Skip to main content

سبع سنوات من فوضى المعارضات العربية! -------- صبحي غندور*

سبع سنوات من فوضى المعارضات العربية!

صبحي غندور*



سبع سنواتٍ مضت على بدء ما اُصطلح على تسميتها بثورات "الربيع العربي"، لكن هذا
الوصف صحّ فقط على ما نجحت به ثورة تونس أولاً، ثمّ بعدها ثورة مصر، من تحريكٍ
للشارع العربي، ومعه الأمل العربي بفجرٍ جديد على بلدانٍ سادها لعقودٍ ظلام وظلم
الفساد والاستبداد والتبعية.

فما نجح من أسلوبٍ في تجربتيْ مصر وتونس لم يُكتب له النجاح في أمكنة عربية أخرى.
فالظروف اختلفت، كما اختلفت أيضاً القوى الفاعلة في مصير هذه البلدان الأخرى. 

هناك بلا شك إيجابياتٌ تحقّقت حينما انطلقت الانتفاضات الشعبية في مطلع العام
2011، لكن مظلّة السلبيات هي التي ما زالت تغطّي سماء المنطقة وتحجب شروق شمس
التغيير السليم المنشود فيها. فثورتا تونس ومصر اتّسمتا قبل سبع سنوات بالأسلوب
السلمي، وبالطابع الوطني التوحيدي، وبغياب التدخل الإقليمي والدولي، وبعدم وجود
مخاطر التقسيم والتدويل، وبالأمل في تغيير سياسي يصبّ في صالح الوطن والعروبة، لا
في صالح الأجانب وإسرائيل ونهج الشرذمة.

أمّا الثورات العربية الأخرى، فقد انحرفت عن مصالح شبابها وأوطانها وأهدافها.
فالمنطقة هي الآن ساحة تنافس وصراع مصالح بين قوى إقليمية ودولية، بينما يغيب
تماماً أيُّ "مشروع" عربي، وفي ظلِّ حضور "مشاريع" غير العرب.  

لقد كتبتُ مع بداية ثورتيْ تونس ومصر عن أنّ الثورات هي أساليب يرتبط نجاحها
بتوفّر القيادات المخلصة وبالأهداف الواضحة وبالبناء التنظيمي السليم. كذلك
ناشدْتُ، في الأسبوع الأول من انطلاقة الثورة الليبية، القيادة المصرية آنذاك،
بالتدخّل لصالح الثورة والشعب الليبي، قبل أن يتدخّل الأجانب وقبل أن تصبح ليبيا
أمام مخاطر التدويل والتقسيم. وطبعاً لم يحدث ذلك. أيضاً، كتبْت عن "المتغيّرات"
العربية التي تحدث في ظلّ "ثوابت" ظروف وصراعات في المنطقة، والتي منها التحدّي
الإسرائيلي ومراهناته على إضعاف العرب بتفتيت وحدة شعوبهم وأوطانهم، وبإشعال
الفِتَن في المشرق العربي وإضعاف نهج المقاومة ضدّ الاحتلال.

فالانتفاضات الشعبية العربية حدثت بينما أوطان معظم هذه الثورات تقوم على مفاهيم
وأفكار وممارسات طائفية ومذهبية وقبلية تؤذي الثورات والقائمين بها، وهي كانت
انتفاضات بلا سياج وطني عام يحميها من شرور القوى الخارجية ذات المصلحة في إحداث
فتنٍ داخلية.

والمنطقة العربية كانت، وما تزال، في حالٍ من الصراعات والخلافات بين حكوماتها،
ولم يؤدِّ بعدُ التغيير الذي حدث منذ العام 2011 إلى إعادة التضامن العربي، الذي
تصبح المنطقة في غياب حدِّه الأدنى، فارغةً من أيّ رؤية أو "مشروع" عربي يقابل ما
هو يُطرَح (ويُنفَّذ) من رؤى ومشاريع إقليمية ودولية.

ولعلّ مراجعة ما حدث في الأعوام السبعة الأخيرة، وما زال يحدث، من إشعال لمناخاتٍ
انقسامية داخلية في العديد من البلدان العربية، ومن بروز لجماعات وقوى إرهابية،
ومن تشويه عالمي لصورة المسلمين والعرب، لَتأكيدٌ بأنّ ما تحقّق حتّى الآن هو خدمة
المشاريع الإسرائيلية في تفتيت المنطقة العربية وأوطانها إلى دويلاتٍ طائفية
ومذهبية متصارعة، تكون فيها "الدولة اليهودية" هي الأقوى وهي المهيمنة على باقي
الدويلات. فالهدف هو تكريس إسرائيل "وطناً لليهود" بشكلٍ موازٍ مع قيام هذه
الدويلات وتدمير وانهيار "الأوطان" الأخرى في المنطقة. أمّا "الوطن الفلسطيني"،
فممرّه من خلال القبول ب"الاستيطان" و"التوطين" معاً. أي وطنٌ فلسطينيٌّ ممزّق
أرضاً وشعباً.

قبل سبع سنوات، تردّد في "ميدان التحرير" بالقاهرة شعار "الشعب يريد إسقاط
النظام". ثم أصبح هذا الشعار عنواناً لانتفاضاتٍ شعبية عربية في أكثر من مكان. لكن
لم يكن واضحاً في كلّ هذه الانتفاضات "كيف سيكون إسقاط النظام" ثمّ ما هو "البديل
الذي يريده الشعب"، وأيضاً، ما هو الخطّ الفاصل بين "إسقاط النظام" و"عدم سقوط
الوطن".

الفاتحة كانت في العام 2011 انتفاضات بإرادة شعوبٍ مقهورة، لكن الخاتمة أصبحت
حروباً أهلية تخدم مخطّطات تفتيت الأوطان وتدويلها. هو "زمنٌ إسرائيلي" بالمحصّلة،
العربي فيه يقتل أخاه العربي... وإسرائيل تتفرّج!!. هو "زمنٌ إسرائيليٌّ" حينما
يسقط عشرات الألوف من المواطنين العرب الأبرياء ضحيّة صراعاتٍ داخلية بين أنظمة
ومعارضين متعاون بعضهم مع قوى أجنبية... وهو "زمنٌ إسرائيلي" حينما لا يجوز الحديث
عن مشاريع إسرائيل من أجل تقسيم الأوطان العربية، بحجّة أنّ هذا الحديث يخدم
أنظمةً حاكمة!، 

فإذا كانت الحكومات هي المسؤولة أوّلاً عن حال شعوبها وأوطانها، فإنّ المعارضات هي
المسؤولة أخيراً عن مصير هذه الشعوب والأوطان. المعارضات تحرّكت لمحاسبة الحكومات،
فمن الذي سيتحرّك لمحاسبة قوى المعارضة التي فشلت في امتحان التغيير نحو الأفضل؟!.


هذا الواقع العربي المرير الآن هو مسؤولية مشتركة بين الحاكمين والمعارضين معاً،
فمِن المهمّ جدّاً إدراك مسؤولية المعارضات العربية عن مستوى الانحدار الذي بلغته
بعض الأوطان، حيث تحوَّل مطلب تغيير الحكومات إلى مقدّمة لتهديم مجتمعات وكيانات
وطنية. 

  فكل المعارضات العربية معنيّةٌ الآن بإقرار مبدأ نبذ العنف في العمل السياسي،
وباتّباع الدعوة السلمية القائمة على الإقناع الحر، وبالتعامل مع المتاح من أساليب
العمل السياسي، ثمّ بالتمييز الحازم بين معارضة الحكومات وبين تهديم الكيانات، حيث
خلطت عدّة قوى عربية بين صراعها مع السلطات، وبين تحطيمها- بوعي منها أو بغير وعي-
لعناصر وحدة المجتمع ولمقوّمات وحدته الوطنية.

لذلك كان مهمّاً استيعابُ دروس تجارب شعوب العالم كلّه، بأنّ الفهم الصحيح لمعنى
"الحرّية" هو في التلازم المطلوب دائماً بين "حرّية المواطن" و"حرّية الوطن"،
وبأنّ إسقاط أيٍّ منهما يُسقط حتماً الآخر. فهل ما حدث في المنطقة العربية خلال
السنوات السبع الماضية هو تعبيرٌ عن هذا الفهم الصحيح لمعنى الحرّية؟! 

أيضاً، المشكلة في الموقف من هذه الانتفاضات والثورات الشعبية العربية أنّ
المعايير ليست واحدةً عند العرب ككُل، فصحيحٌ أنّها تحدث على الأرض العربية وتترك
تأثيراتها على المنطقة بأسرها، لكن ما هو معيارٌ شعبيٌّ عربيٌّ عام لدعم هذه
الثورة أو تلك يختلف ربّما عن معيار أبناء الوطن نفسه. فمعظم العرب رحّبوا مثلاً
بثورة "يناير" المصرية، لأنّها أنهت عهداً من سياسةٍ خارجية مصرية كانت لا تعبّر
عن مصر وشعبها ودورها التاريخي الريادي، بينما المعيار الأهم لدى الشعب المصري كان
مسائل داخلية؛ كالفساد السياسي للنظام السابق، والظلم الاجتماعي الناتج عنه، وغياب
المجتمع الديمقراطي السليم. 

التغيير يحصل في المنطقة العربية، بفعل التراكمات المتلاحقة للأحداث كمّاً ونوعاً
في المجتمعات العربيّة وجوارها، لكن السؤال المركزي هو: التغيير مطلوب في أيِّ
اتجاه؟ هل نحو مزيدٍ من السوء والتدهور والانقسام، أم التغيير يجب أن يكون
استجابةً لحاجات ومتطلّبات بناء مجتمع أفضل، موحّد شعباً ووطناً، مستقرّاً في أمنه
ومتحرّراً من أي هيمنة أجنبية؟!. فالمسألة هي ليست في رفع شعارات الديمقراطية
وإسقاط الاستبداد فقط، بل هي في كيفيّة الحفاظ على وحدة النسيج الاجتماعي في كلّ
بلد، وبضمان أنّ طريق الديمقراطية لن يمرّ في تجزئة الكيانات، وفي إخضاعها للسيطرة
الأجنبية أولاً!.

23-1-2018

*مدير "مركز الحوار العربي" في واشنطن

Comments

Popular posts from this blog

Mona Farouk reveals scenes of "scandalous video"Egyptian actress Mona Farouk appeared on

Mona Farouk reveals scenes of "scandalous video"Egyptian actress Mona Farouk appeared on Monday in a video clip to discuss the details of the case she is currently facing. She recorded the first video and audio statements about the scandalous video that she brings together with Khaled Youssef.Farouk detonated several surprises, on the sidelines of her summons to the Egyptian prosecution, that Khalid Youssef was a friend of her father years ago, when she was a young age, and then collected a love relationship with him when she grew up, and married him in secret with the knowledge of her parents and her father and brother because his social status was not allowed to declare marriage .Muna Farouk revealed that the video was filmed in a drunken state. She and her colleague Shima al-Hajj said that on the same day the video was filmed, she was at odds with Shima, and Khaled Yusuf repaired them and then drank alcohol.She confirmed that Youssef was the one who filmed the clips whil...

الحلقة 20 هنادي المطلقة والمحلل (ماذا قال كتاب العرب في هنادي)-----------Khalid Babiker

• الجنس شعور فوضوي يتحكم في الذات والعقل . وله قوة ذاتية لا تتصالح إلا مع نفسها . هكذا قال أنصار المحلل الحلقة 20 هنادي المطلقة والمحلل (ماذا قال كتاب العرب في هنادي) أول طريق عبره الإنسان هو طريق الذكر . بعدها شهق وصرخ . تمرغ في الزيت المقدس . وجرب نشوة الأرغوس . عاجلا أم آجلا سيبحث عن هذا الطريق ( كالأسماك تعود إلى أرض ميلادها لتبيض وتموت ) . وسيعبره . سيعبره بحثا عن الديمومة . وسيشهق وسيضحك . لقد جاء إليه غريبا . سيظل بين جدرانه الدافئة غريبا . وحالما يدفع تلك الكائنات الحية الصغيرة المضطربة في الهاوية الملعونة سيخرج فقيرا مدحورا يشعر بخيانة ما ( ..... ) . لن ينسى الإنسان أبدا طريق الذكر الذي عبره في البدء . سيتذكره ليس بالذاكرة وإنما بالذكر . سيعود إليه بعد البلوغ أكثر شوقا وتولعا . ولن يدخل فيه بجميع بدنه كما فعل في تلك السنوات التي مضت وإنما سيدخل برأسه . بعد ذلك سيندفع غير مبال بالخطر والفضيحة والقانون والدين . الله هناك خلف الأشياء الصغيرة . خلف كل شهقة . كل صرخة مندفعا في الظلام كالثور في قاعة المسلخ . الله لا يوجد في الأشياء الكبيرة . في الشرانق . في المح . ينشق فمه . تن...

Trusting Liar (#5) Leave a reply

Trusting Liar (#5) Leave a reply Gertruida is the first to recover.  “Klasie… ?” “Ag drop the pretence, Gertruida. You all call me ‘Liar’ behind my back, so why stop now? Might as well be on the same page, yes?” Liar’s face is flushed with anger; the muscles in his thin neck prominently bulging. “That diamond belongs to me. Hand it over.” “What are you doing? Put away the gun…” “No! This…,” Liar sweeps his one hand towards the horizon, “…is my place.  Mine!   I earned it! And you…you have no right to be here!” “Listen, Liar, we’re not the enemy. Whoever is looking for you with the aeroplane and the chopper….well, it isn’t us. In fact, we were worried about you and that’s why we followed you. We’re here to help, man!” Vetfaan’s voice is pleading as he takes a step closer to the distraught man. “Now, put down the gun and let’s chat about all this.” Liar hesitates, taken aback after clearly being convinced that the group  had hostile intentions. “I…I’m ...