
كم كنت أنبهر و أندهش بالروايات المكتوبة تحت سماء باريس ولندن وفيينا و ... أشعر أنها مدن خقلت ليكتب فيها وعنها ... بتاريخها وحضاراتها ... بفنها المجنون وأدبها الأخاذ ... علمائها الثائرين ... وعارضاتها الباهرات الأناقة ...لكن أجهضت أحلامي ولم يكتب أن أؤلف رواياتي أين أردت أن أفعل... لم يكتب لي ذلك ... بل كتب لي أن أبثكم إياها من تحت سماء بردها قاتل وحرها قاهر ... مدينة مصنوعة ... حتى طبيعتها مصنّعة ... بشرها مصنّعون بالتلقيح الصناعي ... القلوب البلاستيكية ... والكلى المنقولة والشعر المزروع ... النهود المنفوخة الأرداف المعقوفة والبطون المشفوطة ... مواطنوها مستوردون من الشرق والغرب ... كسلطة فواكه مزج فيها الموز و التمر ... البرتقال و الكيوي ... المنجا و البابايا... الأفوكادو والكاجو ... ومالا تعلمون ... مطاعمها ...كيبكي على فرنسي على لبناني... تركي مغربي جزائري افغاني باكستاني ... هنا كسكس وهناك البوتين ... هنا السوشي وهناك البايلا ... هنا الشيش طاووق وهناك لي تينبتس ... ورائحة ليسبريسو الإيطالي ممزوجة برائحة الخبز و الماكورو الفرنسي و البوتينك الإنجليزي الرفيع ... التوابل الإيرانية و والأعشاب الهندية والصينية ... كل ما تريد و ما لاتريد ... محلات الجلابيب و المصاحف المرصوصة ... تزامل بوتيكات البيكيني والميني جيب و مجلات البورنو ... و المسجد يقابله البار ... بانوراما من الألوان والأشكال ... ولوحة فنية رائعة للتنوع الحضاري والإنساني بكل أعراقه و معتقداته ... هنا الحرية ... هنا تدرك أنك لست مركز العالم وأن إلهك لايقدسه سواك ... هنا تكتشف أن الآخر لا يعاديك ... لأنه أصلا لا يأبه بمعتقدك ... أو حتى لا يعرفه ولم يسمع عنه ولاحتى عن بلدك ... تقول له جزائري يقول أين يقع هذا البلد وما لغته ؟ ؟هنا مجبر أنت لا بطل على احترام البوذي واليهودي وعابد الفأر و عابد الشيطان و المثلي الحاضن لشريكه ... هنا الجميع أخرس و أبكم لا بطولات لا فحولات لا رجم ...لا تغيير للمنكر لا باليد ولا باللسان ... هنا تتضح شخصية المتقبّل للآخر بثقله الحضاري ومتاعه العقائدي ... وذاك الانتهازي الجبان ... الذي جاء هربا من الجوع والعراء أو الذبح بوطنه ليعيش في حضن من يصمه بالملعون و الكافر ... و لولا جبنه لا أعدم كل من خالفه الفكرولم يبجّل معتقده ... وهدم معبده وسبى زوجته وبناته ... حسيبة طاهر