Skip to main content

على عتبة نظام عالمي جديد ---- صبحي غندور*



على عتبة نظام عالمي جديد
صبحي غندور*
يبدو أنّ نظاماً دولياً جديداً بدأ يتبلور الآن، بعدما عاش العالم في العقود
الثلاثة الماضية نظاماً محكوماً بنتائج سقوط الاتحاد السوفييتي، وبانتهاء مرحلة
الصراع العالمي لنصف قرنٍ من الزمن بين المعسكرين الشيوعي والرأسمالي. فمنذ تحطيم
"حائط برلين"، وعلى مدار ثلاثين سنة تقريباً، استمرّ "حلف الناتو" كرمزٍ للمنتصر
في "الحرب الباردة"، رغم سقوط "حلف وارسو"، وكتعبير عن التوافق ووحدة المصالح بين
ضفتيْ الأطلسي: أوروبا والولايات المتّحدة.
معطياتٌ كثيرة وجديدة تتفاعل الآن بسبب السياسة التي تقودها الإدارة الأميركية
الحالية منذ وصول ترامب للرئاسة في مطلع العام الماضي، هذه السياسة التي أوجدت
شروخاً عميقة في علاقات واشنطن مع حلفائها الأوروبيين، ومع جارها الكندي في
الشمال، ومع جارها المكسيكي في الجنوب. ولم يشهد "حلف الناتو" في السابق هذا الحجم
من الخلافات بين أعضائه كما هو الحال الآن. فدونالد ترامب كان واضحاً خلال حملته
الانتخابية في العام 2016 بأنّه لا يدعم فكرة الاتّحاد الأوروبي وأشاد بخروج
بريطانيا منه، وبأنّه ضدّ اتفاقية المناخ، وضدّ الاتفاق الدولي مع إيران بشأن
ملفّها النووي، وضدّ اتفاقية "نافتا" مع كندا والمكسيك، وبأنّ لديه ملاحظاتٍ كثيرة
على "حلف الناتو" وكيفية تمويله، وكذلك على مؤسّسات الأمم المتّحدة. وهذه نقاط
خلاف كلّها مع حلفاء أميركا الغربيين.
وما حصل ويحصل هذا العام هو تعبيرٌ عن جدّية تعهّدات ترامب الانتخابية، وبأنّ هذه
التعهّدات كانت أجندةً للتنفيذ وليس للاستهلاك الانتخابي فقط. فترامب حريصٌ جدّاً
على الوفاء بما وعد به قاعدته الشعبية، ذات الطابع المحافظ، من انقلابٍ على معظم
السياسات التي جرت في فترتيْ باراك أوباما الليبرالي، بوجهيها الداخلي والخارجي،
وهو فعلاً يقوم بذلك، حتّى أيضاً فيما يتّصل بالملفّ الفلسطيني، حيث بدأ الرئيس
السابق أوباما أسبوعه الأوّل في "البيت الأبيض" مطلع العام 2009 بالتركيز على
مسألة الإستيطان الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية المحتلّة، وأنهى أوباما فترته
الثانية بتشجيع مجلس الأمن الدولي على اتّخاذ قرارٍ بإدانة الإستيطان في ديسمبر
2016، بينما عمل ترامب على تحسين العلاقة مع نتنياهو والتغاضي عن مسألة الإستيطان،
وعلى نقل السفارة الأميركية للقدس المحتلّة والاعتراف بها كعاصمة لإسرائيل، وعلى
تقليص الدعم الأميركي للمؤسّسات الدولية الراعية لشؤون اللاجئين الفلسطينيين. 
وقد أضيف "الملفّ الفلسطيني" وموضوع القدس وخروج أميركا من منظمّة "اليونسكو"
ومجلس حقوق الإنسان إلى قائمة الخلافات الطويلة الجارية الآن بين واشنطن وحلفائها
الغربيين، ثمّ قام ترامب بإعلان سلسلة من الرسوم الجمركية على هؤلاء الحلفاء، وإلى
الخلاف معهم في قمّة مجموعة الدول الصناعية السبع التي انعقدت مؤخّراً في كندا،
وإلى انسحاب ترامب من البيان الختامي للقمّة وانتقاد مضيفها رئيس الوزراء الكندي.
هذا الحجم الكبير من القضايا موضع الخلاف بين واشنطن ودول الاتّحاد الأوروبي جعل
هذه الدول تتّجه نحو الصين لتعزيز التبادل التجاري معها، وإلى اتّخاذ إجراءاتٍ
مضادّة على رسوم ترامب الجمركية ممّا يؤشّر بأنّ الأزمة التجارية مع أميركا
مفتوحة، كما هي الأزمات الأخرى بين ضفتيْ الأطلسي، وبأنّ فرنسا وألمانيا تحديداً
يريدان تعزيز الإستقلالية الأوروبية عن السياسة الأميركية التي يقودها ترامب الآن،
فهي سياسة تستهدف تفكيك الاتّحاد الأوروبي والتعامل الأميركي مع دوله بشكلٍ ثنائي،
لا ككتلة أوروبية واحدة، وبالتالي توقيع اتفاقيات معها من موقع ضعيف لا يفرض
شروطاً على واشنطن. لذلك لم يكن مستغرباً ما قاله الأمين العام لحلف "الناتو" بأن
لا ضمانة لاستمرار الحلف في ظلّ التوتّر الحاصل بين أميركا وأوروبا.
هناك خياران الآن أمام الاتّحاد الأوروبي: إمّا التمسّك بالمواقف الأوروبية لكن مع
ضبطٍ لحجم الخلافات مع واشنطن إلى حين مجيء إدارة أميركية جديدة، كما حصل بعد حقبة
جورج بوش الابن ومجيء إدارة أوباما التي انسجمت بشكلٍ كامل مع سياسات الاتّحاد
الأوروبي، أو الخيار الآخر الذي قد يدفع إليه ترامب نفسه وهو مزيدٌ من التأزّم في
العلاقات مع الأوروبيين وممّا قد يؤدّي بأوروبا إلى تعميق علاقاتها مع الشرق
الأقرب الروسي ومع الشرق الأقصى الصيني. أمّا الرئيس الأميركي ترامب فهو لن يتراجع
عن مجمل هذه السياسات، وحتماً لن يفعل ذلك قبل الانتخابات الأميركية في نوفمر
القادم، حيث يراهن ترامب على أنّ وفاءه للتعهّدات التي أطلقها قي حملته الانتخابية
ستعزّز من فرص نجاح المرشّحين الجمهوريين المؤيّدين له، كما ستحافظ على تأييد ودعم
قاعدته الشعبية التي هي الآن صمّام الأمان له في عدم قبول الأعضاء الجمهوريين
بالكونغرس لفكرة عزله عن الرئاسة.
على ضوء ذلك كلّه، فإنّ العالم هو الآن على عتبة "نظام دولي جديد" يطيح بما حاولت
واشنطن تكريسه منذ مطلع حقبة التسعينات، بعد انهيار المعسكر الشيوعي، وبما اصطلح
على تسميته بنظام القطبية الواحدة. الواقع الدولي الراهن يؤكّد هذه الخلاصة في
سمات وأماكن مختلفة. فالاتّحاد الروسي يزداد قوةً وتأثيراً في كثيرٍ من الأزمات
والقضايا الدولية، وهو جدّد الرئاسة الآن لبوتين لسنواتٍ ست قادمة، والصين يتضاعف
تأثيرها الدولي من خلال قوّة اقتصادها وعلاقاتها التجارية والمالية الواسعة مع
معظم دول العالم، والتي يرافقها تطوير للقدرات العسكرية الصينية كمّاً ونوعاً،
وفرنسا وألمانيا حريصتان على التمسّك بتجربة الاتّحاد الأوروبي وعلى تفعيل قدراته
الاقتصادية ودوره السياسي المستقل عن الولايات المتّحدة، وهذه مؤشّرات هامّة عن
وجود تعدّدية قطبية في عالم اليوم لكن من دون ترتيب لنوع العلاقات بين هذه الأقطاب
الأربعة ولا لمدى إمكانية ضبط الخلافات بينها.
المشكلة الأكبر في عالم اليوم أنّ التعدّدية القطبية تحصل في مناخٍ انقسامي كبير
وسط المجتمعات الغربية وعلى رأسها الولايات المتّحدة، وهي انقسامات ناتجة عن نموّ
التيّارات العنصرية ضدّ "الآخر"، إن كان مهاجراً أو منتمياً لدينٍ آخر أو من أصول
عرقية وإثنية مختلفة. وهذه الانقسامات لا تهدّد وحدة مجتمعات الدول الغربية فقط،
بل هي تهدّد السلام العالمي بأسره، كما حصل في القرن الماضي داخل أوروبا من تعاظم
القوميات العنصرية، كالنازية في ألمانيا والفاشية في إيطاليا، والذي أدّى إلى
اشتعال حربٍ عالمية.

ربّما الوصف الصحيح لما هو قادمٌ في عالم اليوم، وتحت القيادة الترامبية لأميركا،
أنّنا على عتبة "فوضى عالمية جديدة"!



25-6-2018

  *مدير "مركز الحوار العربي" في واشنطن


·        لقراءة مقالات صبحي غندور عن مواضيع مختلفة، الرجاء الدخول الى هذا
الموقع: 


Comments

Popular posts from this blog

Mona Farouk reveals scenes of "scandalous video"Egyptian actress Mona Farouk appeared on

Mona Farouk reveals scenes of "scandalous video"Egyptian actress Mona Farouk appeared on Monday in a video clip to discuss the details of the case she is currently facing. She recorded the first video and audio statements about the scandalous video that she brings together with Khaled Youssef.Farouk detonated several surprises, on the sidelines of her summons to the Egyptian prosecution, that Khalid Youssef was a friend of her father years ago, when she was a young age, and then collected a love relationship with him when she grew up, and married him in secret with the knowledge of her parents and her father and brother because his social status was not allowed to declare marriage .Muna Farouk revealed that the video was filmed in a drunken state. She and her colleague Shima al-Hajj said that on the same day the video was filmed, she was at odds with Shima, and Khaled Yusuf repaired them and then drank alcohol.She confirmed that Youssef was the one who filmed the clips whil

الحلقة 20 هنادي المطلقة والمحلل (ماذا قال كتاب العرب في هنادي)-----------Khalid Babiker

• الجنس شعور فوضوي يتحكم في الذات والعقل . وله قوة ذاتية لا تتصالح إلا مع نفسها . هكذا قال أنصار المحلل الحلقة 20 هنادي المطلقة والمحلل (ماذا قال كتاب العرب في هنادي) أول طريق عبره الإنسان هو طريق الذكر . بعدها شهق وصرخ . تمرغ في الزيت المقدس . وجرب نشوة الأرغوس . عاجلا أم آجلا سيبحث عن هذا الطريق ( كالأسماك تعود إلى أرض ميلادها لتبيض وتموت ) . وسيعبره . سيعبره بحثا عن الديمومة . وسيشهق وسيضحك . لقد جاء إليه غريبا . سيظل بين جدرانه الدافئة غريبا . وحالما يدفع تلك الكائنات الحية الصغيرة المضطربة في الهاوية الملعونة سيخرج فقيرا مدحورا يشعر بخيانة ما ( ..... ) . لن ينسى الإنسان أبدا طريق الذكر الذي عبره في البدء . سيتذكره ليس بالذاكرة وإنما بالذكر . سيعود إليه بعد البلوغ أكثر شوقا وتولعا . ولن يدخل فيه بجميع بدنه كما فعل في تلك السنوات التي مضت وإنما سيدخل برأسه . بعد ذلك سيندفع غير مبال بالخطر والفضيحة والقانون والدين . الله هناك خلف الأشياء الصغيرة . خلف كل شهقة . كل صرخة مندفعا في الظلام كالثور في قاعة المسلخ . الله لا يوجد في الأشياء الكبيرة . في الشرانق . في المح . ينشق فمه . تن

Trusting Liar (#5) Leave a reply

Trusting Liar (#5) Leave a reply Gertruida is the first to recover.  “Klasie… ?” “Ag drop the pretence, Gertruida. You all call me ‘Liar’ behind my back, so why stop now? Might as well be on the same page, yes?” Liar’s face is flushed with anger; the muscles in his thin neck prominently bulging. “That diamond belongs to me. Hand it over.” “What are you doing? Put away the gun…” “No! This…,” Liar sweeps his one hand towards the horizon, “…is my place.  Mine!   I earned it! And you…you have no right to be here!” “Listen, Liar, we’re not the enemy. Whoever is looking for you with the aeroplane and the chopper….well, it isn’t us. In fact, we were worried about you and that’s why we followed you. We’re here to help, man!” Vetfaan’s voice is pleading as he takes a step closer to the distraught man. “Now, put down the gun and let’s chat about all this.” Liar hesitates, taken aback after clearly being convinced that the group  had hostile intentions. “I…I’m not sure I believe