*أساطير صغيرة
منصور الصُويّم
قصة «ماركوني» للمغيرة
منصور الصُويّم
قصة «ماركوني» للمغيرة
والمغيرة، هو المغيرة حسين، الشاعر السوداني الشاب، وماركوني، هو الشخصية المركزية في القصة القصيرة "ماركوني الذي يحكي"، وهي قصة نكتشف من خلالها مسارا إبداعيا آخر للمغيرة إلى جانب الشعر المجود غني المفردة. في هذه القصة يشتغل الكاتب على تقنيات القص الضاغطة بصورة محكمة تجعل النص متحولا في تقطيع سردي لاهث يدخل القارئ في حالة من "المعافرة" ما بين رصد جماليات اللغة وآلياتها والإمساك بنواصي الحكي الماتعة، التي يتفنن "ماركوني" في حكيها من منصة جدلية تتعارض مع راوي النص الافتراضي، الذي يحاول في كامل الزمن القصصي اعتراض "البطل - ماركوني" وتكذيبه بجمل اعتراضية لا تصمد أمام القوة السردية لحكايات ماركوني المتتابعة كشفا لسيرته.
يقول الراوي: "أنت يا ماركوني تكذب، حديثك كله خزعبلات وأوهام فاسدة، حكاياتك نفسها مركبة، رغم خيالك الخصيب، مركبة قسرًا من مغالطات واضحة. اعترف". لكن بدلا عن اعتراف ماركوني، يقر الراوي: "هأنذا أعترف أمامك أن حكاياك شيَّقة وأن سردك الحميم، صافٍ وممتع". هذا الاعتراف ضمن ثنايا النص يأتي وكأنه تعبير عن ثقة لا متناهية من جانب الكاتب في الجماليات السردية التي يختزنها هذا النص القصير، المتقلب في أزمنة التاريخ السوداني ما قبل الاستقلال وحتى الوقت الحاضر المضمحل هذا.
وفي هذا النص عودة تمجيدية عجيبة لدور (الأم) في تشكيل/بناء (الرجال)؛ عودة تذكرنا بالأم مجهولة الاسم في رواية "موسم الهجرة إلى الشمال – رائعة الطيب صالح"، فالأم هناك تدفع وتوافق ابنها – م سعيد – على التعليم الحكومي – الإنجليزي في الوقت الذي يرفضه الجميع، والأم هنا تقف لمفردها في صف والرجال في صف آخر؛ تأكيدا لمساندتها لابنها – ماركوني – في لحظة تخرجه متفوقا في معهد القرش الصناعي، وهي ذات اللحظة التي توج فيها بلقب ماركوني إرهاصا بعبقرية لم تتحقق بعكس (الفالت) مصطفى سعيد!
يحفر النص بحساسية عالية في ذلك الشكل من العلاقات المجتمعية المتغافلة التي يحاول البعض طمرها في أتون النسيان، الأصول العرقية ودلالاتها المبثوثة في الأسماء (ألماظ) وما تلعبه في تشكيل المصائر الحياتية لأصحابها، التبادلية الأمومية - الأبوية وما تحيل إليه من موقعة مجتمعية احتقارية، التصورات الذهنية المعقدة عن بعض المهن وربطها بـ(العرض والعيب – الجنس) كالتمريض بسطوع والجندية بترميز خافت.
من النص: "الفتاة رقصت بجنون، جسدها الرحيب والعاري كان يتلاشى في غيبوبة أخرى ويتبدد، كملاك يكتنز بالنور، السلسلة المرصّعة تغفو وتستيقظ بين نهديها المعبَّأين".
ومن النص: "جسدها المكتنز بالحياة تلاشى تحت عجلات الترماج، انفرطت السلسلة المرصّعة، تقول يا ماركوني إنها نادتك بصوت ضعيف: ماركو.. ماركو.. وهرولت أنت وحدك كطفل بريء، ما جاء أحد، ولولت كالنساء، ما جاء أحد، جاءت الحكومة، أخذت الملاك المكتنز بالشهوة والشبق، الحكومة، الحكومة يا ماركوني". اقرأوا هذه القصة في "مجلة البعيد الإلكترونية".
* زاوية يومية بصحيفة (اليوم التالي)
- Get link
- Other Apps
Comments
Post a Comment