كثرت في الآونة الأخيرة دعوات التجديد والإصلاح الفكري وتنقية التراث الإسلامي، وهي دعوات تدعو إلى التفكير خارج الصندوق وإعادة قراءة السنة في ضوء القرآن الكريم ومراجعة الأفكار الموروثة مثل: عدالة الصحابة وحجية السُّنة والتشكيك فيما كنا نعتقد أنه ثوابت الدين، وإن كل ما تعلمناه وما نسمعه من المشايخ والعلماء هو غير صحيح مثل نزول عيسى وعذاب القبر والمسيح الدجال ويأجوج ومأجوج ودخول أهل الكتاب النار وغيرها.
لن أقف من هذه الأفكار موقف المعارض لها والصاد لها، فهذا من باب مصادرة الرأي وحرية التفكير، وكذلك لن أقف موقف الموافق لها موافقة كلية، فلقد وهب الله لهذا الإنسان العقل وميزه عن غيره من المخلوقات، وقد أمر الله بالتدبر والتفكر في مخلوقات الله وفي الكون الفسيح وآياته الكونية.
وظهرت أسماء في هذا التيار التجديدي التشكيكي – إن صح التعبير – أمثال: د. عدنان إبراهيم، وكمال حيدري، ود. حسن فرحان المالكي، وم. عدنان الرفاعي ود. إسلام البحيري وغيرهم، وقد جاؤوا بانقلاب في الفكر وطرق الاستنباط وإعادة قراءة كتب التراث، وفي نفس الوقت بجرأة في الآراء على غير ما عهدناه من علمائنا الكبار.
نقول: لا مانع من إعادة قراءة ودراسة طرق الاستنباط والاستدلال وفهم النص القرآني والنص النبوي ومعرفة مراد الله تعالى من خلال ربط الآيات ورد العام إلى الخاص والمطلق إلى المقيد، لكن المشكلة هو أنهم يستعملون هذه الأدوات بوصفها منهجًا تشكيكيًا في السنة النبوية وحجيتها، ويقتصر استدلالهم على آيات كتاب الله تعالى، ويثبتون تعارض السنة النبوية مع القرآن الكريم، زاعمين أن هذا يعطيهم الإذن في رد الأحاديث النبوية والسنة المطهرة، محتجين بأنه لا بد أن تفكروا خارج الصندوق، وطالما أنكم بقيتم داخل الدائرة فلن تأتوا بجديد، فعندهم السنة والشيعة والمعتزلة والخوارج هم من أمة محمد – عليه الصلاة والسلام -، وبالتالي فآراؤهم وكتبهم يمكن أن يؤخذ بها.
ولذلك فلا فرق عندي بين عدنان إبراهيم وكمال حيدري وحسن فرحان المالكي؛ لأنني وجدت رابطًا بين هؤلاء الثلاثة، حيث خلاصة ما يتكلمون به ويدورون حوله في خطبهم ومحاضراتهم الآتي: إن بني أمية قد اغتصبوا الإسلام الحقيقي، وإن الفقهاء الأربعة يمارسون سلطانًا على الناس لا يجوز الخروج على آرائهم الفقهية وتأويلات النصوص التي وردت على لسانهم، وإن المسلمين مخدوعون لأنهم لا يريدون أن يفكروا خارج الصندوق، ولابد لهم أن يشكوا في كل شيء، وإننا نقود الآن مرحلة تصحيح الفكر الإسلامي، وإن البخاري ومسلم مليئان بالكوارث والخرافات والإسرائيليات ولا عصمة لأحد بعد القرآن، ولا يمكن القبول بخبر الآحاد، وإن عدالة الصحابة لا تثبت، وأن المسيح الدجال والمهدي ويأجوج ومأجوج خرافات، ولابد من قراءة جديدة للقرآن الكريم، وهناك مسكوت عنه في الإسلام، وعليك أن تعرض الأحاديث على القرآن الكريم فمن وافقها قبلناه ومن عارضها رميناه دون خجل، وليسوا هم أول من قالوا بذلك، بل سبقهم علماء في السابق، ولذلك عليك أن تتجرأ في نقد السنة النبوية والصحابة… إلخ، بذلك تكون قد تحررت عقليًا وعاد إليك الإسلام المختطف.
والذي يطالع تسجيلات القوم يجد أنهم يتفقون في تلك الأفكار، شبهات كثيرة طرحها أصحاب هذا التيار؛ وقد بلغ بهم الأمر مبلغًا عظيمًا في التجرؤ على الصحابة وأمهات المؤمنين والسنة النبوية والعلماء وثوابت الدين، وقد جاؤوا بآراء فظة لا يقبلها عقل مسلم سليم العقيدة.
إن القوم يريدون أن يشككوا الناس في عقائدهم ودينهم، متخفين وراء هذا المنهج الذي يُظهر الحسن، بحجة التنوير ومسح الغبار عن العقول تارة، وبحجة التوفيق بين السنة والشيعة تارة أخرى، وقد ظهر تناقضهم الواضح في تسجيلاتهم وآرائهم واستدلالاتهم.
إن هذه الدعوة – بعد تأمل وبحث – ليست حسنة النية ولا تحمل الصوابية في أهدافها، فقد يكون المنطلق صوابًا والنتيجة خطأ، وقد يكون المنطلق خطأ وحتمًا ستكون النتيجة كارثية؛ لأنها ببساطة تتلقف ما كتبه المستشرقون عن شبهات في الإسلام وتصيغها صياغة إسلامية، فوجب التحذير من أولئك القوم، الذين يشككون في السنة النبوية ويظهرون التعارض بين الوحي نفسه ويهزون مكانة الصحابة الكرام وأمهات المؤمنين وهي بداية للطعن في كتاب الله تعالى، فإن طعنت في نَقَلة الوحي فكأنك طعنت في الوحي ذاته. والله أعلم.
Comments
Post a Comment