الدودة
قصة: نجاة نوري
ترجمة: انور عزيز كؤيى
ترجمة: انور عزيز كؤيى
احس ان هذه القرية اصبحت مقبرة وتعيش الديدان في اجسام اهلها واشجارها. لا أشم سوى رائحة العفن، هذا المكان ليس ببعيد ، تصله بخمس ساعات مشيا على الأقدام. ترى اهلها دائما تعساء، عبوسين. ومن كل الجهات لاتسمع سوى هذه الكلمات: (الشياطين احاطوا بنا خذوا حذركم واسحبوا سيوفكم حتى نقطعهم) في هذه القرية لايستطيع احد ان يرد على هؤلاء سوى جدتي، وكانت تقول وهي ضاحكة: (اهل هذه القرية اموات ولكن ليس هناك من يدفنهم . كنت احب كثيرا النظر الى اسراب الحمامات التي كانت تحلق فوق الأراضي المحروقة حول القرية. كنت اود لو طرت معها ونجوت من صمت هذه القرية. وكانت جدتي تقول باستهزاء "اهل هذه القرية يريدون ان يعقرونا وهم بلديون، وانت بنظراتك الى هذه الأسراب لاتزيد الا بلاده".
وكان موقع بيتنا على سفح هضبة في اعلى القرية حيث اطراف القرية امام مرآنا، حركة الرجال. . .النساء. . .الأطفال حركة عجيبة، لاتليق الا بهم ولكن بيتنا كان هناك ، حياة غير حياتهم في غرفة جدتي ترى كل شيئ رؤية العين وتشعر بالطمأنينة في نفسك. كتب مختلفة، كمانجة، لوحة كبيرة، ألبسه عد من المقتولين. كان الناس يسمون هذه الغرفة (غرفة العفريتة الكبيرة) كانت جدتي تقول (في هذه الغرفة نام كثير من الشجعان ومات فيها كثير من اصحابي المقاتلين، هذه الكتب هدية هؤلاء الذين ماتوا في ظل صخرة بعد صمت اسلحتهم، لكن الآن كل ما حولنا نعفن. ليس للأطفال ليس لهم ينظروا الى الطيور ليس لهم أن يغنوا، كل شيئ اصبح صامتا صار جدارا منهدما.
"أسمعني جيدا كن انت دكتاتورا صغيرا واعرض عن كل ما يقولون مهما حاولنا لانستطيع ان نهجر آثارنا، ارواحنا اختلطت مع تراب هذه القرية" كان علي ان اسهر مع جدتي وأحلامها وكلماتها الحلوة في ذلك الحين كانت قبل ان تميل الستار عن الشباك وتقول هذه الليلة اشم رائحة الموت) وقلت لها همسا "ان هؤلاء الناس يريدون الا يقبرونا في مقبرتهم" ولاتزال تنظر الى الخارج وقالت "لاأعتقد اني ارضي بمقبرتهم".
انا وجدتي نشبه بحفارين غريبين لا أهل لهما والناس وجوههم . . رأسهم . . كلامهم . . لباسهم تغيرت ولايشبهون اناسا آخرين، كما اتذكر لم يكن هناك مجنون في هذه القرية ولكن الآن ترى أثنين قد جنا احدهما وهو شاب والآخر شيخ، صار لهذا الشيخ عامان ولم يحلق شعره ولحيته اصبح منظره مخيفا حتى ان اهله يخاف منه والشاب في اكثر الأوقات ينام في تابوت المسجد وبين حين وآخر كان يقول لخادم المسجد" لاتبع هذا التابوت حرام . . حرام . . انه اصبح ملكي. .
اشعر ان الناس كلهم يجنون. ولايحيون المناظر الجميلة ويعلمون اطفالهم ان يكرهوا الطيور والأشجار والمروج الخضر، جدتي تكره اهلها وأقرباءها، كل يوم كانت في شجار معهم ولا أحد منهم يدخل بيت جدتي وكانت تسمى اقرباءها (الحمامات النجسة) وكانت تستهزيء بسلوكهم، وفي اكثر الأحيان كانت تغضبهم وكانوا ينادونها بصوت عال: (أصمتي ايتها العفريتة وادخلي جهنمك) وكانت في الليل وهي تغني وتمشط ضفائرها البيضاوات وهذه الضفائر كانت جميلة على اكتافها ولاتليق الا بها وجعلت خمارها على رأسها وعنقها وقالت لي (فالحمامات لاتطير الآن) من غيرها ما أقول شيئا هي قالت (هذه المنطقة بأرضها وسمائها واهلها تغيرت، هؤلاء اتبعوا احلامهم البعيدة بالنسبة لنا هذا المكان مقبرة وبالنسبة لهذه الحمامات بستان تفاح خالدون فيه ابدا).
كنت اشعر بالسعادة وجهها المسن وقالت وهي تلاعب خمارها "الدنيا بالنسبة لهم فارطون فارغ وانت ماذا تتوقع من هذه الأفكار".
اردت ان انام ولكن اغاني جدتي لم تدعني وكنت أنظر من طرفة الشباك الى القرية كنت أشعر انني مجنون وانام في هذه المقبرة.
كنت لاتسمع صوتاً، الضحك والأبتسامة جمعناهما هنا وجعلا في بقجة قديمة ولكي تطيب روح جدي كانت جدتي تغني لها دائما الأغاني الحلوة وأحيانا كنت اضحك بين جدتي واهل القرية.
وقليلا ما كنت انسانا بالتسمي وكانت ذكريات جدي ضيفا مقيما في الغرفة وصورته توهب جدتي الصبر والطمأنينة .
كان قميص وبنطلون جدي ذو السبلة الطوال جميلا عليه وكان شعر رأسه يستر اذنيه وكثيرا ما كان يقول لأهل القرية ((الحياة حلوة بهذا الشكل غناؤنا وبكاؤنا معا).
وكان يقول لجدتي (كل يوم آتي على مرقد عشقك واقبل أنا ملك المحجرة. ادعو لك بطول العمر واذا مت اريد في قلبك قبرا صامتا. وكانت جدتي تقول له (لقد خلقنا عشقا مخيفا وكان لنا قبلتان مختلفتان وارواحنا لاتحس بالطمأنينة والسلام تحت المديات).
كانت أنامل جدتي اكثرها من غير ظفر كان اهلها ضربوها بالأحجار وعذبوها لكي يندموها عن محبة جدي وعشقه، وكان كازينو جدي مكان مسافريه رجال وشباب القرى وكان يؤوي كثيرا من عابري السبيل في الليل. وكان كل من يأتي اليه ينادي ويقول لجدي (ايها الياقوت . . نريد قبرا في المقبرة التي يقبرونك فيها).
وكان العابرون طعامهم معهم وفي الليل وبين الأشجار كانوا يغنون للحياة وكان قد صنع هيكلا على ضفة السيل. وكانوا يسمونها هيكل الأقامة. كانت ليلة الجمعة جدتي كتبت بعض الكلمات في دفتر ذكرياتها وبعدها وهي تبتسم أخذت كمانجتها وقالت (هذه الليلة، الرجال العاقرون ينظفون اسلحتهم لغنيمة اخرى، وكانت تعزف على الكمانجة وعيناها تميلان عن الشباك وقالت (البارحة مع رقص الرصاصات الحمر هزموا آخر ذكريات جدك).
وكانت نفس جدتي تتعذب لهدم الهيكل وقبل عام وفي عتمة الليل اخرقوا الكازينو وكنت اعرف ان جدتي تريد ان توهب للغرفة الطمأنينة وقلت لها همسا(رأس جدي كان مثقوبا بالرصاصات ونصف جسده محروقا. منذ تلك الليلة هؤلاء جعلوا تأريخ القرية محمرا بالدم. والعابرون تأسفوا على ذلك وكانوا لايمرون بهذا الطريق. وقالت جدتي وهي تعزف على الكمانجة (لو سكتنا امام هؤلاء لصرنا مثلهم ولكي لاتفتقد هؤلاء الموتى علينا ان نستمر على اغانينا وابتساماتنا) وانا قلت لها ان لم يقبر هؤلاء، سيقبرون تاريخنا هؤلاء العاقرون يحبون الهدم والهلاك. . علينا ان نعلمهم ان هذه القرية ليست مقبرة وانهم لايستطيعون ان يستهزئوا بالخلود).
وهي مستمرة على عزف الكمانجة ودموعها تسيل وكانت تذكر شبابها وذكرياتها مع جدي واحوال القرية كما كانت. و وضعت الكمانجة وقالت (هؤلاء كدمى مشققة مع رميهم ترجع الطيور والسعادة والناس الصلحاء الى هذه المنطقة).
مع سكوتنا . . اذا جعلت جدتي الكتاب والكمانجة ودفتر الذكريات هي وجدي في الكيس وعلى رأسها سحبت صندوقها وجعلته أمامها واخرجت منه قميصا وسروالاً ملوناً. وأخذت معها عقدها وخاتمها وخمارها.
كنت لا أفهم سر ليلتها تلك. وعندما دخلت علي كانت تبتسم وتنزل الألوان من قامتها. ووقفت في وسط الغرفة وقالت لي (منذ هذه الليلة انتهى زمن العقرة واعرض عن عفن هذه المقبرة وتحت الفؤوس اغني لولادة جديدة، هذه الليلة انظف هذا البيت من الديدان، هؤلاء خسروا معنى الكلمات المقدسة).
ومع ذهابها وايابها في الغرفة قالت لي (هذه هي الكتب علمتك كثيرا كلماتها وهذه كمانجتي علمتك عزفها واعرف انك تستطيع ان تبقى بين نزاع اقران الثيران تعلم كيف تبقى واعرف انك تستطيع ان تلبس هؤلاء لباس الأنسانية مرة اخرى).
واقتربت من اللوحة الكبيرة وهي تديرني وقالت لي بصوت عال:
(أنا حداية مسنة رأيت اعشاشا جميلة وطيورا مغردة هذه الليلة اطير الى صقر جناخاه محمران بالدم. وإطمئن هناك لا استطيع ان اطمئن عند هؤلاء الغرباء).
وعرفت منذ هذه الليلة ان جدتي ماذا قررت وتبقى في طبف مخنوق ـ ووقعت ولم تقم وكانت تضحك بصوت عال ورأيتها تشد خمارة رأسها في جهة وجسدها في جهة و أقتربت مني وعانقتني وقالت لي (هذه الليلة اهجر هذه البيوت المهدومة وتعلم كيف ترجع وفي أي حال الى هذه القرية).
وقبلتني من خذي وقالت (هذه الليلة اهز هذه المقبرة وأمنعهم من أن يجعلوا هذه الأشجار تابوتا وبرقصة الليل اوقظهم من منامهم الخسير).
وفتحت لي باب الغرفة حيث تشم رائحة الأشجار والأعشاب الجافة والأزهار الساقطة ويسمع صوت الطيور الآوية الى الصخور. وقالت لي بصوت عال: اتعلم سني؟ (سبع وستون سنة لا زائد ولا ناقص، اطمئن لاتعمر يوما آخر. وقالت وهي تضحك (لنجعل من رماد الحرب الذي بينا بزعمة زهرة جميلة تتفتح). واخذت بيديها رأسي وقالت (خلط ذكريات جدك بذكرياتنا ولا تنسانا ووصلت الى اعلى الجبل والكلب نبح مرتين أو ثلاث للنيران التي صارت في بيتنا وصيحة جدتي في عقر القرية تهز تلك الليلة ومع صيحتها اشتعلت اثنتان او ثلاث من دور القرية وكانت صيحة جدتي عالية تسمع في كل القرية وتقول لهم (كونوا انسانا مرة اخرى واتركوا هذه المقبرة وارجعوا الى اطفالكم الحياة). وكان صوت الرصاصات يسمع في وسط القرية (الوان هذه المنطقة جميلة ولاتتغير بعقلكم).
وكنت اشم رائحة حرق جسد هذه الشيخة وصوتها فقد مع الرصاصات وعزفت بكمانجتي عزفا لوداع جدتي.
وكان موقع بيتنا على سفح هضبة في اعلى القرية حيث اطراف القرية امام مرآنا، حركة الرجال. . .النساء. . .الأطفال حركة عجيبة، لاتليق الا بهم ولكن بيتنا كان هناك ، حياة غير حياتهم في غرفة جدتي ترى كل شيئ رؤية العين وتشعر بالطمأنينة في نفسك. كتب مختلفة، كمانجة، لوحة كبيرة، ألبسه عد من المقتولين. كان الناس يسمون هذه الغرفة (غرفة العفريتة الكبيرة) كانت جدتي تقول (في هذه الغرفة نام كثير من الشجعان ومات فيها كثير من اصحابي المقاتلين، هذه الكتب هدية هؤلاء الذين ماتوا في ظل صخرة بعد صمت اسلحتهم، لكن الآن كل ما حولنا نعفن. ليس للأطفال ليس لهم ينظروا الى الطيور ليس لهم أن يغنوا، كل شيئ اصبح صامتا صار جدارا منهدما.
"أسمعني جيدا كن انت دكتاتورا صغيرا واعرض عن كل ما يقولون مهما حاولنا لانستطيع ان نهجر آثارنا، ارواحنا اختلطت مع تراب هذه القرية" كان علي ان اسهر مع جدتي وأحلامها وكلماتها الحلوة في ذلك الحين كانت قبل ان تميل الستار عن الشباك وتقول هذه الليلة اشم رائحة الموت) وقلت لها همسا "ان هؤلاء الناس يريدون الا يقبرونا في مقبرتهم" ولاتزال تنظر الى الخارج وقالت "لاأعتقد اني ارضي بمقبرتهم".
انا وجدتي نشبه بحفارين غريبين لا أهل لهما والناس وجوههم . . رأسهم . . كلامهم . . لباسهم تغيرت ولايشبهون اناسا آخرين، كما اتذكر لم يكن هناك مجنون في هذه القرية ولكن الآن ترى أثنين قد جنا احدهما وهو شاب والآخر شيخ، صار لهذا الشيخ عامان ولم يحلق شعره ولحيته اصبح منظره مخيفا حتى ان اهله يخاف منه والشاب في اكثر الأوقات ينام في تابوت المسجد وبين حين وآخر كان يقول لخادم المسجد" لاتبع هذا التابوت حرام . . حرام . . انه اصبح ملكي. .
اشعر ان الناس كلهم يجنون. ولايحيون المناظر الجميلة ويعلمون اطفالهم ان يكرهوا الطيور والأشجار والمروج الخضر، جدتي تكره اهلها وأقرباءها، كل يوم كانت في شجار معهم ولا أحد منهم يدخل بيت جدتي وكانت تسمى اقرباءها (الحمامات النجسة) وكانت تستهزيء بسلوكهم، وفي اكثر الأحيان كانت تغضبهم وكانوا ينادونها بصوت عال: (أصمتي ايتها العفريتة وادخلي جهنمك) وكانت في الليل وهي تغني وتمشط ضفائرها البيضاوات وهذه الضفائر كانت جميلة على اكتافها ولاتليق الا بها وجعلت خمارها على رأسها وعنقها وقالت لي (فالحمامات لاتطير الآن) من غيرها ما أقول شيئا هي قالت (هذه المنطقة بأرضها وسمائها واهلها تغيرت، هؤلاء اتبعوا احلامهم البعيدة بالنسبة لنا هذا المكان مقبرة وبالنسبة لهذه الحمامات بستان تفاح خالدون فيه ابدا).
كنت اشعر بالسعادة وجهها المسن وقالت وهي تلاعب خمارها "الدنيا بالنسبة لهم فارطون فارغ وانت ماذا تتوقع من هذه الأفكار".
اردت ان انام ولكن اغاني جدتي لم تدعني وكنت أنظر من طرفة الشباك الى القرية كنت أشعر انني مجنون وانام في هذه المقبرة.
كنت لاتسمع صوتاً، الضحك والأبتسامة جمعناهما هنا وجعلا في بقجة قديمة ولكي تطيب روح جدي كانت جدتي تغني لها دائما الأغاني الحلوة وأحيانا كنت اضحك بين جدتي واهل القرية.
وقليلا ما كنت انسانا بالتسمي وكانت ذكريات جدي ضيفا مقيما في الغرفة وصورته توهب جدتي الصبر والطمأنينة .
كان قميص وبنطلون جدي ذو السبلة الطوال جميلا عليه وكان شعر رأسه يستر اذنيه وكثيرا ما كان يقول لأهل القرية ((الحياة حلوة بهذا الشكل غناؤنا وبكاؤنا معا).
وكان يقول لجدتي (كل يوم آتي على مرقد عشقك واقبل أنا ملك المحجرة. ادعو لك بطول العمر واذا مت اريد في قلبك قبرا صامتا. وكانت جدتي تقول له (لقد خلقنا عشقا مخيفا وكان لنا قبلتان مختلفتان وارواحنا لاتحس بالطمأنينة والسلام تحت المديات).
كانت أنامل جدتي اكثرها من غير ظفر كان اهلها ضربوها بالأحجار وعذبوها لكي يندموها عن محبة جدي وعشقه، وكان كازينو جدي مكان مسافريه رجال وشباب القرى وكان يؤوي كثيرا من عابري السبيل في الليل. وكان كل من يأتي اليه ينادي ويقول لجدي (ايها الياقوت . . نريد قبرا في المقبرة التي يقبرونك فيها).
وكان العابرون طعامهم معهم وفي الليل وبين الأشجار كانوا يغنون للحياة وكان قد صنع هيكلا على ضفة السيل. وكانوا يسمونها هيكل الأقامة. كانت ليلة الجمعة جدتي كتبت بعض الكلمات في دفتر ذكرياتها وبعدها وهي تبتسم أخذت كمانجتها وقالت (هذه الليلة، الرجال العاقرون ينظفون اسلحتهم لغنيمة اخرى، وكانت تعزف على الكمانجة وعيناها تميلان عن الشباك وقالت (البارحة مع رقص الرصاصات الحمر هزموا آخر ذكريات جدك).
وكانت نفس جدتي تتعذب لهدم الهيكل وقبل عام وفي عتمة الليل اخرقوا الكازينو وكنت اعرف ان جدتي تريد ان توهب للغرفة الطمأنينة وقلت لها همسا(رأس جدي كان مثقوبا بالرصاصات ونصف جسده محروقا. منذ تلك الليلة هؤلاء جعلوا تأريخ القرية محمرا بالدم. والعابرون تأسفوا على ذلك وكانوا لايمرون بهذا الطريق. وقالت جدتي وهي تعزف على الكمانجة (لو سكتنا امام هؤلاء لصرنا مثلهم ولكي لاتفتقد هؤلاء الموتى علينا ان نستمر على اغانينا وابتساماتنا) وانا قلت لها ان لم يقبر هؤلاء، سيقبرون تاريخنا هؤلاء العاقرون يحبون الهدم والهلاك. . علينا ان نعلمهم ان هذه القرية ليست مقبرة وانهم لايستطيعون ان يستهزئوا بالخلود).
وهي مستمرة على عزف الكمانجة ودموعها تسيل وكانت تذكر شبابها وذكرياتها مع جدي واحوال القرية كما كانت. و وضعت الكمانجة وقالت (هؤلاء كدمى مشققة مع رميهم ترجع الطيور والسعادة والناس الصلحاء الى هذه المنطقة).
مع سكوتنا . . اذا جعلت جدتي الكتاب والكمانجة ودفتر الذكريات هي وجدي في الكيس وعلى رأسها سحبت صندوقها وجعلته أمامها واخرجت منه قميصا وسروالاً ملوناً. وأخذت معها عقدها وخاتمها وخمارها.
كنت لا أفهم سر ليلتها تلك. وعندما دخلت علي كانت تبتسم وتنزل الألوان من قامتها. ووقفت في وسط الغرفة وقالت لي (منذ هذه الليلة انتهى زمن العقرة واعرض عن عفن هذه المقبرة وتحت الفؤوس اغني لولادة جديدة، هذه الليلة انظف هذا البيت من الديدان، هؤلاء خسروا معنى الكلمات المقدسة).
ومع ذهابها وايابها في الغرفة قالت لي (هذه هي الكتب علمتك كثيرا كلماتها وهذه كمانجتي علمتك عزفها واعرف انك تستطيع ان تبقى بين نزاع اقران الثيران تعلم كيف تبقى واعرف انك تستطيع ان تلبس هؤلاء لباس الأنسانية مرة اخرى).
واقتربت من اللوحة الكبيرة وهي تديرني وقالت لي بصوت عال:
(أنا حداية مسنة رأيت اعشاشا جميلة وطيورا مغردة هذه الليلة اطير الى صقر جناخاه محمران بالدم. وإطمئن هناك لا استطيع ان اطمئن عند هؤلاء الغرباء).
وعرفت منذ هذه الليلة ان جدتي ماذا قررت وتبقى في طبف مخنوق ـ ووقعت ولم تقم وكانت تضحك بصوت عال ورأيتها تشد خمارة رأسها في جهة وجسدها في جهة و أقتربت مني وعانقتني وقالت لي (هذه الليلة اهجر هذه البيوت المهدومة وتعلم كيف ترجع وفي أي حال الى هذه القرية).
وقبلتني من خذي وقالت (هذه الليلة اهز هذه المقبرة وأمنعهم من أن يجعلوا هذه الأشجار تابوتا وبرقصة الليل اوقظهم من منامهم الخسير).
وفتحت لي باب الغرفة حيث تشم رائحة الأشجار والأعشاب الجافة والأزهار الساقطة ويسمع صوت الطيور الآوية الى الصخور. وقالت لي بصوت عال: اتعلم سني؟ (سبع وستون سنة لا زائد ولا ناقص، اطمئن لاتعمر يوما آخر. وقالت وهي تضحك (لنجعل من رماد الحرب الذي بينا بزعمة زهرة جميلة تتفتح). واخذت بيديها رأسي وقالت (خلط ذكريات جدك بذكرياتنا ولا تنسانا ووصلت الى اعلى الجبل والكلب نبح مرتين أو ثلاث للنيران التي صارت في بيتنا وصيحة جدتي في عقر القرية تهز تلك الليلة ومع صيحتها اشتعلت اثنتان او ثلاث من دور القرية وكانت صيحة جدتي عالية تسمع في كل القرية وتقول لهم (كونوا انسانا مرة اخرى واتركوا هذه المقبرة وارجعوا الى اطفالكم الحياة). وكان صوت الرصاصات يسمع في وسط القرية (الوان هذه المنطقة جميلة ولاتتغير بعقلكم).
وكنت اشم رائحة حرق جسد هذه الشيخة وصوتها فقد مع الرصاصات وعزفت بكمانجتي عزفا لوداع جدتي.
عن صحيفة ( هةريَمى كوردستان) العدد (219)
Comments
Post a Comment