تسويق الإرهاب: حول صناعة العلامة التجارية الخاصة بداعش
بشكل مشابه للنازيين ولـ "كو كلوكس كلان"، فإنّ تنظيم الدولة الإسلامية يستخدم رمزية قوية من أجل نشر رسالته وحشد التأييد. من التغيير المتكرر للاسم، مرورًا بأفلام الحركة المغرية وقطع الرؤوس والذي يشكّل "دعاية" وصولا إلى ملصقات للسيارات مع شعار الدولة الإسلامية؛ هكذا يبدو وضع العلامة التجارية والتسويق عند التنظيم الإرهابي
25
إنّ التسويق ووضع العلامة التجارية أمران مهمان ليس فقط للشركات التي تحاول الترويج لمنتجات وخدمات وإنما للتنظيمات الإرهابية كذلك. أسلوب وضع العلامة التجارية، الشعارات التي تُستخدم للترويج للمنتجات وخصوصًا الكلمات التي تُستخدم؛ جميعها يمكنها أن تساهم في إخافة الأعداء، تجنيد المقاتلين والداعمين والحصول على التمويل، الشرعية والولاء. بكلمات أكثر بساطة، الكلمات والشعارات هي أمر مهم، وخصوصًا في عصر الشبكات الاجتماعية.
بنى التنظيم المعروف باسم "الدولة الإسلامية" (داعش) علامته التجارية بشكل فعّال. لقد بدأ كتنظيم "القاعدة في العراق"، بعد ذلك تحوّل إلى "الدولة الإسلامية في العراق"، وفي وقت لاحق أصبح "الدولة الإسلامية في العراق والشام" (اختصارًا: داعش) والآن يطلق على نفسه ببساطة اسم "الدولة الإسلامية". كتب الباحث ناثانيل ويلسون في موقع "Fikra" أنّ حقيقة تغيير "الدولة الإسلامية" لاسمها مرارًا وتكرارًا تُظهر بأنّ قادتها، بما في ذلك أبو بكر البغدادي، يعرفون قوة العلامة التجارية.
قوة الاسم، والاقتراح المصري
في الماضي، حين كان أسامة بن لادن لا يزال على قيد الحياة، كتب رسالة يدرس فيها مسألة تغيير اسم "القاعدة" باعتبار أنّ هذا الاسم، "يقلل من تعاطف المسلمين الذين ننتمي إليهم ويمكّن الأعداء من الزعم بطريقة مغالطة بأنّهم لا يقودون حربًا ضدّ الإسلام والمسلمين، وإنما ضدّ تنظيم القاعدة، والذي هو كينونة منفصلة عن طريق الإسلام". بكلمات أخرى، فإنّ اسم التنظيم لم يكن شموليّا بشكل كاف وقد استغلّت الولايات المتحدة ذلك. ويبرز في تلك الرسالة القلق من آثار اتخاذ العلامات التجارية لدى التنظيم على تجنيد المقاتلين فيه.
ومن أجل التصدّي لجهود التسويق لدى الدولة الإسلامية، فقد كتب مسلمون رفيعو المستوى في بريطانيا (وهي دولة خرج منها على الأقلّ 500 شخص للقتال في سوريا) لرئيس الحكومة ديفيد كاميرون رسالة شجّعوه فيها على تسمية "الدولة الإسلامية" بـ "الدولة اللا- إسلامية" (Un-Islamic State, UIS). قالوا إنّ استخدام اسم "الدولة الإسلامية" قد يشجّع التطرّف بين الناس وأنّ اسم "الدولة اللا-إسلامية" قد يكون بديلا أكثر دقّة وإنصافًا لوصف التنظيم وأهدافه. بالإضافة إلى ذلك، فإنّ المرجعية الأعلى للدين في مصر قد اقترحت وصف الدولة الإسلامية بـ "انفصاليّو القاعدة في العراق والشام". وهذا بهدف التفريق بين الدولة الإسلامية وبين الغالبية المعتدلة من المسلمين والتوضيح بأنّ دعاويها في الشرعية زائفة.
بالإضافة إلى ذلك، هناك من يرى أنّ وصف التنظيم باسمه ("الدولة الإسلامية") يعطي قدرًا من الصحة لطموحاته في الدولة. حيثّ أنّ تنظيم الدولة الإسلامية لو استطاع وضع الحدود، محاربة الغزاة ووضع المباني الحكومية؛ يمكنه أن يكون دولة. بحسب كلام ويلسون، فقط كون المجتمع الدولي لا يعترف بالدولة الإسلامية، هذا لا يقول إنّه لن يُجبر على فعل ذلك في المستقبل. ولذلك، فإنّ الاستسلام للعلامة التجارية للتنظيم يمنحه المزيد من الانتصارات.
"جزء من الجاذبية أن تكون جزءًا من شيء ما"
ولكن فيما وراء اسم التنظيم، فإنّ التجنيد الهائل جدا للمقاتلين يتطلّب دون شكّ من "الدولة الإسلامية" أن توفّر لمقاتليها هدفا ليؤمنوا به. وليس هذا بالمناسبة أمرًا جديدًا. فقد استخدم هتلر في أوروبا والـ "كو كلوكس كلان" في الولايات المتحدة أدوات قوية للتسويق، وضع العلامة التجارية وإنشاء هوية من أجل نقل رسالة قوية وواضحة والتي هي مخصّصة للإخافة بالإضافة إلى أولئك الذين كان يراد تجنيدهم.
وقال ستيفن هيلر الذي كتب كتابا في هذا الموضوع تحت عنوان "Iron Fists: Branding the 20th-Century Totalitarian State"، لموقع The Drum إنّ التسويق ووضع العلامات التجارية للتنظيمات الإرهابية مشابه إلى حدّ ما لتسويق منظّمات مثل "الكشّافة". "كل شيء يرتبط بالانتماء"، كما وضّح. "جزء من الجاذبية هو ببساطة أن تكون جزءًا من شيء ما". حسب أقواله، تتعرّف التنظيمات الإرهابية - وبشكل مشابه للنازيين - على العناصر المحتملين وتمنحهم زيّا، شارةً وشعورًا بالقوة. "يحبّ الناس ارتداء الأزياء الموحّدة"، كما يؤكّد هيلر.
"قطع الرؤوس = الدعايات"
يبدو أنّ الدولة الإسلامية نجحت حتى الآن في إيجاد توازن بين إرسال رسالة تهديدية للأعداء وبين تعزيز التزامها تجاه العناصر والمجنّدين الجدد. بحسب أقوال هيلر، تشير الأعمال الأخيرة للتنظيم، ومن بينها قطع رؤوس مدنيين من الغرب أمام أنظار الكاميرات، إلى خطّة يقف وراءها تفكير منظّم. إنّه يرى في أفلام قطع الرؤوس بمثابة "دعايات" خُصّصت لتسويق منتج الإرهاب للدولة الإسلامية، مع كل الصعوبة الكامنة في الحديث عن تلك الأفعال بشكل تجاري.
وعلينا أن نتذكر بأنّ تنظيم الدولة الإسلامية قد انفصل عن تنظيم القاعدة، الذي يحاول بنفسه تسويق الإرهاب. ولكن بينما يميل تنظيم القاعدة إلى نشر صور زعمائه وهم يتحدّثون من كهوف مخبّأة، يمسك تنظيم الدولة الإسلامية بشركة إنتاج اسمها "الحياة" والتي توزّع أفلاما تعرض العنف بشكل واضح جدّا، تماما كما تحاول هوليوود إنتاج منتجات جيّدة تعطي للمشاهدين إحساسا بالتوتر والإثارة.
ويقول آرثر بيفوس، وهو خبير في تسويق الإرهاب، إنّ هذا هو السبب بأنّ تنظيم الدولة الإسلامية ينجح في جذب الناشطين الشباب. "يمكننا أن نرى بأنّ الدولة الإسلامية تنجح أكثر في تسويق نفسها. على سبيل المثال: فإنّها تُصدر أفلاما، مليئة بالحركة ومصوّرة بشكل جميل"، كما يشرح. أبعد من ذلك، فإنّ الدولة الإسلامية تعلن عن نفسها بوسائل مختلفة مثل تقديم ملصقات لإيقاف السيارات مع شعار التنظيم الأسود. وفقا لبيفوس، ليس لدى تنظيم القاعدة تسويق مثل هذا لأنّه لا يملك دولة أو مؤسسات كما يتطلّب الأمر.
نُشرت هذه المقالة للمرة الأولى في موقع ميدل نيوز
Comments
Post a Comment