Skip to main content

محمد علي العوض -------مظاهر "ديمقراطية" الحوار الإلهي

مظاهر "ديمقراطية" الحوار الإلهي
الأربعاء 31 يناير 2018 06:43 م بتوقيت مسقط
مظاهر "ديمقراطية" الحوار الإلهي
يستمد مصطلح الحوار أقدميّته من وجود الإنسان ككائن اجتماعي متصل مع غيره من المخلوقات سواء بالكلام أو الإشارة والرمز. وبوصفه نمطا وتقنية سردية يسهم مع غيره من الأنماط في بناء التشكيل السردي للرواية، فهو يقلل من رتابة السرد ويعمل على تنويع المواقف، ونمو العمل الروائي أو القصصي باستمرار، ومن خلاله يتم التعرف على الحدث والعُقدة والشخصية والزمان والمكان.
توسّل القرآن الكريم طريقة الحوار لعرض كثير من القصص؛ لتبسيط الفكرة وتسليط الضوء على الحجج والأفكار التي يسوقها المتحاورون، فهو أكثر فاعلية من أسلوب العرض التقريري الذي يسوق القصة بأسلوب السرد الحكائي؛ لذا لا غرابة أن نجد الأسلوب الحواري في القرآن الكريم أكثر حضورًا في بنية القص الكريم وطاغيا على غيره من أساليب التشكيل السردي الأخرى؛ ومن ذلك حوارا المولى عزّ وجل مع الملائكة ثم إبليس اللعين: (إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِّن طِينٍ (71) فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ (72) فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعون (73) إِلَّا إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ (74) قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْعَالِينَ (75) قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ (76) قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ (77) وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَى يَوْمِ الدِّينِ (78) قَالَ رَبِّ فَأَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (79) قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنظَرِينَ (80) إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ (81) قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (82) إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (83) قَالَ فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ (84) لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنكَ وَمِمَّن تَبِعَكَ مِنْهُم أجْمَعِينَ)..
في الحوار الأول- السريع الخاطف- مع الملائكة تقابلنا مشاهد استباق سردي لم تؤثر على زمن الحكي أو تشوّه بنيته، تجاوز فيها حاضر حكاية نيّة الخلق (إنّي خالق) والأمر الإلهي (فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ) إلى الخلق نفسه وبدون ذكر كيفيته، بل أشار إليها النص المقدس تحت دلالة جملة (فسجد الملائكة) ويلاحظ في هذه السابقة الزمنية عدم الإسهاب في شرح كيفية الخلق؛ فقط مجرد كلمات مقتضبة. كما يمكن اعتبار جملة (فسجد الملائكة) كوحدة سردية وردت بعد الحوار استرجاعًا سرديًا، تمت الإشارة إليه بدلالة (إنّي خالق) الواردة قبلا في الحوار، فالفعل الماضي "سجد" استرجاع اعتمد على فاعلية ذاكرة الملائكة حين أخبرهم الخالق بأنّه سيخلق بشرًا من طين وأنّه أمرهم أن يقعوا له ساجدين حين ينفخ فيه من روحه الكريمة. وقد مهد حديث الله مع الملائكة" لمشهد الحوار الثاني – الصافي- مع إبليس، وفي هذه الحالة جاز أن نعتبر الحوار الأول مع الملائكة بجملته استباقًا للحوار الثاني مع إبليس.
وتدل أفعال الماضي (سجدَ، منَعَك استكبرْتَ، كُنتَ، خلقتَه) على تجاوز الزمن السردي لتقنية الاستباق إلى حدوث خلق آدم عليه السلام، ويتم كسر زمن القصة لينفتح الحوار على مشهد استرجاعي يستدعي ماضي خلق آدم (لما خلقتُ بيدي) ويتم توظيفه في الحاضر السردي.
لم تشترك الملائكة في حوارها مع الرحمن بالحديث اللفظي كما فعل إبليس، وربما يظن ظان أنّ الحوار كان من طرف واحد أو صامتاً يملأه القارئ بما يناسب الفراغ، ولكن الحقيقة أن الملائكة شاركت في الحوار بآلية اتصال أخرى هي حركة الجسد؛ أي السجود (فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعون) لأنّ الحوار يأتي أحيانًا بلغة غير ملفوظة من خلال الإيماءات والإشارات الجسميّة، واستبدال الحوار اللفظي بفعل امتثال الملائكة دليل على طاعتهم للخالق ومصداقاً لقوله تعالى:(... لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون).
يتوسط الحوارين ما يسميه "جيرار جينيت" بتقنية "الاستراحة" أو ما يُعرف بـ"الجملة القصصية" عند "تزفتان تودوروف" وهي توقف مُعيّن في زمن السرد الروائي يحدثه الراوي بسبب لجوئه للوصف؛ فبعد الحواريّة الأولى مع الملائكة يتوقف الحوار لتتلوه وحدة سردية "دُنيا" خاتمة له (فسجد الملائكة كلهم أجمعون) ثم تبدأ وحدة سردية أخرى (إِلَّا إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ) تمهد للحوار الثاني مع شخصية أخرى هي إبليس.
ويصنف نوع الجملة في الحوارين بالمباشرة وفيها ينجز الفعل الروائي بشكل مباشر، ففيها تحتشد الحوارية بالجمل الإخبارية مثل (إنّي خالق) (أنا خير منه) (إنك من المنظرين) (لأغوينهم أجمعين) (لأملأن جهنم منك وممن تبعك منهم). ونعثر في الآيات الكريمة على أفعال كلاميّة تتمظهر في الحوار بين الطرفين رب العزة وإبليس اللعين؛ وهي أفعال اختص بها السلوك اللغوي مثل: (سَوّيتُه، وَنَفَختُ، خلقتُ، لأملأنّ...إلخ) كما تؤدي أفعال الأمر والوعيد كـ"لأملأن" وياء النداء ما يسميه بوهلر وجاكبسون بالوظيفة الندائية؛ بجانب أنّ أفعال القول السردية أثناء الإخبار عن الشخصيات في لغة الحوار أدت لتماسك وحدات النص السردي، وضبط الحوار، والتمهيد، ومنع كلام الشخصيات من التشتت، وتشكيل لغة الحوار الروائي؛ فالفعل "قال" الذي تكرر مرة واحدة في حوار الخالق مع الملائكة و8 مرات في حواره مع إبليس، يثبت طاعة الملائكة في مقابل رفض إبليس الامتثال للأمر الإلهي بالسجود، ويؤدي الفعل كذلك وظيفة التدليل الوصفي للمتحدث، ونعرف من خلاله أنّ الحوار اعتمد أسلوب الحجاج والأسئلة والأجوبة المباشرة بإعجاز لغوي جميل. وإبراز قضيّة اختلاف الرأي؛ والنقاش بالتي هي أحسن؛ فحينما عارض إبليس المشروع الإلهي لم يلغه الرحمن من الوجود أو يصادر حق اختياره؛ بل سمح له بالعمل على مشروعه، ومنحه وقتًا مستقطعا (.. فأنظرني إلى يوم الوقت المعلوم) وإرجاء العقوبة حتى ذلك الحين؛ الأمر الذي يشي بديمقراطية الحوار الإلهي وعدم تكميم الرأي الآخر.

Comments

Popular posts from this blog

Mona Farouk reveals scenes of "scandalous video"Egyptian actress Mona Farouk appeared on

Mona Farouk reveals scenes of "scandalous video"Egyptian actress Mona Farouk appeared on Monday in a video clip to discuss the details of the case she is currently facing. She recorded the first video and audio statements about the scandalous video that she brings together with Khaled Youssef.Farouk detonated several surprises, on the sidelines of her summons to the Egyptian prosecution, that Khalid Youssef was a friend of her father years ago, when she was a young age, and then collected a love relationship with him when she grew up, and married him in secret with the knowledge of her parents and her father and brother because his social status was not allowed to declare marriage .Muna Farouk revealed that the video was filmed in a drunken state. She and her colleague Shima al-Hajj said that on the same day the video was filmed, she was at odds with Shima, and Khaled Yusuf repaired them and then drank alcohol.She confirmed that Youssef was the one who filmed the clips whil...

الحلقة 20 هنادي المطلقة والمحلل (ماذا قال كتاب العرب في هنادي)-----------Khalid Babiker

• الجنس شعور فوضوي يتحكم في الذات والعقل . وله قوة ذاتية لا تتصالح إلا مع نفسها . هكذا قال أنصار المحلل الحلقة 20 هنادي المطلقة والمحلل (ماذا قال كتاب العرب في هنادي) أول طريق عبره الإنسان هو طريق الذكر . بعدها شهق وصرخ . تمرغ في الزيت المقدس . وجرب نشوة الأرغوس . عاجلا أم آجلا سيبحث عن هذا الطريق ( كالأسماك تعود إلى أرض ميلادها لتبيض وتموت ) . وسيعبره . سيعبره بحثا عن الديمومة . وسيشهق وسيضحك . لقد جاء إليه غريبا . سيظل بين جدرانه الدافئة غريبا . وحالما يدفع تلك الكائنات الحية الصغيرة المضطربة في الهاوية الملعونة سيخرج فقيرا مدحورا يشعر بخيانة ما ( ..... ) . لن ينسى الإنسان أبدا طريق الذكر الذي عبره في البدء . سيتذكره ليس بالذاكرة وإنما بالذكر . سيعود إليه بعد البلوغ أكثر شوقا وتولعا . ولن يدخل فيه بجميع بدنه كما فعل في تلك السنوات التي مضت وإنما سيدخل برأسه . بعد ذلك سيندفع غير مبال بالخطر والفضيحة والقانون والدين . الله هناك خلف الأشياء الصغيرة . خلف كل شهقة . كل صرخة مندفعا في الظلام كالثور في قاعة المسلخ . الله لا يوجد في الأشياء الكبيرة . في الشرانق . في المح . ينشق فمه . تن...

Trusting Liar (#5) Leave a reply

Trusting Liar (#5) Leave a reply Gertruida is the first to recover.  “Klasie… ?” “Ag drop the pretence, Gertruida. You all call me ‘Liar’ behind my back, so why stop now? Might as well be on the same page, yes?” Liar’s face is flushed with anger; the muscles in his thin neck prominently bulging. “That diamond belongs to me. Hand it over.” “What are you doing? Put away the gun…” “No! This…,” Liar sweeps his one hand towards the horizon, “…is my place.  Mine!   I earned it! And you…you have no right to be here!” “Listen, Liar, we’re not the enemy. Whoever is looking for you with the aeroplane and the chopper….well, it isn’t us. In fact, we were worried about you and that’s why we followed you. We’re here to help, man!” Vetfaan’s voice is pleading as he takes a step closer to the distraught man. “Now, put down the gun and let’s chat about all this.” Liar hesitates, taken aback after clearly being convinced that the group  had hostile intentions. “I…I’m ...