Skip to main content

عناصر منشودة لنهضة عربية جديدة · - صبحي غندور

د. صبحي غندور

عناصر منشودة لنهضة عربية جديدة

·         صبحي غندور
Article in Arabic was published in AlBayan Newspaper Thursday, July 19, 2018

هي حقبةٌ زمنية مظلمة تعيشها المنطقة العربية، ولا تبدو في الأفق القريب ملامح فجرٍ جديد يُبشّر بنهاية هذا الليل الطويل المهيمن على عموم الأمّة العربية.
فالواقع العربي الراهن يعاني من حال التمزّق على المستويات كلّها، بما فيها حال الأوضاع المتأزّمة عسكرياً وسياسياً في سوريا واليمن وليبيا، إضافةً إلى الجرح المفتوح لعقود في الأراضي الفلسطينية المحتلّة. كذلك كان الانقسام جارياً، وما يزال، حول القضايا التي لا يجوز أصلاً الفصل بينها. فشعار الديمقراطيّة أصبح نقيضاً لشعار التحرّر الوطني، أو بالعكس! والولاء الوطني تحوّل إلى تنكّرٍ للعروبة وللعمل العربي المشترك! والاختلافات الدينية أصبحت خطراً على الوحدة الوطنية!.
هناك قطاعٌ كبير من العرب لا يجد أهمّية الآن للأمور الفكرية أو للمؤسّسات المهتمّة بالفكر والثقافة، وهذه الفئة من العرب تجد أنّ الأولويّة الآن هي للأمور الحركيّة والعملية حيث لا يجوز إضاعة الوقت والجهد في قضايا "التفكير والتنظير"، بينما نجد في المقابل أنّ العديد من المفكّرين العرب يكتفون بعرض ما لديهم من فكر ولا يساهمون في بناء المؤسّسات التي تقدر على تحويل الأفكار إلى برامج عمل تنفيذية.
إذن، هي معضلةٌ في الحالتين: فالفكر هو الذي يحدّد الأهداف المرجوّة من أي عمل، وهو الذي يوفّر وضوح الرؤية خلال مسيرة تنفيذ برامج العمل. لكن لا قيمة للفكر إذا لم يعالج عمليّاً مشاكل قائمة وإذا ما بقي أسير الكتب وعقول المفكّرين. فالقيمة الحقيقيّة لأي فكرة تتحصّل من مقدار تعاملها مع الواقع ومشاكله والقدرة على تغييره نحو الأفضل. ولا توجد مشكلة عربياً في الإمكانات والثروات، ولا في العقول والخبرات وحجم الطاقة البشرية، بل هي مشكلة عدم التوظيف الصحيح لما تملكه الأمّة من خيراتٍ مادية وبشرية.
أيضاً، المشكلة الآن في داخل الأوطان وعلى الصعيد العربي العام هي في غياب الرؤية المشتركة التي منها تنبثق برامج العمل المناسبة للخروج من النفق المظلم الراهن والبناء السليم للمرحلة القادمة، ولكيفية التعامل مع المتغيّرات الحاصلة دولياً وإقليمياً.
ولأنّ الحركة السليمة هي التي تنبع من فكرٍ سليم... ولأنّ الفكر السليم هو الذي يستلهم نفسه من الواقع ليكون حلّاً لمشاكله، فإنّ المرحلة القادمة تستوجب من المفكّرين العرب العمل لبناء نهضة عربية تكون بديلاً لطروحات التطرّف الديني والسياسي، ومدخلاً لمستقبلٍ عربيٍّ أفضل.
لكنّ الوصول للنهضة يتطلّب التشجيع على الحياة الديمقراطيّة السليمة في كل البلاد العربيّة. كما تتطلّب الديمقراطية التمييز بين أهمّية دور الدين في المجتمع وفي الحياة العامّة، وبين عدم الزجّ به في اختيار الحكومات وأعمال الدولة ومؤسّساتها.
النهضة العربية المنشودة تعني القناعة بوجود هويّة عربية حضارية مشتركة بين البلاد العربية، وبأنّ تحقيق النهضة يستوجب الضغط على كل المستويات الرسمية والمدنية العربية من أجل تحقيق التكامل العربي والسير في خطوات الاتّحاد التدريجي بين الدول العربية.
النهضة العربية تعني انتقالاً من حال التخلّف والفساد والفقر والأمّية إلى بناء مجتمع العدل وتكافؤ الفرص والتقدّم العلمي. مجتمع تشارك فيه المرأة العربيّة بشكلٍ فعّال في مختلف أوجه الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية.
الحال نفسه ينطبق على ما تعيشه الأمَّة العربية الآن من ظواهر انقسامية مرَضيّة بأسماء طائفية أو مذهبية أو إثنية، حيث ينظر البعض إليها من أطر جغرافية ضيّقة وبمعزل عن الفهم الخاطئ أصلاً للدين أو للهويّة القومية اللذين يقوم كلاهما على التعدّدية ورفض التعصّب أو الانغلاق الفئوي.
أيضاً، فإنّ الدعوة للنهضة العربية، والعمل من أجل الوصول إليها، يفرضان نبذ الإرهاب والالتزام برفض أسلوب العنف في العمل السياسي داخل المجتمعات العربية، وباختيار نهج الدعوة السلمية والوسائل الديمقراطية لتحقيقها.
طبعاً، النهضة العربية لن تقوم على "الفكر الديمقراطي" بمعزل عن حرّية الأوطان وهويتها العربية، أو عن وحدة المجتمعات وقضية العدالة الاجتماعية، فذلك يعيد الفكر العربي إلى "الأحادية" التي ميّزت في القرن الماضي الطروحات الفكرية العربية.
فالفكر الليبرالي العربي المتأثّر بالغرب كان في مطلع القرن العشرين يطرح نفسه نقيضاً للدين وللهويّة القومية، في مقابل تيّارات دينية أو قومية آحادية التفكير أيضاً.
ثمّ جاءت نهاية القرن العشرين لتسود فيها طروحات الفكر الإسلامي التي تصادمت في معظمها مع الهويّة القومية ومع المسألة الديمقراطية، كما إنّ بعض الحركات الإسلامية استباح استخدام العنف المسلّح ضدّ أبناء الوطن الواحد لمجرّد الاختلاف معهم أو بحجّة العمل لتغيير المجتمع!
فلا الفكر القومي العربي استقام في القرن العشرين على ركائز سليمة، ولا طروحات الفكر الإسلامي كانت ناضجة وواضحة المفاهيم أو مكتملة العناصر، ولا الطروحات الديمقراطية وحدها الآن تغني من جوع أو تحرّر أرضاً أو تحفظ وحدة شعب. العرب هم بحاجة إلى فكرٍ معتدل ينهض بهم، وإلى تكاملٍ بين أوطانهم يُحسّن استخدام ثرواتهم، ويُحصّن مجتمعاتهم المعرّضة لكلّ الأخطار.
إنّ شعوب الأوطان العربية عانت وتعاني الكثير من جرّاء خلافات على ما حدث في التاريخين العربي والإسلامي من صراعاتٍ داخلية ومن أدوار أجنبية مختلفة، وهي مسائل جرت في الماضي ولا يمكن الآن تغييرها أو إعادة تصحيح أخطائها، بينما تقدر هذه الشعوب والطلائع المثقّفة فيها على تصحيح واقعها الراهن وحاضرها الممزّق فكرياً وعملياً، سياسياً وجغرافياً. فشرط نهضة العرب الآن هو تجاوز ما حدث في التاريخ، وتصحيح ما هو واقعٌ من انقسام وتمزّق في الجغرافيا العربية.
ما تشهده الأمّة العربية ليس هو "مؤامرات خارجية" أو "مخطّطات صهيونية وأجنبية" فقط، رغم خطورة هذه المخطّطات وتأثيراتها السلبية، إذ أنّ موقع العطب الأساس هو في "الداخل" العربي الذي أباح ويبيح استباحة "الخارج" الدولي والإقليمي لكلِّ شؤون العرب وأرضهم وأوطانهم.
هذا الواقع العربي المرير هو مسؤولية مشتركة بين الحاكمين والمعارضين معاً، حيث من المهمّ أن تدرك المعارضات العربية أنّ الإصلاح المنشود هو مطلوبٌ لها أيضاً، وبأن يبدأ فيها أولاً ، فالأعطاب والعلل، هي في كلّ المجتمع، لذلك فإنّ الإصلاح المنشود هو للمجتمع كلّه.
ولا يختلف اثنان في البلاد العربية على أهمّية الإصلاح السياسي والاجتماعي، لكن الخلاف هو على الوسائل والكيفيات. فالإصلاح الشامل المطلوب يحتاج إلى عملية تراكمية وتكاملية على مدى زمني طويل، لا إلى عمليات انقلابية عسكرية كانت في القرن الماضي تحصل من خلال الجيوش وهي تحدث في هذا القرن الجديد من خلال ميليشيات مسلّحة. فالوسيلة الناجعة هي بالدعوة السلمية والإقناع الحر وليس باستخدام العنف المسلّح الذي يشرذم الأوطان ويصل بها إلى الحروب الأهلية، ويُشرّع أراضيها لكل أنواع التدخّل الأجنبي.
الأمّة العربية تحتاج الآن إلى مؤسّسات مدنية ومرجعيات شعبية تسعى إلى تغيير الواقع على أسسٍ سليمة، وبأن يتمّ ذلك في إطار منظومة فكرية، تقوم على التلازم بين حسم الانتماء لوحدة الهويّة العربية وبين ضرورة التعدّدية الفكرية والسياسية في المجتمعات العربية. أي على قاعدة فكرية معاكسة لواقع الحال القائم الآن حيث تتصارع الهويّات ضمن الدائرة العربية بينما تنعدم الأطر السليمة لتعدّد الاتجاهات الفكرية والسياسية. الأمّة العربية تحتاج إلى مؤسّسات وحركات شعبية ترفض الواقع، لكن ترفض أيضاً تغييره بواسطة العنف والإكراه.

تموز/يوليو 2018
*مدير "مركز الحوار العربي" في واشنطن.

Comments

Popular posts from this blog

Mona Farouk reveals scenes of "scandalous video"Egyptian actress Mona Farouk appeared on

Mona Farouk reveals scenes of "scandalous video"Egyptian actress Mona Farouk appeared on Monday in a video clip to discuss the details of the case she is currently facing. She recorded the first video and audio statements about the scandalous video that she brings together with Khaled Youssef.Farouk detonated several surprises, on the sidelines of her summons to the Egyptian prosecution, that Khalid Youssef was a friend of her father years ago, when she was a young age, and then collected a love relationship with him when she grew up, and married him in secret with the knowledge of her parents and her father and brother because his social status was not allowed to declare marriage .Muna Farouk revealed that the video was filmed in a drunken state. She and her colleague Shima al-Hajj said that on the same day the video was filmed, she was at odds with Shima, and Khaled Yusuf repaired them and then drank alcohol.She confirmed that Youssef was the one who filmed the clips whil

الحلقة 20 هنادي المطلقة والمحلل (ماذا قال كتاب العرب في هنادي)-----------Khalid Babiker

• الجنس شعور فوضوي يتحكم في الذات والعقل . وله قوة ذاتية لا تتصالح إلا مع نفسها . هكذا قال أنصار المحلل الحلقة 20 هنادي المطلقة والمحلل (ماذا قال كتاب العرب في هنادي) أول طريق عبره الإنسان هو طريق الذكر . بعدها شهق وصرخ . تمرغ في الزيت المقدس . وجرب نشوة الأرغوس . عاجلا أم آجلا سيبحث عن هذا الطريق ( كالأسماك تعود إلى أرض ميلادها لتبيض وتموت ) . وسيعبره . سيعبره بحثا عن الديمومة . وسيشهق وسيضحك . لقد جاء إليه غريبا . سيظل بين جدرانه الدافئة غريبا . وحالما يدفع تلك الكائنات الحية الصغيرة المضطربة في الهاوية الملعونة سيخرج فقيرا مدحورا يشعر بخيانة ما ( ..... ) . لن ينسى الإنسان أبدا طريق الذكر الذي عبره في البدء . سيتذكره ليس بالذاكرة وإنما بالذكر . سيعود إليه بعد البلوغ أكثر شوقا وتولعا . ولن يدخل فيه بجميع بدنه كما فعل في تلك السنوات التي مضت وإنما سيدخل برأسه . بعد ذلك سيندفع غير مبال بالخطر والفضيحة والقانون والدين . الله هناك خلف الأشياء الصغيرة . خلف كل شهقة . كل صرخة مندفعا في الظلام كالثور في قاعة المسلخ . الله لا يوجد في الأشياء الكبيرة . في الشرانق . في المح . ينشق فمه . تن

Trusting Liar (#5) Leave a reply

Trusting Liar (#5) Leave a reply Gertruida is the first to recover.  “Klasie… ?” “Ag drop the pretence, Gertruida. You all call me ‘Liar’ behind my back, so why stop now? Might as well be on the same page, yes?” Liar’s face is flushed with anger; the muscles in his thin neck prominently bulging. “That diamond belongs to me. Hand it over.” “What are you doing? Put away the gun…” “No! This…,” Liar sweeps his one hand towards the horizon, “…is my place.  Mine!   I earned it! And you…you have no right to be here!” “Listen, Liar, we’re not the enemy. Whoever is looking for you with the aeroplane and the chopper….well, it isn’t us. In fact, we were worried about you and that’s why we followed you. We’re here to help, man!” Vetfaan’s voice is pleading as he takes a step closer to the distraught man. “Now, put down the gun and let’s chat about all this.” Liar hesitates, taken aback after clearly being convinced that the group  had hostile intentions. “I…I’m not sure I believe