الصورة للشهيد جوزيف قرنق خريج كلية القانون جامعة الخرطوم، ووزير الجنوب في 1969، وعضو برلمان 1965 عن الحزب الشيوعي، وعضو لجنته المركزية (1956)، ومكتبه السياسي حتى مقتله في يوليو 1971
مقالة حجبتها مجلة "الشيوعي": الماركسية واستنهاض شعب الريف
د.عبد الله علي إبراهيم
صدر التقرير المعنون "قضايا ما بعد المؤتمر الرابع"، الذي خطه أستاذنا عبد الخالق محجوب، كأحد اعمال اللجنة المركزية للحزب الشيوعي، دورة منتصف يونيو 1968. وتمر هذا العام الذكرى الخمسين لصدوره. والإشارة للمؤتمر الرابع هنا هي للمؤتمر الشيوعي الذي انعقد في 1967 وصدر تقريره بعنوان "الماركسية وقضايا الثورة السودانية" في نفس العام.
حين تفرغت للحزب الشيوعي في 1970 وجدت "قضايا" ضمن وثائق أخرى لم نكن نحفل بها معشر مثقفة الحزب. ووجدت فيها مصداقاً للقائنا لأستاذنا في 1968 دعانا فيه، حين جئناه موجعين على حال الحزب، بأنه، متى ثبتنا عند تكتيكنا في مراكمة العمل الجماهيري لاستنهاض الحركة الثورية بعد نكسة ثورة أكتوبر 1964 وحل الحزب في شتاء 1965، فاستراتيجية الحزب باب مفتوح للاجتهاد الماركسي على مصراعيه. وعليه فلا تجد في الوثيقة دعوة للتفكير المبتكر في استراتيجيتنا فحسب، بل هجوماً منقطع النظير على التفكير بحكم العادة، أو داخل الصندوق كما نقول الآن.
ولعلمي بضيق نطاق المعرفة بهذه الوثيقة أخذت على نفسي تلخيصها في 1975 (بعد 7 سنوات من صدورها وفي سنوات محنة شيوعية كبرى) حتى يأتي الوقت لنشرها كاملة. فهي عندي بمثابة الدرجة الأعلى في التفكير الاستراتيجي الحزبي بعد "الماركسية وقضايا الثورة السودانية" الأكثر ذيوعاً. ف"قضايا" لا تطور "الماركسية" فحسب بل تنسخها أحياناً. وفرغت من تلخيصي وبعثت به للمرحوم محمد إبراهيم نقد، رئيس تحرير مجلة "لشيوعي"، المجلة النظرية للحزب. وانعقد لساني حين لم ينشره ولم يتفضل ببيان سببه لذلك. ولم أسأله لأنني من قوم لا يسألون عن البديهات. واحتفظت بملخصي هذا عبر تنقلات كثيرة وابتلاءات. واتصلت بعد قيام دار عزة للنشر بمديرها الأستاذ نور الهدي محمد نور الهدي أزكي له نشر "قضايا" بمقدمة مني أربط قارئ تسعينات القرن بأفكار ستيناته. ثم سرعان ما علم الحزب بالمشروع واستولى عليه ونشرت دار عزة "قضايا" بغير مقدمة مما هو نشر أعرج أو أعوج.
وأنشر هنا على حلقات ما جاء في تلخيصي للوثيقة في 1975 في مناسبة مرو نصف قرن على صدورها. لن أتقيد بحرفية ورود أبواب الوثيقة في تلخيصي مراعاة لفارق الزمن ورغبتي في استصحاب قارئ زماننا هذا معي. وابدأ بما لخصته عن نظرة الوثيقة للعمل الثوري في القطاع التقليدي أو في التكوينات قبل الرأسمالية في الريف كما نقول. وفيه دعوة صريحة لتخرج الماركسية من بياتها في المدن لتقتحم قضايا الريف بأكثر مما فعلت وبتواضع يأخذ في الاعتبار مستويات وعي أهل الريف بقضاياهم وممارساتهم المستقلة لتغيير ما بأنفسهم.
النشاط الثوري في القطاع التقليدي:
مما لا مراء فيه أن ثورة اكتوبر قد أحدثت هزة في القطاع التقليدي. إن جماهير هذا القطاع تتمرد على مؤسسات الإدارة الأهلية والطائفية السياسية، فتطالب بتصفية الأولى، وتتمسك بحق ترشيح أبنائها في البرلمان بدلا عن الكادر المفروض عليها من المركز الطائفي. ويحاول اليمين من جانبه تحويل هذه الهزة لمصلحته بإجراء إصلاحات طفيفة في أساليب تعامله مع القطاع التقليدي، وفي تجنيده في حملات صليبية ضد المدن والتقدم.
إن النشاط الثوري في القطاع التقليدي ليس برنامج عمل وحسب إنه – بالأحرى – إجابة (وبرنامج العمل جزء هام منها) على التحدي الواضح الذي تواجهه الماركسية في بلادنا: هل للماركسية إمكانيات لمواجهة مشاكل التكوينات غير الرأسمالية والارتباط بها وتقديم الحلول لها أم لا؟
والمفتاح لهذا التحدي – بالمثل – ليس تهويماً نظرياً. فهو يبدأ بالإقرار بأن جماهير القطاع التقليدي تستيقظ على الحياة الاجتماعية بطريقة غير طريقتنا. ف "هذا أمر واقعي لا يمكن أن نبتعد عنه بتصورات ذاتية، بل علينا أن نعتبر هذا الطريق وأن نَقِر أنه للآن ليس طريقنا". وأن نلامس ونعمل في كل المؤسسات التي ما تزال تلك الجماهير تثق في كفاءتها وخدمتها لأغراضها. (إصلاحات في المؤسسة الطائفية، انتخاب واحد من أبنائها بغض النظر عن لونه السياسي الخ.). وأن نصبر حتى تستوفي هذه الحركة شروطها، وتستنزف جميع الصور التي ما زالت تراها معبرة عنها. ونحيط هذا الاستنزاف بوعي يصل بين صحوة هذه الجماهير ومجمل الحركة الوطنية الديمقراطية في البلاد وبمجمل خطة التنمية غير الرأسمالية. ولن تتعلم هذه الجماهير وتصل هذا المستوى الا بتجربتها، وإلا إذا كان الشيوعيون معها داخل كل تعبيراتها المتمردة على المؤسسات التقليدية، ولم يقفوا متطهرين رافعين الشعارات المتطهرة كنداء غريب في الصحراء. ويقتضي مثل هذا السلوك أن يكسر الحزب الشيوعي النطاق الذي فرضته عليه ظروف موضوعية وذاتية (نطاق المدن والأقسام المتقدمة من الجماهير برغم تجاربه الفاشلة مع الرعاة في الخمسينات)، وأن ينمى صيغة شاملة للعمل الثوري على نطاق القومي. ففي القطاع الحديث كان الحزب يدعو للماركسية مباشرة ولأفكار الصراع الطبقي، بينما يتخذ الصراع في التكوينات قبل الرأسمالية شكلا آخرا ً.
وعلى ضوء هذا المنهج تناولت الوثيقة جماعة الأنصار. ووجهت إلى الى دراسة التصدع الحادث في مؤسستهم (سنة 1968) بأساسه المادي، وأن نسقط التصورات الماضية التي تضع الأنصار كجيش دائم لليمين، وأن نقدر جيدا الآثار المرئية وغير المرئية التي نجمت عن النضال الطويل للحركة الديمقراطية على جماهير القطاع التقليدي بما في ذلك الأنصار.
الجنــوب:
عادت الوثيقة لتأكيد ما جاء في المؤتمر الرابع من أن الوضع في الجنوب سيظل يضعف قدرات أي نهضة ثورية في البلاد. وأن على الحركة الثورية أن تقترب من الحركة السياسية في الجنوب باعتبار:
إن ضعف الحركة السياسية في الجنوب وحجم ارتباطاتها الأجنبية راجع إلى ضعف الحركة الديمقراطية ككل وعدم قدرتها على التأثير الحاسم في مجرى الأمور.
إن تلك الارتباطات الأجنبية لا ينبغي أن تحجب ملامستنا للحركة السياسية في الجنوب. إن لنا رأينا فيها مع التحذير بأن نطبق معها نفس ما نطبقه مع مثل تلك الارتباطات في الشمال. فثمة حالة يأس لجماهير واسعة في الجنوب وعند مثقفيهم خاصة من احتمال حل مشاكلهم مع الشمال، وهي حالة لا ترى في الحزب الشيوعي الا فصيلة من أحزاب الشمال.
أن نصبر على توصيل معارفنا واجتهاداتنا لتلك الحركة حيثما وجدت. وان نلح على أن برنامجها في التحالف بين الحركة الديمقراطية والحركة السياسية في الجنوب ضد طريق التنمية الرأسمالي (الذي سيند كل اضطهاد قومي) هو سبيل السودان المتحد.
إن تلك الارتباطات الأجنبية لا ينبغي أن تحجب ملامستنا للحركة السياسية في الجنوب. إن لنا رأينا فيها مع التحذير بأن نطبق معها نفس ما نطبقه مع مثل تلك الارتباطات في الشمال. فثمة حالة يأس لجماهير واسعة في الجنوب وعند مثقفيهم خاصة من احتمال حل مشاكلهم مع الشمال، وهي حالة لا ترى في الحزب الشيوعي الا فصيلة من أحزاب الشمال.
أن نصبر على توصيل معارفنا واجتهاداتنا لتلك الحركة حيثما وجدت. وان نلح على أن برنامجها في التحالف بين الحركة الديمقراطية والحركة السياسية في الجنوب ضد طريق التنمية الرأسمالي (الذي سيند كل اضطهاد قومي) هو سبيل السودان المتحد.
الصورة للشهيد جوزيف قرنق خريج كلية القانون جامعة الخرطوم، ووزير الجنوب في 1969، وعضو برلمان 1965 عن الحزب الشيوعي، وعضو لجنته المركزية (1956)، ومكتبه السياسي حتى مقتله في يوليو 1971
Comments
Post a Comment