﺎ ﺍﻟﻄﺒﻘﺔ ﺍﻷﺭﺳﺘﻘﺮﺍﻃﻴﺔ
ﺍﻟﺒﻴﻀﺎﺀ، ﻭﺍﻟﺘﻲ ﻻ ﺗﻌﺮﻑ ﺍﻟﻮﺟﻪ ﺍﻷﺳﻮﺩ ﺇﻻ ﺧﺎﺩﻣًﺎ ﻟﻬﺎ «،
ﻛﻤﺎ ﻗﺎﻝ ﻣﺤﻤﻮﺩ ﺃﻣﻴﻦ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ.
ﻓﻲ ﺍﻹﺳﻜﻨﺪﺭﻳﺔ، ﺃﺟﻤﻞ ﻭﺃﻫﻢ ﺣﻮﺍﺿﺮ ﺍﻟﻤﺘﻮﺳﻂ ﻓﻲ
ﺍﻷﺭﺑﻌﻴﻨﺎﺕ ﻭﺍﻟﺨﻤﺴﻴﻨﺎﺕ، ﻭﺍﺟﻪ ﺍﻟﻔﻴﺘﻮﺭﻱ ﺍﻟﻤﺴﺘﻌﻤﺮ
ﺍﻷﺑﻴﺾ، ﻭﺍﻧﻔﺘﺢ ﺃﻳﻀًﺎ ﻋﻠﻰ ﻋﺎﻟﻤﻪ. ﻭﺭﻏﻢ ﺍﻧﺘﻤﺎﺋﻪ
ﺍﻟﻌﺮﺑﻲ، ﻇﻞ ﺍﻟﻔﺘﻰ ﺍﻷﺳﻮﺩ ﻏﺮﻳﺒًﺎ ﻭﺣﺰﻳﻨًﺎ ﻭﻧﺎﻗﻤًﺎ ﻋﻠﻰ
ﺍﻻﺳﺘﻌﻤﺎﺭ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻼﺣﻘﻪ ﻣﻦ ﺑﺤﺮ ﺍﻟﻐﺰﺍﻝ. ﻭﻟﺬﻟﻚ،
ﺳﺮﻋﺎﻥ ﻣﺎ ﺗﺄﺛﺮ ﺑﺄﺑﻲ ﺍﻟﻘﺎﺳﻢ ﺍﻟﺸﺎﺑﻲ، ﺍﻷﻓﺮﻳﻘﻲ
ﺍﻷﺑﻴﺾ، ﺷﺎﻋﺮ ﺍﻹﺭﺍﺩﺓ ﻭﺍﻷﻟﻢ: »ﻛﺄﻧﻲ ﺃﺳﻤﻊ ﺷﺒّﺎﺑﺔ/
ﺣﻨﻴﻨﻬﺎ ﺍﻟﺠﺎﺭﻑ ﻳﻄﻮﻱ ﺍﻟﺤﺪﻭﺩ/ ﻛﺄﻧﻨﻲ ﺃﺑﺼﺮ ﺫﺍ ﻏﺮﺑﺔ/
ﻳﻮﺩ ﻣﻦ ﻏﺮﺑﺘﻪ ﺃﻥ ﻳﻌﻮﺩ «.
ﻳﺘﻄﻠﻊ ﺍﻟﻔﻴﺘﻮﺭﻱ ﻓﻲ ﻓﺘﻰ ﺗﻮﻧﺲ، ﻓﻴﺨﻄﺮ ﻟﻪ ﺃﻥ ﻳﻜﺘﺐ
ﺇﻟﻰ ﺑﻼﺩﻩ، »ﺭﺳﺎﻟﺔ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺨﺮﻃﻮﻡ «: »ﻓﻲ ﺍﻷﺭﺽ
ﺣﻴﺮﺍﻥ ﺿﺎﺋﻊ/ ﺩﺍﻡ ﻛﺜﻴﺮ ﺍﻟﻤﻮﺍﺟﻊ/ ﺃﺭﻧﻮ ﺇﻟﻴﻚ.. ﻭﺃﻋﺪﻭ/
ﻛﺎﻟﻄﻔﻞ ﻓﻲ ﻛﻞ ﺷﺎﺭﻉ/ ﻭﺃﺭﺗﻤﻲ ﻓﻮﻕ ﺣﺰﻧﻲ/ ﻭﻓﻮﻕ
ﺷﻮﻙ ﺍﻟﻤﻀﺎﺟﻊ/ ﻭﺑﻴﻨﻨﺎ ﻳﺎ ﺑﻼﺩﻱ/ ﺳﺘﺎﺭﺓ ﻣﻦ ﻣﺪﺍﻣﻊ/
ﻭﺻﻮﺭﺓ ﻳﺎ ﺑﻼﺩﻱ ﻗﺪ ﻟﻮﻧﺘﻬﺎ ﺍﻟﻤﻔﺎﺟﻊ/ ﻭﺍﻟﺸﻌﺐ ﻛﺎﻟﻨﻴﻞ/
ﻓﻲ ﻋﻤﻘﻪ ﺍﻧﻔﻌﺎﻝ ﺍﻟﻤﻨﺎﺑﻊ/ ﺭﺍﺡ ﺍﻟﻄﻐﺎﺓ ﺍﻟﻤﺴﺎﻛﻴﻦ/
ﻭﺍﻧﺘﻬﻮﺍ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺨﺎﺩﻉ/ ﻭﺍﻟﺸﻌﺐ ﻣﺎ ﺯﺍﻝ ﻳﻤﺸﻲ/
ﻭﻳﺴﺘﺮﺩ ﺍﻟﻤﻮﺍﻗﻊ «.
ﺃﻟﺤﻖ ﺍﻟﻔﻴﺘﻮﺭﻱ ﻇﻠﻤًﺎ ﻛﺒﻴﺮًﺍ ﺑﺸﻌﺮﺍﺀ ﺍﻟﺴﻮﺩﺍﻥ. ﺍﺣﺘﻜﺮ
ﺑﻘﺼﻴﺪﻩ ﺍﻟﺠﻤﻴﻞ ﺗﻜﻮّﻥ ﺃﻓﺮﻳﻘﻴﺎ، ﻭﻋﺰﺓ ﺍﻟﻌﺮﻭﺑﺔ، ﻭﺑﺆﺱ
ﺍﻟﻴﺘﻢ، ﻭﻓﻘﺮ ﺑﻴﻮﺕ ﺍﻟﻘﺶ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻨﻴﻞ. ﻭﻫﻨﺎ ﻳﻠﺘﻘﻲ
ﺷﻌﺮﻩ ﻣﻊ ﻧﺜﺮ ﺍﻟﻄﻴﺐ ﺻﺎﻟﺢ ﻭﻗﺮﻯ ﺍﻟﺴﺤﺮﺓ ﻭﺍﻟﻘﻮﺍﺭﺏ
ﺍﻟﺼﻐﻴﺮﺓ ﺍﻟﻌﺎﺋﺪﺓ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺴﺎﺀ ﺧﺎﻭﻳﺔ، ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺒﻴﻮﺕ
ﺍﻟﺨﺎﻭﻳﺔ، ﻭﺍﻟﺒﻄﻮﻥ ﺍﻟﺨﺎﻭﻳﺔ، ﻭﺍﻟﻘﻠﻮﺏ ﺍﻟﻤﻠﻴﺌﺔ ﺑﺄﺣﺰﺍﻥ
ﺍﻟﻐﺮﻭﺏ ﻭﺧﻮﺍﺀ ﺍﻟﺸﺮﻭﻕ.
»ﺍﻟﺴﻮﺩﺍﻥ ﻭﺍﻟﺤﺮﻛﺔ ﺍﻷﺩﺑﻴﺔ « ﻣﺠﻠﺪ ﻣﻦ ﺟﺰﺃﻳﻦ )1213
ﺻﻔﺤﺔ ( ﻟﻸﺳﺘﺎﺫ ﺣﻠﻴﻢ ﺍﻟﻴﺎﺯﺟﻲ)ﻣﻨﺸﻮﺭﺍﺕ ﺍﻟﺠﺎﻣﻌﺔ
ﺍﻟﻠﺒﻨﺎﻧﻴﺔ 1985 ( ﻳﺆﺭﺥ ﻟﻠﺸﻌﺮ ﺍﻟﺴﻮﺩﺍﻧﻲ ﻓﻲ ﻗﺮﻧﻴﻦ،
ﺷﺎﻋﺮًﺍ ﺑﻌﺪ ﺷﺎﻋﺮ. ﻭﻣﻦ ﻗﺮﺍﺀﺗﻪ ﻧﻌﺮﻑ ﻛﻢ ﺃﻥ ﺍﻟﻌﺮﺏ
ﺃﻫﻤﻠﻮﺍ، ﺩﻭﻥ ﻋﻤﺪ، ﻣﻮﺟﺔ ﻛﺒﺮﻯ ﻣﻦ ﺍﻟﺸﻌﺮ ﻭﺍﻟﺸﻌﺮﺍﺀ.
ﻭﻟﻌﻞ ﻣﺼﺮ ﺑﺄﺩﺑﺎﺋﻬﺎ ﻭﺷﻌﺮﺍﺋﻬﺎ، ﻇﻠﻠﺖ ﺃﺩﺑﺎﺀ ﺍﻟﺠﺎﺭﺓ
ﺍﻷﺧﺮﻯ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻨﻴﻠﻴﻦ، ﺭﻏﻢ ﺃﻧﻬﺎ ﺭﻋﺘﻬﻢ ﺃﻳﻀًﺎ. ﻭﺗﺠﺪ
ﺑﻮﺍﻛﻴﺮ ﺍﻟﻔﻴﺘﻮﺭﻱ ﻓﻲ ﺃﻭﺍﺋﻞ ﺍﻟﺨﻤﺴﻴﻨﺎﺕ ﻓﻲ ﻣﺠﻠﺔ
»ﺍﻟﺮﺳﺎﻟﺔ « ﺍﻟﺘﻲ ﺃﻋﺎﺩﺕ»ﺩﺍﺭ ﺳﻌﺎﺩ ﺍﻟﺼﺒﺎﺡ « ﻃﺒﻌﻬﺎ
ﻗﺒﻞ ﻧﺤﻮ ﺭﺑﻊ ﻗﺮﻥ. ﻛﻤﺎ ﺗﺠﺪ ﻓﻴﻬﺎ ﺃﻋﻤﺎﻝ ﺳﻮﺩﺍﻧﻴﻴﻦ
ﺁﺧﺮﻳﻦ، ﺃﻃﻠّﻮﺍ ﺛﻢ ﺗﺮﺍﺟﻌﻮﺍ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺨﻴﻤﺔ ﺍﻟﻤﺤﻠﻴﺔ، ﻓﻴﻤﺎ
ﺭﺍﺡ ﺍﻟﻔﻴﺘﻮﺭﻱ ﻳﻀﺮﺏ ﺧﻴﺎﻣﻪ ﻓﻲ ﻛﻞ ﺃﺭﺽ، ﺇﻟﻰ ﺃﻥ
ﺫﻭﻯ ﻓﻲ ﺃﺭﺽ ﺯﻭﺟﺘﻪ ﻭﺍﺑﻨﺘﻪ، ﻋﻠﻰ ﻣﻘﺮﺑﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﺮﺑﺎﻁ.
ﻟﻜﻦ ﻳﻨﺴﺐ ﺇﻟﻴﻪ ﺃﻥ ﻣﻦ ﺑﻴﻦ ﺟﻤﻴﻊ ﺍﻷﻭﻃﺎﻥ، ﻛﺎﻥ
ﺣﻨﻴﻨﻪ ﺍﻟﺨﺎﺹ ﺇﻟﻰ ﻟﺒﻨﺎﻥ. ﻫﻨﺎ، ﺭﺃﻳﺖ ﺍﻟﻔﻴﺘﻮﺭﻱ ﺳﻌﻴﺪًﺍ
ﻭﺿﺎﺣﻜًﺎ. ﺣﺘﻰ ﺑﻌﺪ ﺍﺷﺘﻌﺎﻝ ﺍﻟﺤﺮﺏ، ﻛﺎﻥ ﻳﻔﺎﺟﺌﻨﻲ ﺃﻥ
ﺃﺭﺍﻩ ﻓﻲ ﺳﻬﺮﺓ ﺃﻭ ﺣﺘﻰ ﻓﻲ ﺃﻣﺴﻴﺔ، ﻛﺄﻧﻪ ﻳﺘﺤﺴﺲ ﻓﻲ
ﺫﺍﺗﻪ ﻣﻼﻣﺢ ﺟﺪﻳﺪﺓ ﻻ ﻓﻘﺮ ﻓﻴﻬﺎ ﻭﻻ ﺩﻣﺎﻣﺔ ﻭﻻ ﺷﻔﺔ
ﺳﻔﻠﻰ ﻳﺄﻧﻔﻬﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺮﺁﺓ، ﻭﻳﻜﺘﺐ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺍﻟﻘﺼﺎﺋﺪ. ﻭﻗﺪ
ﻛﺎﻥ ﺍﻟﻔﻴﺘﻮﺭﻱ ﺇﻧﺴﺎﻧًﺎ ﺟﻤﻴﻼً ﻣﺜﻞ ﻏﻨﺎﺀ ﺍﻟﺰﻧﻮﺟﺔ. ﻭﻛﺎﻥ
ﻣﺴﻜﻴﻨًﺎ ﻓﻲ ﺍﻷﻧﻮﻑ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺸﺒﻪ »ﻣﻘﺒﺮﺓ ﻟﻢ ﺗﺘﻢ «، ﻭﻛﺎﻥ
ﻋﻈﻴﻤًﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﺸﻌﺮ ﻭﻓﻲ ﺍﻟﻘﻠﻮﺏ ﻭﻓﻲ ﺍﻟﺮﺟﺎﻝ. ﻭﻛﺎﻥ
ﺃﻛﺜﺮ ﻧﺼﻮﻋًﺎ ﻣﻦ ﺟﻤﻴﻊ ﻗﺎﺭﺍﺕ ﺍﻟﺒﻴﺾ.
2
ﺳﻤﻴﺮ ﻋﻄﺎ ﺍﻟﻠﻪ
ﻛﺎﺗﺐ ﻭﺻﺤﺎﻓﻲّ ﻟﺒﻨﺎﻧﻲ
Comments
Post a Comment