الامن الانساني
مقدمة:
تمثل نهاية الحرب الباردة تحولا استراتيجيا لا مثيل له منذ بروز الثنائية القطبية بعد الحرب العالمية الثانية ، وقد أدى هذا التحول إلى بروز نظام راجت تسميته بالعولمة ، حيث شهد هذا الأخير ظهور فواعل جديدة أضيفت إلى الفواعل التقليدية في العلاقات الدولية لا تقل من حيث نفوذها عن الدول.
في هذا المنظور نجد إن الدولة القومية التي سيطرت على الساحة الدولية منذ اتفاقية واستفاليا عام 1648 أصبحت الآن في تنافس مع الفواعل التي تمثل رأس المال العالمي والتي تسعى لإيجاد نظام قائم على الحرية الاقتصادية التامة وفق المبادئ النيوليبرالية.
و على مدى عقود طويلة تناول الباحثين دومًا مفهوم الأمن من منظور الدولة .
وظهرت في هذا الإطار تعريفات متعددة للأمن تنطلق جميعها من الحفاظ على سيادة الدولة وحدودها وتأمين مصالحها في مواجهة التهديدات الخارجية، وركزت الدراسات على مفاهيم الأمن القومي.
ومنذ مطلع التسعينات وفى إطار حركة العولمة والثورة التكنولوجية والاتصالية وتقلص الحدود الفاصلة بين الدول، وبروز تهديدات وتحديات أمنية تتجاوز حدود الدول بل وتفرض التعاون بينها لمواجهتها، ظهرت مفاهيم جديدة اكتسبت أهمية في الدراسات الاسترتيجية والأمنية.
كما يعد موضوع الأمن بصفة عامة من المواضيع المدرجة ضمن حقل العلاقات الدولية، وما زاد أمره أكثر أهمية وتعقيدا التحولات الكبرى التي شهدها النظام الدولي، خاصة منها المتعلقة بإحداث 11 سبتمبر 2001 والتي أفضت إلى مسالة إعادة النظر في مضامين الأمن مشكلة بذلك السبب و الحجة القوية للباحثين و الدارسين بالتوجه نحو توسيع المفاهيم وتطوير النظريات المتعلقة بالقضايا الأمنية. ولقد برز مفهوم الأمن الإنساني كنتاج لمجموعة التحولات التي شهدتها فترة ما بعد الحرب الباردة ازدادت أهميته في الوقت الراهن ارتباطا بإحداث 11 سبتمبر2001 ، وذلك نظرا لما أصبحت الدولة تواجهه من تهديدات جديدة ، تجاوزت العديد من الاعتبارات حتى العسكرية منها، فالتهديدات ومصادرها أصبحت غير واضحة المعالم اليوم ومثال ذلك ظاهرة الإرهاب و الجريمة المنظمة والهجرة غير شرعية ، فالإرهاب يؤثر في كل مكان وزمان والدولة عاجزة على التحكم فيه ورصده، فهو مازال يمثل ظاهرة مجهولة الهوية والانتماء،فالحرب اليوم أصبحت ضد المجهول –من ضد من؟-
فالهدف من دراسة هذا الموضوع هو محاولة الوصول إلى تأكيد حقيقة مفادها أن الأمن الإنساني هو جوهر كل القضايا الأمنية ، فتحقيق امن الإنسان يعني الوصول إلى تحقيق العدل في العلاقات الإنسانية ومنه تجاوز المظالم و التحديات النفعية المادية من اجل تحقيق هدف اسمي وهو الوصول إلى امن الإنسانية في مواجهة التحديات الخطيرة كالفقر ، الإمراض الخطيرة العابرة للحدود، الهجرة والإعمال الإرهابية.
ويرجع سبب تناولنا موضوع الأمن الإنساني كونه تصور جديد يعكس تحول مضامين الأمن إلى جانب العديد من المفاهيم الأخرى، إلى حقيقة فرضتها علينا قيمة الموضوع أهميته بالنسبة لنا نحن كبشر ، فضلا عن كونه تصور جديد يمثل شكل نقدي للأطروحات التقليدية، فما شهده العالم اليوم من حالة تتسم بالفوضى و اللامن يجعل من الحديث عن الأمن الإنساني ضرورة ملحة و خيار عقلاني.
فالأمن الإنساني كان محل اهتمام العديد من الباحثين و الدارسين،الذين انتجو سلسلة من الدراسات بشان هذا الموضوع والتي أدت إلى تطويره وبلورة مفهومه ونخص بالذكر في هذا الشأن المجهودات المقدمة من طرف وزارة الخارجية الكندية وهيئة الأمم المتحدة.
وبناءا على ما تقدم يمكن طرح الإشكالية التالية:
كيف أسهمت مقاربة الأمن الإنساني كتصور نقدي للأمن بمنظوره التقليدي في مراجعة كافة الافتراضات الأساسية للمعادلة الأمنية في العلاقات الدولية؟
وللإجابة على الإشكالية طرحنا الفرضيات التالية:
1. التغير في مضامين الأمن مفسر بطبيعة مخرجات السياسة الدولية لما بعد الحرب الباردة.
2. التحولات في طبيعة و مصادر التهديدات بعد أحداث 11 سبتمبر أدت إلى ضرورة إعادة ترتيب الاهتمامات و الأولويات في الأجندة الأمنية.
3. الأمن الإنساني كضرورة واقعية مازال يعبر عنه بطموحات نظرية في جوهرها بعيدة عن التطبيقات الواقعية.
ولقد اعتمدنا في دراستنا هذه طرقة الفصول، حيث خصصنا الفصل الأول للحديث عن الأطر النظرية و المنهجية لمفهوم الأمن الإنساني، أما الفصل الثاني فقد تطرقنا من خلاله على لتصور الأمن الإنساني في ظل تحديات الممارسات الواقعية وهذا للوصول إلى أهم انجازاته الممارستية مقارنة بطموحاته النظرية.
ولقد استخدمنا منهج تحليل الوثائق وكذلك المنهج الوصفي في تناول أغلبية عناصر الموضوع.
الفهرس
مقدمة
الفصل الأول: الأطر النظرية و المنهجية لمفهوم الأمن الإنساني
المبحث الأول: الإطار النظري والمفاهيمي للأمن الإنساني...............................1
المطلب الأول: المقاربات التي ساهمت في طرح فكرة الأمن الإنساني................1
المطلب الثاني: مفهوم الأمن الإنساني............................................5
المطلب الثالث: خصائص الأمن الإنساني.......................................10
المطلب الرابع: أبعاد الأمن الإنساني...........................................11
المبحث الثاني : الحدود المنهجية للأمن الإنساني.........................................11
المطلب الأول:عقيدة وتطور الأمن الإنساني......................................15
المطلب الثاني: الواقعية في مواجهة الأمن الإنساني................................18
المطلب الثالث:مقاربة نقدية للأمن الإنساني....................................20
المبحث الثالث: معالم الأمن الإنساني................................................23
المطلب الأول: معالم الأمن الإنساني من المنظور الوظيفي..........................24
المطلب الثاني: الأمن الإنساني و متطلبات التكيف مع التحولات الدولية.....27 المطلب الثالث: التطلعات المستقبلية للأمن الإنساني....................................30
خلاصة الفصل الأول....................................................................32
الفصل الثاني:الأمن الإنساني في ظل تحديات الممارسات الواقعية.
المبحث الأول: مرتكزات تحقيق الأمن الإنساني........................................33
المطلب الأول:على المستوى المحلي............................................. 37
المطلب الثاني: على المستوى الإقليمي...........................................37
المطلب الثالث:على المس العالمي.................................... ... 39 المبحث الثاني: تحديات الأمن الإنساني........................................41 المطلب الأول: المياه كرهان للأمن الإنساني................................43 المطلب الثاني: الأمن الإنساني وسباق التسلح الجديد...................................44
خلاصة الفصل الثاني.....................................................................47
الخاتمة.............................................................49
المبحث الأول: الإطار النظري و المفاهيمي للأمن الإنساني
المطلب الأول:المقاربات التي ساهمت في طرح فكرة الأمن الإنساني
سنتناول المقاربات التي ساهمت في طرح قضية الأمن الإنساني و المتمثلة في مقاربة (UNDP )"United Nations Développement" و وجهة نظر محبوب الحق ، و المقارنة الكندية للأمن الانسانى .
أولا : وجهة نظر محبوب الحق للأمن الإنساني
فكرة الأمن الإنساني بصفة عامة ترجع إلى تقرير الأمم المتحدة ( تقرير برنامج التنمية ل 1994 ) . بالاشتراك مع الاقتصادي محبوب الحق ، الذي لعب دورا مفتاحيا هاما في بناء آثار التنمية الإنسانية . فمقاربة محبوب الحق ظهرت في برنامج الأمم المتحدة للتنمية سنة 1994 ، تحت عنوان " New impératives of humain securit " . (1)
فمحبوب الحق أجاب عن سؤال " الأمن لمن ؟" فالأمن الإنساني ليس متعلق بالدولة ، و لكن متعلق بالأفراد و الشعب ، هذا يقدم حجة على أن العالم - دخل في تصور جديد و هو الأمن الإنساني -_ أين التصور التقليدي عرف تغيرا دراميا(2).
بمعنى إن الأمن الإنساني مثل ثورة سياسية معاصرة جسدت تغيير Paradigme)) الأكثر استدامة- الأمن التقليدي – أي انه يمكن تصنيف الأمن الإنساني باعتباره الأكثر تحديدا بالنسبة لتغير البراديم "Changement de paradigme"الذي اثر بعمق في النظام العالمي .(3)
و بالتالي وضع محبوب الحق الفرق بين " أن امن الشعب ليس فقط حماية للحدود ، فحاجات الأمن الإنساني تنعكس في حياة الشعوب ، و ليس في تسلح الدولة ".
هذا التصور الجديد له قيم متعلقة بحماية الصحة ، فالأمن الإنساني يتمثل في أمرين :
أولا : تحقيق السعادة من خلال أن يصبح الفرد أفضل " فكل الشعوب لها الحق في منزل ، عمل ، سلامة البيئة..." وحسب محبوب الحق يجب التصدي للمخاطر المخدرات،الإرهاب ،و الفقر.(4)
(1): Bajpai,Kahnti,"Human security:Concept and Measurement ",Kroc institute .August2000,p5
(2): Idem.p5
(3): Barbara, Arniel;"Le changement de paradigme de la Sécurité humain:Nouveau regard sur la politique du étrangére du canada?"Centre canada pour le développent de la politique étrangére.N°1019,le 18 juin 1999,p1-11.
(4): Bajpai,Kahnti;op_cit.p5
ويتحقق الأمن الإنساني حسب محبوب الحق من خلال من خلال تحقيق المساواة في التنمية الإنسانية ، توسيع المشاركة ، إدراج السلام على أجندة الأمن الإنساني : التقريب بين الشمال و الجنوب على ركيزة العدالة و حكومة شاملة يعاد بناؤها على أساس متطلبات المؤسسات العالمية مثل "
United Nation ,Word Bank and IMF "" و في الأخير تنمية أو تطوير دور المجتمع المدني العالمي .(1)
ثانيا : تصور UNDP للأمن الإنساني :
تأسس هذا التصور في السنة مع محبوب الحق ، فتقرير التنمية البشرية لسنة 1994 تضمن إعادة النظر في الأمن التقليدي و الحاجات الإضافية للتنمية الإنسانية ، التقرير أجاب على سؤال "الأمن لمن؟"أو "Security for who" بالرجوع إلى الأمن التقليدي الوطني، ففي السابق- تقليديا- الأمن كان يعني ب " امن الحدود من الاعتداءات الخارجية ، أو حماية المصالح الوطنية في السياسة الخارجية ، أو امن شامل ضد مخاطر النووي ( جرائم ضد الإنسانية )
فجاء الأمن الإنساني كوجه جديد للأمن متمحور حول الشعب . هذا التقرير يلح على ما قاله محبوب الحق ، إن الموضوع المرجعي للأمن الإنساني هو الفرد أو الشعب ، فخلال الحرب الباردة كان الأمن موجه نحو حماية الحدود ، و لكن التقرير اقترح بأنه الوقت حان لتوجيه الكفة نحو حماية الشعب .(2)
فهذا التقرير تناول قيمة الأمن من وجهتين :
(1): Bajpai,Kahnti;op_cit.p6
(2):Ibid.p7
أولا امن يتعلق بقيم الرضا ، المتمثل في كرامة الإنسان – تامين الفرد طوال حياته – و هذا ما أشار إليه محبوب الحق . و ثانيا يتمثل في حماية الإنسان من مخاطر الجوع ، عدم العمل ، الجرائم ، النزاعات الاجتماعية و التدهور البيئي . فالأمن الإنساني ليس متعلق بالتسلح (Weapons)، فهو متعلق بحياة الإنسان و كرامته ، أي متعلق بكيفية عيش الفرد في المجتمع ، أي كيف يمارس بحرية اختيارية ، هل الفرد يعيش في نزاعات أم في سلام.
و بصفة عامة ، التقرير جعل للأمن الإنساني سبعة إبعاد أو مصطلحات في مخططه ، هذه السبعة إبعاد تمثل قيم الأمن الإنساني : الأمن الاقتصادي ، الغذائي ، الصحي ، البيئي ، الفردي ، الاجتماعي و السياسي .(1) وهذا ما سنتناوله في ما بعد بشيء من التفصيل .
ثالثا : المقاربة الكندية للأمن الإنساني :
فالمقاربة الكندية للأمن الإنساني المرتبطة ب ((UNDP،ترتكز في الأغلبية علي مرحلتين للمتوقع (1999،1997) ، و بالموازاة منظمة (Norway) جسدت في قمة (1999) Lyosen in Norway ، العديد من النقاط التي تؤكد على الأمن الإنساني .(2)
فبالنسبة لكندا ، مثلها( UNDP) الأمن يكون لصالح الإفراد ، الشعب هم مركز الأمن ، وزير الخارجية( Lloyd Axworthy) في حديثه سنة 1997 ذكر : " فيما يخص الأمن بالإضافة إلى التمكين الاقتصادي ، نوعية مقبولة للحياة ، و ضمان الحقوق الأساسية للإنسان " وبعد عامين من ذلك ، و بالضبط في 1999 سجل "رضا الفرد – بان الأمن الإنساني – أصبح مقياس أو معيار جديد للأمن الشامل (Global Security).
1) Idem.p7
(2)Ibid.p9
و اعتبر كحد أدنى لتحقيق الأمن الإنساني (Bayon) ، الحاجات الأساسية ... ، التنمية الاقتصادية حقوق الإنسان و حرياته الأساسية ، قاعدة القانون ، الحكم الراشد و المساواة الاجتماعية ".(1)
أما تصريحات (Lysons) تقدم الحجج الأساسية لقيم الأمن الإنساني و المتمثل في الحرية من الخوف ، و الحرية من الحاجة ، و هي التي تقدر نوعية حياته . فالأعضاء المكونة له ، اقروا أن نظرة الأمن موسعة للنواة المرتبطة بحماية الإفراد .(2)
و بأوسع مقياس ( Le rèseau de Lysoen) استوحى وسائله التي ساهمت في ميثاق Ottawa ، الذي يمنع استعمال و تخزين إنتاج القنابل ضد الإنسان و الفرد و منع تصديرها . (3)
(1): Idem.p9
(2):Ramel,Frédéric,"la sécurité humain:Une valeur de Rupture dans le cultures stratégique au nord?".Revue études internationales.N°1,mars2003,p90
(3):Ibid.p92
المطلب الثاني : مفهوم الأمن الإنساني :
لقد برز مفهوم الأمن الإنساني كنتاج لمجموعة من التحولات ، التي شهدتها فترة ما بعد الحرب الباردة ، كمفهوم جديد يستدعي إعادة النظر في نطاق دراسات الأمن و يطرح في الوقت ذاته مآل مفهوم الأمن التقليدي .
أولا : المعنى اللغوي للأمن .
أصل الأمن في اللغة " طمأنينة النفس و زوال الخوف "، و لا يكون الإنسان آمنا حتى يستقر الأمن في قلبه .(1) فكلمة الأمن ككلمة السلم أو السلام من التعبير المتداولة جدا في العلاقات الدولية و هي مثلها مثل كلمة السلم تفقد إلى تعريف قاطع يمكن الرجوع إليه ، و كثيرا ما يتم الحديث عن امن المواطن ولكن الأمن يقصد به في العادة " امن الدولة " و فكرة الأمن ترتبط بفكرة السلطة لان امن المواطن لا معنى له إذا نظر إليه بمعزل عن المجتمع ، ولا بد من سلطة قادرة على التدخل وعلى تنظيم المجتمع حتى يتوافر للمواطن أمنه.(2)
وكما يرى الأصفهاني إن:"أصل الأمن طمأنينة النفس وزوال الخوف" (3) فالأمن بهذا المعنى مرتبط بالإنسان .وهذا ما يفسر توأمة مفهومي "الإنسان=الأمن"و "الأمن=الإنسان" و الحديث عن الأمن يعني الحديث عن الحياة نفسها .والأمن هو الحاجة الأولى و المطلب الدائم للإنسان.(4)
و الأمن في اللغة الفرنسية " sécurité" وتعني وضعية لا تطرح أي خطر و مخاطرة جسدية ، أو حادث أو سرقة ، أو تدمير، هذه البنية تمثل امن شامل.(5)
)1 ): ،علي بن فايز، الجحني ،الإعلام الأمني و الوقاية من الجريمة . الرياض: أكاديمية نايف العربية للعلوم الأمنية،2000 .ص66
(2): معمر،بوزنادة،المنظمات الإقليمية و نظام الأمن الجماعي .الجزائر:ديوان المطبوعات الجامعية،1992.ص14،15.
(3): أديب، خضور ،أولويات تطوير الإعلام الأمني العربي:واقعه وأفاق تطوره .
الرياض: اكادمية نايف العربية للعلوم الأمنية،1999 ،ص23.
(4): أديب، خضور،مرجع سابق ، ص22.
(5):Le petite Larousse(Grand format,illustré couleur). France:édition Larousse,2001.p928.
وفي اللغة الانجليزية " Security" وتعني الحالة لتي يشعر فيها الإنسان بالأمان و التحرر من الخطر والمخاطر.(1)
تعرف لجنة امن الإنسان الأمن الإنساني بأنه: هو حماية الجوهر الحيوي لحياة جميع البشر بطرائق تعزز حريات الإنسان وتحقيق الإنسان لذاته.فامن الإنسان يعني حماية الحريات الأساسية -تلك الحريات التي تمثل جوهر الحياة- وتعني حماية الناس من التهديدات و الأوضاع الحرجة "القاسية "و المتفشية "الواسعة النطاق". وجوهر الحياة الحيوي هو مجموعة حقوق وحريات أولية يتمتع بها الناس ، و يتفاوت بين الإفراد والمجتمعات ما يعتبره الناس "حيويا " ، أي ما يعتبرونه "جوهريا للحياة" و"حاسم الأهمية ". (2)
وفي المحور الثاني للتقرير المدرج من طرف برنامج الأمم المتحدة للتنمية سنة1994 ظهر لأول مرة تصور الأمن الإنساني ، وحسب هذه الأخيرة الأمن الإنساني هو:"ليس مسالة تسلح ولكن مسالة حياة الإنسان و كرامته".(3)
كما أشار الرئيس السابق لبرنامج الأمم المتحدة للتنمية الدكتور محبوب عبد الحق ، إلى الوعي العالمي حول مفهوم الأمن الإنساني في تقارير برنامج الأمم المتحدة للتنمية "UNDP" مشيرا بذلك إلى إن الناس اليوم يشعرون بالا امن من القضايا الحياتية اليومية أكثر من القضايا العالمية و السياسية . فالأمن الوظيفي ، الأمن المعيشي، الأمن الصحي و البيئي ، و الأمن الحاصل من الجرائم ،كل هذه وما شابهها هي الاهتمامات الأساسية الحياتية للأمن الإنساني حول العالم.(4)
وفي تصريح للامين العام لهيئة الأمم المتحدة كوفي عنان حيث يرى :" إن الكائن الإنساني هو مركز كل شيء ، وحتى تصور السيادة الوطنية فهو منشى من
(1): أديب، خضور،مرجع سابق،ص23.
(2): هيئة الأمم المتحدة للتنمية،"امن الإنسان الان".تقرير لجنة امن الإنسان.2001.ص4 .
(3): UNDP,"Rappirts mondial sur le développement Humain 1994 ".Developpement humain.1994,p23.
(4): : احمد الطراح،علي،منير حمزة سنو،غسان،"الهيمنة الاقتصادية العالمية و التنمية و الأمن الإنساني
".مجلة العلوم الإنسانية.العدد4 ،ماي2003 ،ص13.
اجل حماية الفرد، والذي يعد هو سبب وجود الدولة ، وليس العكس .وانه غير مقبول رؤية حكومات تسلب حقوق مواطنيها تحت حجة السيادة".(1)
ويمكن اعتبار التعريف المقدم من طرف"UNDP " ،( برنامج الأمم المتحدة للتنمية) من أكثر التعارف تعبيرا على مفهوم الأمن الإنساني، باعتباره أكثر تجسيدا للمفهوم من منطلق واقعي."الشعور بالأمن الإنساني ، هو طفل لا يموت أبدا ، مرض لا ينتشر،عمل لا ينزع،هو جماعات أثنية لا تعرف عنف، و معارض لا يقتل في صمت".(2)
وبعد التطرق لمجموعة من التعارف المتعلقة بالأمن الإنساني ، نتطرق بالحديث عن المرجعيات النظرية السائدة للمفهوم.
يمكننا إن نسجل نظريا أن بدايات توجهات الأمن الإنساني هي مرحلة متقدمة لمجموعة النظريات السابقة التي رجحت كفة الفرد "الإنسان " على الدولة في القضايا الأمنية.
نجد إن الليبراليين يقرون بان التغيرات التي حدثت بنهاية الثنائية القطبية تستدعي ضرورة مراجعة التصور لمفهوم الأمن ، و بالتالي يصبح الهدف الذي يجب إن يكون "آمنا" "Sécurisé " هو الإنسان وبالأحرى ليست الدولة .فهو تصور يخص أكثر " Holistique" و بتالي يهدف إلى تامين الفرد .(3)
ويرى في هذا السياق كل من مريام جرفي"Myriam Gervais" و ستيفان روسال"Stéphane Roussel" بان التحولات في النظام الدولي أحدثت تغييرات جذرية في تلقي التهديدات و موضوع الأمن نفسه".(4) الذي يشير إلى قطيعة مع الأمن التقليدي.
(1):Jean-François,Rioux,,La sécurité humaine:Une Nouvelle conception des relation international. Paris:L’Harmattan,2001,p19.
(2): Ramel,Frédéric,op-cit,p79.
(3):Christian, Geiser, "Approches sur les conflits Ethniques et les réfugiés".presses de science po.1997,p13.
(4): Idem,p13.
ونجد إن تصور السلام الايجابي " La paix positive" مرتبط بالأمن الإنساني لان السلام الايجابي يقدم ضمانات لحماية واحترام حقوق الإنسان الأساسية وأيضا العدالة الاجتماعية.(1)
والتيار النقدي يصر على تطوير الكائن الإنساني و يبحث عن حماية هذا الأخير من التدخلات الدولية باعتبارها تستهدف الحريات.
وفي الأخير البنائيين ينطلقون من تطور سواء أكان طبيعي أو كسلوك عقلاني على الساحة الدولية يجبر الممثلين إضافة إلى الدولة تبني خطط جديدة للقيادة أكثر احتراما للحقوق الفردية .(2)
ويمكن تتبع جذور مفهوم الأمن الإنساني بالرجوع إلى العديد من المواثيق الدولية التي أكدت على حق الإنسان في الأمن الإنساني أي إن تكون حقوقه آمنة . وفي هذا السياق نشير إلى ميثاق"ألمان جاكرتا" الصادر سنة1215 بانجلترا، مرورا بإعلان الثورة الفرنسية الصادر سنة1789 و الإعلان العالمي لحقوق الإنسان سنة 1948 .(3)
فلقد جاء إعلان الثورة الفرنسية 1789 متضمنا أفكار تؤكد على حق الإنسان في الأمن الإنساني و ذلك من خلال مايلي:(4)
- مجموعة الحقوق المدنية و السياسية:
وتتمثل هذه الحقوق في حق الإنسان في الحياة وسلامة شخصه من التعذيب، حقه في الأمن ، الدفاع الشرعي، ومجموع الحقوق الفردية كالتمتع بالجنسية، الحق في الانتخاب و الترشح وغيرها.
(1):Idem,p17.
(2):Ibid;p80.
(3): حسين، فريجة ،"إشكالية الأمن الإنساني وعلاقته بقضايا التنمية،الديمقراطية وحقوق الإنسان".الشروق اليومي.العدد1012 ،1 مارس 2004 ،ص15.
(4):عبد العزيز،قادري،حقوق الإنسان و حقوق الشعوب،القاهرة:دار النهضة،2003، ص20.
- الحقوق الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية:
ومن بين هذه الحقوق نجد حق الإنسان في الملكية، الأجر مقابل العمل و غيرها.
- الحقوق الجماعية:
وهي مجموعة الحقوق اللصيقة بالمجموعات البشرية المختلفة والتي تثبت للفرد بمجرد انتمائه إليها ومثل ذلك ظهور فكرة ضرورة حماية حقوق الأقليات الأثينية.
وتلي ذلك ظهور بعض المبادرات المحدودة لطرح مفهوم الأمن الإنساني، إلا أنها لم تكن لها صدى كبير و دور مؤثر في طرح المفهوم على أجندة العلاقات الدولية. ففي عام 1966 ظهرت نظرية بسيكولوجية كندية باسم "الأمن الفردي" ، ومع بداية السبعينات بدأت تظهر مجموعة من التقارير لبعض اللجان ومنها جماعة نادي روما، اللجنة المستقلة للتنمية الدولية واللجنة المستقلة لنزع السلاح و القضايا الأمنية. وقد أكدت تلك اللجان في تقاريرها على أهمية امن الفرد و ركزت على ما يعانيه الأفراد في كافة أنحاء العالم من فقر وتلوث، وغياب للأمن الوظيفي في سوق العمل، ومن ثمة دفع الاهتمام نحو مشاكل الأفراد.(1)
إلا أن المساهمة الحقيقية لدفع المفهوم جاءت من خلال تقرير التنمية البشرية لعام 1994 الصادر عن برنامج الأمم المتحدة للتنمية.إذ تناول التقرير في الفصل الثاني منه"الأبعاد الجديدة للأمن الإنساني" وتنبأ التقرير بان تؤدي فكرة الأمن الإنساني رغم بساطتها لثورة في إدارة المجتمعات في القرن الحادي و العشرين.(2)
(1): خديجة ،عرفة ،"تحولات مفهوم الأمن...الإنسان أولا".مركز الدراسات الأسيوية. 2003 ،ص4.
(2): المرجع نفسه،ص5.
المطلب الثالث: خصائص الأمن الإنساني
لا شك في أن توفير الأمن الداخلي للأفراد يعتبر من مظاهر نزع الخوف على الحياة و الملكية و الحرية الإنسانية والذي يمكن أن ينشا من أي تهديد خارجي أو داخلي . فحق توفر الأفراد على الحياة الكريمة وعلى نمط مناسب للحياة تعتبر سمة أساسية للأمن الإنساني.(1)
وقد حدد التقرير " UNDP" أربع خصائص أساسية للأمن الإنساني هي(2):
1. الأمن الإنساني شامل عالمي، فهو حق للإنسان في كل مكان.
2. مكونات الأمن الإنساني متكاملة يتوقف كل منها على الآخر.
3. الأمن الإنساني ممكن من خلال الوقاية المبكرة و مثالنا في ذلك "أزمة انغولا عام 1993و رواندا عام 1994 ، وبتالي الوقاية المبكرة لها نتائج ايجابية أفضل من التدخل اللاحق.
4. الأمن الإنساني محوره الإنسان،أي هو امن متعلق بالإنسان الفرد كوحدة تحليل- و يتعلق بنوعية حياة الناس في كل مكان.
وقد حدد التقرير مكونات الأمن الإنساني، فالأولى هي الحرية من الحاجة، و الثانية هي الحرية من الخوف، و هذه الأخيرة يوجد مضمونها في القرآن الكريم.(3)
فالتشريع الإسلامي قائم على مبدأ حفظ النفس والأرض و النسل والمال والدين و العقل... واعتبر الإسلام الأمن من القضايا التي يترتب على وجودها استمرارية الحياة كما تبنى عليها سعادة الإنسان و احترام كرامته وآدميته.(4)
فالأمن الإنساني يعبر عن خاصية لصيقة بحاجة الأفراد والجماعات للتواجد والاستمرارية وحفظ النوع . وبالتالي الأمن الإنساني متعلق بتحقيق الاكتفاء الاقتصادي و الاجتماعي، واحترام الحقوق الفردية والحريات الأساسية، و الحماية من كل ما يهدد الحياة، حسب الإمكانيات المتاحة للعيش و لتحقيق كرامة الإنسان.(5)
(1): أيوب ، مدحت ،الأمن القومي العربي في عالم متغير.القاهرة: مركز البحوث العربية ،2003 .ص75.
(2): خديجة ،عرفة،مرجع سابق،ص4.
(3): المرجع نفسه،ص4.
(4): علي،بن فايزالجحني،مرجع سابق، ص65.
(5): David ,Charle-Philippe, Jean-Jacques,Roche, Théories De la sécurité définition,approches et cencepts de la sécurité internationale.Paris:éditions Monchrestien,2002.p112.
كما يتميز الأمن الإنساني بتركيزه على الظروف الداخلية التي يجب توفرها لضمان الأمن الشخصي و السياسي للأفراد،كما يهتم بالظروف الواجب تحقيقها لضمان الاستقلالية السياسية ،والتي غالبا ما ترتبط بالنمط الديمقراطي الذي تنتهجه الدولة ، والذي يشمل المشاركة السياسية التنافسية ما بين القوى و الفعاليات السياسية المختلفة و حرية التعبير ، و كذلك تلك الحقوق التي تضمن الأمن على الصعيد الشخصي مثل الضمانات المتوفرة ضد الاعتقال التعسفي و التوقيف و النفي و التعذيب ، بالإضافة إلى حرية الوصول للطعام و العناية الصحية و التعليم و الإسكان و عليه فان الأمن الإنساني له صورة شاملة يعبر عنها ضمن مفاهيم الديمقراطية ، و التكامل الشخصي و الحرية الشخصية ضمن حدود القانون و التنمية البشرية .(1)
و بالتالي الأمن الإنساني يؤكد على تطوير احترام حقوق الفرد و حقوق الإنسان العالمية ، و تدعيم دولة القانون و صحية التسيير ... و تفضيل ثقافة السلم و حل النزاعات سلميا و مراقبة أدوات العنف و إنهاء اللاعقوبة ضد الذين يتعدون على حقيق الإنسان و الحق الإنساني العالمي .(2)
و الأكثر أهمية الأمن الإنساني يرتكز على: " بناء عالم ذو وجهة إنساني خالي من الأخطار ".(3)
المطلب الرابع: أبعاد الأمن الإنساني
يقر تقرير برنامج الأمم المتحدة للتنمية بان تصور الأمن الإنساني له وجهتين متكاملتين بحيث انه " من ناحية، الحماية من التهديدات المزمنة ، مثل المجاعة ، الأمراض ، القمع . و من ناحية أخرى الحماية من كل أحداث العنف التي لها آثار على الحياة العادية و التي تشكل اضطرابات ... و التي تحمل أضرار في قلب المجتمعات ".(4)
(1): سليمان، نصيرات،"مفهوم الامن الانساني-نظرة متجددة-".ص1-2 .متحصل عليه من :www. Islamonline.net
(2): Ramel,Frédéric,op-cit,p90.
(3):Idem,p90.
(4):Ramel,Frédéric,op-cit,p86.
لكن التقرير UNDP "" يذهب إلى ابعد من ذلك ، بحيث يصف و بالتحديد شكل التصور " للأمن الإنساني " هذا الأخير يظهر بأنه جد موسع لأنه يحتوي على سبعة أبعاد و المتمثلة في : (1) الأمن الاقتصادي ، الأمن الغذائي ، الأمن الصحي ، الأمن البيئي ، الأمن الفردي " الاجتماعي" ، الأمن الثقافي ، الأمن السياسي .
*الأمن الاقتصادي: متعلق بضمان حد أدنى من فرص العمل، و تحقيق التنمية.
الأمن الغذائي: الذي يتعلق بالحق في الغذاء، الذي يجب أن يكون كاف، صحي، و بصفة مستمرة، أي الحق لكل فرد في أن يؤخذ كل يوم و في كل وقت غذائه الأساسي.
*الأمن الصحي: كالحق في العلاج، و القضاء على الأمراض المعدية و الجرثومية و تدعيم حد أدنى من العلاج.
*الأمن البيئي: يهدف للوقاية من تأثيرات التصنيع المكثف و النمو السريع للسكان.
*الأمن الفردي " الاجتماعي " : و يهدف إلى الحماية الإنسانية في مواجهة العديد من أشكال العنف المفاجئ و الغير متوقع و حماية الفرد في مواجهة التطبيقات القمعية التي تفرضها المجتمعات التسلطية و الاضطهاد ضد الجماعات بسبب التمييز العنصري كما جاء في نص المادة الأولى في الفقرة الثالثة من إعلان هيئة الأمم المتحدة " تعزيز احترام حقوق الإنسان و الحريات الأساسية للناس جميعا و التشجيع على ذلك بلا تمييز بسبب الجنس أو اللون أو الدين ".(2)
* الأمن الثقافي: الحق في حرية المعتقد، والسلامة من التمييز بسبب الصفة الدينية أو الثقافية.
ويمكن أن نشير هنا إلى "صدام الحضارات" لصموئيل هنجتنتون، التي تحمل دلالات قوية فيما يتعلق الأمر بالأهمية الحضرية في إدارة الصراع
(1):Ibid,p86.
(2):عمر ،سعد الله ،حقوق الإنسان وحقوق الشعوب.القاهرة: دار النهضة،2002،ص194.
وكذلك يتعلق الأمر بالمحافظة على الثقافات المختلفة، على اعتبار إن الثقافة هي شرط ضروري لامتلاك قوة الفاعلية والحضور وهي تمثل هوية مجتمعات بأكملها.(1)
*الأمن السياسي: هدفه حفظ الحقوق الأساسية "حق المشاركة، حق الانتخاب ..." ضف إلى ذلك أن هذا النوع من الأمن المتعلق بالجانب السياسي يكسب بعدا جد واسع لأنه يجمع بين قمع الدولة ضد المواطنين وبالمساواة حول مختلف الإجراءات ضد الفرد وضد حرية التعبير والإعلام و الأفكار.(2)
وبشكل أهم فان الكفاية المادية ضرورية ، ولكنها ليست كافية ذلك أن الأمن الإنساني له أبعاد أخرى لا تتعلق بالضرورة بالبقاء الفيزيائي الإنساني.(3)
وفي هذا المجال فان"Axworthy" يشير إلى أن الأمن الإنساني يتطلب على الأقل أن تتحقق الحاجات الأساسية للإنسان.لذلك فان قضية الأمن الإنساني يجب أن تدخل في صلب اهتماماتها تحقيق الحاجات المادية الأساسية لكل الإنسانية .أي في المستوى الأدنى: الطعام،المأوى،التربية،العناية والصحة،وهي الأساس لبقاء الإنسانية.(4)
أما النواحي النوعية للأمن الإنساني فهي ما يتعلق بتحقيق الكرامة الإنسانية والتي تشتمل على الحرية الشخصية ،وتسيير أمور الحياة الخاصة، و الإتاحة الكاملة وغير المعوقة للمشاركة في الحياة الاجتماعية، و التحرر من تركيبات القوى الضاغطة ، و الأجهزة القامعة،سواء كانت عالمية أو إقليمية ،أو محلية في توجهاتها ، وهذه كلها ضرورية للأمن الإنساني.(5)
ونجد أساس هذه الأبعاد في كل من القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني.
(1): أديب، خضور،مرجع سابق،ص34.
(2): Ramel,Frédéric,op-cit,p86.
(3): احمد الطراح،علي،منير حمزة سنو،غسان،مرجع سابق ،ص16.
(4):المرجع نفسه،ص16.
(5):المرجع نفسه،ص16.
ويمكننا ذكر بعض الأبعاد المشتركة بين كل من القانونين:(1)
- حصانة وحماية الذات البشرية.
- منع التعذيب بشت أنواعه.
- احترام الشرف والحقوق العائلية والمعتقد والتقاليد.
- حماية وضمان الملكية الفردية.
- عدم التمييز بصورة مطلقة،فالخدمات الطبية يجب أن تقدم للجميع دون تفرقة إلا ما تفرضه الأوضاع الصحية.
- ضمان توفير الأمان والطمأنينة.
- حظر الأعمال الانتقامية و العقوبات الجماعية واحتجاز الرهائن.
- ترسيخ الحماية الخاصة لكل من الأطفال والنساء وحماية الإنسان واحترام كرامته.
المبحث الثاني: الحدود المنهجية للأمن الإنساني:
ففكرة جعل الكائن الإنساني كنقطة مرجعية في تعريف الأمن هي جديدة ، مثلها مثل الفكرة التي تعمل على فهم حقوق الإنسان و الحق في أن نصبح في حماية من العنف بين الدول و غيرها من التهديدات الغير عسكرية. هو الأمر الذي فعلا نسمعه عن طريق "الأمن الإنساني" المدرج من طرف وزارة الشؤون الخارجية الدولية لكندا،هي إذن "امن الأشخاص". (2)
(1):المرجع نفسه،ص147.
(2): Barbara, Arniel;op-cit,p1.
المطلب الأول: عقيدة و تصور الأمن الإنساني
و قبل التطرق بالحديث عن العقيدة "Doctrine" وتصور الأمن الإنساني ،أريد فقط الإشارة إلى ما اقره الواقعي "ريمون آرون" في تفضيله السلام على الحرب ، حيث قال : "لا يوجد إنسان - حتى ولو- لم يمتلك أسباب عقلانية كافية، إلا أن يقوم بتفضيل السلام على الحرب". (1)
وقوله أيضا كوفي عنان في تأكيده على أهمية الأمن الإنساني حيث قال: "الأكثر أهمية، بان الكائن الإنساني يكون مركز كل شيء ومحل كل أعمالنا".(2)
فعقيدة الأمن الإنساني ترتكز حول امن الأفراد أو الأشخاص و نجد جذورها- احتمال تواجدها- في الاتحاد العالمي للصليب الأحمر. ففي سنة 1864 من القرن العشرين وجدت توسعا في الميدان مع تأسيس هيئة الأمم المتحدة "L'ONU" ميلاد حقوق عالمية لحقوق الإنسان، سجل تطورا هائلا بالنسبة للحقوق الإنسانية.فعقيدة الأمن الإنساني الجماعي "تتضمن بناء "لسلام دائم" أي "الاستدامة" ،ففي الفكر الكانطي "Kantien" المصطلح قائم على قيم غربية. فالأولوية فيه للحقوق .واحترام الديمقراطية، الدفاع عن حقوق الإنسان. التسيير الحسن لأعمال المواطنين، والتسويات السلمية للصراعات . (3)
والهدف هو بناء مجتمع عالمي، "قرية شاملة" أين امن الأفراد يصبح أكثر أهمية من امن الدول ، ومثال ذلك "صراع كوسوفو""Kosovo"،الذي سجل تدخل قوات التحالف "Force alliées"
وبالتالي تجسد تصور الأمن الإنساني ، بحيث أصبح فاعل مهم في الفعل و السياسة الدولية.(4)
,,op-cit,p31. Jean-François,Rioux (1):
(2):Idem,p31.
(3):Ibid,p34.
(4):Ibid,p35
فالأمن الإنساني يأخذ بعين الاعتبار وجهتين، بمعنى الإحساس بالخطر عند المواطنين و التحليل الموضوعي لمصادر التهديدات المحيطة بأمنهم و الأمن الإنساني شكل بوضوح تغييرات مرتبطة ب:
"الأمن"و"الدولة" أولا، بسبب أن التهديدات لم تصبح عسكرية ، أيضا لان بعض عناصر الأمن الإنساني نتائجها المباشرة تحدد مقاييس للعسكريين أو الدولة في حد ذاتها والتي تمارسها ضد شعبها "الأشخاص المهاجرين إلى أوطانهم الأصلية، وحقوق الإنسان والصراعات الداخلية المسلحة".(1)
واغلب المشاركين يعتبرون التدخلات الإنسانية "المسلحة" هي آخر عمل يقومون به،لكنه تدخل شرعي لحماية الإنسانية في حين نلاحظ أشكال أكثر تطرفا في الأمن الإنساني .(2) لكن الحرب والسلام فكرتان متعارضتان مهما كانت الأسباب.
أولا: الأسس القانونية للأمن الإنساني
جزء من العقيدة القانونية تضع الفاصلة حول أبعاد حقوق الإنسان أو الإنسانية في ميثاقها.فتصور"scellienne" للحقوق العالمية ذهب في هذا المعنى ، بحيث اقر "جورج سكال " في كتاباته،بأنه "سيادة الدولة هي من اجل الدفاع الأفضل على الأفراد،والحق ما هو إلا مادة الاتحاد الاجتماعي"،(3) وكما لاحظ أيضا "vaclav havel" -رئيس الجمهورية التشيكية- :"إن سيادة المجتمع،جهوية،للأمة للدولة ليس لها معنى كالتي تنبثق عن السيادة الأصلية الحقيقية: هي الكائن الإنساني"(4) .
(1):Ibid,p35.
(2): Bothan;Oliver,Rams,"Humanitarian intervention1990:A need to reconceptualize?"Review of international.Mai1997,p23.
(3):Barbara, Arniel;op-cit,p4.
,,op-cit,p31. Jean-François,Rioux (4):
والوزير "axworthy" صرح قائلا:"اضن بان السلام و الأمن – مهما كان وطني،جهوي أو عالمي- ليس له معنى إلا إذا انبثق من الأمن الإنساني وبالتالي هذا هو الأساس الجيد للديمقراطية".(1)
وكل هذه التصريحات نجد أصلها في العديد من المواثيق التي اعتمدت و تبنت فكرة الأمن الإنساني، نجد بعضها في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وميثاق هيئة الأمم المتحدة.
ثانيا: المعنى القانوني و السياسي للتصور
عقيدة الأمن الإنساني نتائجها مازلت غير ثابتة،فيما يخص تصور الحقوق الأساسية للأفراد:السيادة،عدم التدخل ،الأمن الدولي،مواضيع الحقوق،منابع الحقوق ودور الهيئات المتعلقة بما يخص ما جاءت به هيئة الأمم.(2)
حيث تحدث كوفي عنان " kofi annan" بصفة أساسية على الدولة و الفرد ،بحيث صرح قائلا :"بان اليوم فكرة خدمة الشعب هي أكثر قبولا عند الدولة وليس العكس و في نفس الوقت سيادة الفرد – أقول جميع حقوق الإنسان والحريات الأساسية لكل فرد – مثل ما أشار إليه الميثاق – لقد أصبحت مدعمة بضمير متجدد للحقوق التي تمنح لكل فرد كفرصة للتحكم في مصيره الخاص".(3)
مما تقدم نستنتج إن حدة الأمن الإنساني تتركز حول نظام حقوق الإنسان من بعد الحرب الباردة ، والتي يمكن أن تكون مرتبطة بالمخطط التصوري للبراد يم"paradigme" التنمية الإنسانية – وإذا كانت هذه هي الحالة – فإنها تتوجه نحو أهداف عامة مثبتة في داخل إطار مرجعي،إيديولوجي خاص ، جد مرتبط بالليبرالية التي تنص على حقوق الإنسان و الديمقراطية التي تهدف إلى تجاوز الدولة لأجل توسيع مجموعة الفاعلين في المجتمع المدني .(4)
:Idem,p37. (1)
. (2):Ibid,p48
(3):Idem,p48.
(4): Barbara, Arniel;op-cit,p5.
المطلب الثاني:الواقعية في مواجهة الأمن الإنساني
لقد كانت أفكار الأمن التقليدية،التي شكلتها الحرب الباردة إلى حد كبير،تتعلق أساسا بقدرة الدولة على مواجهة التهديدات الخارجية، وكانت التهديدات للأمن والسلم الدوليين تعتبر عادة أيضا التهديدات من خارج الدولة، وفي الآونة الأخيرة حدث تحول في التفكير بشان الأمن، ومثال ذلك صراعات الأفارقة الداخلية ضد الحكم والاحتلال،انغولا،كينيا،ناميبيا، موريتانيا وجنوب إفريقيا وغيرها. (1)
ولقد اتسع نطاق التفكير بشان الأمن من اهتمام حصري بأمن الدولة إلى اهتمام بأمن الناس،وظهرت إلى جانب هذا التحول بفكرة أن الدول يجب إلا تكون هي المدلول الوحيد أو الرئيسي للأمن، فقد أصبحت مصالح الناس أو مصالح البشرية كمجموعة هي محور التركيز.(2)
وما يمكن الإشارة إليه أن بعض القضايا أعطت وجهة نظر جديدة في مسالة الأمن الإنساني ، ونخص بالذكر الأزمة الأخيرة لرهائن جولو"Jolo" حيث أن هذه الأخيرة كونت وجهة مغايرة لنظرية العلاقات الدولية، ونقطة جديدة في تناول مسالة الأمن الإنساني .هذه القضية توجد في التناقض بين النظرية والتطبيق"حول المخطط النظري".(3)
ولقد اعتمد كل من روزنو"ٌRosenau" والياس"Elias" أزمة رهائن جولو كمرجعية لفرضياتهم . وفي مقال شهير نشر في نهاية السبعين ،طرحت فيه أسئلة لمعرفة إذا كان "السائح والإرهابي"-هاذين الوجهين الرمزيين للنصف الثاني من القرن العشرين- .تخص بروز الفرد كوحدة مركزية للتحليل في النظام العالمي ولقد كان جوابه آنذاك سلبي . كما اعتد أيضا "Alias" قضية رهائن جولو كمرجعية لدراسته،واعتبر أن هناك بروز تدريجي للأفراد "كوحدة تحليل" ولكن هذه الوحدة هي دائما تحت خطر التراجع،اعتبرها صحيحة في سلم الإنسانية
ك" Unité de survie".(4)
(1): فرين ،غينولا، إعادة النظر في مفهوم الأمن: ضرورة لإفريقيا؟". مركز البرلمانات المتحدة من اجل وحدة افريقيا. حزيران2002 ،ص.3
(2):المرجع نفسه،ص3.
(3): François, Rioux,Jean,op-cit,p57.
'(4):Ibid,p85.
بمعنى أن مواجهة أغلبية التهديدات للأمن، أصبح فيها الفرد "الإنسان" يتوجه أكثر فأكثر نحو الإنسانية لضمان أمنه. -وليس نحو حماية الدولة التقليدية- لكن أزمة رهائن جولو تظهر أبعاد أخرى غير التي اقرها الأمن الإنساني باعتماده الفرد -الإنسان - كوحدة تحليل حيث أن هذه الأخيرة لها خصائص وأبعاد تفرق بين ما هو نظري و الذي ترغب النظرية التوصل إليه،وبين ما هو أمور واقعية ملحوظة حيث أن الواقع سجل أن الرهائن لم يطلبوا حمايتهم من هيئة الأمم المتحدة"ONU" ولا حتى من طرف الاتحاد الاروبي بالدخول في مفاوضات .(1)
بل ما كان واقعا ظهور عائلات الرهائن عدة مرات على شاشات التلفزيون يطلبون من السلطات الفرنسية التحرك "بصفتهم أكثر فاعلية". أما المحاربين في جبهة مورو ، كانت اهتماماتهم كلاسيكية لمطالبتهم بالاستقلالية الذاتية في أرخبيل"Mindanao" وذلك من خلال احتجاز الرهائن و القيام بممارسات إجرامية ظاهرة، فكان جواب الحكومة الفيليبينية غير عادي لاستخدامها القوة العسكرية في إنهاء الأزمة وتحرير الرهائن.(2)
فمن خلال هذه الحالات الواقعية يمكننا القول بان مشاكل الأمن لا يمكن التطرق إليها من دون الإدارة الكلاسيكية وهي "المنطق الدبلوماسي- الاستراتيجي " المرتبط بالواقعي ريمون آرون"Aron" . فنهاية الحرب الباردة وظهور تهديدات جديدة مرتبطة بتشعيبات العنف، يفرض في الظاهرة فكرة جديدة حول الأمن ، دون الدخول في النهايات "الاجتماعية" لمدرسة كوبنهاجن ، بل الأمن يجب التطرق إليه في إطار موسع .فمن هذا المنطلق يقر آرون وذلك سنة1960 بان " الواقعية وحدها تمركزت خصوصا حول دراسة الأمن ككل واحد فرد أو وحدة سياسية،هدفها الوحيد هو الأمن".(3)
(1):Ibid,p58.
(2):Ibid,p58.
(3):Ibid,p59.
ولقد عملت أحداث 11 سبتمبر و نتائجها على إعادة تقوية الواقعية كنظرية لها وجودها في العلاقات الدولية، وذلك بسبب المخاطر المستمرة للنظام الدولي الفوضوي والذي يظهر أن الدولة الوطنية تسعى إلى تقوية نفسها عسكريا لضمان مصالحها و أمنها.(1)
وبالتالي من هذا المنطلق مفهوم الأمن الإنساني لا يجعل امن الناس محل امن الدولة.فهو يرى أن الجانبين يعتمد كل منهما على الآخر ، فالأمن بين الدول يظل شرطا ضروريا لأمن الناس، ولكن الأمن القومي لا يكفي لضمان امن الناس. ولذلك يجب أن توفر الدولة أشكالا شتى من الحماية لمواطنيها. ولكن الأفراد يحتاجون إلى حماية من السلطة التعسفية للدولة ، وذلك من خلال سيادة القانون و التركيز على الحقوق المدنية والسياسية فضلا عن الحقوق الاجتماعية الاقتصادية.(2)
المطلب الثالث: مقاربة نقدية للأمن الإنساني
أولا بجدر بنا الإشارة إلى أن ما نقصده بمقاربة نقدية للأمن الإنساني ، هي لا تعني التطرق بالحديث عن مقاربة نقدية"Une approche critique"
كأحد المرجعيات النظرية في دراسات الأمن، وإنما نقصد به قراءة وتفحص وتحليل نقدي لتصور الأمن الإنساني .والذي توجد جذوره في المقاربة النقدية التي سجلت أثار أولية فيما يخص الاهتمامات الإنسانية ونقل اهتمامات الأمن من مركز الدولة إلى الفرد.
الحديث الحالي فيما يخص "الأمن الإنساني" ما هو إلا نتيجة أخيرة من سلسلة طويلة من المحاولات لإعادة النظر في مفهوم الأمن. وفي هذا الصدد يقول "كين بوث" إن :"طريقتي في التعامل مع هذا النقاش النقدي،هو أنني أرحب بأية مقاربة تمكننا من مواجهة المعايير المشئومة للدراسات الإستراتيجية للحرب الباردة ، للوصول في نهاية الأمر إلى إعادة النظر في مفهوم الأمن".(3)
(1):Hariman,Robert,"le post-réalisme après le 11 Septembre"étude internationales.N°4,décembre2004,p689.
(2): فرين ،غينولا،مرجع سابق ص3.
(3): عادل، زقاع ، "إعادة صياغة مفهوم الأمن -برنامج البحث في الأمن المجتمعي-" 01 /09 / 2005 ،ص5.
تصور الأمن الإنساني سجل تقدم ملحوظ حيث لقي الدعم والتأييد من طرف سياسيين مهمين في العديد من الدول ومن قبل بعض الهيئات الدولية و غير الحكومية ، والذين عملوا على إعطاء دفع قوي للمفهوم باعتباره مادة أساسية للسياسة الخارجية وللأمن في حد ذاته .(1)
فللوهلة الأولى الباحثين الذين يدافعون عن تصور واسع أو "نقدي" للأمن يبدون وبدون تحفظ إعجابهم بالأمن الإنساني ولكن حتى لو كان الأمن الإنساني له أهمية بالغة في وجهة نظر سياسية أو ثقافية،فالنقاش حوله يحمل عدد من الأوجه المهمة ، والتي يجب أن تكون محل تحليل نقدي، هذه الدراسة ستتناول بروز الأمن الإنساني و أبعاده، على ضوء هذا التصور النقدي للأمن سنحاول الإجابة على الأسئلة التالية(2)
1. ما هي العوامل التي ساهمت في نمو ونشر الخطاب حول الأمن الإنساني؟و ما هو دور المنظمات غير حكومية في نشر تصور الأمن الإنساني؟
2. التصور للأمن الإنساني هل أنتج تطبيق سياسي حقيقي نقدي؟ هل أنتج الأمن الإنساني تطبيقات سياسية حقيقية"نقدية"أم لا يعني إلا سلسلة من الاقتراحات تمثل مادة السياسة الخارجية، وبالتالي هي انعكاس لمصالح خاصة للدول.
3. من وجهة نظر التصور،ما هي الضغوط والأخطار المنسوبة إليها؟
حسب هذه الدراسة تكون تطبيقية أكثر منها نظرية، هذه التساؤلات يمكن أن تكون مشكلة بأساليب أكثر عمومية، والتي تدخل في إطار الحوارات الأكاديمية في العلاقات الدولية.
Jean-françois,Rioux,op-cit,p74. (1):
(2):Idem,p74.
لما تناولنا بالتحليل بروز خطاب الأمن الإنساني ووضعه موضع التطبيق،هذه الدراسة تجلب مساهمة مزدوجة ، أملا حول الحوار الضيق،حول وظيفة تصور الأمن الإنساني،ثانيا على صعيد الأدبيات الأوسع ، في آن واحد(نقدية وبنائية) التي توجد في العلاقات الدولية ، للباحثين البنائيين الدليل القاطع الذي يؤكد بان الأمن الإنساني يسجل قطيعة مع التطبيق والسياسة التقليدية للأمن، يكون هذا التصور كفاعل مؤسسي، ليس له فقط التأثير حول أساليب الدول(ولكن تأثيراته تصل إلى قواعد أخرى) من اجل الوصول إلى أهدافها ولكن أيضا حول تعريفات هوياتهم ، وحول طريقة سيرهم(في العالم).(1)
يجب النظر إلى عناصر مهمة في العلاقة التي كونتها (UNDP) بين الأمن و التنمية.
الأمن الإنساني فرض نفسه على هامش (أو خارج) الحوار حول التصورات الجديدة للأمن، وللتأكيد إن الأمن الإنساني كان جدو هامشيا في الأمن الكلاسيكي، حتى لو كان هناك بعض الأفراد الذين ساهموا في برنامج التنمية لسنة 1994 (أي تقرير التنمية الإنسانية) في تطويره فتصور الأمن الإنساني لم يتطور حقيقة، لكي يقدم الجواب أو حتى تأسيس لحوار مع المتدخلين الذين ساهموا في حوار واسع حول الطريقة الجديدة للتفكير في الأمن الإنساني،فالتقرير يأخذ فعليا التعريف الذي يخضع من خلاله فكرة الأمن في حالة النزاعات و الدول،لكن لا يأخذ بعين الاعتبار التصورات الأخرى التي كانت فيه مطلوبة أكثر مثل(الأمن التعاوني،الشامل،الاجتماعي،...) من وجهة نظر نقدية هذا الاستنتاج يجب إن يؤخذ بعين الاعتبار من طرف الباحثين الذين يدافعون عن التصورات الجديدة، وذلك من خلال التأكد من وضوح هذه النظريات و التصورات في ميدان العلاقات الدولية، حيث تكون لها أسباب قوية في قبولها،وحركية فعالة مؤثرة في الخطاب وذلك من خلال تطبيقات الفاعلين أي التطبيقات في العالم"العالم واقعيا".(2)
(1):Ibid,p75.
(2): idem, p75.
الممارسات أو التطبيقات السياسية ترجمت فهم ضعيف لدور الأفكار في الحياة، فهم إن المناقشات حول الأمن الإنساني تساهم في تطويره و تنويره فالتصور للأمن الإنساني لم يفهم لا في مجتمع غير حكومي، ولا في دولة ولكن في منظمة دولية وهذا ما يحمل معنيين:
الأول: يتعلق في إن أغلبية المساهمين في الأدبيات حول القوانين و الأفكار في العلاقات الدولية لا يولون اهتماما كبيرا للمصدر بقدر ما يركزون على الردود المثيرة للفكرة(كحقوق الإنسان وحماية المحيط).
فتقرير" UNDP " يفتح الحوار على العلاقة بين الأمن و التنمية، الحوار الذي أغلق في السياق بسبب الخلاف حول العلاقة بين نزع السلاح والتنمية التي كانت تقوده هيئة الأمم المتحدة في فترة(70-80).(1)
وبالرغم من عدم إدراج الأمن الإنساني بصفة مكثفة في الاهتمامات الدولية،إلا انه بالرغم من ذاك استطاع إن يحضى بانتشاره كتصور، وبالتالي من هذا المنطلق أصبح محل اهتمام و تقييم بأسلوب بسيط وواضح، و نستطيع البحث عن كل هذا في المرجعيات لهذا التصور في وسائل الإعلام في استعمالات بنك المعلومات .
المبحث الثالث: معالم الأمن الإنساني
لقد عرفنا في البداية إن التصور التقليدي للأمن هو التصور المتعلق بأمن الدولة ،وهو الأمن الذي يتعلق بمراقبة الدولة لحدودها في مواجهة أعدائها فوفقا لهذا التصور (الدولة) هي العنصر الوحيد المنوط بحماية الشعب و الحكومة في داخل حدودها .وبالتالي لقد كان الأمن التقليدي متمحور حول الدولة، وقيمه الخاصة تعلقت بمراقبة الإقليم أو الحدود.(2)
(1): Ibid, p78.
(2): Bajpai, Kahnti; op_cit.p1.
إلا إن هذه النظرة للأمن بمفهومه التقليدي عرفت اهتزازا بالنظر إلى التطورات التي شهدها النظام العالمي ، بالاظافة إلى التغيرات المسجلة في حقل دراسات العلاقات الدولية والتي جاءت تبعا لهذه التغيرات الدولية.
وبالنظر إلى كل تلك العوامل ظهرت ضرورة ملحة في نقل مستوى الدراسات الأمنية من مركز الدول إلى الفرد، وذلك في إطار ما يعرف بالنسبة قضايا الأمن، أي الطابع الإنساني للقضايا الأمنية.(1)
المطلب الأول: معالم الأمن الإنساني من المنظور الوظيفي
الحديث عن الأمن الإنساني من المنظور الوظيفي لا نستطيع فهمه إلا من خلال التطرق إلى نقيضه – و المعروف بوجود حالة من اللاامن الإنساني- هذا ما استدعى ضرورة الاهتمام بالمتطلبات الإنسانية، ومنه ارتبط الأمن الإنساني بالوظائف التي يؤديها لصالح الإنسانية بما يحقق رفاهية الإنسان و سعادته.
ومنه حالة الاامن الإنساني هي ليست حالة لابد من حصولها ، إلا ما نتج عن كوارث طبيعية خارجة عن نطاق القدرات البشرية . وبالتالي اللاامن الإنساني هو نتيجة مباشرة لوجود تركيبة القوى والتي تحدد من يتمتع بالأمن الإنساني ومثلا يتمتع به. ويمكن تحديد تلك التركيبات على مستويات عدة ممتدة من العالمي إلى الإقليمي،إلى الوطني إلى المحلي. فنمو اللامساواة المادية آخذة في الظهور في ما بين الولايات ضمن الدولة الواحدة، أو في ما بين الأقسام و المناطق ضمن الدولة الواحدة. وحتى في ما بين الشركات والمنظمات ضمن الدولة الواحدة.(2)
فالأمن الإنساني جاء استجابة تعبر عن عدم رضا الشعب أو المواطنين عن الوضع الاقتصادي و ضعف التنمية، خاصة خلال سنوات (1980،1970،1960) و الاحتمال الأكثر أهمية في الاهتمام بفكرة الأمن الإنساني تقارير العديد من القادة ، المثقفين و الاكادميين بالنظر إلى العديد من المشاكل التي عرفتها الأمم : الفقر ،
(1): خديجة ،عرفة،مرجع نفسه،ص3.
(2):علي،أحمد الطراح،غسان ،سنو،مرحع سابق ،ص13.
التدهور البيئي، عدم توفر الأمن بالنسبة لعمل المواطنين، الغذاء، رفض القيم التقليدية، التضخم ومظاهر أخرى كأزمة التوزيع الاقتصادي.
فهذه المشاكل كما نلاحظ لها مستويات مختلفة، وبالتالي كان الاهتمام بها وفقا لمنظور وظيفي (UNDP) كمحاولة في تامين الغذاء.(1)
فالفقر هو التهديد الأخطر الذي يواجه الإنسانية . إن ازدياد الفرو قات الشاسعة ما بين الأمم الفقيرة وتلك الغنية هو بمثابة قنبلة شديدة الانفجار اجتماعيا وسياسيا واقتصاديا.إذا ترك الفقراء هكذا بدون أمل ومساعدة إستراتيجية ، فان الفقر سيؤدي إلى إضعاف المجتمعات عن طريق الموجات و الاضطرابات ، العنف،و الفوضى المدنية. فالعالم تسوده الفوضى في تنظيم موارده الأولية وتوزيع الثروة، وتدفق التكنولوجيا غي منظم، فان الفقر العالمي السائد حاليا ليس بالطبع وليد صدفة أو الحظ السيئ.(2)
وبالتالي من منطلق وظيفي كان التقرير مرتكز حول حاجات كل إنسان، وذلك من خلال المساواة في تحقيق أساسيات الفرد-الإنسان- وتحقيق هذه الأخيرة يتطلب التغير على مستوى شيئين:التنمية و الأمن.فالأول يتعلق باستقلالية اللجنة الدولية للتنمية عن طريق ويلي براند "Willy Brand" سنة 1980 (تقرير شمال-جنوب) حيث كتب براند في مقدمة التقرير مايلي:(3)
تقريرنا مرتكز حول اهتمامات اللجنة: فواحدة ذهبت إلى فكرة ما فوق ضمان العيش ( survie ) وأخرى أضافت الشرط العقلاني( Moral Obligation) لضمان ما فوق العيش.هذه ليست مجرد حقيقة أسئلة تقليدية متعلقة بالسلام و الحرب، لكن هي متعلقة بخروج العالم من الجوع بإيجاد مقاييس لشروط العيش بين الغنى و الفقر. وذلك بالأخذ بعين الاعتبار احتياجات (شمال-جنوب) للانطلاق في عملية التنمية. وذلك عن طريق الاعتراف بحق العالم الثالث في الأمن
(1): Bajpai, Kahnti; op_cit.p3.
.(2):علي،أحمد الطراح،غسان ،سنو،مرحع سابق ،ص11
(3): Bajpai, Kahnti; ibid.p3, 4.
بالنظر إلى الإخطار المتوقعة عن طريق الفقر،اللامساواة الاقتصادية .فالتقرير يؤكد إن لجنة الأمن ترجع تحقيق الأمن إلى حياة الشعب بكرامة وفي سلام، وفي تامين حاجاته الغذائية وتوفر فرص العمل و العيش في عالم بعيد عن دائرة الفقر . فالمساهمة الأولى من طرف محبوب الحق و(UNDP) تعلقت بالتنمية الإنسانية-كتجسيد وظيفي للأمن الإنساني – كمجهود يشرح إن مركز الاهتمام هو صحة الإفراد ثم تحقيق الاقتصاد الجزئي(The Macro Economy).
وبشكل أهم فان تقرير1997 (UNDP) فرق بينما كان يعتبر سابقا الإبعاد الكمية و النوعية للأمن الإنساني، ورسمت حدود فاصلة ما بين فقر الدخل (دولارا أمريكيا واحدا أو اقل في اليوم) و الفقر الإنساني(الأمية، عدم الرعاية الصحية،قصر العمر المتوقع،وما شابه ذاك).(1)
وبالنظر إلى كل هذه المشاكل المتفاقمة، استدعت وظيفيا اهتمام برنامج الأمم المتحدة للتنمية، الذي لعب دورا هاما في وضع مشروع الأمن الإنساني في صلب أولوياته، كذلك كان هناك اهتمام بالأمن الإنساني من قبل المنظمات ذات الهيمنة العالمية مثل صندوق النقد الدولي (International Monetary Fund, IMF) و البنك الدولي (Word Bank ,WB) وذلك لان الفقر و اللامساواة أصبحا أكثر من ذي قبل ينظر إليهما على إنهما يشكلان تهديدا امنيا محليا، إقليميا ودوليا.(2)
ويبدو إن هناك علاقة سببية ما بين الفقر الإنساني كضعف الرعاية الصحية و ضعف التعليم ، وتامين الحاجيات الضرورية وازدياد الحروب من جهة أخرى .فرفض الحريات الأساسية من قبل السلطة و القيادة في دولة ما، كحرية تشكيل الأحزاب والتنظيم ، التعبير،الانتخاب ،و المعارضة تجبر الناس على الخيار ما بين إما قبول الظلم العام(وهنا نكون إمام حالة اللاامن الإنساني)،أو اللجوء للعنف للحصول على بعض المكاسب و الحقوق .(3)
.(1):علي،أحمد الطراح،غسان ،سنو،مرحع سابق ،ص18
:المرجع نفسه،ص18.(2)
:المرجع نفسه،ص18.(3)
ومنه التنمية الإنسانية هي الوجه الوظيفي الذي يتحقق من خلاله الأمن الإنساني، وهذا ما يعبر عن علاقة قوية بين الأمن الإنساني من جهة والتنمية من جهة أخرى.
المطلب الثاني: الأمن الإنساني ومتطلبات التكيف مع التحولات الدولية
إن الأمن الإنساني هو نتاج لمجموعة التحولات التي تمخضت عنها نهاية الحرب الباردة، وما صحبها من تحولات على مستوى مواضيع الأمن و طبيعة التهديدات الجديدة له، فظهرت تبعا لذلك العديد من المواضيع الأمنية،منها التي ارتبطت بأمن المجتمع وأخرى ارتبطت بأمن الإنسان ،هذا الأخيرة الذي كان محل اهتمام كبير من طرف بعض الساسة و المفكرين،إلا أن الحديث عنه مازال لم يصل إلى نهايته بعد، وذلك بسبب التحولات الدولية المستمرة والتي تفرض قيودا على امن الإنسان في كل مرة،هذا ما يستدعي مزيد من التكيف الايجابي لأمن الإنسان.
بالرغم من إن مكونات الأمن الإنساني ومصادر تهديده موجودة تاريخيا، فان بروز المفهوم مؤخرا ارتبط بعملية العولمة والتي جعلت مصيرنا مشترك،وذلك نظرا لما تقوم عليه عملية العولمة من فتح للحدود بين الدول لتسهيل انتقال السلع والخدمات و التحرير الاقتصادي العالمي.
فقد أكدت دراسات الاقتصاد الدولي على إن التحرير الاقتصادي العالمي له مخاطر عدة منها انتشار أنظمة غير مستقرة لا يمكن التحكم فيها خاصة في الأسواق المالية.بالاظافة إلى ذلك ما أكدت عليه تلك الدراسات من تأثيرات سلبية قد تصيب الاقتصاد العالمي والتي يمكن إن يكون لها تأثيرها السلبي على قضايا البيئة،و الاستقرار السياسي.(1)
فالتقرير الذي صدر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي عام1999 ،أكد على الرغم ما تقدمه العولمة من فرص هائلة للتقدم البشري في كافة المجالات نظرا لسرعة انتقال المعرفة و انتقال التكنولوجيا الحديثة وحرية انتقال السلع و الخدمات،
(1): خديجة ،عرفة،مرجع سابق،ص2.
فإنها في المقابل تفرض مخاطر هائلة على الأمن البشري في القرن الحادي والعشرين،وهذه المخاطر ستصيب الإفراد في الدول الغنية والفقيرة على حد سواء ، وقد حدد التقرير سبع قيود أو تحديات أساسية تهدد الأمن الإنساني في عصر العولمة تتمثل في(1)
1. عدم الاستقرار المالي: والمثال البارز على ذلك الأزمة المالية في جنوب شرقي آسيا منتصف عام 1997. إذ أكد التقرير على انه في عصر العولمة والتدفق السريع للسلع والخدمات ورأس المال فان أزمات مالية مماثلة يتوقع لها إن تحدث في المستقبل.
2. غياب الأمان الوظيفي وعدم استقرار الدخل:إذ دفعت سياسة المنافسة العالمية بالحكومات والموظفين إلى إتباع سياسات وظيفية أكثر مرونة تتسم بغياب أي عقود أو ضمانات وظيفية ،وهو ما يترتب عليه غياب الاستقرار الوظيفي.
3. غياب الأمان الصحي:فسهولة الانتقال وحرية الحركة ارتبطت بسهولة انتقال وانتشار الإمراض كالايدز فيشير التقرير إلى انه في عام 1998 بلغ عدد المصابين بالايدز في مختلف إنحاء العالم حوالي 33 مليون فرد،منهم 6 ملايين فرد انتقلت إليهم العدوى في عام 1998 وحده.
4. غياب الأمان الثقافي :إذ تقوم عملية العولمة على امتزاج الثقافات وانتقال الأفكار والمعرفة عبر وسائل الإعلام والأقمار الصناعية وقد أكد التقرير على إن انتقال المعرفة وامتزاج الثقافات يتم بطريقة غير متكافئة ، تقوم على انتقال المعرفة والأفكار من الدول الغنية إلى الدول الفقيرة،وفي أحيان كثيرة تفرض الأفكار والثقافات الوافدة تهديدا على القيم الثقافية المحلية.
5. غياب الأمان الشخصي: ويتمثل في انتشار الجريمة المنظمة والتي أصبحت تستخدم التكنولوجيا الحديثة.
:المرجع نفسه،ص2.(1)
6. غياب الأمان البيئي: وينبع هذا الخطر من الاختراعات الحديثة والتي لها تأثيرات جانبية بالغة الخطورة على البيئة.
7. غياب الأمان السياسي والمجتمعي: حيث أضفت العولمة طابعا جديدا على النزاعات تمثلت في سهولة انتقال الأسلحة عبر الحدود ، وهو ما أضفى عليها تعقيدا وخطورة شديدين ، كما انتعش دور شركات الأسلحة والتي أصبحت في بعض الأحيان تقوم بتقديم تدريب للحكومات ذاتها، وهو ما يمثل تهديدا خطيرا للأمن الإنساني.
وبالنظر إلى كل تلك المعوقات،لقد أسفر الاعتراف دوليا وإقليميا ووطنيا بوضع الناس المزعزع في عالم آخذ في التعولم بحثا عن طرائق جديدة لتلبية احتياجات الناس الأمنية الأساسية في جميع المناطق، بما في ذلك توفير الخدمات الاجتماعية وتقديمها وتمويلها . وادي البحث عن تصديات للمشاكل الجديدة و المستمرة لحفز إصلاح نظام الرعاية الاجتماعية في البلدان المتقدمة النمو، والى تنقيح جدول الإعمال الاجتماعي في إعقاب انهيار توفير الدولة للخدمات الاجتماعية في البلدان المارة بمرحلة انتقالية، والى اهتمام جديد ب"شبكات السلامة" الاجتماعية وبالحماية الاجتماعية في البلدان النامية التي تعاني من نكسات اقتصادية بسبب التقلب المالي (كما هو الحال في شرق آسيا) أو تمر بتغير هيكلي أساسي(كما هو الحال في أمريكا اللاتينية وأماكن أخرى) أو تعاني من فترات كساد طويلة أو حتى من تراجع اقتصادي.(1)
والهدف من الحماية الاجتماعية هو توفير حد ادني اجتماعي لضمان قدرة كل شخص على اكتساب القدرة على المشاركة بنشاط في جميع مجالات الحياة.وتمثل التدابير الرامية إلى كفالة توافر حماية اجتماعية كافية للجميع ومن بينهم الفقراء العاملون والفقراء الذين لا يعملون باجر ، وبالتالي تتطلب تدخلات حاسمة الأهمية ومطلوبة من جانب الحكومات وقطاع الإعمال و المواطنين.(2)
(1): هيئة الأمم المتحدة للتنمية ،"الأمن الاقتصادي-القدرة على الاختيار بين الفرص" تقرير لجنة امن الإنسان. 2001 ،ص85 .
(2):المرجع نفسه،ص85.
المطلب الثالث: التطلعات المستقبلية للأمن الإنساني
إن تحقيق الأمن الإنساني لم يصل إلى نهايته بعد، وذلك بسبب التحولات الدولية المتسارعة ، وذلك بسبب ما عرفه النظام الدولي الجديد من مؤشرات جادة كشفت عن زيادة احتمالات التهميش للعديد من الدول في العالم ونخص بالذكر دول الجنوب،هذا ما استدعى لزاما الحديث عن التطلعات المستقبلية للأمن الإنساني.
بداية فقط تجدر الإشارة إلى بعض المؤشرات التي توضح لنا الفجوة الكبيرة بين دول الشمال و الجنوب و المتمثلة في مايلي(1)
1. وجود مجموعة من البيانات تأكد على غياب العدالة في ما بين دول الشمال و الجنوب بما يخص العلاقات الاقتصادية وقد كشف التقرير الثالث عن "النزعة البشرية "لسنة 1992 و الذي أصدره البرنامج الاغاثي للأمم المتحدة في منتصف عام 1992 من حقائق خطيرة بهذا الخصوص أهمها:
إن (20 %) من سكان العالم يحصلون على(82.7) من مجموع دخل العالم ، بينما أل(20 %) الأقل فقرا يحصلون على (1.4%) من دخل العالم وهناك (20 %) أخرى أيضا من الفقراء يحصلون على(2.3 %) وهذا يكشف عن الفجوة الكبيرة بين أغنياء العالم وفقرائه.
2 .إن الدول الغنية تستهلك حوالي (75 %) من المعادن العالم،و(80%) من أخشاب و (60 %) من طعامه وفي الوقت نفسه يوجد (2300 مليون) من البشر لا يستطيعون الحصول حتى على المياه الصالحة للشرب، ناهيك عن انتشار المجاعة في العديد من الدول الإفريقية في الوقت الذي تعرف فيه بعض دول الشمال حالت الإفراط.
3. كما يشير التقرير إلى إن الفوارق في الغنى و الفقر تزداد بمعدلات كبيرة بين الدول المتقدمة و الدول المتخلفة،حيث سجل عام1989 تزايد الفجوة ليصبح الفارق في دخل الفرد في المجموعتين حوالي ستون ضعفا.
4.ذكر التقرير أيضا إن الإنفاق العسكري خصصت له نسبة(30 %) فقط
(1):غازي،ربابعة،"إشكالية العولمة في النظام العالمي الجديد."مجلة المفكر .العدد 2،مارس2003،ص142.
خلال عقد التسعينات،والذي يمكن إن يوفر لجهود التنمية(1500) مليار دولار،ف(1200)مليار دولار منها للدول المتقدمة و(300) مليار دولار للدول المتخلفة.
وبالتالي الحديث عن تطلعات المستقبلية لتنمية وتقوية الأمن الإنساني تستوجب الأخذ بعين الاعتبار كل هذه المشاكل التي شهدها النظام الدولي في الوقت الحالي،من اجل التوصل إلى تقليص اللامساواة و الفجوة العميقة بين سكان العالم.
ففي عام 1995 وضعت الأمم المتحدة هدفا استراتيجيا و المتمثل في تخفيض عدد الفقراء في المناطق التي تشهد فقرا كبيرا بنسبة(50)بالمائة وذلك سنة2015 أي رفع النصف منهم إلى خط الفقر الشديد،وذلك عن طريق استخدام وسائل إعادة توزيع الثروة أو الموارد الأولية بطرق أفضل، ولكن هذا عن طريق تطبيق النموذج الليبرالي الخاص بالتنمية والذي وضع في الثمانينات و التسعينات من القرن العشرين عن طريق المنظمات العالمية المهيمنة . هذا النموذج يضع ثقته في السوق الحرة و المؤسس على حرية انتقال رؤوس الأموال.(1)
هذا النظام الليبرالي الجديد يتطلب تنمية متواصلة لتحقيق أهداف الأمم المتحدة لتخفيض حدة الفقر . فاقتصاديات إفريقيا مثلا،بحاجة إلى إن تحقق تنمية بنسبة(7 بالمائة) في السنة، بشكل متوسط للوصول إلى الهدف عند حلول سنة 2015 ولكن السؤال المطروح دائما حول مستقبل الأمن الإنساني ، هل باستطاعة هذه النماذج الغربية تامين الأمن الإنساني لجميع إفراد الإنسانية في العالم؟(2)
فالحديث دائما عن تحقيقات الأمن الإنساني من منطلقات الأفكار الغربية تجسد اللامساواة ما بين الدول، ومنه المستقبل الزاهر للأمن الإنساني لا يتحقق إلا من خلال نماذج مستقلة مرتبطة بطبيعة المشاكل التي يعرفها كل مجتمع حتى يكون تعبير حقيقي على ما تشهده الدول.
.
(1):علي،أحمد الطراح،غسان ،سنو،مرحع سابق ،ص14.
(2): المرجع نفسه ، ص15.
خلاصة الفصل الأول:
تصور الأمن الإنساني مثل نقلة نوعية في طبيعة الدراسات الأمنية، التي كانت حكرا على الدولة فقط،ليفسح المجال إمام بروز الإفراد-المواطنين- كمركز اهتمام بالنسبة للقضايا الأمنية.
فالبحوث و السياسات هي المادة الأساسية التي سجلت و بوضوح تجاوز المقاربات التي تؤكد على امن الدولة في مواجهة التهديدات المختلفة.
ولقد وجد الأمن الإنساني مكانته الحقيقية التي تؤكد معناه في مقابل امن الدولة ذلك من خلال التصور الحديث . الذي اقر إن مهمة الدولة الأساسية هي توفير الحماية لمواطنيها ، فحفظ و بقاء الإنسان مقترن بالدولة بدرجة أولى، شئنا هذا أم أبينا فالواقع يفرض مسؤولية على الدولة تجاه إفرادها، فهي ملزمة بتوفير حد ادني من الظروف المعيشية والتنمية للمواطنين،وبالتالي امن الإنسان جزء من مسؤوليتها.
فالجديد مع الأمن الإنساني هو تحول مركز الاهتمام من الدولة إلى الفرد،أي من بنية تحتية لتحقيق الأمن للوصول في النهاية إلى تحقيق امن شامل، يشمل الدولة والأفراد معا.
المبحث الأول: مرتكزات تحقيق الأمن الإنساني
يرتكز مفهوم الأمن الإنساني بالأساس على صون الكرامة البشرية و كرامة الإنسان ، و كذلك تلبية احتياجاته المعنوية بجانب احتياجاتها المادية
، و الاقتراب الرئيسي هنا إن الأمن يمكن تحقيقه من خلال إتباع سياسات تنموية رشيدة ، و ان التهديد العسكري ليس هو الخطر الوحيد ، لكن يمكن إن يأخذ التهديد شكل الحرمان الاقتصادي ، انتقاص المواساة المقبولة في الحياة ، و عدم وجود ضمانات كافية لحقوق الإنسان و حرياته ، الحكم الراشدة ، المساواة الاجتماعية و سيادة القانون .(1)
كل هذه المرتكزات تعتبر جوهرية في تحقيق الأمن الإنساني إلا إن تطورات هذا الأخير أدت إلى ظهور العديد من المتطلبات الأخرى أو الركائز المختلفة لتحقيقه ، و سنتعرض لمرتكزات . تحقيق الأمن الإنساني في هذا المبحث من خلال ثلاث مستويات " محلي ، إقليمي و عالمي ".
المطلب الأول : على المستوى المحلي
و في هذا العنصر نحن بصدد الحديث عن مرتكزات تحقيق الأمن الإنساني في مستواه المحلي ، وهنا أريد أن أشير إلى إن أسس تحقيق الأمن الإنساني على الصعيد المحلي ، لها ارتباط كبير بقدرات الدولة ، و المتمثلة في مدى قدراتها على تحقيق متطلبات شعبها ، و خاصة في ما يتعلق بالضروريات . فضرورة التوصل لإطار ملائم لتحقيق امن الإنسان ، يتم من خلال التوفيق بين متطلبات الأمن الإنساني و امن الدولة ، فتحقيق أي منهما لا يمكن إن يتم بمعزل عن الآخر .(2)
و على الرغم من انه كما اشرنا سابقا ، إن تحقيق الأمن الإنساني متوقف على الدولة الذي تلعبه الدولة في هذا الشأن ، فعلى العكس من ذلك ، فهناك العديد من الأدلة التي تؤكد على إن للمواطنين دور إنتاج الأمن القومي الشامل .
(1): خديجة ،عرفة،مرجع سابق،ص3.
(2): المرجع نفسه ،ص3.
ومنه يتجسد الدور الوطني للمواطن في إنتاج الأمن القومي الشامل من خلال عضويتهم و عطائهم الايجابي لدولتهم و وطنهم في ميادين البناء و التقدم و حماية المكتسبات الوطنية ، و يتجسد ذلك من خلال مواجهة التحديات التي تهدد دولتهم و وطنهم ، و لعل من أهمها ما يلي : (1)
التحدي السياسي:
و دورا لمواطن هنا يتجسد بإقرار النظام السياسي الديمقراطي و الحفاظ عليه ، وحفظ كيان الدولة و مؤسساتها و أمنها العام .
التحدي الاجتماعي :
و دور المواطنين هنا يتجسد بالاحتجاج عن العرقية و الطائفية التي تهدد التماسك الاجتماعي الوطني .
التحدي الجنائي :
و دور المواطنين هنا يتجسد باستئصال عوامل و مسببات مكامن الجريمة العادية و المنظمة التي تزعزع الاستقرار الاجتماعي .
تحدي التطرف و الإرهاب :
و دور المواطنين هنا يتجسد باستئصال الإرهاب الفكري و الاجتماعي و السياسي و الإجرامي الذي يستهدف الإكراه و الفرض و الترويع لأمن و استقرار المجتمع و الدولة .
التحدي الاقتصادي :
و دور المواطنين هنا يتجسد بالعمل و المثابرة الذاتية و النشاط الفعال بعيدا عن الاسترخاء او الاحتيال ، و يتجسد أيضا بالنهوض المجتمعي صوب الفعل الاقتصادي الواعي و المدروس و المتطور بالتعاون مع الدولة و مؤسساتها .
تحدي النظام العام :
و دور المواطنين هنا يتجسد بالاحترام و الالتزام الكامل بمنظومة القوانين المنظمة للدولة .
(1):سليمان،نصيرات،مرجع سابق،ص 2.
التحدي الثقافي :
و دور المواطنين هنا يتجسد بالحفاظ على الأصالة القيمة الذاتية لمجتمعنا ، و الانفتاح على الثقافات و الحضارات لتدعيم التعايش و التناغم و السلام بين الأمم . و هناك ادوار عديدة على المواطنين تجسيدها لضمان خلق منظومات حماية متكاملة للمواطن و الوطن و الدولة كالتحديات المتصلة بالوضع العلمي و التربوي و الصحي .(1)
و في المقابل سهر المواطنين على تحقيق الأمن الوطني الشامل ، و كذلك يترتب على الدولة العديد من المسؤوليات ، التي تتحمل فيها هذه الأخيرة "الدولة" مسؤولية حماية شعبها و مواطنيها . فمن الناحية الاقتصادية يتمثل دور الدولة فيما يلي : (2)
- عملية إعادة بناء نظم و اقتصاديات الدولة يجب أن تنبع من اقتراب أنساني و إن تكون موجهة نحو خدمة و تحقيق امن الإفراد من خلال خلق المؤسسات الكفيلة بتحقيق متطلبات الأمن الإنساني و الرفاهية الإنسانية .
- إتباع الدولة سياسات تنموية رشيدة على المستوى المحلي بخلق نوع من التوازن بين متطلبات امن الإفراد و امن الدولة ، من خلال التوازن بين الإنفاق على الصحة و التعليم من جهة و الإنفاق العسكري من جهة أخرى .
- فوفقا لتقرير التنمية البشرية لعام 2001 يلاحظ انخفاض نسبتي الإنفاق على الصحة و التعليم مقارنة بالإنفاق العسكري كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي و خاصة في الدول ذات التنمية البشرية المنخفضة .(3)
- و هذا بسبب طغيان المؤسسة العسكرية و متطلباتها خاصة في العديد من دول العالم الثالث تحت ذريعة الأمن جعل تلك المؤسسة تطغى على المؤسسات الأخرى ، و منه الشراء المستمر للأسلحة و تكديسها على حساب الحاجات الأساسية للمواطنين .(4)
و بالتالي يجب تأكيد الدولة على التنمية و الصلاح الاقتصادي ، و ذلك بوضعها السياسات و الآليات التي تكفل توفير شبكة أمان فعالة للفئات الضعيفة و المتضررة من
(1): المرجع نفسه،ص2،3.
(2): خديجة ،عرفة،مرجع سابق،ص5.
(3) : المرجع نفسه، ص5.
(4):سليمان،نصيرات،مرجع سابق،ص 1.
.
عمليات الإصلاحات الهيكلية و المتمثلة بصفة خاصة في ( النساء ، الفقراء ، الأطفال و المجموعات الاثنية المهشمة تاريخيا ) و كذلك التزام الحكومات بالمعايير الدولية لحقوق الإنسان ، خلال مراحل التفاوض أو إبرام أو تنفيذ أية اتفاقيات تجارية أو اقتصادية أو مالية ( ثنائية أو جماعية ).(1)
إما على الصعيد السياسي فيتمثل دور الدولة في بناء كيانها على أسس الديمقراطية ، و دولة الإنسان القائمة على أساس القانون و العدل ... كذلك من خلال المواطنة الفعالة و التي ترتكز على ثوابت أساسية و هي : المساواة ، الحرية ، العدالة و الحماية كثوابت دائمة لتنظيم أسس العلاقة بين المواطن و العلاقة بين المواطن و الدولة بما يعود بالعطاء المتبادل بينهما .(2)
إن هذه الركائز تمثل البنى التحتية التي تستند إليها مصادق الحقوق الإنسانية و الوطنية للمواطنين كحق التصويت و الانتخاب و الترشح و الرقابة و الحكم ، و كحق الجنسية ، الهوية ، العقيدة ، الثقافة و اللغة ، وكحق التعبير و الرأي و النشر . و بالنظر إلى تلك الركائز نقر بان تمتع المواطن بها يجعل منه الحارس الأول و المدافع الأساسي عن حماية امن بلاده لأنه يدافع عن كيانه و حقوقه أمام أي تهديد .(3)
و منه تحقيق الرفاه و الأمن الإنساني بما تقدمه الدولة من خلق للظروف الملائمة للصحة بمفهومها الشامل أي بمراعاة الإبعاد النفسية ، الاجتماعية و العقلية ، فالدولة هي التي توفر أيضا بدورها الشروط التي تحصن الإنسان و تقيه من أن يقع ضحية للتعديات أو ينزلق في دروب التعدي على حقه ومصالح الآخرين ، إضافة إلى عامل المنع الذي يقوم على إيجاد السبل الكفيلة بوقف فعل الجريمة قبل وقوعها و جعل تنفيذها أمرا غير يسير . و مكافحتها بمواجهة الحالة و القضاء عليها من خلال الإجراءات الاستباقية أو إجراءات المعالجة من خلال الضبط و وضع اليد على الحالة و إعادة تأهيل الفرد تمهيدا لإعادة دمجه في المجتمع .(4)
(1): كمال، رزيق،مرجع سابق،ص7.
(2)::سليمان،نصيرات،مرجع سابق،ص 2.
(3): المرجع نفسه،ص2.
(4): المرجع نفسه،ص3.
وعليه فتحقيق الأمن الإنساني لا يتم بمعزل عن الأمن الذي تقدمه الدولة و لكن يتم ذلك أيضا و بأكثر ايجابية إذا هناك تنسيق في المجهودات من طرف المواطن و الدولة .
المطلب الثاني: على المستوى الإقليمي
في ظل صعوبة وتعقد وتشابك قضايا الأمن الإنساني فان التعاون الإقليمي يعد إطارا ملائما لمواجهة مصادر تهديد الأمن الإنساني وخاصة في قضايا مثل اللاجئين . وفي هذا الشأن نجد إن هناك سعي من طرف المنظمات الإقليمية في الاهتمام بقضايا الأمن الإنساني.
ومنه يمكننا أن نذكر بعض المجهودات(لبعض المنظمات الإقليمية) في ما تعلق بتحقيق الأمن الإنساني(1)
فمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا تركز على التدريب في مجال حقوق الإنسان ، وتقديم الدعم لوسائط الإعلام المستقلة ، وإعادة إدماج المقاتلين السابقين ، ورصد الانتخابات ، و التدريب ، وبناء القدرات.
ويربط جدول أعمال السلام و الأمن الخاص بالشراكة الجديدة من اجل التنمية في إفريقيا بين القضايا السياسية والأمنية و الإنمائية على كل من الصعيد الإقليمي والوطني و المجتمعي .ومن الممكن إن يشكل أساسا لوضع استراتيجيات شاملة تجعل امن الإنسان هو المحور.
ويتيح إطلاق إشارة بدا الاتحاد الإفريقي في منتصف عام2002 فرصا جديدة كتفعيل آلية منع الصراعات .
فمن خلال مبتكرات مؤسسية حديثة العهد، من قبيل إنشاء برلمان لعموم إفريقيا ومجلس للسلام و الأمن فيها مكون من خمسة عشرة عضو بارزا ، سيشارك الناس في إدارة دواعي القلق الإقليمية في إفريقيا بطريقة مباشرة بدرجة اكبر.(2)
وباستطاعة الآليات الإقليمية لحقوق الإنسان-التي يلجا إليها الإفراد في أوقات الصراع-إن تعالج التزامات الدولة، مثلما فعلت لجنة البلدان الأمريكية ومحكمة حقوق الإنسان إثناء
(1): هيئة الأمم المتحدة،"الناس المحاصرون في صراعات عنيفة".تقرير لجنة امن الإنسان.2001 ،ص25 .
(2): المرجع نفسه،ص29.
الصراعات الدينية في غواتيمالا والسلفادور و لنيكاراغوا.وتدعو منظمة الأمن و التعاون في أوروبا إلى حماية حقوق الإنسان من خلال برنامج "البعد الإنساني" التابع لها الذي يربط بين القضايا الأمنية المتعددة الإطراف وتزايد احترام حقوق الإنسان المحلية والتحول إلى الديمقراطية.
وتتناول مفهوم سامي المعنى مرتبط بالأوليات القومية بين الجماعات الاثنية في حالات الصراع.(1)
وفي إفريقيا يوفر ميثاق حقوق الإنسان و الشعوب،محكمة حقوق الإنسان والشعوب الإطار المعياري و المؤسسي لحماية الناس ، إلا أن الافتقار إلى القدرة المؤسسية أعاق عملية التنفيذ.ويتيح الاتحاد الإفريقي المنشأ حديثا فرصا لحماية حقوق الإنسان والتصدي للتجاوزات في أثناء الصراعات .وفي آسيا ، يعمل المجتمع المدني بمهمة في سبيل إدراج حقوق الإنسان على جدول الأعمال الإقليمي للتجاوزات في إثناء الصراعات.(2)
ومن اللازم أيضا وجود تعاون إقليمي و دولي لتسخير الموارد التقنية والبشرية لمنع الصراعات أو التخفيف منها، ولمعالجة القضايا العابرة للحدود من قبيل الهجرة، التشريد القسري وانتشار الأمراض المعدية.(3)
والسهر على التنمية بين الدول في إطارها الإقليمي ، لأنها جوهرية لتكملة تعبئة الموارد الداخلية للحد من انعدام الأمن الاقتصادي.وتتيح الترتيبات المؤسسية المبتكرة، من قبيل الشراكة الجديدة من اجل التنمية في إفريقيا،فرصا لتعميم مفهوم امن الإنسان ولإسناد مزيد من المسؤولية إلى إفريقيا عن تقرير مستقبلها.
ومع هذا نجد أن دور المنظمات الإقليمية مازال محدودا ،فبجانب الاتفاقيات التجارية والاقتصادية ، فالمنظمات الإقليمية مطالبة بتوجيه مزيد من الاهتمام لقضايا الأمن الإنساني ومنها قضايا اللاجئين ،والحاجة إلى التفعيل فيما بينها لمواجهة التحديات من مشكلات لاجئين-كما ذكرنا سابقا-وتجارة المخدرات و الجريمة المنظمة.(4)
(1):المرجع نفسه ،ص25.
(2):المرجع نفسه ،ص29.
(3): هيئة الأمم المتحدة للتنمية،"التوعية لتحقيق امن الإنسان".تقرير لجنة امن الإنسان. 2001 ،ص169
(4): خديجة ،عرفة،مرجع سابق،ص2،4.
فلهذه التحركات السكانية الضخمة آثار سلبية على امن الدولة المستقلة، لان توافد اللاجئين على الدول بصفة غير شرعية يؤدي إلى انتشار الأمراض، مثل الايدز.(1)
المطلب الثالث: على المستوى العالمي
قضايا الأمن الإنساني قضايا كونية أو عالمية ومواجهتها تتطلب سياسات رشيدة وتعاون على المستوى العالمي .ومن ابرز المتطلبات على المستوى العالمي لتحقيق الأمن الإنساني:
إدخال بعض الإصلاحات على نظام المم المتحدة بحيث يصبح أكثر استجابة لمتطلبات الأمن الإنساني ، ويمكن اقتراح إنشاء لجنة للأمن الإنساني في إطار المنظمة يكون هدفها دراسة أوضاع الأمن الإنساني في مختلف إنحاء العالم وتقديم تقاريرها في هذا الصدد، ومن ناحية أخرى هناك ضرورة للتوصل إلى أداة إلزامية تلزم بتنفيذ تعهداتها الدولية في إطار الاتفاقات الدولية المتعلقة بقضايا حقوق الإنسان.
يتطلب تحقيق الأمن الإنساني نموذجا جديدا للتنمية ، وتحقيق هذا النوع من التنمية البشرية يتطلب درجة عالية من التعاون العالمي لتحقيق التنمية، أي تصميم إطار جديد للتعاون التنموي ليلائم التزامات الأمن الإنساني. وتتركز تلك السياسة التنموية على محاربة الفقر على المستوى العالمي ومكافحة انتشار مرض الايدز،ومحاربة التلوث البيئي.(2)
إن التقارب بين التنمية و الأمور الأمنية أصبح الشغل الشاغل للمنظمات ذات الهيمنة العالمية.وهذا الاشتغال ليس نابعا فقط من ازدياد اهتمام قيادات المنظمات ذات الهيمنة العالمية ، بل أيضا من تأثر الإنسانية بشكل مباشر بالتنمية وعلاقتها بالنواحي الأمنية ،الاجتماعية،الاقتصادية والسياسية، ذلك لان الأغلبية العظمى من سكان الأرض يتأثرون بشكل مباشر بالتنمية وعلاقاتها بالأمن الإنساني،الاقتصادي ،الاجتماعي والسياسي.وكما قال نيلسون مانديلا"Nelson Mandela" في معرض حديثه عن احتياجات الناس العاديين "إن تتاح لهم الفرصة البسيطة لحياة محترمة ، و أن يؤمن لهم السكن المناسب و الطعام الذي
(1): هيئة الأمم المتحدة للتنمية،"الناس المتنقلون".تقرير لجنة امن الإنسان.2001 . ص 2-5 .
(2) : المرجع نفسه،ص5.
يأكلونه ، وان تتاح لهم القدرة للعناية بأطفالهم ، و أن يحيوا حياة كريمة ، و أن يحصلوا على العناية الصحية اللائقة ، و أن يسمح لهم بفرص العمل المأجور ".(1)
و في هذا الإطار تقترح لجنة امن الإنسان تعبئة مبادرة عالمية لإدراج امن الإنسان على قمة جداول الأعمال المحلية و الوطنية و الإقليمية و العالمية . و تتمثل الغايات المستهدفة من ذلك فيما يلي : منع الصراعات و تعزيز حقوق الإنسان و التنمية . حماية و تمكين الناس و مجتمعاتهم المحلية و تعميق المبادئ و الممارسات الديمقراطية . و إن تعمل جداول الأعمال جميعها على إشاعة ثقافة امن الإنسان و على وضع إطار مناسب له .(2)
فتحقيق امن الإنسان يرتكز على تغيير الطريقة التي تسعى بها العناصر الفعالة المحلية و الوطنية و العالمية في تحقيق مهامها ، و بالتالي تحقيق امن الإنسان يتطلب ما يلي : (3)
- تحقيق التكامل بين شواغل التنمية و أنشطة الوكالات المعنية بحقوق الإنسان و الوكالات المعنية بتقديم المساعدة الإنسانية .
- تكملة الغايات الإنمائية للألفية بالتصدي للصراعات و لانتهاكات حقوق الإنسان .
- زيادة المساعدة الإنمائية الرسمية لاستعاب هذه التوجيهات الجديدة ، مع ايلاء اهتمام خاص للبلدان المختلفة و للدول المتعثرة و المتخلى عنها .(4)
و بالتالي توصي لجنة امن الإنسان بضرورة تنسيق الجهود العالمية من اجل تحقيق امن الإنسان و ذلك عن طريق (5)
- حماية الناس في الصراعات العنيفة .
- حماية الناس من انتشار الأسلحة .
- دعم الأمن الإنساني للمتنقلين .
- إقامة صناديق انتقالية لأمن الإنسان من اجل حالات ما بعد الفقر المدقع.
- توفير مستويات المعيشة التي تمثل حدا أدنى في كل مكان .
. (1):علي،أحمد الطراح،غسان ،سنو،مرحع سابق ،ص13
(2): هيئة الأمم المتحدة للتنمية،"طرائق لتعزيز امن الناس".تقريرلجنة امن الإنسان.2001 ،ص131.
(3) : المرجع نفسه،131.
(4) : المرجع نفسه،ص131.
(5) : المرجع نفسه،ص133.
- منح الأولوية لحصول الجميع على الرعاية الصحية الأساسية .
- تمكين جميع الناس بواسطة توفير التعليم الأساسي للجميع ، عن طريق بذل جهود عالمية و وطنية أقوى بكثير .
المبحث الثاني : تحديات الأمن الإنساني
و نحن بصدد الحديد الأمن الإنساني ، لاحظنا أن هناك العديد من المشاكل التي واجهت امن الإنسانية ، و تشكل خطرا كبيرا على حياتها ، فبغض النظر عن الآثار الناجمة عن المشاكل المرتبطة بالبشر في حد ذاتهم ، أي مرتبطة بأفعال البشر – من نزاعات ، حروب و غيرها تظهر مشاكل من نوع آخر ترتبط أساسا بمصادر طبيعية ، و هذه الأخيرة لها أهمية كبيرة في حياة الإنسان ، و عدم توفرها أو ندرتها يشكل خطرا مباشرا على حياة الإنسان ، غنية و فقيرة ، سواء تعلق الأمر بالدول الغنية أو الفقيرة – فالكل أصبح مهدد بفعل هذه الإخطار المتعلقة بطبيعة المشاكل البيئية و غيرها .
المطلب الأول : المياه كرهان للأمن الإنساني
بدون المياه يستحيل البقاء على قيد الحياة ، سواء كان بقاء الإنسان أو غيره . و يوجد تفاوت في توزيع الإمدادات القليلة نسبيا من المياه العذبة الموجودة على كوكبنا بشكل يسهل الحصول عليه . إذ يفتقر واحد بين كل خمسة أشخاص إلى إمكانية الحصول على مياه مأمونة . و يفتقر ما يقرب من نصف سكان العالم إلى الصرف الصحي الملائم . و يموت أكثر من 1.7 مليون شخص كل سنة لأمراض مرتبطة بسوء إمدادات المياه و الصرف الصحي .(1)
فندرة المياه الصالحة تهدد ثلثين من سكان العالم ، و ذلك كتقديرات لسنة 2025 . لان كمية المياه التي كانت موجودة في السابق أصبحت لا تتناسب و تضاعف العدد البشري – و هي بذلك تضاعف الحاجة إلى الماء من طرف البشر لصحتهم و حياتهم – و هذا الطرح يهدف إلى تبيان مدى أهمية الماء في الأمن الإنساني .(2)
(1): الأمم المتحدة، إدارة الشؤون الإعلام،"المياه:مسالة حياة أو موت".متحصل عليه من:www.un.org
(2): Jean-françois,Rioux,op-cit,p101.
فالعلاقة بين الماء و الأمن الإنساني وطيدة ، لان الماء يعد من الأساسيات بالنسبة لحياة الإنسان – إذا ما قارنا بالاحتياجات الضرورية للإنسان كالأكل و السكن و الشرب .
الماء يصبح بذلك العنصر الأهم ، بالرغم من إن كل الاحتياجات و هي ضرورية أيضا لحياة الإنسان .
و لقد تم استعمال هذا التصور – الماء ضروري للأمن الإنساني – من طرف هيئة الأمم المتحدة للتغذية و الزراعة ""FAO، و هذا ما يترتب عليه في درجة ثانية طرح العلاقة بين الأمن الإنساني و استقرار الدولة ، و ذلك بالنظر إلى إمكانية حدوث نزاعات حول ثروة المياه .(1)
و منه ، ما هي طبيعة المشاكل العالمية للمياه ؟
مع مرور الزمن تصبح أزمة المياه أكثر أهمية و تعقيدا . فالكثيرون يجهلون بان المياه التي تغطي أو تسيطر على خريطة العالم تمثل نسبة 97.5 % منها مياه مالحة ، في حين ان المياه العذبة لا تمثل إلا 2.5 % ، و بالتالي نسبة 70 % من المياه مجمدة في القطبين والباقي منها موجود على شكل رطوبة في جوف الأرض. وفي النهاية لا تبقى سوى نسبة 0.007 % من الماء الصالح للشرب في المتناول.(2)
ولكون ان هذه الثروة المائية "الذهب الأزرق" موزعة على الخريطة الجغرافية بطريقة متساوية ، فنجد ان تسعة دول تمتلك 60 % من المياه،في حين إن 80 دولة أخرى لا تمتلك الماء حتى لتلبية احتياجاتها ومثال ذلك انه في جنوب إفريقيا نجد 600.000 فلاح من البيض يستغلون 60 % من المياه ،في حين ان 15 مليون من المواطنين السود محرومين من حق التمتع بهذه الثروة المائية، هذا ما يظهر الفرو قات الشاسعة في استغلال هذه المادة الحيوية الأساسية.(3)
وبالنظر إلى كل تلك الظروف ينصب القلق المتزايد بشان توافر المياه واستخدامها ،على قضايا إمكانية الحصول عليها والإنصاف في توزيعها ، وبالتالي تزايد الاحتياجات الى
(1):Ibid,p102.
(2):Ibid,p103.
(3):Ibid,p104.
المياه ، تفرض ضرورة تلبيتها –وبخاصة في الاقتصاديات النامية- هذا ما من شانه أن يفرض خيارات صعبة على الحكومات .وعدم الاستجابة لتلك المتطلبات تنطوي على تكاليف بشرية ، وبالاظافة إلى مخاطر اقتصادية وسياسية كبيرة،منها انعدام الأمن الغذائي ، وانقطاع الكهرباء...وغيرها .(1)
فمشاكل المياه،هي من بين قضايا الخدمات العامة التي تؤدي الى تسارع المجتمعات بمسائلة الحكومات عنها.وهذا ما يفرض ضغوطا كبيرة على العلاقات(2)
- داخل البلدان وبينها.
- بين سكان الريف وسكان الحضر.
- بين المصالح المتعلقة بمنابع الأنهار ومصباته،مما يؤثر على قيد الحياة وعلى سبل عيشهم.
- بين المستخدمين الزراعيين و الصناعيين وفي المنازل.
- بين احتياجات الإنسان ومتطلبات أن تكون البيئة صحية.
وهذا ما يفسر التوترات التي يعرفها العالم بشان مشاريع السدود الضخمة،وذلك بسبب أن مشروعات تركيا على نهري الدجلة والفرات، ومشروعات إسرائيل حول مياه انهار جبل لبنان.ومشروعات إثيوبيا حول مياه نهر النيل ، كل هذه تؤدي إلى تهديد نصيب منخفض وبازدياد عدد السكان-وبالتالي يتمخض عن كل هذا الضعف تأزم العلاقات على الساحة الدولية.(3)
ومع ذلك لا يمكن السماح لشحنة المياه بان تحصر الناس و الدول في صراع تنافسي ولا يتمثل التحدي في تعبئة القوى للتنافس على المياه بل يتمثل في التعاون للتوفيق بين الاحتياجات المتعارضة.ولذلك فان إدارة موارد المياه تمثل عنصرا هاما في المجهودات الرامية إلى بناء مجتمع عادل اجتماعيا وبيئيا.
(1): "امن الإنسان الآن"،مرجع سابق،ص15.
(2) : المرجع نفسه،ص15.
(3): أبو مدحت، مرجع سابق،ص71.
المطلب الثاني: الأمن الإنساني وسباق التسلح الجديد
واحدة من إبعاد الأمن الإنساني ترجع إلى مستوى النزاعات الدولية ، والتي يعد مقياسها الأساسي في حد ذاته "مستوى التسلح" .فهذا المستوى من التسلح ليس عاملا من عوامل اللاامن الإنساني ،ولكن بالعكس من ذلك ،فهو نوع من المجهودات الدفاعية التي تضمن الأمن،لكن بشرط إن يكون مستوى التسلح ذو طبيعة لا تهدد باستعمال القوة،فإحداث التوازن الجهوي ،وبالتالي لا يجب أن يفهم السعي إلى التسلح ذو طبيعة لا تهدد التوازن الجهوي ، وبالتالي لا يجب إن يفهم السعي إلى التسلح بأنه تهديد باستعمال القوة، فإحداث التوازن بين كميات التسلح وتوفير الاحتياجات الإنسانية فهي تدخل في قلب الأمن الإنساني العالمي.(1)
فبعد سنوات من سقوط جدار برلين وفي نهاية الحرب الباردة كنا نأمل بان العالم يستفيد من السلام ، ولكن استنتجنا بان الأمن لن يتحقق.
بداية،فانه في منتصف سنوات التسعينات المصاريف العسكرية عرفت انخفاضا وتراجعا فيما يخص التجارة العالمية للأسلحة،إلا أن هذا التراجع في مستوى التسلح سرعان ما عرف تغذية قوية من جديد بسبب حرب "العراق و إيران" التي خلفت من ورائها آثار سلبية بشرية هائلة ومادية هذا من جهة،ومن جهة أخرى عرفت هذه الحرب تطورا هاما فيما يخص مصاريف الدفاع، وخاصة فيما تعلق بالميزانية الأمريكية وسياسة الرئيس "Reagan" خاصة من خلال مبادرة الدفاع الاستراتيجي في بداية سنة2000 شهدت تزايد المصاريف العسكرية،بالاظافة إلى ارتفاع نسبة التجارة العالمية للتسلح،وهذه الحركية من شانها أن تعرف تضاعفا في المستقبل،مما يؤدي إلى جعل المصاريف العسكرية أكثر تكلفة.(2 )
وبالاظافة إلى كل ذلك،تم تحليل حرب الخليج "Guerre Du Golf" على أنها"الحلقة الأخيرة " من سلسلة الحروب التي سجلتها الحقبة الماضية،إلا انه على الرغم من ذلك مازال العالم يشهد سلسلة من الحروب المتتالية في أوروبا،إفريقيا و أقصى آسيا وهذا دون التطرق
(1): Jean-françois,Rioux,op-cit,p137.
(2):Ibid,p138.
بالحديث عن الحروب المدنية المنسية،مثل الحرب الدامية في كولومبيا"حرب أهلية تتشابك فيها العديد من القضايا من أبرزها المخدرات" ، فبدل إن يعم استقرار العالم بعد زوال القطبية الثنائية،عرف العالم حسب ما عبر عنه آلان جوكس"Alain Joxe" بما سماه "إمبراطورية الفوضى"،"فالقرن الواحد و العشرين،يعبر عن عالم مبني على أساس الفوارق و الافتقار لضروريات ،فكل الفصائل الإنسانية تبدو وكأنها وقعت في فخ العنف المثير و المتعدد الأشكال".(1)
ومنه ظهرت حاجة كبيرة إلى وقف انتشار الأسلحة التي تهدد امن الناس ونلاحظ أن أربعة من الأعضاء الدائمين لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة و المتمثلين في فرنسا،روسيا،بريطانيا، الولايات المتحدة الأمريكية ،مسئولون عن78 بالمائة من صادرات العالم من الأسلحة التقليدية،أما ألمانيا وهي المساهمة الرئيسية المتبقية،فهي مسئولة عن نسبة إضافية قدرها5 بالمائة وحوالي ثلثي هذه الصادرات تتجه إلى بلدان النامية.وتجارة الأسلحة هذه تأجج الصراعات العنيفة و تكون لها أيضا تأثيرات رهيبة غير مباشرة على المجتمع و السياسات و الاقتصاد.(2)
فانتشار أسلحة الدمار الشامل ، و التحرك الحالي نحو صنع أسلحة الدمار الشامل-نووية وكيميائية وبيولوجيو- يعرض للخطر الناس في كل من البلدان النامية و البلدان التقدمة النمو.ويجب مضاعفة الجهود لتعزيز نظام عدم الانتشار النووي ولمراقبة تنفيذ المعاهدات و الاتفاقات الأخرى وتشجيع ذلك التنفيذ.ويجب أن يتناول النقاش العام بشان سياسات الجهود الرامية إلى وقف الانتشار.(3)
وبالتالي يجب النظر في كل أنواع النزاعات ،حيث يجب فرض مراقبة صارمة على الأسلحة الخفيفة،لان الخطر الذي تمثله يشابه أو يعادل الأسلحة النووية.
(1):Ibid,p138.
(2): هيئة الامم المتحدة للتنمية،"طرائق لتعزيز امن الناس" ،مرجع سابق ،ص134.
(3): Jean-françois,Rioux,op-cit,p149.
إلا انه ما يمكننا الإشارة إليه،بأنه كان من المفروض إن يتقلص التهديد النووي نتيجة لمعاهدات حضر الانتشار و الخطر الكامل للتجارب النووية لكن الواقع يقول أن التهديد مازال قائما سواء من الدول النووية والتي كان الهدف إزالة أسلحتها النووية أو من الدول التي أصبحت نووية مثل إسرائيل و الهند وباكستان. كل هذه التطورات من شانها أن تؤثر سلبا على الإنسانية ومنه تهديد الأمن الإنساني.
خلاصة الفصل الثاني:
مما تقدم نلاحظ إن طرح قضية الأمن الإنساني ،تعتبر من المواضيع البالغة الحساسية والتي يجب أن تكون على رأس قائمة الأولويات بالنسبة للعديد من الدول المتقدمة او النامية على حد سواء ، وذلك من خلال السهر على تحقيق الأمن الإنساني بالنظر إلى مختلف مستويات للتوصل في نهاية المطاف إلى عالم يتوفر على درجة عالية من امن الإنسان.
إلا إن الحديث عن تحقيق الأمن الإنساني لا يمكن التوصل إليه بكل بساطة لأنه يمثل ظاهرة معقدة و متشابكة خاصة في ظل تطور التحديات المواجهة له وتصاعد النزاعات الاثنية و الإعمال الإرهابية ، وانتشار الفقر،كلها أسباب تجعل امن الإنسان على شفير الهاوية،هذا ما يستدعي ضرورة وضع أسس جديدة للتعامل مع هذه القضايا الخطيرة من اجل تجاوزها.وذلك من خلال طرح بدائل التعاون الاقتصادي ونشر ثقافة السلم في العالم للتوصل إلى امن الإنساني الذي يمثل الطموح الحقيقي الذي تصبو إليه جميع البشرية.
الخاتمة
مما تقدم نستنتج أن دراسات الأمن التي ارتبطت مدة طويلة بتفسيرات المنظور التقليدي الذي كان يتمحور حول امن الدولة وكيفية استعمالها لقوتها في إدارة الأخطار التي تهدد استقلالها وسلامة وحدتها الترابية ،عرفت تراجعا كبيرا بسبب التحولات العميقة التي شهدها النظام الدولي خاصة بعد إحداث 11 سبتمبر 2001 ، والتي أدت إلى تغيير كبير في مفهوم الأمن ،وذلك بسبب التحول في طبيعة التهديدات و مصادرها ،حيث أصبحت لها صفة العالمية،فهي لا تهدد الدولة الواحدة فقط،بل تمس بأمن جميع الدول على حد السواء.
وبالنظر إلى كل تلك التحولات التي شهدها النظام الدولي ، تدعمت تبعا له العديد من وجهات النظر النقدية التي دعت إلى ضرورة إعادة النظر في مفهوم الأمن،وذلك بهدف صياغة مفاهيم أخرى له تكون أكثر ملائمة لطبيعة التحولات الجارية ،وهذا ما أثمر ظهور العديد من المفاهيم و أبرزها مفهوم الأمن الإنساني.
واستنادا إلى هذه الدراسة التي قمنا بها ،يمكن إن نقدم مجموعة من الاستنتاجات الأساسية التي توصلنا إليها كخلاصة لعملنا هذا:
- مفهوم الأمن الإنساني جاء كنتاج لمجموعة التحولات التي شهدتها فترة ما بعد الحرب الباردة ،ولقد مثل نقاة نوعية في طبيعة الدراسات الأمنية التي كانت حكرا على الدولة فقط.
- سجل الأمن الإنساني وبوضوح تجاوزا نظريا لمضامين الأمن التقليدية، التي تؤكد على الدولة كمركز للأمن ، ليفسح مجال اكبر إمام امن الإفراد، من خلال الاهتمام بقضاياهم ومتطلباتهم.
- الحديث عن الأمن الإنساني كتصور نقدي للأمن بمضامينه التقليدية لا يعني انه مثل قطيعة حقيقية مع امن الدولة، فامن الإنسان يبقى مهما يكن مرتبط بأمن الدولة فالدولة هي المسؤولية الأولى على تامين أفرادها في مختلف الميادين هذا من جهة ومن جهة أخرى فهي مسئولة أيضا عن حماية أرضها وشعبها من التهديدات الخارجية ،فالاحتلال يعني غياب امن الدولة و المواطن على حد السواء.
- بالرغم من الجهود المبذولة في سبيل تحقيق الأمن الإنساني ،مازال الموضوع يعرف تراجعا بسبب تصاعد التحديات في مواجهته من انتشار أسلحة الدمار الشامل،تصاعد النزاعات الاثنية والأعمال الإرهابية وكذلك انتشار الفقر و الأمراض الخطيرة...
- تحقيق الأمن الإنساني يستدعي ضرورة وضع استراتيجيات فعالة من اجل تجاوز القضايا الخطيرة التي تواجه وتحول دون تحقيقه،وذلك من خلال طرح بدائل التعاون الاقتصادي و تفعيل الشراكة و التكامل بين مختلف الدول من اجل مواجهة المشاكل الخطيرة التي تهدد امن الناس و الدول خاصة ظاهرة الإرهاب.
ومنه نستنتج بان الأمن الإنساني مازال قيد الطموحات النظرية، بعيدا عن الممارسات التطبيقية الفعلية رغم التأييد الذي تلقاه، وهذا بسبب انتشار اللامساواة وغياب العدل على المستوى الداخلي للعديد من الدول هذا من جهة ،وبسبب التطرف العنصري في استخدامات الأمن الإنساني على المستوى الدولي من جهة أخرى،فالعديد من الدول تتدخل باسم حماية الإنسان و حقوقه بهدف تحقيق مصالح خاصة بها وهنا تطغى مصلحة الدولة القومية على الأهداف الإنسانية،ومثال ذلك الولايات المتحدة الأمريكية و النتائج السلبية التي خافتها من خلال حربها على العراق.
ورغم كل التحديات المطروحة في مواجهة الأمن الإنساني، لا يمكننا ان ننكر بان التغير النوعي الذي عرفه حقل الدراسات الأمنية تطور من منطلق هذه النقاشات النقدية التي أقرت بتحول بعض الافتراضات الأساسية للمعادلة الأمنية في العلاقات الدولية وذلك بسبب نقل مستوى التحليل من الدولة إلى الفرد.
قائمة المراجع:
أ- من الكتب:
1 : الجحني،علي بن فايز،الاعلام الامني و الوقاية من الجريمة . الرياض:
اكاديمية نايف العربية للعلوم الامنية،2000 .
2: معمر،بوزنادة،المنظمات الإقليمية و نظام الأمن الجماعي .الجزائر:ديوان المطبوعات الجامعية،1992.ص14،15
3 : خضور،اديب،اولويات تطوير الاعلام الامني العربي:واقعه وافاق تطوره .
الرياض: اكادمية نايف العربية للعلوم الامنية،1999 .
4 : سعد الله،عمر،حقوق الانسان وحقوق الشعوب.القاهرة: دار النهضة،2002 .
5 : قادري،عبد العزيز،حقوق الانسان وحقوق الشعوب.القاهرة: دار النهضة،2003.
6 : مدحت،ايوب،الامن القومي العربي في عالم متغير.القاهرة: مركز البحوث
العربية ،2003 .
ب- من المقالات:
1 : احمد الطراح،علي،منير حمزة سنو،غسان،"الهيمنة الاقتصادية العالمية و التنمية
و الامن الانساني".مجلة العلوم الانسانية.العدد4 ،ماي2003 ،ص11-17.
2 :برقاوي،احمد،"نحو تحديد نظري للامن القومي العربي".مركز الدراسات و
البحوث الاستراتيجية.2003 ،ص72-80 .
3: زقاع ،عادل، "اعادة صياغة مفهوم الامن -برنامج البحث في الامن المجتمعي-"
01 /09 / 2005 ،ص1-8 .
4 : سامر،موسى،"العلاقة بين القانون الدولي الانساني والقانون الدولي لحقوق
الانسان".المنتدى القانوني.العدد1 ،ماي2005 ،ص 147 .
5 : عرفة،خديجة،"تحولات مفهوم الامن...الانسان اولا".مركز الدراسات الاسيوية.
2003 ،ص3-5 .
6 : غينولا،فرين،"اعادة النظر في مفهوم الامن: ضرورة لافريقيا؟".
مركز البرلمانات المتحدة من اجل وحدة افريقيا. حزيران2002 ،ص2-3
7 : فريجة،حسين،"اشكالية الامن الانساني وعلاقته بقضايا التنمية،الديموقراطية
وحقوق الانسان".الشروق اليومي.العدد1012 ،1 مارس 2004 ،ص15 .
8 : هيئة الامم المتحدة للتنمية ،"الامن الاقتصادي-القدرة على الاختيار بين الفرص"
تقرير لجنة امن الانسان.2001 ،ص85 .
9 :هيئة الامم المتحدة،"الناس المحاصرون في صراعات عنيفة".تقرير لجنة امن
الانسان.2001 ،ص21-29 .
10 :هيئة الامم المتحدة للتنمية،"التوعية لتحقيق امن الانسان".تقرير لجنة امن
الانسان. 2001 ،ص169.
11 :هيئة الامم المتحدة للتنمية،"الناس المتنقلون".تقرير لجنة امن الانسان.2001 .
ص 2-5 .
12 : هيئة الامم المتحدة للتنمية،"طرائق لتعزيز امن الناس".تقريرلجنة امن الانسان.
2001 ،ص131-134 .
13 : هيئة الامم المتحدة للتنمية،"امن الانسان الان".تقرير لجنة امن الانسان.2001
ص6-8 .
14:غازي،ربابعة،"إشكالية العولمة في النظام العالمي الجديد."مجلة المفكر .العدد 2،مارس2003،ص142.
ج: من الانترنت:
1 :نصيرات،سليمان،"مفهوم الامن الانساني-نظرة متجددة-".ص1-2 .متحصل
عليه من :www. Islamonline.net
2 : رزيق،كمال،"التنمية المستدامة في الوطن العربي من خلال الحكم الصالح و
الديمقراطية".مجلة العلوم الاتسانية.العدد25 ،نوفمبر2005 .متحصل
عليه من :www. Uluminsania.net
3 : الامم المتحدة، ادارة الشؤون الاعلام،"المياه:مسالة حياة او موت".متحصل
عليه من:www.un.org
A: LES OUVRAGES:
1:Charle-Philippe,David,Roche,Jean-Jacques,Théories
De la sécurité définition,approches et cencepts de la sécurité internationale.Paris:éditions Monchrestien,2002.
2:Le petite Larousse(Grand format,illustré couleur). France:édition Larousse,2001.
3 :Rioux,Jean-François,La sécurité humaine:Une
Nouvelle conception des relation international.
Paris:L’Harmattan,2001.
B:LES périodiques:
1:Arniel,Barbara;"Le changement de paradigme de la
Sécurité humain:Nouveau regard sur la politique étrangére du canada?"Centre canada pour le développent de la politique étrangére.N°1019,le 18 juin 1999,p1-11.
2 :Geiser,Christian,"Approches sur les conflits
Ethniques et les réfugiés".presses de science po.1997,p13-17.
3 :Hariman,Robert,"le post-réalisme après le 11
Septembre"étude internationales.N°4,décembre2004,p689.
4 :Ramel,Frédéric,"la sécurité humain:Une valeur de
Rupture dans le cultures stratégique au nord?".Revue études internationales.N°1,mars2003,p9-92.
5 :UNDP,"Rappirts mondial sur le développement
Humain 1994".Developpement humain.1994,p23.
6 :Bajpai,Kahnti,"Human security:Concept and
Measurement ",Kroc institute.August2000,p1-9.
7 :Bothan;Oliver,Rams,"Humanitarian
intervention1990:A need to reconceptualize?"Review of international.Mai1997,p23.
تمثل نهاية الحرب الباردة تحولا استراتيجيا لا مثيل له منذ بروز الثنائية القطبية بعد الحرب العالمية الثانية ، وقد أدى هذا التحول إلى بروز نظام راجت تسميته بالعولمة ، حيث شهد هذا الأخير ظهور فواعل جديدة أضيفت إلى الفواعل التقليدية في العلاقات الدولية لا تقل من حيث نفوذها عن الدول.
في هذا المنظور نجد إن الدولة القومية التي سيطرت على الساحة الدولية منذ اتفاقية واستفاليا عام 1648 أصبحت الآن في تنافس مع الفواعل التي تمثل رأس المال العالمي والتي تسعى لإيجاد نظام قائم على الحرية الاقتصادية التامة وفق المبادئ النيوليبرالية.
و على مدى عقود طويلة تناول الباحثين دومًا مفهوم الأمن من منظور الدولة .
وظهرت في هذا الإطار تعريفات متعددة للأمن تنطلق جميعها من الحفاظ على سيادة الدولة وحدودها وتأمين مصالحها في مواجهة التهديدات الخارجية، وركزت الدراسات على مفاهيم الأمن القومي.
ومنذ مطلع التسعينات وفى إطار حركة العولمة والثورة التكنولوجية والاتصالية وتقلص الحدود الفاصلة بين الدول، وبروز تهديدات وتحديات أمنية تتجاوز حدود الدول بل وتفرض التعاون بينها لمواجهتها، ظهرت مفاهيم جديدة اكتسبت أهمية في الدراسات الاسترتيجية والأمنية.
كما يعد موضوع الأمن بصفة عامة من المواضيع المدرجة ضمن حقل العلاقات الدولية، وما زاد أمره أكثر أهمية وتعقيدا التحولات الكبرى التي شهدها النظام الدولي، خاصة منها المتعلقة بإحداث 11 سبتمبر 2001 والتي أفضت إلى مسالة إعادة النظر في مضامين الأمن مشكلة بذلك السبب و الحجة القوية للباحثين و الدارسين بالتوجه نحو توسيع المفاهيم وتطوير النظريات المتعلقة بالقضايا الأمنية. ولقد برز مفهوم الأمن الإنساني كنتاج لمجموعة التحولات التي شهدتها فترة ما بعد الحرب الباردة ازدادت أهميته في الوقت الراهن ارتباطا بإحداث 11 سبتمبر2001 ، وذلك نظرا لما أصبحت الدولة تواجهه من تهديدات جديدة ، تجاوزت العديد من الاعتبارات حتى العسكرية منها، فالتهديدات ومصادرها أصبحت غير واضحة المعالم اليوم ومثال ذلك ظاهرة الإرهاب و الجريمة المنظمة والهجرة غير شرعية ، فالإرهاب يؤثر في كل مكان وزمان والدولة عاجزة على التحكم فيه ورصده، فهو مازال يمثل ظاهرة مجهولة الهوية والانتماء،فالحرب اليوم أصبحت ضد المجهول –من ضد من؟-
فالهدف من دراسة هذا الموضوع هو محاولة الوصول إلى تأكيد حقيقة مفادها أن الأمن الإنساني هو جوهر كل القضايا الأمنية ، فتحقيق امن الإنسان يعني الوصول إلى تحقيق العدل في العلاقات الإنسانية ومنه تجاوز المظالم و التحديات النفعية المادية من اجل تحقيق هدف اسمي وهو الوصول إلى امن الإنسانية في مواجهة التحديات الخطيرة كالفقر ، الإمراض الخطيرة العابرة للحدود، الهجرة والإعمال الإرهابية.
ويرجع سبب تناولنا موضوع الأمن الإنساني كونه تصور جديد يعكس تحول مضامين الأمن إلى جانب العديد من المفاهيم الأخرى، إلى حقيقة فرضتها علينا قيمة الموضوع أهميته بالنسبة لنا نحن كبشر ، فضلا عن كونه تصور جديد يمثل شكل نقدي للأطروحات التقليدية، فما شهده العالم اليوم من حالة تتسم بالفوضى و اللامن يجعل من الحديث عن الأمن الإنساني ضرورة ملحة و خيار عقلاني.
فالأمن الإنساني كان محل اهتمام العديد من الباحثين و الدارسين،الذين انتجو سلسلة من الدراسات بشان هذا الموضوع والتي أدت إلى تطويره وبلورة مفهومه ونخص بالذكر في هذا الشأن المجهودات المقدمة من طرف وزارة الخارجية الكندية وهيئة الأمم المتحدة.
وبناءا على ما تقدم يمكن طرح الإشكالية التالية:
كيف أسهمت مقاربة الأمن الإنساني كتصور نقدي للأمن بمنظوره التقليدي في مراجعة كافة الافتراضات الأساسية للمعادلة الأمنية في العلاقات الدولية؟
وللإجابة على الإشكالية طرحنا الفرضيات التالية:
1. التغير في مضامين الأمن مفسر بطبيعة مخرجات السياسة الدولية لما بعد الحرب الباردة.
2. التحولات في طبيعة و مصادر التهديدات بعد أحداث 11 سبتمبر أدت إلى ضرورة إعادة ترتيب الاهتمامات و الأولويات في الأجندة الأمنية.
3. الأمن الإنساني كضرورة واقعية مازال يعبر عنه بطموحات نظرية في جوهرها بعيدة عن التطبيقات الواقعية.
ولقد اعتمدنا في دراستنا هذه طرقة الفصول، حيث خصصنا الفصل الأول للحديث عن الأطر النظرية و المنهجية لمفهوم الأمن الإنساني، أما الفصل الثاني فقد تطرقنا من خلاله على لتصور الأمن الإنساني في ظل تحديات الممارسات الواقعية وهذا للوصول إلى أهم انجازاته الممارستية مقارنة بطموحاته النظرية.
ولقد استخدمنا منهج تحليل الوثائق وكذلك المنهج الوصفي في تناول أغلبية عناصر الموضوع.
الفهرس
مقدمة
الفصل الأول: الأطر النظرية و المنهجية لمفهوم الأمن الإنساني
المبحث الأول: الإطار النظري والمفاهيمي للأمن الإنساني...............................1
المطلب الأول: المقاربات التي ساهمت في طرح فكرة الأمن الإنساني................1
المطلب الثاني: مفهوم الأمن الإنساني............................................5
المطلب الثالث: خصائص الأمن الإنساني.......................................10
المطلب الرابع: أبعاد الأمن الإنساني...........................................11
المبحث الثاني : الحدود المنهجية للأمن الإنساني.........................................11
المطلب الأول:عقيدة وتطور الأمن الإنساني......................................15
المطلب الثاني: الواقعية في مواجهة الأمن الإنساني................................18
المطلب الثالث:مقاربة نقدية للأمن الإنساني....................................20
المبحث الثالث: معالم الأمن الإنساني................................................23
المطلب الأول: معالم الأمن الإنساني من المنظور الوظيفي..........................24
المطلب الثاني: الأمن الإنساني و متطلبات التكيف مع التحولات الدولية.....27 المطلب الثالث: التطلعات المستقبلية للأمن الإنساني....................................30
خلاصة الفصل الأول....................................................................32
الفصل الثاني:الأمن الإنساني في ظل تحديات الممارسات الواقعية.
المبحث الأول: مرتكزات تحقيق الأمن الإنساني........................................33
المطلب الأول:على المستوى المحلي............................................. 37
المطلب الثاني: على المستوى الإقليمي...........................................37
المطلب الثالث:على المس العالمي.................................... ... 39 المبحث الثاني: تحديات الأمن الإنساني........................................41 المطلب الأول: المياه كرهان للأمن الإنساني................................43 المطلب الثاني: الأمن الإنساني وسباق التسلح الجديد...................................44
خلاصة الفصل الثاني.....................................................................47
الخاتمة.............................................................49
المبحث الأول: الإطار النظري و المفاهيمي للأمن الإنساني
المطلب الأول:المقاربات التي ساهمت في طرح فكرة الأمن الإنساني
سنتناول المقاربات التي ساهمت في طرح قضية الأمن الإنساني و المتمثلة في مقاربة (UNDP )"United Nations Développement" و وجهة نظر محبوب الحق ، و المقارنة الكندية للأمن الانسانى .
أولا : وجهة نظر محبوب الحق للأمن الإنساني
فكرة الأمن الإنساني بصفة عامة ترجع إلى تقرير الأمم المتحدة ( تقرير برنامج التنمية ل 1994 ) . بالاشتراك مع الاقتصادي محبوب الحق ، الذي لعب دورا مفتاحيا هاما في بناء آثار التنمية الإنسانية . فمقاربة محبوب الحق ظهرت في برنامج الأمم المتحدة للتنمية سنة 1994 ، تحت عنوان " New impératives of humain securit " . (1)
فمحبوب الحق أجاب عن سؤال " الأمن لمن ؟" فالأمن الإنساني ليس متعلق بالدولة ، و لكن متعلق بالأفراد و الشعب ، هذا يقدم حجة على أن العالم - دخل في تصور جديد و هو الأمن الإنساني -_ أين التصور التقليدي عرف تغيرا دراميا(2).
بمعنى إن الأمن الإنساني مثل ثورة سياسية معاصرة جسدت تغيير Paradigme)) الأكثر استدامة- الأمن التقليدي – أي انه يمكن تصنيف الأمن الإنساني باعتباره الأكثر تحديدا بالنسبة لتغير البراديم "Changement de paradigme"الذي اثر بعمق في النظام العالمي .(3)
و بالتالي وضع محبوب الحق الفرق بين " أن امن الشعب ليس فقط حماية للحدود ، فحاجات الأمن الإنساني تنعكس في حياة الشعوب ، و ليس في تسلح الدولة ".
هذا التصور الجديد له قيم متعلقة بحماية الصحة ، فالأمن الإنساني يتمثل في أمرين :
أولا : تحقيق السعادة من خلال أن يصبح الفرد أفضل " فكل الشعوب لها الحق في منزل ، عمل ، سلامة البيئة..." وحسب محبوب الحق يجب التصدي للمخاطر المخدرات،الإرهاب ،و الفقر.(4)
(1): Bajpai,Kahnti,"Human security:Concept and Measurement ",Kroc institute .August2000,p5
(2): Idem.p5
(3): Barbara, Arniel;"Le changement de paradigme de la Sécurité humain:Nouveau regard sur la politique du étrangére du canada?"Centre canada pour le développent de la politique étrangére.N°1019,le 18 juin 1999,p1-11.
(4): Bajpai,Kahnti;op_cit.p5
ويتحقق الأمن الإنساني حسب محبوب الحق من خلال من خلال تحقيق المساواة في التنمية الإنسانية ، توسيع المشاركة ، إدراج السلام على أجندة الأمن الإنساني : التقريب بين الشمال و الجنوب على ركيزة العدالة و حكومة شاملة يعاد بناؤها على أساس متطلبات المؤسسات العالمية مثل "
United Nation ,Word Bank and IMF "" و في الأخير تنمية أو تطوير دور المجتمع المدني العالمي .(1)
ثانيا : تصور UNDP للأمن الإنساني :
تأسس هذا التصور في السنة مع محبوب الحق ، فتقرير التنمية البشرية لسنة 1994 تضمن إعادة النظر في الأمن التقليدي و الحاجات الإضافية للتنمية الإنسانية ، التقرير أجاب على سؤال "الأمن لمن؟"أو "Security for who" بالرجوع إلى الأمن التقليدي الوطني، ففي السابق- تقليديا- الأمن كان يعني ب " امن الحدود من الاعتداءات الخارجية ، أو حماية المصالح الوطنية في السياسة الخارجية ، أو امن شامل ضد مخاطر النووي ( جرائم ضد الإنسانية )
فجاء الأمن الإنساني كوجه جديد للأمن متمحور حول الشعب . هذا التقرير يلح على ما قاله محبوب الحق ، إن الموضوع المرجعي للأمن الإنساني هو الفرد أو الشعب ، فخلال الحرب الباردة كان الأمن موجه نحو حماية الحدود ، و لكن التقرير اقترح بأنه الوقت حان لتوجيه الكفة نحو حماية الشعب .(2)
فهذا التقرير تناول قيمة الأمن من وجهتين :
(1): Bajpai,Kahnti;op_cit.p6
(2):Ibid.p7
أولا امن يتعلق بقيم الرضا ، المتمثل في كرامة الإنسان – تامين الفرد طوال حياته – و هذا ما أشار إليه محبوب الحق . و ثانيا يتمثل في حماية الإنسان من مخاطر الجوع ، عدم العمل ، الجرائم ، النزاعات الاجتماعية و التدهور البيئي . فالأمن الإنساني ليس متعلق بالتسلح (Weapons)، فهو متعلق بحياة الإنسان و كرامته ، أي متعلق بكيفية عيش الفرد في المجتمع ، أي كيف يمارس بحرية اختيارية ، هل الفرد يعيش في نزاعات أم في سلام.
و بصفة عامة ، التقرير جعل للأمن الإنساني سبعة إبعاد أو مصطلحات في مخططه ، هذه السبعة إبعاد تمثل قيم الأمن الإنساني : الأمن الاقتصادي ، الغذائي ، الصحي ، البيئي ، الفردي ، الاجتماعي و السياسي .(1) وهذا ما سنتناوله في ما بعد بشيء من التفصيل .
ثالثا : المقاربة الكندية للأمن الإنساني :
فالمقاربة الكندية للأمن الإنساني المرتبطة ب ((UNDP،ترتكز في الأغلبية علي مرحلتين للمتوقع (1999،1997) ، و بالموازاة منظمة (Norway) جسدت في قمة (1999) Lyosen in Norway ، العديد من النقاط التي تؤكد على الأمن الإنساني .(2)
فبالنسبة لكندا ، مثلها( UNDP) الأمن يكون لصالح الإفراد ، الشعب هم مركز الأمن ، وزير الخارجية( Lloyd Axworthy) في حديثه سنة 1997 ذكر : " فيما يخص الأمن بالإضافة إلى التمكين الاقتصادي ، نوعية مقبولة للحياة ، و ضمان الحقوق الأساسية للإنسان " وبعد عامين من ذلك ، و بالضبط في 1999 سجل "رضا الفرد – بان الأمن الإنساني – أصبح مقياس أو معيار جديد للأمن الشامل (Global Security).
1) Idem.p7
(2)Ibid.p9
و اعتبر كحد أدنى لتحقيق الأمن الإنساني (Bayon) ، الحاجات الأساسية ... ، التنمية الاقتصادية حقوق الإنسان و حرياته الأساسية ، قاعدة القانون ، الحكم الراشد و المساواة الاجتماعية ".(1)
أما تصريحات (Lysons) تقدم الحجج الأساسية لقيم الأمن الإنساني و المتمثل في الحرية من الخوف ، و الحرية من الحاجة ، و هي التي تقدر نوعية حياته . فالأعضاء المكونة له ، اقروا أن نظرة الأمن موسعة للنواة المرتبطة بحماية الإفراد .(2)
و بأوسع مقياس ( Le rèseau de Lysoen) استوحى وسائله التي ساهمت في ميثاق Ottawa ، الذي يمنع استعمال و تخزين إنتاج القنابل ضد الإنسان و الفرد و منع تصديرها . (3)
(1): Idem.p9
(2):Ramel,Frédéric,"la sécurité humain:Une valeur de Rupture dans le cultures stratégique au nord?".Revue études internationales.N°1,mars2003,p90
(3):Ibid.p92
المطلب الثاني : مفهوم الأمن الإنساني :
لقد برز مفهوم الأمن الإنساني كنتاج لمجموعة من التحولات ، التي شهدتها فترة ما بعد الحرب الباردة ، كمفهوم جديد يستدعي إعادة النظر في نطاق دراسات الأمن و يطرح في الوقت ذاته مآل مفهوم الأمن التقليدي .
أولا : المعنى اللغوي للأمن .
أصل الأمن في اللغة " طمأنينة النفس و زوال الخوف "، و لا يكون الإنسان آمنا حتى يستقر الأمن في قلبه .(1) فكلمة الأمن ككلمة السلم أو السلام من التعبير المتداولة جدا في العلاقات الدولية و هي مثلها مثل كلمة السلم تفقد إلى تعريف قاطع يمكن الرجوع إليه ، و كثيرا ما يتم الحديث عن امن المواطن ولكن الأمن يقصد به في العادة " امن الدولة " و فكرة الأمن ترتبط بفكرة السلطة لان امن المواطن لا معنى له إذا نظر إليه بمعزل عن المجتمع ، ولا بد من سلطة قادرة على التدخل وعلى تنظيم المجتمع حتى يتوافر للمواطن أمنه.(2)
وكما يرى الأصفهاني إن:"أصل الأمن طمأنينة النفس وزوال الخوف" (3) فالأمن بهذا المعنى مرتبط بالإنسان .وهذا ما يفسر توأمة مفهومي "الإنسان=الأمن"و "الأمن=الإنسان" و الحديث عن الأمن يعني الحديث عن الحياة نفسها .والأمن هو الحاجة الأولى و المطلب الدائم للإنسان.(4)
و الأمن في اللغة الفرنسية " sécurité" وتعني وضعية لا تطرح أي خطر و مخاطرة جسدية ، أو حادث أو سرقة ، أو تدمير، هذه البنية تمثل امن شامل.(5)
)1 ): ،علي بن فايز، الجحني ،الإعلام الأمني و الوقاية من الجريمة . الرياض: أكاديمية نايف العربية للعلوم الأمنية،2000 .ص66
(2): معمر،بوزنادة،المنظمات الإقليمية و نظام الأمن الجماعي .الجزائر:ديوان المطبوعات الجامعية،1992.ص14،15.
(3): أديب، خضور ،أولويات تطوير الإعلام الأمني العربي:واقعه وأفاق تطوره .
الرياض: اكادمية نايف العربية للعلوم الأمنية،1999 ،ص23.
(4): أديب، خضور،مرجع سابق ، ص22.
(5):Le petite Larousse(Grand format,illustré couleur). France:édition Larousse,2001.p928.
وفي اللغة الانجليزية " Security" وتعني الحالة لتي يشعر فيها الإنسان بالأمان و التحرر من الخطر والمخاطر.(1)
تعرف لجنة امن الإنسان الأمن الإنساني بأنه: هو حماية الجوهر الحيوي لحياة جميع البشر بطرائق تعزز حريات الإنسان وتحقيق الإنسان لذاته.فامن الإنسان يعني حماية الحريات الأساسية -تلك الحريات التي تمثل جوهر الحياة- وتعني حماية الناس من التهديدات و الأوضاع الحرجة "القاسية "و المتفشية "الواسعة النطاق". وجوهر الحياة الحيوي هو مجموعة حقوق وحريات أولية يتمتع بها الناس ، و يتفاوت بين الإفراد والمجتمعات ما يعتبره الناس "حيويا " ، أي ما يعتبرونه "جوهريا للحياة" و"حاسم الأهمية ". (2)
وفي المحور الثاني للتقرير المدرج من طرف برنامج الأمم المتحدة للتنمية سنة1994 ظهر لأول مرة تصور الأمن الإنساني ، وحسب هذه الأخيرة الأمن الإنساني هو:"ليس مسالة تسلح ولكن مسالة حياة الإنسان و كرامته".(3)
كما أشار الرئيس السابق لبرنامج الأمم المتحدة للتنمية الدكتور محبوب عبد الحق ، إلى الوعي العالمي حول مفهوم الأمن الإنساني في تقارير برنامج الأمم المتحدة للتنمية "UNDP" مشيرا بذلك إلى إن الناس اليوم يشعرون بالا امن من القضايا الحياتية اليومية أكثر من القضايا العالمية و السياسية . فالأمن الوظيفي ، الأمن المعيشي، الأمن الصحي و البيئي ، و الأمن الحاصل من الجرائم ،كل هذه وما شابهها هي الاهتمامات الأساسية الحياتية للأمن الإنساني حول العالم.(4)
وفي تصريح للامين العام لهيئة الأمم المتحدة كوفي عنان حيث يرى :" إن الكائن الإنساني هو مركز كل شيء ، وحتى تصور السيادة الوطنية فهو منشى من
(1): أديب، خضور،مرجع سابق،ص23.
(2): هيئة الأمم المتحدة للتنمية،"امن الإنسان الان".تقرير لجنة امن الإنسان.2001.ص4 .
(3): UNDP,"Rappirts mondial sur le développement Humain 1994 ".Developpement humain.1994,p23.
(4): : احمد الطراح،علي،منير حمزة سنو،غسان،"الهيمنة الاقتصادية العالمية و التنمية و الأمن الإنساني
".مجلة العلوم الإنسانية.العدد4 ،ماي2003 ،ص13.
اجل حماية الفرد، والذي يعد هو سبب وجود الدولة ، وليس العكس .وانه غير مقبول رؤية حكومات تسلب حقوق مواطنيها تحت حجة السيادة".(1)
ويمكن اعتبار التعريف المقدم من طرف"UNDP " ،( برنامج الأمم المتحدة للتنمية) من أكثر التعارف تعبيرا على مفهوم الأمن الإنساني، باعتباره أكثر تجسيدا للمفهوم من منطلق واقعي."الشعور بالأمن الإنساني ، هو طفل لا يموت أبدا ، مرض لا ينتشر،عمل لا ينزع،هو جماعات أثنية لا تعرف عنف، و معارض لا يقتل في صمت".(2)
وبعد التطرق لمجموعة من التعارف المتعلقة بالأمن الإنساني ، نتطرق بالحديث عن المرجعيات النظرية السائدة للمفهوم.
يمكننا إن نسجل نظريا أن بدايات توجهات الأمن الإنساني هي مرحلة متقدمة لمجموعة النظريات السابقة التي رجحت كفة الفرد "الإنسان " على الدولة في القضايا الأمنية.
نجد إن الليبراليين يقرون بان التغيرات التي حدثت بنهاية الثنائية القطبية تستدعي ضرورة مراجعة التصور لمفهوم الأمن ، و بالتالي يصبح الهدف الذي يجب إن يكون "آمنا" "Sécurisé " هو الإنسان وبالأحرى ليست الدولة .فهو تصور يخص أكثر " Holistique" و بتالي يهدف إلى تامين الفرد .(3)
ويرى في هذا السياق كل من مريام جرفي"Myriam Gervais" و ستيفان روسال"Stéphane Roussel" بان التحولات في النظام الدولي أحدثت تغييرات جذرية في تلقي التهديدات و موضوع الأمن نفسه".(4) الذي يشير إلى قطيعة مع الأمن التقليدي.
(1):Jean-François,Rioux,,La sécurité humaine:Une Nouvelle conception des relation international. Paris:L’Harmattan,2001,p19.
(2): Ramel,Frédéric,op-cit,p79.
(3):Christian, Geiser, "Approches sur les conflits Ethniques et les réfugiés".presses de science po.1997,p13.
(4): Idem,p13.
ونجد إن تصور السلام الايجابي " La paix positive" مرتبط بالأمن الإنساني لان السلام الايجابي يقدم ضمانات لحماية واحترام حقوق الإنسان الأساسية وأيضا العدالة الاجتماعية.(1)
والتيار النقدي يصر على تطوير الكائن الإنساني و يبحث عن حماية هذا الأخير من التدخلات الدولية باعتبارها تستهدف الحريات.
وفي الأخير البنائيين ينطلقون من تطور سواء أكان طبيعي أو كسلوك عقلاني على الساحة الدولية يجبر الممثلين إضافة إلى الدولة تبني خطط جديدة للقيادة أكثر احتراما للحقوق الفردية .(2)
ويمكن تتبع جذور مفهوم الأمن الإنساني بالرجوع إلى العديد من المواثيق الدولية التي أكدت على حق الإنسان في الأمن الإنساني أي إن تكون حقوقه آمنة . وفي هذا السياق نشير إلى ميثاق"ألمان جاكرتا" الصادر سنة1215 بانجلترا، مرورا بإعلان الثورة الفرنسية الصادر سنة1789 و الإعلان العالمي لحقوق الإنسان سنة 1948 .(3)
فلقد جاء إعلان الثورة الفرنسية 1789 متضمنا أفكار تؤكد على حق الإنسان في الأمن الإنساني و ذلك من خلال مايلي:(4)
- مجموعة الحقوق المدنية و السياسية:
وتتمثل هذه الحقوق في حق الإنسان في الحياة وسلامة شخصه من التعذيب، حقه في الأمن ، الدفاع الشرعي، ومجموع الحقوق الفردية كالتمتع بالجنسية، الحق في الانتخاب و الترشح وغيرها.
(1):Idem,p17.
(2):Ibid;p80.
(3): حسين، فريجة ،"إشكالية الأمن الإنساني وعلاقته بقضايا التنمية،الديمقراطية وحقوق الإنسان".الشروق اليومي.العدد1012 ،1 مارس 2004 ،ص15.
(4):عبد العزيز،قادري،حقوق الإنسان و حقوق الشعوب،القاهرة:دار النهضة،2003، ص20.
- الحقوق الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية:
ومن بين هذه الحقوق نجد حق الإنسان في الملكية، الأجر مقابل العمل و غيرها.
- الحقوق الجماعية:
وهي مجموعة الحقوق اللصيقة بالمجموعات البشرية المختلفة والتي تثبت للفرد بمجرد انتمائه إليها ومثل ذلك ظهور فكرة ضرورة حماية حقوق الأقليات الأثينية.
وتلي ذلك ظهور بعض المبادرات المحدودة لطرح مفهوم الأمن الإنساني، إلا أنها لم تكن لها صدى كبير و دور مؤثر في طرح المفهوم على أجندة العلاقات الدولية. ففي عام 1966 ظهرت نظرية بسيكولوجية كندية باسم "الأمن الفردي" ، ومع بداية السبعينات بدأت تظهر مجموعة من التقارير لبعض اللجان ومنها جماعة نادي روما، اللجنة المستقلة للتنمية الدولية واللجنة المستقلة لنزع السلاح و القضايا الأمنية. وقد أكدت تلك اللجان في تقاريرها على أهمية امن الفرد و ركزت على ما يعانيه الأفراد في كافة أنحاء العالم من فقر وتلوث، وغياب للأمن الوظيفي في سوق العمل، ومن ثمة دفع الاهتمام نحو مشاكل الأفراد.(1)
إلا أن المساهمة الحقيقية لدفع المفهوم جاءت من خلال تقرير التنمية البشرية لعام 1994 الصادر عن برنامج الأمم المتحدة للتنمية.إذ تناول التقرير في الفصل الثاني منه"الأبعاد الجديدة للأمن الإنساني" وتنبأ التقرير بان تؤدي فكرة الأمن الإنساني رغم بساطتها لثورة في إدارة المجتمعات في القرن الحادي و العشرين.(2)
(1): خديجة ،عرفة ،"تحولات مفهوم الأمن...الإنسان أولا".مركز الدراسات الأسيوية. 2003 ،ص4.
(2): المرجع نفسه،ص5.
المطلب الثالث: خصائص الأمن الإنساني
لا شك في أن توفير الأمن الداخلي للأفراد يعتبر من مظاهر نزع الخوف على الحياة و الملكية و الحرية الإنسانية والذي يمكن أن ينشا من أي تهديد خارجي أو داخلي . فحق توفر الأفراد على الحياة الكريمة وعلى نمط مناسب للحياة تعتبر سمة أساسية للأمن الإنساني.(1)
وقد حدد التقرير " UNDP" أربع خصائص أساسية للأمن الإنساني هي(2):
1. الأمن الإنساني شامل عالمي، فهو حق للإنسان في كل مكان.
2. مكونات الأمن الإنساني متكاملة يتوقف كل منها على الآخر.
3. الأمن الإنساني ممكن من خلال الوقاية المبكرة و مثالنا في ذلك "أزمة انغولا عام 1993و رواندا عام 1994 ، وبتالي الوقاية المبكرة لها نتائج ايجابية أفضل من التدخل اللاحق.
4. الأمن الإنساني محوره الإنسان،أي هو امن متعلق بالإنسان الفرد كوحدة تحليل- و يتعلق بنوعية حياة الناس في كل مكان.
وقد حدد التقرير مكونات الأمن الإنساني، فالأولى هي الحرية من الحاجة، و الثانية هي الحرية من الخوف، و هذه الأخيرة يوجد مضمونها في القرآن الكريم.(3)
فالتشريع الإسلامي قائم على مبدأ حفظ النفس والأرض و النسل والمال والدين و العقل... واعتبر الإسلام الأمن من القضايا التي يترتب على وجودها استمرارية الحياة كما تبنى عليها سعادة الإنسان و احترام كرامته وآدميته.(4)
فالأمن الإنساني يعبر عن خاصية لصيقة بحاجة الأفراد والجماعات للتواجد والاستمرارية وحفظ النوع . وبالتالي الأمن الإنساني متعلق بتحقيق الاكتفاء الاقتصادي و الاجتماعي، واحترام الحقوق الفردية والحريات الأساسية، و الحماية من كل ما يهدد الحياة، حسب الإمكانيات المتاحة للعيش و لتحقيق كرامة الإنسان.(5)
(1): أيوب ، مدحت ،الأمن القومي العربي في عالم متغير.القاهرة: مركز البحوث العربية ،2003 .ص75.
(2): خديجة ،عرفة،مرجع سابق،ص4.
(3): المرجع نفسه،ص4.
(4): علي،بن فايزالجحني،مرجع سابق، ص65.
(5): David ,Charle-Philippe, Jean-Jacques,Roche, Théories De la sécurité définition,approches et cencepts de la sécurité internationale.Paris:éditions Monchrestien,2002.p112.
كما يتميز الأمن الإنساني بتركيزه على الظروف الداخلية التي يجب توفرها لضمان الأمن الشخصي و السياسي للأفراد،كما يهتم بالظروف الواجب تحقيقها لضمان الاستقلالية السياسية ،والتي غالبا ما ترتبط بالنمط الديمقراطي الذي تنتهجه الدولة ، والذي يشمل المشاركة السياسية التنافسية ما بين القوى و الفعاليات السياسية المختلفة و حرية التعبير ، و كذلك تلك الحقوق التي تضمن الأمن على الصعيد الشخصي مثل الضمانات المتوفرة ضد الاعتقال التعسفي و التوقيف و النفي و التعذيب ، بالإضافة إلى حرية الوصول للطعام و العناية الصحية و التعليم و الإسكان و عليه فان الأمن الإنساني له صورة شاملة يعبر عنها ضمن مفاهيم الديمقراطية ، و التكامل الشخصي و الحرية الشخصية ضمن حدود القانون و التنمية البشرية .(1)
و بالتالي الأمن الإنساني يؤكد على تطوير احترام حقوق الفرد و حقوق الإنسان العالمية ، و تدعيم دولة القانون و صحية التسيير ... و تفضيل ثقافة السلم و حل النزاعات سلميا و مراقبة أدوات العنف و إنهاء اللاعقوبة ضد الذين يتعدون على حقيق الإنسان و الحق الإنساني العالمي .(2)
و الأكثر أهمية الأمن الإنساني يرتكز على: " بناء عالم ذو وجهة إنساني خالي من الأخطار ".(3)
المطلب الرابع: أبعاد الأمن الإنساني
يقر تقرير برنامج الأمم المتحدة للتنمية بان تصور الأمن الإنساني له وجهتين متكاملتين بحيث انه " من ناحية، الحماية من التهديدات المزمنة ، مثل المجاعة ، الأمراض ، القمع . و من ناحية أخرى الحماية من كل أحداث العنف التي لها آثار على الحياة العادية و التي تشكل اضطرابات ... و التي تحمل أضرار في قلب المجتمعات ".(4)
(1): سليمان، نصيرات،"مفهوم الامن الانساني-نظرة متجددة-".ص1-2 .متحصل عليه من :www. Islamonline.net
(2): Ramel,Frédéric,op-cit,p90.
(3):Idem,p90.
(4):Ramel,Frédéric,op-cit,p86.
لكن التقرير UNDP "" يذهب إلى ابعد من ذلك ، بحيث يصف و بالتحديد شكل التصور " للأمن الإنساني " هذا الأخير يظهر بأنه جد موسع لأنه يحتوي على سبعة أبعاد و المتمثلة في : (1) الأمن الاقتصادي ، الأمن الغذائي ، الأمن الصحي ، الأمن البيئي ، الأمن الفردي " الاجتماعي" ، الأمن الثقافي ، الأمن السياسي .
*الأمن الاقتصادي: متعلق بضمان حد أدنى من فرص العمل، و تحقيق التنمية.
الأمن الغذائي: الذي يتعلق بالحق في الغذاء، الذي يجب أن يكون كاف، صحي، و بصفة مستمرة، أي الحق لكل فرد في أن يؤخذ كل يوم و في كل وقت غذائه الأساسي.
*الأمن الصحي: كالحق في العلاج، و القضاء على الأمراض المعدية و الجرثومية و تدعيم حد أدنى من العلاج.
*الأمن البيئي: يهدف للوقاية من تأثيرات التصنيع المكثف و النمو السريع للسكان.
*الأمن الفردي " الاجتماعي " : و يهدف إلى الحماية الإنسانية في مواجهة العديد من أشكال العنف المفاجئ و الغير متوقع و حماية الفرد في مواجهة التطبيقات القمعية التي تفرضها المجتمعات التسلطية و الاضطهاد ضد الجماعات بسبب التمييز العنصري كما جاء في نص المادة الأولى في الفقرة الثالثة من إعلان هيئة الأمم المتحدة " تعزيز احترام حقوق الإنسان و الحريات الأساسية للناس جميعا و التشجيع على ذلك بلا تمييز بسبب الجنس أو اللون أو الدين ".(2)
* الأمن الثقافي: الحق في حرية المعتقد، والسلامة من التمييز بسبب الصفة الدينية أو الثقافية.
ويمكن أن نشير هنا إلى "صدام الحضارات" لصموئيل هنجتنتون، التي تحمل دلالات قوية فيما يتعلق الأمر بالأهمية الحضرية في إدارة الصراع
(1):Ibid,p86.
(2):عمر ،سعد الله ،حقوق الإنسان وحقوق الشعوب.القاهرة: دار النهضة،2002،ص194.
وكذلك يتعلق الأمر بالمحافظة على الثقافات المختلفة، على اعتبار إن الثقافة هي شرط ضروري لامتلاك قوة الفاعلية والحضور وهي تمثل هوية مجتمعات بأكملها.(1)
*الأمن السياسي: هدفه حفظ الحقوق الأساسية "حق المشاركة، حق الانتخاب ..." ضف إلى ذلك أن هذا النوع من الأمن المتعلق بالجانب السياسي يكسب بعدا جد واسع لأنه يجمع بين قمع الدولة ضد المواطنين وبالمساواة حول مختلف الإجراءات ضد الفرد وضد حرية التعبير والإعلام و الأفكار.(2)
وبشكل أهم فان الكفاية المادية ضرورية ، ولكنها ليست كافية ذلك أن الأمن الإنساني له أبعاد أخرى لا تتعلق بالضرورة بالبقاء الفيزيائي الإنساني.(3)
وفي هذا المجال فان"Axworthy" يشير إلى أن الأمن الإنساني يتطلب على الأقل أن تتحقق الحاجات الأساسية للإنسان.لذلك فان قضية الأمن الإنساني يجب أن تدخل في صلب اهتماماتها تحقيق الحاجات المادية الأساسية لكل الإنسانية .أي في المستوى الأدنى: الطعام،المأوى،التربية،العناية والصحة،وهي الأساس لبقاء الإنسانية.(4)
أما النواحي النوعية للأمن الإنساني فهي ما يتعلق بتحقيق الكرامة الإنسانية والتي تشتمل على الحرية الشخصية ،وتسيير أمور الحياة الخاصة، و الإتاحة الكاملة وغير المعوقة للمشاركة في الحياة الاجتماعية، و التحرر من تركيبات القوى الضاغطة ، و الأجهزة القامعة،سواء كانت عالمية أو إقليمية ،أو محلية في توجهاتها ، وهذه كلها ضرورية للأمن الإنساني.(5)
ونجد أساس هذه الأبعاد في كل من القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني.
(1): أديب، خضور،مرجع سابق،ص34.
(2): Ramel,Frédéric,op-cit,p86.
(3): احمد الطراح،علي،منير حمزة سنو،غسان،مرجع سابق ،ص16.
(4):المرجع نفسه،ص16.
(5):المرجع نفسه،ص16.
ويمكننا ذكر بعض الأبعاد المشتركة بين كل من القانونين:(1)
- حصانة وحماية الذات البشرية.
- منع التعذيب بشت أنواعه.
- احترام الشرف والحقوق العائلية والمعتقد والتقاليد.
- حماية وضمان الملكية الفردية.
- عدم التمييز بصورة مطلقة،فالخدمات الطبية يجب أن تقدم للجميع دون تفرقة إلا ما تفرضه الأوضاع الصحية.
- ضمان توفير الأمان والطمأنينة.
- حظر الأعمال الانتقامية و العقوبات الجماعية واحتجاز الرهائن.
- ترسيخ الحماية الخاصة لكل من الأطفال والنساء وحماية الإنسان واحترام كرامته.
المبحث الثاني: الحدود المنهجية للأمن الإنساني:
ففكرة جعل الكائن الإنساني كنقطة مرجعية في تعريف الأمن هي جديدة ، مثلها مثل الفكرة التي تعمل على فهم حقوق الإنسان و الحق في أن نصبح في حماية من العنف بين الدول و غيرها من التهديدات الغير عسكرية. هو الأمر الذي فعلا نسمعه عن طريق "الأمن الإنساني" المدرج من طرف وزارة الشؤون الخارجية الدولية لكندا،هي إذن "امن الأشخاص". (2)
(1):المرجع نفسه،ص147.
(2): Barbara, Arniel;op-cit,p1.
المطلب الأول: عقيدة و تصور الأمن الإنساني
و قبل التطرق بالحديث عن العقيدة "Doctrine" وتصور الأمن الإنساني ،أريد فقط الإشارة إلى ما اقره الواقعي "ريمون آرون" في تفضيله السلام على الحرب ، حيث قال : "لا يوجد إنسان - حتى ولو- لم يمتلك أسباب عقلانية كافية، إلا أن يقوم بتفضيل السلام على الحرب". (1)
وقوله أيضا كوفي عنان في تأكيده على أهمية الأمن الإنساني حيث قال: "الأكثر أهمية، بان الكائن الإنساني يكون مركز كل شيء ومحل كل أعمالنا".(2)
فعقيدة الأمن الإنساني ترتكز حول امن الأفراد أو الأشخاص و نجد جذورها- احتمال تواجدها- في الاتحاد العالمي للصليب الأحمر. ففي سنة 1864 من القرن العشرين وجدت توسعا في الميدان مع تأسيس هيئة الأمم المتحدة "L'ONU" ميلاد حقوق عالمية لحقوق الإنسان، سجل تطورا هائلا بالنسبة للحقوق الإنسانية.فعقيدة الأمن الإنساني الجماعي "تتضمن بناء "لسلام دائم" أي "الاستدامة" ،ففي الفكر الكانطي "Kantien" المصطلح قائم على قيم غربية. فالأولوية فيه للحقوق .واحترام الديمقراطية، الدفاع عن حقوق الإنسان. التسيير الحسن لأعمال المواطنين، والتسويات السلمية للصراعات . (3)
والهدف هو بناء مجتمع عالمي، "قرية شاملة" أين امن الأفراد يصبح أكثر أهمية من امن الدول ، ومثال ذلك "صراع كوسوفو""Kosovo"،الذي سجل تدخل قوات التحالف "Force alliées"
وبالتالي تجسد تصور الأمن الإنساني ، بحيث أصبح فاعل مهم في الفعل و السياسة الدولية.(4)
,,op-cit,p31. Jean-François,Rioux (1):
(2):Idem,p31.
(3):Ibid,p34.
(4):Ibid,p35
فالأمن الإنساني يأخذ بعين الاعتبار وجهتين، بمعنى الإحساس بالخطر عند المواطنين و التحليل الموضوعي لمصادر التهديدات المحيطة بأمنهم و الأمن الإنساني شكل بوضوح تغييرات مرتبطة ب:
"الأمن"و"الدولة" أولا، بسبب أن التهديدات لم تصبح عسكرية ، أيضا لان بعض عناصر الأمن الإنساني نتائجها المباشرة تحدد مقاييس للعسكريين أو الدولة في حد ذاتها والتي تمارسها ضد شعبها "الأشخاص المهاجرين إلى أوطانهم الأصلية، وحقوق الإنسان والصراعات الداخلية المسلحة".(1)
واغلب المشاركين يعتبرون التدخلات الإنسانية "المسلحة" هي آخر عمل يقومون به،لكنه تدخل شرعي لحماية الإنسانية في حين نلاحظ أشكال أكثر تطرفا في الأمن الإنساني .(2) لكن الحرب والسلام فكرتان متعارضتان مهما كانت الأسباب.
أولا: الأسس القانونية للأمن الإنساني
جزء من العقيدة القانونية تضع الفاصلة حول أبعاد حقوق الإنسان أو الإنسانية في ميثاقها.فتصور"scellienne" للحقوق العالمية ذهب في هذا المعنى ، بحيث اقر "جورج سكال " في كتاباته،بأنه "سيادة الدولة هي من اجل الدفاع الأفضل على الأفراد،والحق ما هو إلا مادة الاتحاد الاجتماعي"،(3) وكما لاحظ أيضا "vaclav havel" -رئيس الجمهورية التشيكية- :"إن سيادة المجتمع،جهوية،للأمة للدولة ليس لها معنى كالتي تنبثق عن السيادة الأصلية الحقيقية: هي الكائن الإنساني"(4) .
(1):Ibid,p35.
(2): Bothan;Oliver,Rams,"Humanitarian intervention1990:A need to reconceptualize?"Review of international.Mai1997,p23.
(3):Barbara, Arniel;op-cit,p4.
,,op-cit,p31. Jean-François,Rioux (4):
والوزير "axworthy" صرح قائلا:"اضن بان السلام و الأمن – مهما كان وطني،جهوي أو عالمي- ليس له معنى إلا إذا انبثق من الأمن الإنساني وبالتالي هذا هو الأساس الجيد للديمقراطية".(1)
وكل هذه التصريحات نجد أصلها في العديد من المواثيق التي اعتمدت و تبنت فكرة الأمن الإنساني، نجد بعضها في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وميثاق هيئة الأمم المتحدة.
ثانيا: المعنى القانوني و السياسي للتصور
عقيدة الأمن الإنساني نتائجها مازلت غير ثابتة،فيما يخص تصور الحقوق الأساسية للأفراد:السيادة،عدم التدخل ،الأمن الدولي،مواضيع الحقوق،منابع الحقوق ودور الهيئات المتعلقة بما يخص ما جاءت به هيئة الأمم.(2)
حيث تحدث كوفي عنان " kofi annan" بصفة أساسية على الدولة و الفرد ،بحيث صرح قائلا :"بان اليوم فكرة خدمة الشعب هي أكثر قبولا عند الدولة وليس العكس و في نفس الوقت سيادة الفرد – أقول جميع حقوق الإنسان والحريات الأساسية لكل فرد – مثل ما أشار إليه الميثاق – لقد أصبحت مدعمة بضمير متجدد للحقوق التي تمنح لكل فرد كفرصة للتحكم في مصيره الخاص".(3)
مما تقدم نستنتج إن حدة الأمن الإنساني تتركز حول نظام حقوق الإنسان من بعد الحرب الباردة ، والتي يمكن أن تكون مرتبطة بالمخطط التصوري للبراد يم"paradigme" التنمية الإنسانية – وإذا كانت هذه هي الحالة – فإنها تتوجه نحو أهداف عامة مثبتة في داخل إطار مرجعي،إيديولوجي خاص ، جد مرتبط بالليبرالية التي تنص على حقوق الإنسان و الديمقراطية التي تهدف إلى تجاوز الدولة لأجل توسيع مجموعة الفاعلين في المجتمع المدني .(4)
:Idem,p37. (1)
. (2):Ibid,p48
(3):Idem,p48.
(4): Barbara, Arniel;op-cit,p5.
المطلب الثاني:الواقعية في مواجهة الأمن الإنساني
لقد كانت أفكار الأمن التقليدية،التي شكلتها الحرب الباردة إلى حد كبير،تتعلق أساسا بقدرة الدولة على مواجهة التهديدات الخارجية، وكانت التهديدات للأمن والسلم الدوليين تعتبر عادة أيضا التهديدات من خارج الدولة، وفي الآونة الأخيرة حدث تحول في التفكير بشان الأمن، ومثال ذلك صراعات الأفارقة الداخلية ضد الحكم والاحتلال،انغولا،كينيا،ناميبيا، موريتانيا وجنوب إفريقيا وغيرها. (1)
ولقد اتسع نطاق التفكير بشان الأمن من اهتمام حصري بأمن الدولة إلى اهتمام بأمن الناس،وظهرت إلى جانب هذا التحول بفكرة أن الدول يجب إلا تكون هي المدلول الوحيد أو الرئيسي للأمن، فقد أصبحت مصالح الناس أو مصالح البشرية كمجموعة هي محور التركيز.(2)
وما يمكن الإشارة إليه أن بعض القضايا أعطت وجهة نظر جديدة في مسالة الأمن الإنساني ، ونخص بالذكر الأزمة الأخيرة لرهائن جولو"Jolo" حيث أن هذه الأخيرة كونت وجهة مغايرة لنظرية العلاقات الدولية، ونقطة جديدة في تناول مسالة الأمن الإنساني .هذه القضية توجد في التناقض بين النظرية والتطبيق"حول المخطط النظري".(3)
ولقد اعتمد كل من روزنو"ٌRosenau" والياس"Elias" أزمة رهائن جولو كمرجعية لفرضياتهم . وفي مقال شهير نشر في نهاية السبعين ،طرحت فيه أسئلة لمعرفة إذا كان "السائح والإرهابي"-هاذين الوجهين الرمزيين للنصف الثاني من القرن العشرين- .تخص بروز الفرد كوحدة مركزية للتحليل في النظام العالمي ولقد كان جوابه آنذاك سلبي . كما اعتد أيضا "Alias" قضية رهائن جولو كمرجعية لدراسته،واعتبر أن هناك بروز تدريجي للأفراد "كوحدة تحليل" ولكن هذه الوحدة هي دائما تحت خطر التراجع،اعتبرها صحيحة في سلم الإنسانية
ك" Unité de survie".(4)
(1): فرين ،غينولا، إعادة النظر في مفهوم الأمن: ضرورة لإفريقيا؟". مركز البرلمانات المتحدة من اجل وحدة افريقيا. حزيران2002 ،ص.3
(2):المرجع نفسه،ص3.
(3): François, Rioux,Jean,op-cit,p57.
'(4):Ibid,p85.
بمعنى أن مواجهة أغلبية التهديدات للأمن، أصبح فيها الفرد "الإنسان" يتوجه أكثر فأكثر نحو الإنسانية لضمان أمنه. -وليس نحو حماية الدولة التقليدية- لكن أزمة رهائن جولو تظهر أبعاد أخرى غير التي اقرها الأمن الإنساني باعتماده الفرد -الإنسان - كوحدة تحليل حيث أن هذه الأخيرة لها خصائص وأبعاد تفرق بين ما هو نظري و الذي ترغب النظرية التوصل إليه،وبين ما هو أمور واقعية ملحوظة حيث أن الواقع سجل أن الرهائن لم يطلبوا حمايتهم من هيئة الأمم المتحدة"ONU" ولا حتى من طرف الاتحاد الاروبي بالدخول في مفاوضات .(1)
بل ما كان واقعا ظهور عائلات الرهائن عدة مرات على شاشات التلفزيون يطلبون من السلطات الفرنسية التحرك "بصفتهم أكثر فاعلية". أما المحاربين في جبهة مورو ، كانت اهتماماتهم كلاسيكية لمطالبتهم بالاستقلالية الذاتية في أرخبيل"Mindanao" وذلك من خلال احتجاز الرهائن و القيام بممارسات إجرامية ظاهرة، فكان جواب الحكومة الفيليبينية غير عادي لاستخدامها القوة العسكرية في إنهاء الأزمة وتحرير الرهائن.(2)
فمن خلال هذه الحالات الواقعية يمكننا القول بان مشاكل الأمن لا يمكن التطرق إليها من دون الإدارة الكلاسيكية وهي "المنطق الدبلوماسي- الاستراتيجي " المرتبط بالواقعي ريمون آرون"Aron" . فنهاية الحرب الباردة وظهور تهديدات جديدة مرتبطة بتشعيبات العنف، يفرض في الظاهرة فكرة جديدة حول الأمن ، دون الدخول في النهايات "الاجتماعية" لمدرسة كوبنهاجن ، بل الأمن يجب التطرق إليه في إطار موسع .فمن هذا المنطلق يقر آرون وذلك سنة1960 بان " الواقعية وحدها تمركزت خصوصا حول دراسة الأمن ككل واحد فرد أو وحدة سياسية،هدفها الوحيد هو الأمن".(3)
(1):Ibid,p58.
(2):Ibid,p58.
(3):Ibid,p59.
ولقد عملت أحداث 11 سبتمبر و نتائجها على إعادة تقوية الواقعية كنظرية لها وجودها في العلاقات الدولية، وذلك بسبب المخاطر المستمرة للنظام الدولي الفوضوي والذي يظهر أن الدولة الوطنية تسعى إلى تقوية نفسها عسكريا لضمان مصالحها و أمنها.(1)
وبالتالي من هذا المنطلق مفهوم الأمن الإنساني لا يجعل امن الناس محل امن الدولة.فهو يرى أن الجانبين يعتمد كل منهما على الآخر ، فالأمن بين الدول يظل شرطا ضروريا لأمن الناس، ولكن الأمن القومي لا يكفي لضمان امن الناس. ولذلك يجب أن توفر الدولة أشكالا شتى من الحماية لمواطنيها. ولكن الأفراد يحتاجون إلى حماية من السلطة التعسفية للدولة ، وذلك من خلال سيادة القانون و التركيز على الحقوق المدنية والسياسية فضلا عن الحقوق الاجتماعية الاقتصادية.(2)
المطلب الثالث: مقاربة نقدية للأمن الإنساني
أولا بجدر بنا الإشارة إلى أن ما نقصده بمقاربة نقدية للأمن الإنساني ، هي لا تعني التطرق بالحديث عن مقاربة نقدية"Une approche critique"
كأحد المرجعيات النظرية في دراسات الأمن، وإنما نقصد به قراءة وتفحص وتحليل نقدي لتصور الأمن الإنساني .والذي توجد جذوره في المقاربة النقدية التي سجلت أثار أولية فيما يخص الاهتمامات الإنسانية ونقل اهتمامات الأمن من مركز الدولة إلى الفرد.
الحديث الحالي فيما يخص "الأمن الإنساني" ما هو إلا نتيجة أخيرة من سلسلة طويلة من المحاولات لإعادة النظر في مفهوم الأمن. وفي هذا الصدد يقول "كين بوث" إن :"طريقتي في التعامل مع هذا النقاش النقدي،هو أنني أرحب بأية مقاربة تمكننا من مواجهة المعايير المشئومة للدراسات الإستراتيجية للحرب الباردة ، للوصول في نهاية الأمر إلى إعادة النظر في مفهوم الأمن".(3)
(1):Hariman,Robert,"le post-réalisme après le 11 Septembre"étude internationales.N°4,décembre2004,p689.
(2): فرين ،غينولا،مرجع سابق ص3.
(3): عادل، زقاع ، "إعادة صياغة مفهوم الأمن -برنامج البحث في الأمن المجتمعي-" 01 /09 / 2005 ،ص5.
تصور الأمن الإنساني سجل تقدم ملحوظ حيث لقي الدعم والتأييد من طرف سياسيين مهمين في العديد من الدول ومن قبل بعض الهيئات الدولية و غير الحكومية ، والذين عملوا على إعطاء دفع قوي للمفهوم باعتباره مادة أساسية للسياسة الخارجية وللأمن في حد ذاته .(1)
فللوهلة الأولى الباحثين الذين يدافعون عن تصور واسع أو "نقدي" للأمن يبدون وبدون تحفظ إعجابهم بالأمن الإنساني ولكن حتى لو كان الأمن الإنساني له أهمية بالغة في وجهة نظر سياسية أو ثقافية،فالنقاش حوله يحمل عدد من الأوجه المهمة ، والتي يجب أن تكون محل تحليل نقدي، هذه الدراسة ستتناول بروز الأمن الإنساني و أبعاده، على ضوء هذا التصور النقدي للأمن سنحاول الإجابة على الأسئلة التالية(2)
1. ما هي العوامل التي ساهمت في نمو ونشر الخطاب حول الأمن الإنساني؟و ما هو دور المنظمات غير حكومية في نشر تصور الأمن الإنساني؟
2. التصور للأمن الإنساني هل أنتج تطبيق سياسي حقيقي نقدي؟ هل أنتج الأمن الإنساني تطبيقات سياسية حقيقية"نقدية"أم لا يعني إلا سلسلة من الاقتراحات تمثل مادة السياسة الخارجية، وبالتالي هي انعكاس لمصالح خاصة للدول.
3. من وجهة نظر التصور،ما هي الضغوط والأخطار المنسوبة إليها؟
حسب هذه الدراسة تكون تطبيقية أكثر منها نظرية، هذه التساؤلات يمكن أن تكون مشكلة بأساليب أكثر عمومية، والتي تدخل في إطار الحوارات الأكاديمية في العلاقات الدولية.
Jean-françois,Rioux,op-cit,p74. (1):
(2):Idem,p74.
لما تناولنا بالتحليل بروز خطاب الأمن الإنساني ووضعه موضع التطبيق،هذه الدراسة تجلب مساهمة مزدوجة ، أملا حول الحوار الضيق،حول وظيفة تصور الأمن الإنساني،ثانيا على صعيد الأدبيات الأوسع ، في آن واحد(نقدية وبنائية) التي توجد في العلاقات الدولية ، للباحثين البنائيين الدليل القاطع الذي يؤكد بان الأمن الإنساني يسجل قطيعة مع التطبيق والسياسة التقليدية للأمن، يكون هذا التصور كفاعل مؤسسي، ليس له فقط التأثير حول أساليب الدول(ولكن تأثيراته تصل إلى قواعد أخرى) من اجل الوصول إلى أهدافها ولكن أيضا حول تعريفات هوياتهم ، وحول طريقة سيرهم(في العالم).(1)
يجب النظر إلى عناصر مهمة في العلاقة التي كونتها (UNDP) بين الأمن و التنمية.
الأمن الإنساني فرض نفسه على هامش (أو خارج) الحوار حول التصورات الجديدة للأمن، وللتأكيد إن الأمن الإنساني كان جدو هامشيا في الأمن الكلاسيكي، حتى لو كان هناك بعض الأفراد الذين ساهموا في برنامج التنمية لسنة 1994 (أي تقرير التنمية الإنسانية) في تطويره فتصور الأمن الإنساني لم يتطور حقيقة، لكي يقدم الجواب أو حتى تأسيس لحوار مع المتدخلين الذين ساهموا في حوار واسع حول الطريقة الجديدة للتفكير في الأمن الإنساني،فالتقرير يأخذ فعليا التعريف الذي يخضع من خلاله فكرة الأمن في حالة النزاعات و الدول،لكن لا يأخذ بعين الاعتبار التصورات الأخرى التي كانت فيه مطلوبة أكثر مثل(الأمن التعاوني،الشامل،الاجتماعي،...) من وجهة نظر نقدية هذا الاستنتاج يجب إن يؤخذ بعين الاعتبار من طرف الباحثين الذين يدافعون عن التصورات الجديدة، وذلك من خلال التأكد من وضوح هذه النظريات و التصورات في ميدان العلاقات الدولية، حيث تكون لها أسباب قوية في قبولها،وحركية فعالة مؤثرة في الخطاب وذلك من خلال تطبيقات الفاعلين أي التطبيقات في العالم"العالم واقعيا".(2)
(1):Ibid,p75.
(2): idem, p75.
الممارسات أو التطبيقات السياسية ترجمت فهم ضعيف لدور الأفكار في الحياة، فهم إن المناقشات حول الأمن الإنساني تساهم في تطويره و تنويره فالتصور للأمن الإنساني لم يفهم لا في مجتمع غير حكومي، ولا في دولة ولكن في منظمة دولية وهذا ما يحمل معنيين:
الأول: يتعلق في إن أغلبية المساهمين في الأدبيات حول القوانين و الأفكار في العلاقات الدولية لا يولون اهتماما كبيرا للمصدر بقدر ما يركزون على الردود المثيرة للفكرة(كحقوق الإنسان وحماية المحيط).
فتقرير" UNDP " يفتح الحوار على العلاقة بين الأمن و التنمية، الحوار الذي أغلق في السياق بسبب الخلاف حول العلاقة بين نزع السلاح والتنمية التي كانت تقوده هيئة الأمم المتحدة في فترة(70-80).(1)
وبالرغم من عدم إدراج الأمن الإنساني بصفة مكثفة في الاهتمامات الدولية،إلا انه بالرغم من ذاك استطاع إن يحضى بانتشاره كتصور، وبالتالي من هذا المنطلق أصبح محل اهتمام و تقييم بأسلوب بسيط وواضح، و نستطيع البحث عن كل هذا في المرجعيات لهذا التصور في وسائل الإعلام في استعمالات بنك المعلومات .
المبحث الثالث: معالم الأمن الإنساني
لقد عرفنا في البداية إن التصور التقليدي للأمن هو التصور المتعلق بأمن الدولة ،وهو الأمن الذي يتعلق بمراقبة الدولة لحدودها في مواجهة أعدائها فوفقا لهذا التصور (الدولة) هي العنصر الوحيد المنوط بحماية الشعب و الحكومة في داخل حدودها .وبالتالي لقد كان الأمن التقليدي متمحور حول الدولة، وقيمه الخاصة تعلقت بمراقبة الإقليم أو الحدود.(2)
(1): Ibid, p78.
(2): Bajpai, Kahnti; op_cit.p1.
إلا إن هذه النظرة للأمن بمفهومه التقليدي عرفت اهتزازا بالنظر إلى التطورات التي شهدها النظام العالمي ، بالاظافة إلى التغيرات المسجلة في حقل دراسات العلاقات الدولية والتي جاءت تبعا لهذه التغيرات الدولية.
وبالنظر إلى كل تلك العوامل ظهرت ضرورة ملحة في نقل مستوى الدراسات الأمنية من مركز الدول إلى الفرد، وذلك في إطار ما يعرف بالنسبة قضايا الأمن، أي الطابع الإنساني للقضايا الأمنية.(1)
المطلب الأول: معالم الأمن الإنساني من المنظور الوظيفي
الحديث عن الأمن الإنساني من المنظور الوظيفي لا نستطيع فهمه إلا من خلال التطرق إلى نقيضه – و المعروف بوجود حالة من اللاامن الإنساني- هذا ما استدعى ضرورة الاهتمام بالمتطلبات الإنسانية، ومنه ارتبط الأمن الإنساني بالوظائف التي يؤديها لصالح الإنسانية بما يحقق رفاهية الإنسان و سعادته.
ومنه حالة الاامن الإنساني هي ليست حالة لابد من حصولها ، إلا ما نتج عن كوارث طبيعية خارجة عن نطاق القدرات البشرية . وبالتالي اللاامن الإنساني هو نتيجة مباشرة لوجود تركيبة القوى والتي تحدد من يتمتع بالأمن الإنساني ومثلا يتمتع به. ويمكن تحديد تلك التركيبات على مستويات عدة ممتدة من العالمي إلى الإقليمي،إلى الوطني إلى المحلي. فنمو اللامساواة المادية آخذة في الظهور في ما بين الولايات ضمن الدولة الواحدة، أو في ما بين الأقسام و المناطق ضمن الدولة الواحدة. وحتى في ما بين الشركات والمنظمات ضمن الدولة الواحدة.(2)
فالأمن الإنساني جاء استجابة تعبر عن عدم رضا الشعب أو المواطنين عن الوضع الاقتصادي و ضعف التنمية، خاصة خلال سنوات (1980،1970،1960) و الاحتمال الأكثر أهمية في الاهتمام بفكرة الأمن الإنساني تقارير العديد من القادة ، المثقفين و الاكادميين بالنظر إلى العديد من المشاكل التي عرفتها الأمم : الفقر ،
(1): خديجة ،عرفة،مرجع نفسه،ص3.
(2):علي،أحمد الطراح،غسان ،سنو،مرحع سابق ،ص13.
التدهور البيئي، عدم توفر الأمن بالنسبة لعمل المواطنين، الغذاء، رفض القيم التقليدية، التضخم ومظاهر أخرى كأزمة التوزيع الاقتصادي.
فهذه المشاكل كما نلاحظ لها مستويات مختلفة، وبالتالي كان الاهتمام بها وفقا لمنظور وظيفي (UNDP) كمحاولة في تامين الغذاء.(1)
فالفقر هو التهديد الأخطر الذي يواجه الإنسانية . إن ازدياد الفرو قات الشاسعة ما بين الأمم الفقيرة وتلك الغنية هو بمثابة قنبلة شديدة الانفجار اجتماعيا وسياسيا واقتصاديا.إذا ترك الفقراء هكذا بدون أمل ومساعدة إستراتيجية ، فان الفقر سيؤدي إلى إضعاف المجتمعات عن طريق الموجات و الاضطرابات ، العنف،و الفوضى المدنية. فالعالم تسوده الفوضى في تنظيم موارده الأولية وتوزيع الثروة، وتدفق التكنولوجيا غي منظم، فان الفقر العالمي السائد حاليا ليس بالطبع وليد صدفة أو الحظ السيئ.(2)
وبالتالي من منطلق وظيفي كان التقرير مرتكز حول حاجات كل إنسان، وذلك من خلال المساواة في تحقيق أساسيات الفرد-الإنسان- وتحقيق هذه الأخيرة يتطلب التغير على مستوى شيئين:التنمية و الأمن.فالأول يتعلق باستقلالية اللجنة الدولية للتنمية عن طريق ويلي براند "Willy Brand" سنة 1980 (تقرير شمال-جنوب) حيث كتب براند في مقدمة التقرير مايلي:(3)
تقريرنا مرتكز حول اهتمامات اللجنة: فواحدة ذهبت إلى فكرة ما فوق ضمان العيش ( survie ) وأخرى أضافت الشرط العقلاني( Moral Obligation) لضمان ما فوق العيش.هذه ليست مجرد حقيقة أسئلة تقليدية متعلقة بالسلام و الحرب، لكن هي متعلقة بخروج العالم من الجوع بإيجاد مقاييس لشروط العيش بين الغنى و الفقر. وذلك بالأخذ بعين الاعتبار احتياجات (شمال-جنوب) للانطلاق في عملية التنمية. وذلك عن طريق الاعتراف بحق العالم الثالث في الأمن
(1): Bajpai, Kahnti; op_cit.p3.
.(2):علي،أحمد الطراح،غسان ،سنو،مرحع سابق ،ص11
(3): Bajpai, Kahnti; ibid.p3, 4.
بالنظر إلى الإخطار المتوقعة عن طريق الفقر،اللامساواة الاقتصادية .فالتقرير يؤكد إن لجنة الأمن ترجع تحقيق الأمن إلى حياة الشعب بكرامة وفي سلام، وفي تامين حاجاته الغذائية وتوفر فرص العمل و العيش في عالم بعيد عن دائرة الفقر . فالمساهمة الأولى من طرف محبوب الحق و(UNDP) تعلقت بالتنمية الإنسانية-كتجسيد وظيفي للأمن الإنساني – كمجهود يشرح إن مركز الاهتمام هو صحة الإفراد ثم تحقيق الاقتصاد الجزئي(The Macro Economy).
وبشكل أهم فان تقرير1997 (UNDP) فرق بينما كان يعتبر سابقا الإبعاد الكمية و النوعية للأمن الإنساني، ورسمت حدود فاصلة ما بين فقر الدخل (دولارا أمريكيا واحدا أو اقل في اليوم) و الفقر الإنساني(الأمية، عدم الرعاية الصحية،قصر العمر المتوقع،وما شابه ذاك).(1)
وبالنظر إلى كل هذه المشاكل المتفاقمة، استدعت وظيفيا اهتمام برنامج الأمم المتحدة للتنمية، الذي لعب دورا هاما في وضع مشروع الأمن الإنساني في صلب أولوياته، كذلك كان هناك اهتمام بالأمن الإنساني من قبل المنظمات ذات الهيمنة العالمية مثل صندوق النقد الدولي (International Monetary Fund, IMF) و البنك الدولي (Word Bank ,WB) وذلك لان الفقر و اللامساواة أصبحا أكثر من ذي قبل ينظر إليهما على إنهما يشكلان تهديدا امنيا محليا، إقليميا ودوليا.(2)
ويبدو إن هناك علاقة سببية ما بين الفقر الإنساني كضعف الرعاية الصحية و ضعف التعليم ، وتامين الحاجيات الضرورية وازدياد الحروب من جهة أخرى .فرفض الحريات الأساسية من قبل السلطة و القيادة في دولة ما، كحرية تشكيل الأحزاب والتنظيم ، التعبير،الانتخاب ،و المعارضة تجبر الناس على الخيار ما بين إما قبول الظلم العام(وهنا نكون إمام حالة اللاامن الإنساني)،أو اللجوء للعنف للحصول على بعض المكاسب و الحقوق .(3)
.(1):علي،أحمد الطراح،غسان ،سنو،مرحع سابق ،ص18
:المرجع نفسه،ص18.(2)
:المرجع نفسه،ص18.(3)
ومنه التنمية الإنسانية هي الوجه الوظيفي الذي يتحقق من خلاله الأمن الإنساني، وهذا ما يعبر عن علاقة قوية بين الأمن الإنساني من جهة والتنمية من جهة أخرى.
المطلب الثاني: الأمن الإنساني ومتطلبات التكيف مع التحولات الدولية
إن الأمن الإنساني هو نتاج لمجموعة التحولات التي تمخضت عنها نهاية الحرب الباردة، وما صحبها من تحولات على مستوى مواضيع الأمن و طبيعة التهديدات الجديدة له، فظهرت تبعا لذلك العديد من المواضيع الأمنية،منها التي ارتبطت بأمن المجتمع وأخرى ارتبطت بأمن الإنسان ،هذا الأخيرة الذي كان محل اهتمام كبير من طرف بعض الساسة و المفكرين،إلا أن الحديث عنه مازال لم يصل إلى نهايته بعد، وذلك بسبب التحولات الدولية المستمرة والتي تفرض قيودا على امن الإنسان في كل مرة،هذا ما يستدعي مزيد من التكيف الايجابي لأمن الإنسان.
بالرغم من إن مكونات الأمن الإنساني ومصادر تهديده موجودة تاريخيا، فان بروز المفهوم مؤخرا ارتبط بعملية العولمة والتي جعلت مصيرنا مشترك،وذلك نظرا لما تقوم عليه عملية العولمة من فتح للحدود بين الدول لتسهيل انتقال السلع والخدمات و التحرير الاقتصادي العالمي.
فقد أكدت دراسات الاقتصاد الدولي على إن التحرير الاقتصادي العالمي له مخاطر عدة منها انتشار أنظمة غير مستقرة لا يمكن التحكم فيها خاصة في الأسواق المالية.بالاظافة إلى ذلك ما أكدت عليه تلك الدراسات من تأثيرات سلبية قد تصيب الاقتصاد العالمي والتي يمكن إن يكون لها تأثيرها السلبي على قضايا البيئة،و الاستقرار السياسي.(1)
فالتقرير الذي صدر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي عام1999 ،أكد على الرغم ما تقدمه العولمة من فرص هائلة للتقدم البشري في كافة المجالات نظرا لسرعة انتقال المعرفة و انتقال التكنولوجيا الحديثة وحرية انتقال السلع و الخدمات،
(1): خديجة ،عرفة،مرجع سابق،ص2.
فإنها في المقابل تفرض مخاطر هائلة على الأمن البشري في القرن الحادي والعشرين،وهذه المخاطر ستصيب الإفراد في الدول الغنية والفقيرة على حد سواء ، وقد حدد التقرير سبع قيود أو تحديات أساسية تهدد الأمن الإنساني في عصر العولمة تتمثل في(1)
1. عدم الاستقرار المالي: والمثال البارز على ذلك الأزمة المالية في جنوب شرقي آسيا منتصف عام 1997. إذ أكد التقرير على انه في عصر العولمة والتدفق السريع للسلع والخدمات ورأس المال فان أزمات مالية مماثلة يتوقع لها إن تحدث في المستقبل.
2. غياب الأمان الوظيفي وعدم استقرار الدخل:إذ دفعت سياسة المنافسة العالمية بالحكومات والموظفين إلى إتباع سياسات وظيفية أكثر مرونة تتسم بغياب أي عقود أو ضمانات وظيفية ،وهو ما يترتب عليه غياب الاستقرار الوظيفي.
3. غياب الأمان الصحي:فسهولة الانتقال وحرية الحركة ارتبطت بسهولة انتقال وانتشار الإمراض كالايدز فيشير التقرير إلى انه في عام 1998 بلغ عدد المصابين بالايدز في مختلف إنحاء العالم حوالي 33 مليون فرد،منهم 6 ملايين فرد انتقلت إليهم العدوى في عام 1998 وحده.
4. غياب الأمان الثقافي :إذ تقوم عملية العولمة على امتزاج الثقافات وانتقال الأفكار والمعرفة عبر وسائل الإعلام والأقمار الصناعية وقد أكد التقرير على إن انتقال المعرفة وامتزاج الثقافات يتم بطريقة غير متكافئة ، تقوم على انتقال المعرفة والأفكار من الدول الغنية إلى الدول الفقيرة،وفي أحيان كثيرة تفرض الأفكار والثقافات الوافدة تهديدا على القيم الثقافية المحلية.
5. غياب الأمان الشخصي: ويتمثل في انتشار الجريمة المنظمة والتي أصبحت تستخدم التكنولوجيا الحديثة.
:المرجع نفسه،ص2.(1)
6. غياب الأمان البيئي: وينبع هذا الخطر من الاختراعات الحديثة والتي لها تأثيرات جانبية بالغة الخطورة على البيئة.
7. غياب الأمان السياسي والمجتمعي: حيث أضفت العولمة طابعا جديدا على النزاعات تمثلت في سهولة انتقال الأسلحة عبر الحدود ، وهو ما أضفى عليها تعقيدا وخطورة شديدين ، كما انتعش دور شركات الأسلحة والتي أصبحت في بعض الأحيان تقوم بتقديم تدريب للحكومات ذاتها، وهو ما يمثل تهديدا خطيرا للأمن الإنساني.
وبالنظر إلى كل تلك المعوقات،لقد أسفر الاعتراف دوليا وإقليميا ووطنيا بوضع الناس المزعزع في عالم آخذ في التعولم بحثا عن طرائق جديدة لتلبية احتياجات الناس الأمنية الأساسية في جميع المناطق، بما في ذلك توفير الخدمات الاجتماعية وتقديمها وتمويلها . وادي البحث عن تصديات للمشاكل الجديدة و المستمرة لحفز إصلاح نظام الرعاية الاجتماعية في البلدان المتقدمة النمو، والى تنقيح جدول الإعمال الاجتماعي في إعقاب انهيار توفير الدولة للخدمات الاجتماعية في البلدان المارة بمرحلة انتقالية، والى اهتمام جديد ب"شبكات السلامة" الاجتماعية وبالحماية الاجتماعية في البلدان النامية التي تعاني من نكسات اقتصادية بسبب التقلب المالي (كما هو الحال في شرق آسيا) أو تمر بتغير هيكلي أساسي(كما هو الحال في أمريكا اللاتينية وأماكن أخرى) أو تعاني من فترات كساد طويلة أو حتى من تراجع اقتصادي.(1)
والهدف من الحماية الاجتماعية هو توفير حد ادني اجتماعي لضمان قدرة كل شخص على اكتساب القدرة على المشاركة بنشاط في جميع مجالات الحياة.وتمثل التدابير الرامية إلى كفالة توافر حماية اجتماعية كافية للجميع ومن بينهم الفقراء العاملون والفقراء الذين لا يعملون باجر ، وبالتالي تتطلب تدخلات حاسمة الأهمية ومطلوبة من جانب الحكومات وقطاع الإعمال و المواطنين.(2)
(1): هيئة الأمم المتحدة للتنمية ،"الأمن الاقتصادي-القدرة على الاختيار بين الفرص" تقرير لجنة امن الإنسان. 2001 ،ص85 .
(2):المرجع نفسه،ص85.
المطلب الثالث: التطلعات المستقبلية للأمن الإنساني
إن تحقيق الأمن الإنساني لم يصل إلى نهايته بعد، وذلك بسبب التحولات الدولية المتسارعة ، وذلك بسبب ما عرفه النظام الدولي الجديد من مؤشرات جادة كشفت عن زيادة احتمالات التهميش للعديد من الدول في العالم ونخص بالذكر دول الجنوب،هذا ما استدعى لزاما الحديث عن التطلعات المستقبلية للأمن الإنساني.
بداية فقط تجدر الإشارة إلى بعض المؤشرات التي توضح لنا الفجوة الكبيرة بين دول الشمال و الجنوب و المتمثلة في مايلي(1)
1. وجود مجموعة من البيانات تأكد على غياب العدالة في ما بين دول الشمال و الجنوب بما يخص العلاقات الاقتصادية وقد كشف التقرير الثالث عن "النزعة البشرية "لسنة 1992 و الذي أصدره البرنامج الاغاثي للأمم المتحدة في منتصف عام 1992 من حقائق خطيرة بهذا الخصوص أهمها:
إن (20 %) من سكان العالم يحصلون على(82.7) من مجموع دخل العالم ، بينما أل(20 %) الأقل فقرا يحصلون على (1.4%) من دخل العالم وهناك (20 %) أخرى أيضا من الفقراء يحصلون على(2.3 %) وهذا يكشف عن الفجوة الكبيرة بين أغنياء العالم وفقرائه.
2 .إن الدول الغنية تستهلك حوالي (75 %) من المعادن العالم،و(80%) من أخشاب و (60 %) من طعامه وفي الوقت نفسه يوجد (2300 مليون) من البشر لا يستطيعون الحصول حتى على المياه الصالحة للشرب، ناهيك عن انتشار المجاعة في العديد من الدول الإفريقية في الوقت الذي تعرف فيه بعض دول الشمال حالت الإفراط.
3. كما يشير التقرير إلى إن الفوارق في الغنى و الفقر تزداد بمعدلات كبيرة بين الدول المتقدمة و الدول المتخلفة،حيث سجل عام1989 تزايد الفجوة ليصبح الفارق في دخل الفرد في المجموعتين حوالي ستون ضعفا.
4.ذكر التقرير أيضا إن الإنفاق العسكري خصصت له نسبة(30 %) فقط
(1):غازي،ربابعة،"إشكالية العولمة في النظام العالمي الجديد."مجلة المفكر .العدد 2،مارس2003،ص142.
خلال عقد التسعينات،والذي يمكن إن يوفر لجهود التنمية(1500) مليار دولار،ف(1200)مليار دولار منها للدول المتقدمة و(300) مليار دولار للدول المتخلفة.
وبالتالي الحديث عن تطلعات المستقبلية لتنمية وتقوية الأمن الإنساني تستوجب الأخذ بعين الاعتبار كل هذه المشاكل التي شهدها النظام الدولي في الوقت الحالي،من اجل التوصل إلى تقليص اللامساواة و الفجوة العميقة بين سكان العالم.
ففي عام 1995 وضعت الأمم المتحدة هدفا استراتيجيا و المتمثل في تخفيض عدد الفقراء في المناطق التي تشهد فقرا كبيرا بنسبة(50)بالمائة وذلك سنة2015 أي رفع النصف منهم إلى خط الفقر الشديد،وذلك عن طريق استخدام وسائل إعادة توزيع الثروة أو الموارد الأولية بطرق أفضل، ولكن هذا عن طريق تطبيق النموذج الليبرالي الخاص بالتنمية والذي وضع في الثمانينات و التسعينات من القرن العشرين عن طريق المنظمات العالمية المهيمنة . هذا النموذج يضع ثقته في السوق الحرة و المؤسس على حرية انتقال رؤوس الأموال.(1)
هذا النظام الليبرالي الجديد يتطلب تنمية متواصلة لتحقيق أهداف الأمم المتحدة لتخفيض حدة الفقر . فاقتصاديات إفريقيا مثلا،بحاجة إلى إن تحقق تنمية بنسبة(7 بالمائة) في السنة، بشكل متوسط للوصول إلى الهدف عند حلول سنة 2015 ولكن السؤال المطروح دائما حول مستقبل الأمن الإنساني ، هل باستطاعة هذه النماذج الغربية تامين الأمن الإنساني لجميع إفراد الإنسانية في العالم؟(2)
فالحديث دائما عن تحقيقات الأمن الإنساني من منطلقات الأفكار الغربية تجسد اللامساواة ما بين الدول، ومنه المستقبل الزاهر للأمن الإنساني لا يتحقق إلا من خلال نماذج مستقلة مرتبطة بطبيعة المشاكل التي يعرفها كل مجتمع حتى يكون تعبير حقيقي على ما تشهده الدول.
.
(1):علي،أحمد الطراح،غسان ،سنو،مرحع سابق ،ص14.
(2): المرجع نفسه ، ص15.
خلاصة الفصل الأول:
تصور الأمن الإنساني مثل نقلة نوعية في طبيعة الدراسات الأمنية، التي كانت حكرا على الدولة فقط،ليفسح المجال إمام بروز الإفراد-المواطنين- كمركز اهتمام بالنسبة للقضايا الأمنية.
فالبحوث و السياسات هي المادة الأساسية التي سجلت و بوضوح تجاوز المقاربات التي تؤكد على امن الدولة في مواجهة التهديدات المختلفة.
ولقد وجد الأمن الإنساني مكانته الحقيقية التي تؤكد معناه في مقابل امن الدولة ذلك من خلال التصور الحديث . الذي اقر إن مهمة الدولة الأساسية هي توفير الحماية لمواطنيها ، فحفظ و بقاء الإنسان مقترن بالدولة بدرجة أولى، شئنا هذا أم أبينا فالواقع يفرض مسؤولية على الدولة تجاه إفرادها، فهي ملزمة بتوفير حد ادني من الظروف المعيشية والتنمية للمواطنين،وبالتالي امن الإنسان جزء من مسؤوليتها.
فالجديد مع الأمن الإنساني هو تحول مركز الاهتمام من الدولة إلى الفرد،أي من بنية تحتية لتحقيق الأمن للوصول في النهاية إلى تحقيق امن شامل، يشمل الدولة والأفراد معا.
المبحث الأول: مرتكزات تحقيق الأمن الإنساني
يرتكز مفهوم الأمن الإنساني بالأساس على صون الكرامة البشرية و كرامة الإنسان ، و كذلك تلبية احتياجاته المعنوية بجانب احتياجاتها المادية
، و الاقتراب الرئيسي هنا إن الأمن يمكن تحقيقه من خلال إتباع سياسات تنموية رشيدة ، و ان التهديد العسكري ليس هو الخطر الوحيد ، لكن يمكن إن يأخذ التهديد شكل الحرمان الاقتصادي ، انتقاص المواساة المقبولة في الحياة ، و عدم وجود ضمانات كافية لحقوق الإنسان و حرياته ، الحكم الراشدة ، المساواة الاجتماعية و سيادة القانون .(1)
كل هذه المرتكزات تعتبر جوهرية في تحقيق الأمن الإنساني إلا إن تطورات هذا الأخير أدت إلى ظهور العديد من المتطلبات الأخرى أو الركائز المختلفة لتحقيقه ، و سنتعرض لمرتكزات . تحقيق الأمن الإنساني في هذا المبحث من خلال ثلاث مستويات " محلي ، إقليمي و عالمي ".
المطلب الأول : على المستوى المحلي
و في هذا العنصر نحن بصدد الحديث عن مرتكزات تحقيق الأمن الإنساني في مستواه المحلي ، وهنا أريد أن أشير إلى إن أسس تحقيق الأمن الإنساني على الصعيد المحلي ، لها ارتباط كبير بقدرات الدولة ، و المتمثلة في مدى قدراتها على تحقيق متطلبات شعبها ، و خاصة في ما يتعلق بالضروريات . فضرورة التوصل لإطار ملائم لتحقيق امن الإنسان ، يتم من خلال التوفيق بين متطلبات الأمن الإنساني و امن الدولة ، فتحقيق أي منهما لا يمكن إن يتم بمعزل عن الآخر .(2)
و على الرغم من انه كما اشرنا سابقا ، إن تحقيق الأمن الإنساني متوقف على الدولة الذي تلعبه الدولة في هذا الشأن ، فعلى العكس من ذلك ، فهناك العديد من الأدلة التي تؤكد على إن للمواطنين دور إنتاج الأمن القومي الشامل .
(1): خديجة ،عرفة،مرجع سابق،ص3.
(2): المرجع نفسه ،ص3.
ومنه يتجسد الدور الوطني للمواطن في إنتاج الأمن القومي الشامل من خلال عضويتهم و عطائهم الايجابي لدولتهم و وطنهم في ميادين البناء و التقدم و حماية المكتسبات الوطنية ، و يتجسد ذلك من خلال مواجهة التحديات التي تهدد دولتهم و وطنهم ، و لعل من أهمها ما يلي : (1)
التحدي السياسي:
و دورا لمواطن هنا يتجسد بإقرار النظام السياسي الديمقراطي و الحفاظ عليه ، وحفظ كيان الدولة و مؤسساتها و أمنها العام .
التحدي الاجتماعي :
و دور المواطنين هنا يتجسد بالاحتجاج عن العرقية و الطائفية التي تهدد التماسك الاجتماعي الوطني .
التحدي الجنائي :
و دور المواطنين هنا يتجسد باستئصال عوامل و مسببات مكامن الجريمة العادية و المنظمة التي تزعزع الاستقرار الاجتماعي .
تحدي التطرف و الإرهاب :
و دور المواطنين هنا يتجسد باستئصال الإرهاب الفكري و الاجتماعي و السياسي و الإجرامي الذي يستهدف الإكراه و الفرض و الترويع لأمن و استقرار المجتمع و الدولة .
التحدي الاقتصادي :
و دور المواطنين هنا يتجسد بالعمل و المثابرة الذاتية و النشاط الفعال بعيدا عن الاسترخاء او الاحتيال ، و يتجسد أيضا بالنهوض المجتمعي صوب الفعل الاقتصادي الواعي و المدروس و المتطور بالتعاون مع الدولة و مؤسساتها .
تحدي النظام العام :
و دور المواطنين هنا يتجسد بالاحترام و الالتزام الكامل بمنظومة القوانين المنظمة للدولة .
(1):سليمان،نصيرات،مرجع سابق،ص 2.
التحدي الثقافي :
و دور المواطنين هنا يتجسد بالحفاظ على الأصالة القيمة الذاتية لمجتمعنا ، و الانفتاح على الثقافات و الحضارات لتدعيم التعايش و التناغم و السلام بين الأمم . و هناك ادوار عديدة على المواطنين تجسيدها لضمان خلق منظومات حماية متكاملة للمواطن و الوطن و الدولة كالتحديات المتصلة بالوضع العلمي و التربوي و الصحي .(1)
و في المقابل سهر المواطنين على تحقيق الأمن الوطني الشامل ، و كذلك يترتب على الدولة العديد من المسؤوليات ، التي تتحمل فيها هذه الأخيرة "الدولة" مسؤولية حماية شعبها و مواطنيها . فمن الناحية الاقتصادية يتمثل دور الدولة فيما يلي : (2)
- عملية إعادة بناء نظم و اقتصاديات الدولة يجب أن تنبع من اقتراب أنساني و إن تكون موجهة نحو خدمة و تحقيق امن الإفراد من خلال خلق المؤسسات الكفيلة بتحقيق متطلبات الأمن الإنساني و الرفاهية الإنسانية .
- إتباع الدولة سياسات تنموية رشيدة على المستوى المحلي بخلق نوع من التوازن بين متطلبات امن الإفراد و امن الدولة ، من خلال التوازن بين الإنفاق على الصحة و التعليم من جهة و الإنفاق العسكري من جهة أخرى .
- فوفقا لتقرير التنمية البشرية لعام 2001 يلاحظ انخفاض نسبتي الإنفاق على الصحة و التعليم مقارنة بالإنفاق العسكري كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي و خاصة في الدول ذات التنمية البشرية المنخفضة .(3)
- و هذا بسبب طغيان المؤسسة العسكرية و متطلباتها خاصة في العديد من دول العالم الثالث تحت ذريعة الأمن جعل تلك المؤسسة تطغى على المؤسسات الأخرى ، و منه الشراء المستمر للأسلحة و تكديسها على حساب الحاجات الأساسية للمواطنين .(4)
و بالتالي يجب تأكيد الدولة على التنمية و الصلاح الاقتصادي ، و ذلك بوضعها السياسات و الآليات التي تكفل توفير شبكة أمان فعالة للفئات الضعيفة و المتضررة من
(1): المرجع نفسه،ص2،3.
(2): خديجة ،عرفة،مرجع سابق،ص5.
(3) : المرجع نفسه، ص5.
(4):سليمان،نصيرات،مرجع سابق،ص 1.
.
عمليات الإصلاحات الهيكلية و المتمثلة بصفة خاصة في ( النساء ، الفقراء ، الأطفال و المجموعات الاثنية المهشمة تاريخيا ) و كذلك التزام الحكومات بالمعايير الدولية لحقوق الإنسان ، خلال مراحل التفاوض أو إبرام أو تنفيذ أية اتفاقيات تجارية أو اقتصادية أو مالية ( ثنائية أو جماعية ).(1)
إما على الصعيد السياسي فيتمثل دور الدولة في بناء كيانها على أسس الديمقراطية ، و دولة الإنسان القائمة على أساس القانون و العدل ... كذلك من خلال المواطنة الفعالة و التي ترتكز على ثوابت أساسية و هي : المساواة ، الحرية ، العدالة و الحماية كثوابت دائمة لتنظيم أسس العلاقة بين المواطن و العلاقة بين المواطن و الدولة بما يعود بالعطاء المتبادل بينهما .(2)
إن هذه الركائز تمثل البنى التحتية التي تستند إليها مصادق الحقوق الإنسانية و الوطنية للمواطنين كحق التصويت و الانتخاب و الترشح و الرقابة و الحكم ، و كحق الجنسية ، الهوية ، العقيدة ، الثقافة و اللغة ، وكحق التعبير و الرأي و النشر . و بالنظر إلى تلك الركائز نقر بان تمتع المواطن بها يجعل منه الحارس الأول و المدافع الأساسي عن حماية امن بلاده لأنه يدافع عن كيانه و حقوقه أمام أي تهديد .(3)
و منه تحقيق الرفاه و الأمن الإنساني بما تقدمه الدولة من خلق للظروف الملائمة للصحة بمفهومها الشامل أي بمراعاة الإبعاد النفسية ، الاجتماعية و العقلية ، فالدولة هي التي توفر أيضا بدورها الشروط التي تحصن الإنسان و تقيه من أن يقع ضحية للتعديات أو ينزلق في دروب التعدي على حقه ومصالح الآخرين ، إضافة إلى عامل المنع الذي يقوم على إيجاد السبل الكفيلة بوقف فعل الجريمة قبل وقوعها و جعل تنفيذها أمرا غير يسير . و مكافحتها بمواجهة الحالة و القضاء عليها من خلال الإجراءات الاستباقية أو إجراءات المعالجة من خلال الضبط و وضع اليد على الحالة و إعادة تأهيل الفرد تمهيدا لإعادة دمجه في المجتمع .(4)
(1): كمال، رزيق،مرجع سابق،ص7.
(2)::سليمان،نصيرات،مرجع سابق،ص 2.
(3): المرجع نفسه،ص2.
(4): المرجع نفسه،ص3.
وعليه فتحقيق الأمن الإنساني لا يتم بمعزل عن الأمن الذي تقدمه الدولة و لكن يتم ذلك أيضا و بأكثر ايجابية إذا هناك تنسيق في المجهودات من طرف المواطن و الدولة .
المطلب الثاني: على المستوى الإقليمي
في ظل صعوبة وتعقد وتشابك قضايا الأمن الإنساني فان التعاون الإقليمي يعد إطارا ملائما لمواجهة مصادر تهديد الأمن الإنساني وخاصة في قضايا مثل اللاجئين . وفي هذا الشأن نجد إن هناك سعي من طرف المنظمات الإقليمية في الاهتمام بقضايا الأمن الإنساني.
ومنه يمكننا أن نذكر بعض المجهودات(لبعض المنظمات الإقليمية) في ما تعلق بتحقيق الأمن الإنساني(1)
فمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا تركز على التدريب في مجال حقوق الإنسان ، وتقديم الدعم لوسائط الإعلام المستقلة ، وإعادة إدماج المقاتلين السابقين ، ورصد الانتخابات ، و التدريب ، وبناء القدرات.
ويربط جدول أعمال السلام و الأمن الخاص بالشراكة الجديدة من اجل التنمية في إفريقيا بين القضايا السياسية والأمنية و الإنمائية على كل من الصعيد الإقليمي والوطني و المجتمعي .ومن الممكن إن يشكل أساسا لوضع استراتيجيات شاملة تجعل امن الإنسان هو المحور.
ويتيح إطلاق إشارة بدا الاتحاد الإفريقي في منتصف عام2002 فرصا جديدة كتفعيل آلية منع الصراعات .
فمن خلال مبتكرات مؤسسية حديثة العهد، من قبيل إنشاء برلمان لعموم إفريقيا ومجلس للسلام و الأمن فيها مكون من خمسة عشرة عضو بارزا ، سيشارك الناس في إدارة دواعي القلق الإقليمية في إفريقيا بطريقة مباشرة بدرجة اكبر.(2)
وباستطاعة الآليات الإقليمية لحقوق الإنسان-التي يلجا إليها الإفراد في أوقات الصراع-إن تعالج التزامات الدولة، مثلما فعلت لجنة البلدان الأمريكية ومحكمة حقوق الإنسان إثناء
(1): هيئة الأمم المتحدة،"الناس المحاصرون في صراعات عنيفة".تقرير لجنة امن الإنسان.2001 ،ص25 .
(2): المرجع نفسه،ص29.
الصراعات الدينية في غواتيمالا والسلفادور و لنيكاراغوا.وتدعو منظمة الأمن و التعاون في أوروبا إلى حماية حقوق الإنسان من خلال برنامج "البعد الإنساني" التابع لها الذي يربط بين القضايا الأمنية المتعددة الإطراف وتزايد احترام حقوق الإنسان المحلية والتحول إلى الديمقراطية.
وتتناول مفهوم سامي المعنى مرتبط بالأوليات القومية بين الجماعات الاثنية في حالات الصراع.(1)
وفي إفريقيا يوفر ميثاق حقوق الإنسان و الشعوب،محكمة حقوق الإنسان والشعوب الإطار المعياري و المؤسسي لحماية الناس ، إلا أن الافتقار إلى القدرة المؤسسية أعاق عملية التنفيذ.ويتيح الاتحاد الإفريقي المنشأ حديثا فرصا لحماية حقوق الإنسان والتصدي للتجاوزات في أثناء الصراعات .وفي آسيا ، يعمل المجتمع المدني بمهمة في سبيل إدراج حقوق الإنسان على جدول الأعمال الإقليمي للتجاوزات في إثناء الصراعات.(2)
ومن اللازم أيضا وجود تعاون إقليمي و دولي لتسخير الموارد التقنية والبشرية لمنع الصراعات أو التخفيف منها، ولمعالجة القضايا العابرة للحدود من قبيل الهجرة، التشريد القسري وانتشار الأمراض المعدية.(3)
والسهر على التنمية بين الدول في إطارها الإقليمي ، لأنها جوهرية لتكملة تعبئة الموارد الداخلية للحد من انعدام الأمن الاقتصادي.وتتيح الترتيبات المؤسسية المبتكرة، من قبيل الشراكة الجديدة من اجل التنمية في إفريقيا،فرصا لتعميم مفهوم امن الإنسان ولإسناد مزيد من المسؤولية إلى إفريقيا عن تقرير مستقبلها.
ومع هذا نجد أن دور المنظمات الإقليمية مازال محدودا ،فبجانب الاتفاقيات التجارية والاقتصادية ، فالمنظمات الإقليمية مطالبة بتوجيه مزيد من الاهتمام لقضايا الأمن الإنساني ومنها قضايا اللاجئين ،والحاجة إلى التفعيل فيما بينها لمواجهة التحديات من مشكلات لاجئين-كما ذكرنا سابقا-وتجارة المخدرات و الجريمة المنظمة.(4)
(1):المرجع نفسه ،ص25.
(2):المرجع نفسه ،ص29.
(3): هيئة الأمم المتحدة للتنمية،"التوعية لتحقيق امن الإنسان".تقرير لجنة امن الإنسان. 2001 ،ص169
(4): خديجة ،عرفة،مرجع سابق،ص2،4.
فلهذه التحركات السكانية الضخمة آثار سلبية على امن الدولة المستقلة، لان توافد اللاجئين على الدول بصفة غير شرعية يؤدي إلى انتشار الأمراض، مثل الايدز.(1)
المطلب الثالث: على المستوى العالمي
قضايا الأمن الإنساني قضايا كونية أو عالمية ومواجهتها تتطلب سياسات رشيدة وتعاون على المستوى العالمي .ومن ابرز المتطلبات على المستوى العالمي لتحقيق الأمن الإنساني:
إدخال بعض الإصلاحات على نظام المم المتحدة بحيث يصبح أكثر استجابة لمتطلبات الأمن الإنساني ، ويمكن اقتراح إنشاء لجنة للأمن الإنساني في إطار المنظمة يكون هدفها دراسة أوضاع الأمن الإنساني في مختلف إنحاء العالم وتقديم تقاريرها في هذا الصدد، ومن ناحية أخرى هناك ضرورة للتوصل إلى أداة إلزامية تلزم بتنفيذ تعهداتها الدولية في إطار الاتفاقات الدولية المتعلقة بقضايا حقوق الإنسان.
يتطلب تحقيق الأمن الإنساني نموذجا جديدا للتنمية ، وتحقيق هذا النوع من التنمية البشرية يتطلب درجة عالية من التعاون العالمي لتحقيق التنمية، أي تصميم إطار جديد للتعاون التنموي ليلائم التزامات الأمن الإنساني. وتتركز تلك السياسة التنموية على محاربة الفقر على المستوى العالمي ومكافحة انتشار مرض الايدز،ومحاربة التلوث البيئي.(2)
إن التقارب بين التنمية و الأمور الأمنية أصبح الشغل الشاغل للمنظمات ذات الهيمنة العالمية.وهذا الاشتغال ليس نابعا فقط من ازدياد اهتمام قيادات المنظمات ذات الهيمنة العالمية ، بل أيضا من تأثر الإنسانية بشكل مباشر بالتنمية وعلاقتها بالنواحي الأمنية ،الاجتماعية،الاقتصادية والسياسية، ذلك لان الأغلبية العظمى من سكان الأرض يتأثرون بشكل مباشر بالتنمية وعلاقاتها بالأمن الإنساني،الاقتصادي ،الاجتماعي والسياسي.وكما قال نيلسون مانديلا"Nelson Mandela" في معرض حديثه عن احتياجات الناس العاديين "إن تتاح لهم الفرصة البسيطة لحياة محترمة ، و أن يؤمن لهم السكن المناسب و الطعام الذي
(1): هيئة الأمم المتحدة للتنمية،"الناس المتنقلون".تقرير لجنة امن الإنسان.2001 . ص 2-5 .
(2) : المرجع نفسه،ص5.
يأكلونه ، وان تتاح لهم القدرة للعناية بأطفالهم ، و أن يحيوا حياة كريمة ، و أن يحصلوا على العناية الصحية اللائقة ، و أن يسمح لهم بفرص العمل المأجور ".(1)
و في هذا الإطار تقترح لجنة امن الإنسان تعبئة مبادرة عالمية لإدراج امن الإنسان على قمة جداول الأعمال المحلية و الوطنية و الإقليمية و العالمية . و تتمثل الغايات المستهدفة من ذلك فيما يلي : منع الصراعات و تعزيز حقوق الإنسان و التنمية . حماية و تمكين الناس و مجتمعاتهم المحلية و تعميق المبادئ و الممارسات الديمقراطية . و إن تعمل جداول الأعمال جميعها على إشاعة ثقافة امن الإنسان و على وضع إطار مناسب له .(2)
فتحقيق امن الإنسان يرتكز على تغيير الطريقة التي تسعى بها العناصر الفعالة المحلية و الوطنية و العالمية في تحقيق مهامها ، و بالتالي تحقيق امن الإنسان يتطلب ما يلي : (3)
- تحقيق التكامل بين شواغل التنمية و أنشطة الوكالات المعنية بحقوق الإنسان و الوكالات المعنية بتقديم المساعدة الإنسانية .
- تكملة الغايات الإنمائية للألفية بالتصدي للصراعات و لانتهاكات حقوق الإنسان .
- زيادة المساعدة الإنمائية الرسمية لاستعاب هذه التوجيهات الجديدة ، مع ايلاء اهتمام خاص للبلدان المختلفة و للدول المتعثرة و المتخلى عنها .(4)
و بالتالي توصي لجنة امن الإنسان بضرورة تنسيق الجهود العالمية من اجل تحقيق امن الإنسان و ذلك عن طريق (5)
- حماية الناس في الصراعات العنيفة .
- حماية الناس من انتشار الأسلحة .
- دعم الأمن الإنساني للمتنقلين .
- إقامة صناديق انتقالية لأمن الإنسان من اجل حالات ما بعد الفقر المدقع.
- توفير مستويات المعيشة التي تمثل حدا أدنى في كل مكان .
. (1):علي،أحمد الطراح،غسان ،سنو،مرحع سابق ،ص13
(2): هيئة الأمم المتحدة للتنمية،"طرائق لتعزيز امن الناس".تقريرلجنة امن الإنسان.2001 ،ص131.
(3) : المرجع نفسه،131.
(4) : المرجع نفسه،ص131.
(5) : المرجع نفسه،ص133.
- منح الأولوية لحصول الجميع على الرعاية الصحية الأساسية .
- تمكين جميع الناس بواسطة توفير التعليم الأساسي للجميع ، عن طريق بذل جهود عالمية و وطنية أقوى بكثير .
المبحث الثاني : تحديات الأمن الإنساني
و نحن بصدد الحديد الأمن الإنساني ، لاحظنا أن هناك العديد من المشاكل التي واجهت امن الإنسانية ، و تشكل خطرا كبيرا على حياتها ، فبغض النظر عن الآثار الناجمة عن المشاكل المرتبطة بالبشر في حد ذاتهم ، أي مرتبطة بأفعال البشر – من نزاعات ، حروب و غيرها تظهر مشاكل من نوع آخر ترتبط أساسا بمصادر طبيعية ، و هذه الأخيرة لها أهمية كبيرة في حياة الإنسان ، و عدم توفرها أو ندرتها يشكل خطرا مباشرا على حياة الإنسان ، غنية و فقيرة ، سواء تعلق الأمر بالدول الغنية أو الفقيرة – فالكل أصبح مهدد بفعل هذه الإخطار المتعلقة بطبيعة المشاكل البيئية و غيرها .
المطلب الأول : المياه كرهان للأمن الإنساني
بدون المياه يستحيل البقاء على قيد الحياة ، سواء كان بقاء الإنسان أو غيره . و يوجد تفاوت في توزيع الإمدادات القليلة نسبيا من المياه العذبة الموجودة على كوكبنا بشكل يسهل الحصول عليه . إذ يفتقر واحد بين كل خمسة أشخاص إلى إمكانية الحصول على مياه مأمونة . و يفتقر ما يقرب من نصف سكان العالم إلى الصرف الصحي الملائم . و يموت أكثر من 1.7 مليون شخص كل سنة لأمراض مرتبطة بسوء إمدادات المياه و الصرف الصحي .(1)
فندرة المياه الصالحة تهدد ثلثين من سكان العالم ، و ذلك كتقديرات لسنة 2025 . لان كمية المياه التي كانت موجودة في السابق أصبحت لا تتناسب و تضاعف العدد البشري – و هي بذلك تضاعف الحاجة إلى الماء من طرف البشر لصحتهم و حياتهم – و هذا الطرح يهدف إلى تبيان مدى أهمية الماء في الأمن الإنساني .(2)
(1): الأمم المتحدة، إدارة الشؤون الإعلام،"المياه:مسالة حياة أو موت".متحصل عليه من:www.un.org
(2): Jean-françois,Rioux,op-cit,p101.
فالعلاقة بين الماء و الأمن الإنساني وطيدة ، لان الماء يعد من الأساسيات بالنسبة لحياة الإنسان – إذا ما قارنا بالاحتياجات الضرورية للإنسان كالأكل و السكن و الشرب .
الماء يصبح بذلك العنصر الأهم ، بالرغم من إن كل الاحتياجات و هي ضرورية أيضا لحياة الإنسان .
و لقد تم استعمال هذا التصور – الماء ضروري للأمن الإنساني – من طرف هيئة الأمم المتحدة للتغذية و الزراعة ""FAO، و هذا ما يترتب عليه في درجة ثانية طرح العلاقة بين الأمن الإنساني و استقرار الدولة ، و ذلك بالنظر إلى إمكانية حدوث نزاعات حول ثروة المياه .(1)
و منه ، ما هي طبيعة المشاكل العالمية للمياه ؟
مع مرور الزمن تصبح أزمة المياه أكثر أهمية و تعقيدا . فالكثيرون يجهلون بان المياه التي تغطي أو تسيطر على خريطة العالم تمثل نسبة 97.5 % منها مياه مالحة ، في حين ان المياه العذبة لا تمثل إلا 2.5 % ، و بالتالي نسبة 70 % من المياه مجمدة في القطبين والباقي منها موجود على شكل رطوبة في جوف الأرض. وفي النهاية لا تبقى سوى نسبة 0.007 % من الماء الصالح للشرب في المتناول.(2)
ولكون ان هذه الثروة المائية "الذهب الأزرق" موزعة على الخريطة الجغرافية بطريقة متساوية ، فنجد ان تسعة دول تمتلك 60 % من المياه،في حين إن 80 دولة أخرى لا تمتلك الماء حتى لتلبية احتياجاتها ومثال ذلك انه في جنوب إفريقيا نجد 600.000 فلاح من البيض يستغلون 60 % من المياه ،في حين ان 15 مليون من المواطنين السود محرومين من حق التمتع بهذه الثروة المائية، هذا ما يظهر الفرو قات الشاسعة في استغلال هذه المادة الحيوية الأساسية.(3)
وبالنظر إلى كل تلك الظروف ينصب القلق المتزايد بشان توافر المياه واستخدامها ،على قضايا إمكانية الحصول عليها والإنصاف في توزيعها ، وبالتالي تزايد الاحتياجات الى
(1):Ibid,p102.
(2):Ibid,p103.
(3):Ibid,p104.
المياه ، تفرض ضرورة تلبيتها –وبخاصة في الاقتصاديات النامية- هذا ما من شانه أن يفرض خيارات صعبة على الحكومات .وعدم الاستجابة لتلك المتطلبات تنطوي على تكاليف بشرية ، وبالاظافة إلى مخاطر اقتصادية وسياسية كبيرة،منها انعدام الأمن الغذائي ، وانقطاع الكهرباء...وغيرها .(1)
فمشاكل المياه،هي من بين قضايا الخدمات العامة التي تؤدي الى تسارع المجتمعات بمسائلة الحكومات عنها.وهذا ما يفرض ضغوطا كبيرة على العلاقات(2)
- داخل البلدان وبينها.
- بين سكان الريف وسكان الحضر.
- بين المصالح المتعلقة بمنابع الأنهار ومصباته،مما يؤثر على قيد الحياة وعلى سبل عيشهم.
- بين المستخدمين الزراعيين و الصناعيين وفي المنازل.
- بين احتياجات الإنسان ومتطلبات أن تكون البيئة صحية.
وهذا ما يفسر التوترات التي يعرفها العالم بشان مشاريع السدود الضخمة،وذلك بسبب أن مشروعات تركيا على نهري الدجلة والفرات، ومشروعات إسرائيل حول مياه انهار جبل لبنان.ومشروعات إثيوبيا حول مياه نهر النيل ، كل هذه تؤدي إلى تهديد نصيب منخفض وبازدياد عدد السكان-وبالتالي يتمخض عن كل هذا الضعف تأزم العلاقات على الساحة الدولية.(3)
ومع ذلك لا يمكن السماح لشحنة المياه بان تحصر الناس و الدول في صراع تنافسي ولا يتمثل التحدي في تعبئة القوى للتنافس على المياه بل يتمثل في التعاون للتوفيق بين الاحتياجات المتعارضة.ولذلك فان إدارة موارد المياه تمثل عنصرا هاما في المجهودات الرامية إلى بناء مجتمع عادل اجتماعيا وبيئيا.
(1): "امن الإنسان الآن"،مرجع سابق،ص15.
(2) : المرجع نفسه،ص15.
(3): أبو مدحت، مرجع سابق،ص71.
المطلب الثاني: الأمن الإنساني وسباق التسلح الجديد
واحدة من إبعاد الأمن الإنساني ترجع إلى مستوى النزاعات الدولية ، والتي يعد مقياسها الأساسي في حد ذاته "مستوى التسلح" .فهذا المستوى من التسلح ليس عاملا من عوامل اللاامن الإنساني ،ولكن بالعكس من ذلك ،فهو نوع من المجهودات الدفاعية التي تضمن الأمن،لكن بشرط إن يكون مستوى التسلح ذو طبيعة لا تهدد باستعمال القوة،فإحداث التوازن الجهوي ،وبالتالي لا يجب أن يفهم السعي إلى التسلح ذو طبيعة لا تهدد التوازن الجهوي ، وبالتالي لا يجب إن يفهم السعي إلى التسلح بأنه تهديد باستعمال القوة، فإحداث التوازن بين كميات التسلح وتوفير الاحتياجات الإنسانية فهي تدخل في قلب الأمن الإنساني العالمي.(1)
فبعد سنوات من سقوط جدار برلين وفي نهاية الحرب الباردة كنا نأمل بان العالم يستفيد من السلام ، ولكن استنتجنا بان الأمن لن يتحقق.
بداية،فانه في منتصف سنوات التسعينات المصاريف العسكرية عرفت انخفاضا وتراجعا فيما يخص التجارة العالمية للأسلحة،إلا أن هذا التراجع في مستوى التسلح سرعان ما عرف تغذية قوية من جديد بسبب حرب "العراق و إيران" التي خلفت من ورائها آثار سلبية بشرية هائلة ومادية هذا من جهة،ومن جهة أخرى عرفت هذه الحرب تطورا هاما فيما يخص مصاريف الدفاع، وخاصة فيما تعلق بالميزانية الأمريكية وسياسة الرئيس "Reagan" خاصة من خلال مبادرة الدفاع الاستراتيجي في بداية سنة2000 شهدت تزايد المصاريف العسكرية،بالاظافة إلى ارتفاع نسبة التجارة العالمية للتسلح،وهذه الحركية من شانها أن تعرف تضاعفا في المستقبل،مما يؤدي إلى جعل المصاريف العسكرية أكثر تكلفة.(2 )
وبالاظافة إلى كل ذلك،تم تحليل حرب الخليج "Guerre Du Golf" على أنها"الحلقة الأخيرة " من سلسلة الحروب التي سجلتها الحقبة الماضية،إلا انه على الرغم من ذلك مازال العالم يشهد سلسلة من الحروب المتتالية في أوروبا،إفريقيا و أقصى آسيا وهذا دون التطرق
(1): Jean-françois,Rioux,op-cit,p137.
(2):Ibid,p138.
بالحديث عن الحروب المدنية المنسية،مثل الحرب الدامية في كولومبيا"حرب أهلية تتشابك فيها العديد من القضايا من أبرزها المخدرات" ، فبدل إن يعم استقرار العالم بعد زوال القطبية الثنائية،عرف العالم حسب ما عبر عنه آلان جوكس"Alain Joxe" بما سماه "إمبراطورية الفوضى"،"فالقرن الواحد و العشرين،يعبر عن عالم مبني على أساس الفوارق و الافتقار لضروريات ،فكل الفصائل الإنسانية تبدو وكأنها وقعت في فخ العنف المثير و المتعدد الأشكال".(1)
ومنه ظهرت حاجة كبيرة إلى وقف انتشار الأسلحة التي تهدد امن الناس ونلاحظ أن أربعة من الأعضاء الدائمين لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة و المتمثلين في فرنسا،روسيا،بريطانيا، الولايات المتحدة الأمريكية ،مسئولون عن78 بالمائة من صادرات العالم من الأسلحة التقليدية،أما ألمانيا وهي المساهمة الرئيسية المتبقية،فهي مسئولة عن نسبة إضافية قدرها5 بالمائة وحوالي ثلثي هذه الصادرات تتجه إلى بلدان النامية.وتجارة الأسلحة هذه تأجج الصراعات العنيفة و تكون لها أيضا تأثيرات رهيبة غير مباشرة على المجتمع و السياسات و الاقتصاد.(2)
فانتشار أسلحة الدمار الشامل ، و التحرك الحالي نحو صنع أسلحة الدمار الشامل-نووية وكيميائية وبيولوجيو- يعرض للخطر الناس في كل من البلدان النامية و البلدان التقدمة النمو.ويجب مضاعفة الجهود لتعزيز نظام عدم الانتشار النووي ولمراقبة تنفيذ المعاهدات و الاتفاقات الأخرى وتشجيع ذلك التنفيذ.ويجب أن يتناول النقاش العام بشان سياسات الجهود الرامية إلى وقف الانتشار.(3)
وبالتالي يجب النظر في كل أنواع النزاعات ،حيث يجب فرض مراقبة صارمة على الأسلحة الخفيفة،لان الخطر الذي تمثله يشابه أو يعادل الأسلحة النووية.
(1):Ibid,p138.
(2): هيئة الامم المتحدة للتنمية،"طرائق لتعزيز امن الناس" ،مرجع سابق ،ص134.
(3): Jean-françois,Rioux,op-cit,p149.
إلا انه ما يمكننا الإشارة إليه،بأنه كان من المفروض إن يتقلص التهديد النووي نتيجة لمعاهدات حضر الانتشار و الخطر الكامل للتجارب النووية لكن الواقع يقول أن التهديد مازال قائما سواء من الدول النووية والتي كان الهدف إزالة أسلحتها النووية أو من الدول التي أصبحت نووية مثل إسرائيل و الهند وباكستان. كل هذه التطورات من شانها أن تؤثر سلبا على الإنسانية ومنه تهديد الأمن الإنساني.
خلاصة الفصل الثاني:
مما تقدم نلاحظ إن طرح قضية الأمن الإنساني ،تعتبر من المواضيع البالغة الحساسية والتي يجب أن تكون على رأس قائمة الأولويات بالنسبة للعديد من الدول المتقدمة او النامية على حد سواء ، وذلك من خلال السهر على تحقيق الأمن الإنساني بالنظر إلى مختلف مستويات للتوصل في نهاية المطاف إلى عالم يتوفر على درجة عالية من امن الإنسان.
إلا إن الحديث عن تحقيق الأمن الإنساني لا يمكن التوصل إليه بكل بساطة لأنه يمثل ظاهرة معقدة و متشابكة خاصة في ظل تطور التحديات المواجهة له وتصاعد النزاعات الاثنية و الإعمال الإرهابية ، وانتشار الفقر،كلها أسباب تجعل امن الإنسان على شفير الهاوية،هذا ما يستدعي ضرورة وضع أسس جديدة للتعامل مع هذه القضايا الخطيرة من اجل تجاوزها.وذلك من خلال طرح بدائل التعاون الاقتصادي ونشر ثقافة السلم في العالم للتوصل إلى امن الإنساني الذي يمثل الطموح الحقيقي الذي تصبو إليه جميع البشرية.
الخاتمة
مما تقدم نستنتج أن دراسات الأمن التي ارتبطت مدة طويلة بتفسيرات المنظور التقليدي الذي كان يتمحور حول امن الدولة وكيفية استعمالها لقوتها في إدارة الأخطار التي تهدد استقلالها وسلامة وحدتها الترابية ،عرفت تراجعا كبيرا بسبب التحولات العميقة التي شهدها النظام الدولي خاصة بعد إحداث 11 سبتمبر 2001 ، والتي أدت إلى تغيير كبير في مفهوم الأمن ،وذلك بسبب التحول في طبيعة التهديدات و مصادرها ،حيث أصبحت لها صفة العالمية،فهي لا تهدد الدولة الواحدة فقط،بل تمس بأمن جميع الدول على حد السواء.
وبالنظر إلى كل تلك التحولات التي شهدها النظام الدولي ، تدعمت تبعا له العديد من وجهات النظر النقدية التي دعت إلى ضرورة إعادة النظر في مفهوم الأمن،وذلك بهدف صياغة مفاهيم أخرى له تكون أكثر ملائمة لطبيعة التحولات الجارية ،وهذا ما أثمر ظهور العديد من المفاهيم و أبرزها مفهوم الأمن الإنساني.
واستنادا إلى هذه الدراسة التي قمنا بها ،يمكن إن نقدم مجموعة من الاستنتاجات الأساسية التي توصلنا إليها كخلاصة لعملنا هذا:
- مفهوم الأمن الإنساني جاء كنتاج لمجموعة التحولات التي شهدتها فترة ما بعد الحرب الباردة ،ولقد مثل نقاة نوعية في طبيعة الدراسات الأمنية التي كانت حكرا على الدولة فقط.
- سجل الأمن الإنساني وبوضوح تجاوزا نظريا لمضامين الأمن التقليدية، التي تؤكد على الدولة كمركز للأمن ، ليفسح مجال اكبر إمام امن الإفراد، من خلال الاهتمام بقضاياهم ومتطلباتهم.
- الحديث عن الأمن الإنساني كتصور نقدي للأمن بمضامينه التقليدية لا يعني انه مثل قطيعة حقيقية مع امن الدولة، فامن الإنسان يبقى مهما يكن مرتبط بأمن الدولة فالدولة هي المسؤولية الأولى على تامين أفرادها في مختلف الميادين هذا من جهة ومن جهة أخرى فهي مسئولة أيضا عن حماية أرضها وشعبها من التهديدات الخارجية ،فالاحتلال يعني غياب امن الدولة و المواطن على حد السواء.
- بالرغم من الجهود المبذولة في سبيل تحقيق الأمن الإنساني ،مازال الموضوع يعرف تراجعا بسبب تصاعد التحديات في مواجهته من انتشار أسلحة الدمار الشامل،تصاعد النزاعات الاثنية والأعمال الإرهابية وكذلك انتشار الفقر و الأمراض الخطيرة...
- تحقيق الأمن الإنساني يستدعي ضرورة وضع استراتيجيات فعالة من اجل تجاوز القضايا الخطيرة التي تواجه وتحول دون تحقيقه،وذلك من خلال طرح بدائل التعاون الاقتصادي و تفعيل الشراكة و التكامل بين مختلف الدول من اجل مواجهة المشاكل الخطيرة التي تهدد امن الناس و الدول خاصة ظاهرة الإرهاب.
ومنه نستنتج بان الأمن الإنساني مازال قيد الطموحات النظرية، بعيدا عن الممارسات التطبيقية الفعلية رغم التأييد الذي تلقاه، وهذا بسبب انتشار اللامساواة وغياب العدل على المستوى الداخلي للعديد من الدول هذا من جهة ،وبسبب التطرف العنصري في استخدامات الأمن الإنساني على المستوى الدولي من جهة أخرى،فالعديد من الدول تتدخل باسم حماية الإنسان و حقوقه بهدف تحقيق مصالح خاصة بها وهنا تطغى مصلحة الدولة القومية على الأهداف الإنسانية،ومثال ذلك الولايات المتحدة الأمريكية و النتائج السلبية التي خافتها من خلال حربها على العراق.
ورغم كل التحديات المطروحة في مواجهة الأمن الإنساني، لا يمكننا ان ننكر بان التغير النوعي الذي عرفه حقل الدراسات الأمنية تطور من منطلق هذه النقاشات النقدية التي أقرت بتحول بعض الافتراضات الأساسية للمعادلة الأمنية في العلاقات الدولية وذلك بسبب نقل مستوى التحليل من الدولة إلى الفرد.
قائمة المراجع:
أ- من الكتب:
1 : الجحني،علي بن فايز،الاعلام الامني و الوقاية من الجريمة . الرياض:
اكاديمية نايف العربية للعلوم الامنية،2000 .
2: معمر،بوزنادة،المنظمات الإقليمية و نظام الأمن الجماعي .الجزائر:ديوان المطبوعات الجامعية،1992.ص14،15
3 : خضور،اديب،اولويات تطوير الاعلام الامني العربي:واقعه وافاق تطوره .
الرياض: اكادمية نايف العربية للعلوم الامنية،1999 .
4 : سعد الله،عمر،حقوق الانسان وحقوق الشعوب.القاهرة: دار النهضة،2002 .
5 : قادري،عبد العزيز،حقوق الانسان وحقوق الشعوب.القاهرة: دار النهضة،2003.
6 : مدحت،ايوب،الامن القومي العربي في عالم متغير.القاهرة: مركز البحوث
العربية ،2003 .
ب- من المقالات:
1 : احمد الطراح،علي،منير حمزة سنو،غسان،"الهيمنة الاقتصادية العالمية و التنمية
و الامن الانساني".مجلة العلوم الانسانية.العدد4 ،ماي2003 ،ص11-17.
2 :برقاوي،احمد،"نحو تحديد نظري للامن القومي العربي".مركز الدراسات و
البحوث الاستراتيجية.2003 ،ص72-80 .
3: زقاع ،عادل، "اعادة صياغة مفهوم الامن -برنامج البحث في الامن المجتمعي-"
01 /09 / 2005 ،ص1-8 .
4 : سامر،موسى،"العلاقة بين القانون الدولي الانساني والقانون الدولي لحقوق
الانسان".المنتدى القانوني.العدد1 ،ماي2005 ،ص 147 .
5 : عرفة،خديجة،"تحولات مفهوم الامن...الانسان اولا".مركز الدراسات الاسيوية.
2003 ،ص3-5 .
6 : غينولا،فرين،"اعادة النظر في مفهوم الامن: ضرورة لافريقيا؟".
مركز البرلمانات المتحدة من اجل وحدة افريقيا. حزيران2002 ،ص2-3
7 : فريجة،حسين،"اشكالية الامن الانساني وعلاقته بقضايا التنمية،الديموقراطية
وحقوق الانسان".الشروق اليومي.العدد1012 ،1 مارس 2004 ،ص15 .
8 : هيئة الامم المتحدة للتنمية ،"الامن الاقتصادي-القدرة على الاختيار بين الفرص"
تقرير لجنة امن الانسان.2001 ،ص85 .
9 :هيئة الامم المتحدة،"الناس المحاصرون في صراعات عنيفة".تقرير لجنة امن
الانسان.2001 ،ص21-29 .
10 :هيئة الامم المتحدة للتنمية،"التوعية لتحقيق امن الانسان".تقرير لجنة امن
الانسان. 2001 ،ص169.
11 :هيئة الامم المتحدة للتنمية،"الناس المتنقلون".تقرير لجنة امن الانسان.2001 .
ص 2-5 .
12 : هيئة الامم المتحدة للتنمية،"طرائق لتعزيز امن الناس".تقريرلجنة امن الانسان.
2001 ،ص131-134 .
13 : هيئة الامم المتحدة للتنمية،"امن الانسان الان".تقرير لجنة امن الانسان.2001
ص6-8 .
14:غازي،ربابعة،"إشكالية العولمة في النظام العالمي الجديد."مجلة المفكر .العدد 2،مارس2003،ص142.
ج: من الانترنت:
1 :نصيرات،سليمان،"مفهوم الامن الانساني-نظرة متجددة-".ص1-2 .متحصل
عليه من :www. Islamonline.net
2 : رزيق،كمال،"التنمية المستدامة في الوطن العربي من خلال الحكم الصالح و
الديمقراطية".مجلة العلوم الاتسانية.العدد25 ،نوفمبر2005 .متحصل
عليه من :www. Uluminsania.net
3 : الامم المتحدة، ادارة الشؤون الاعلام،"المياه:مسالة حياة او موت".متحصل
عليه من:www.un.org
A: LES OUVRAGES:
1:Charle-Philippe,David,Roche,Jean-Jacques,Théories
De la sécurité définition,approches et cencepts de la sécurité internationale.Paris:éditions Monchrestien,2002.
2:Le petite Larousse(Grand format,illustré couleur). France:édition Larousse,2001.
3 :Rioux,Jean-François,La sécurité humaine:Une
Nouvelle conception des relation international.
Paris:L’Harmattan,2001.
B:LES périodiques:
1:Arniel,Barbara;"Le changement de paradigme de la
Sécurité humain:Nouveau regard sur la politique étrangére du canada?"Centre canada pour le développent de la politique étrangére.N°1019,le 18 juin 1999,p1-11.
2 :Geiser,Christian,"Approches sur les conflits
Ethniques et les réfugiés".presses de science po.1997,p13-17.
3 :Hariman,Robert,"le post-réalisme après le 11
Septembre"étude internationales.N°4,décembre2004,p689.
4 :Ramel,Frédéric,"la sécurité humain:Une valeur de
Rupture dans le cultures stratégique au nord?".Revue études internationales.N°1,mars2003,p9-92.
5 :UNDP,"Rappirts mondial sur le développement
Humain 1994".Developpement humain.1994,p23.
6 :Bajpai,Kahnti,"Human security:Concept and
Measurement ",Kroc institute.August2000,p1-9.
7 :Bothan;Oliver,Rams,"Humanitarian
intervention1990:A need to reconceptualize?"Review of international.Mai1997,p23.
Comments
Post a Comment