Skip to main content

الكلام المسهوك....تأملأت فى الخطاب السياسى الدارج2 د. أمين حسن عمر

الكلام المسهوك....تأملأت فى الخطاب السياسى الدارج2
 د. أمين حسن عمر
ربما تحتوي الصورة على: ‏‏شخص واحد‏، و‏‏لقطة قريبة‏‏‏
كانت خاتمة مقالنا السابق أن الخطاب العربى الدارج هو خطاب بلاغة وليس خطاب إتصال ما يعنى أن إستثارة الإعجاب ببلاغته تبقى أولوية تعلو على مُكنته فى توصيل الأفكار أو تحقيق الإقناع. والخطابة فى أصلها هى فن توصيل المعانى وإستمالة السامع، ولكنها لما جنح بها الجانحون ناحية الصور المتخيلة والأساليب التزينية والمبالغات اللفظية والعبارات المحفوظة،صارت أقرب للدعاية منها للإعلام أو الإقناع . والبلاغة التى مقصدها توصيل الأفكار وتحقيق الإقناع بها جدلية حوارية فى طبيعتها بينما البلاغة التى مقصدها الدعاية محفلية إحتفالية فى جوهرها.
هوية السياسى وهوية خطابه:
لاشك أنه من العسير التعريف بالخطاب دون التعرف على صاحبه، فهوية الخطاب جزء من هوية صاحبه . ومثلما يُتخذ الخطاب ذريعة لتمرير الأفكار فهو يتوسل به للتعريف بصاحبه. وقد يكون التركيز على بناء صورة إيجابية لدى السامع عن صاحب الخطاب أهم فى الأولوية لدى فئام من أهل السياسة إن لم نقل جلهم ، من إيصال اقكار السياسى إليه وتجشم إقناعه بها.وهذا يعنى أن بناء الصورة يأتى عند أهل السياسة وبخاصة فى منطقتنا وبلادنا أولوية فوق كسب إقتناع السامعين بالفكرة. ونعنى بذلك أن خطاب الخطباء من أهل السياسة وإن كان يحمل رسالة ما، و ويحاول نشر فكرة عامة أو محددة مهما كانت بساطتها، لكنهم يهتمون أكثر من ذلك، أو ربما من خلال ذلك، ببناء صورتهم بصفتهم سياسيون أو خطباء أو حزبيون أو تنفيذيون. وهم وإن كانت الرسالة والأيديولوجيا من أهدافهم فهى إنما تُستخدم لتأسيس هوية مفضلة لدى السامعين . فالخطاب السياسى كله يشتمل على رسالة وعلى هوية ولكنما يختلف التناسب والأولوية حسب طبيعة أهل السياسة وطبيعة السياسة السائدة نفسها . فإن كانت سياسة تدبير وإستصلاح برزت الرسالة وتسنمت المحل الأرفع ،وإن كانت سياسة تكالب وصراع كانت الأولوية للهوية ولبناء الصورة الإيجابية عن السياسى ، الأمر الذى لا يتحقق فى غالب الأحوال.
ونحن إذ نتحدث عن الهوية والخطاب الهوياتى لا نتحدث فقط عن الخطاب الفردى والهوية الفردية، بل يشمل ذلك الهوية الجماعية حزبية أو أيدولوجية. فالسياسة المعاصرة أضحت ذات طابع مؤسساتى فالسياسى فى كل حال متحيز إلى فئة حزبية أو سياسية أو أيدولوجية. وهوية الخطاب هى ما ترسم صورة تلك الفئة وما تحدد هويتها بأكثر مما تحدده الأسماء والمقاروالمشاركات العامة . وأما الخطاب السياسى للأفراد المنقطعين ( من يتسمون بالمستقلين) فهو خطاب منقطع مثلهم غير متصل. ذلك أنه خطاب بما ينبغى أن يكون لا خطاب بما يمكن أن يكون. ذلكم لأن طبيعة السياسة أنها ذات صلة بالعمل الجماعى والتدبير المدنى ، ولا يصلح المنفرد المنقطع أن يقوم بأعبائها.ثم أن خطاب المنفرد خطاب معيارى أخلاقى للتحسين والتقبيح لا للإرشاد والتدبير وهو فى غالب الأحوال يجنح للتركيز على تحسين صورة الخطيب بأكثر من التركيز على فكرته. فالمنتمى إلى جماعة بسبب إحساسه بهذا الإنتماء فإنه سوف يتذكر الأفكار التى تصله بالجماعة ولا ينساها، لأنها وسيلته لكسب مودة الجماعة إن لم يكن كسب ولائها. وخطاب السياسى المنفرد هو أشبه شىء بخطاب المنابر الدعوية والدينية الدارجة فى بلادنا.نعنى بذلك أنه معيارى أخلاقى فى أحسن أحواله أو هو متكلف متزيد فى غالب أحواله . ولا يخلو فى أحيان كثيرة من التركيز على بناء صورة إيجابية للخطيب، ولو على حساب إيصال مضامين صحيحة ودقيقة لخطابه الدينى أو التوجيهى والإرشادى. وقد يتداخل الخطاب السياسى والخطاب الدينى المنبرى تداخلاً لايحقق المقصد السياسى من توظيفه فى غالب الأحوال، بينما يؤذى لُحمة التماسك المسجدى والدعوى بغير طائل . وهذا يجلبنا إلى التنبه إلى أن الخطاب السياسى فى منطقتنا بات ينقسم إلى خطابين ، خطاب منطلقاته دينية وخطاب منطلقاته ومرجعياته لا دينية ، وكلا الخطابين له إستمداده وتوظيفه للبلاغة المستمدة من مصادر معرفية دينية. وصار الخطاب يُقسم حسب ميوله نحو المحافظة أو التغيير إلى خطاب يمين وخطاب يسار، ثم أنه صار إلى تقسيم جديد يصنف على أساس أيدولوجى، فما كان إشتراكى النزوع صنف يساراً ، وإذا أبعد النجعة من الفكر الإجتماعى صنف يميناً ، وفى كل الأحوال فإنه تصنيف أدنى إلى الإعتباطية منه إلى المنهجية.
خطاب التدبير وخطاب التأثير:
أوضحنا أن غرض الخطاب هو ترويج فكرة والإقناع بها وتحفيز الناس على العمل بها أو مساندة من يعمل بها . وغرض ذلك كله هو الاستصلاح بمعنى تدبير الأمر العام، بما يتفادى الضرر ويدرءه ويجلب المصلحة والمنفعة وينميها. فالخطاب بذلك ﺣﻘﻞٌ ﻟﻠﺘﻌبير ﻋﻦ اﻵراء وإقتراح اﻷﻓﻜﺎر و تبنى المواﻗﻒ ﺣﻮل اﻟﻘﻀﺎﻳﺎ اﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ . وهى مسائل ﻣثل ﺷﻜﻞ منهج الحكم واﻗﺘﺴﺎم اﻟﺴﻠﻄﺔ وربما إقتراح أطرها والتمييز بين أﻧﻮاﻋﻬﺎ . وقد بينا أن الخطاب اﻟﺴﻴﺎﺳﻲ ﺧﻄﺎب إﻗﻨﺎعي ﻳﻬﺪف إلى سوق السامع للخطاب إﻠﻰ اﻟﻘﺒﻮل واﻟﺘﺴﻠﻴﻢ ﺑﺼﺪﻗﻴﺔ أداء من يخاطبه . وذلكم ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ ﺗﻮﻇﻴﻒ الحجج والبراهين . ثم هو من بعد كونه إقناعى هو تحفيزى يحرك نوازع العمل والمشاركة فى نفوس المخاطبين ، ويعطى شرعية للمقاصد العملية من خلال التسليم بها ، والمشاركة فى تحقيقها . وهو يعطى فى ذات الوقت شرعية للفاعلين السياسيين عبر إضفاء الشرعية على أفعالهم ومشاريعهم ورؤاهم لحل المشاكل القائمة ، أو الفرص السانحة أوالصراعات المحتدمة والنزاعات العالقة ويضمن تصنيفهم إلى جانب الحق والصواب. والشرعية إنما تكتسب ببناء صورة إيجابية للسياسى. فكل سياسى وإن أتى للسلطة غلبة إنما يسعى لتأسيس أو تأكيد شرعيته السياسية . والشرعية التى نشير إليها ههنا ليست المشروعية القانونية ، فقد يأتى الحكام بصورة دستورية وقانونية سليمة ولكنهم قد يفقدون الشرعية السياسية من بعد لأسباب مختلفة ومتعددة بمفارقتهم لقواعد الحكم الراشد . فالشرعية السياسية تعنى الحق فى تسلم الحكم والإستمرار فيه. وقد كان مونتسكيو بين فلاسفة الغرب هو أول من أشار إلى مبدأ المشروعية القانونية والدستورية ولكن معنى الشرعية السياسية أشمل من معنى المشروعية القانونية، لأنه يشمل إستخدام السلطة وإن جرى التوصل إليها بصورة دستورية أوحتى غير دستورية ، لجلب المصالح العامة ودرء المفاسد العامة . ومفهوم السلطة الشرعية إنما يتبلور من خلال الثقافة السائدة والتنشئة الإجتماعية وهو شديد التأثر بالقيم والأفكار والأخلاق السائدة فى المجتمع . كما أنه يتأثر بمدى تواصل وتأثر مجتمع ما بالمجتمعات الأخرى مقارنة بها أو تأسياً بنماذجها . وكذلك فإن المعارض المتشوف للسلطة يسعى هو الآخر لتأسيس شرعية سياسية لمعارضته ولعرض شخصه وأفكاره وتقويماته بديلاً لما هو كائن وقائم . فكما أن السياسى فى الحكم والسلطة يسعى إلى شرعنة إستمراره بها، فإن السياسى خارجها يسعى إلى إضفاء الشرعية على أفعاله فى معارضة السلطة القائمة دعوته لإستبدالها بما يدعو له من شخوص وأفكار وأحزاب. ولا شك أن الخطاب السياسى يزعم فى كل الأحوال أنه خطاب إصلاح وتدبير، ولكن صدقية هذا الزعم من تحققه فى الواقع أمر آخر، وأما أن غالب الخطاب فإنه يُتقصد به إحداث تأثير إيجابى لصالح رسم صورة حسنة للسياسى . وهو الأمر الغالب الذى لا يمارى فيه إلا مكابر. وكل خطاب من هذه الخطابات إنما يسرح فى فضاء من الفضاءات التى يؤثرها . فبعض الخطابات تتحرك فى فضاء المظالم الإجتماعية وغالب الخطاب الإشتراكى يسبح هنالك. وخطابات أخرى تتحرك فى فضاء مناهضة التخلف وتحقيق التقدم الحضارى وغالب خطابات الإسلاميين كذلك، وخطاب يتحرك فى فضاء الدعوة للوحدة والتوحد سبيلاً للتقدم وهو خطاب القوميين بمختلف أصنافهم.. وخطابات تتحرك فى فضاء التنمية الإقتصادية والسياسية، وغالب تحرك الأحزاب الليبرالية صدقت أو كذبت فى ليبراليتها تسبح هنالك. ولايعنى هذا إن التداخل بين الخطابات لا يقع ولكننا نغلب الأمر الغالب ، فكل مقاربة لتصنيف أمر من الأمور إنما تفعل كذلك. وإذا أردنا محاكمة خطاب الإشتراكيين إلى واقع العدالة الإجتماعية إستبان لها حظ خطابهم من التأثير على واقع الحال . وإذا أردنا محاكمة القوميين إلى واقع حال الوحدة لوضح لنا حظ مجمل خطابهم من التحقق فى واقع الدول والمجتمعات . وإذا نظرنا إلى موقع الأمة المسلمة فى متدرج الصعود الحضارى ومتدارك التخلف لعلمنا حظ خطاب الإسلاميين من التأثير على وقائع الأحوال ، فالجميع يتقاصر كلامهم عن مرامهم . وحديثنا عن فضاءات متنوعة لايعنى أن الجميع لا يجمعهم فضاء واحد هو الفضاء الإجتماعى و الوطنى الذى يشملهم جميعا . وهو فضاء منقسم بين نخبة وعامة ولكل قسم لغته وأولوياته وهمومه ومشاغله حتى لكأننا نتحدث عن مجتمع رأسى من طابقين لامجتمع أفقى يتفاعل فيه المتعايشون ويتواصلون. ولما كان الأمر كذلك فإن ناتجته أن جميع من ذكرنا من أصحاب الخطابات إنما يجمعهم خطاب واحد رغم تنوعه هو خطاب النخبة لبعضها البعض وخطابها للعوام . وخطاب النخبة كله خطاب غربة وإغتراب عن واقع حال الجمهرة الغالبة من عوام الناس.هو خطاب لاترى فيه النخبة إلا نفسها ولا تخاطب إلا نفسها وأما سائر الناس فيستمعون وإن شاءوا فيمتنعون.
نواصل بإذن الله

Comments

Popular posts from this blog

Mona Farouk reveals scenes of "scandalous video"Egyptian actress Mona Farouk appeared on

Mona Farouk reveals scenes of "scandalous video"Egyptian actress Mona Farouk appeared on Monday in a video clip to discuss the details of the case she is currently facing. She recorded the first video and audio statements about the scandalous video that she brings together with Khaled Youssef.Farouk detonated several surprises, on the sidelines of her summons to the Egyptian prosecution, that Khalid Youssef was a friend of her father years ago, when she was a young age, and then collected a love relationship with him when she grew up, and married him in secret with the knowledge of her parents and her father and brother because his social status was not allowed to declare marriage .Muna Farouk revealed that the video was filmed in a drunken state. She and her colleague Shima al-Hajj said that on the same day the video was filmed, she was at odds with Shima, and Khaled Yusuf repaired them and then drank alcohol.She confirmed that Youssef was the one who filmed the clips whil

الحلقة 20 هنادي المطلقة والمحلل (ماذا قال كتاب العرب في هنادي)-----------Khalid Babiker

• الجنس شعور فوضوي يتحكم في الذات والعقل . وله قوة ذاتية لا تتصالح إلا مع نفسها . هكذا قال أنصار المحلل الحلقة 20 هنادي المطلقة والمحلل (ماذا قال كتاب العرب في هنادي) أول طريق عبره الإنسان هو طريق الذكر . بعدها شهق وصرخ . تمرغ في الزيت المقدس . وجرب نشوة الأرغوس . عاجلا أم آجلا سيبحث عن هذا الطريق ( كالأسماك تعود إلى أرض ميلادها لتبيض وتموت ) . وسيعبره . سيعبره بحثا عن الديمومة . وسيشهق وسيضحك . لقد جاء إليه غريبا . سيظل بين جدرانه الدافئة غريبا . وحالما يدفع تلك الكائنات الحية الصغيرة المضطربة في الهاوية الملعونة سيخرج فقيرا مدحورا يشعر بخيانة ما ( ..... ) . لن ينسى الإنسان أبدا طريق الذكر الذي عبره في البدء . سيتذكره ليس بالذاكرة وإنما بالذكر . سيعود إليه بعد البلوغ أكثر شوقا وتولعا . ولن يدخل فيه بجميع بدنه كما فعل في تلك السنوات التي مضت وإنما سيدخل برأسه . بعد ذلك سيندفع غير مبال بالخطر والفضيحة والقانون والدين . الله هناك خلف الأشياء الصغيرة . خلف كل شهقة . كل صرخة مندفعا في الظلام كالثور في قاعة المسلخ . الله لا يوجد في الأشياء الكبيرة . في الشرانق . في المح . ينشق فمه . تن

Trusting Liar (#5) Leave a reply

Trusting Liar (#5) Leave a reply Gertruida is the first to recover.  “Klasie… ?” “Ag drop the pretence, Gertruida. You all call me ‘Liar’ behind my back, so why stop now? Might as well be on the same page, yes?” Liar’s face is flushed with anger; the muscles in his thin neck prominently bulging. “That diamond belongs to me. Hand it over.” “What are you doing? Put away the gun…” “No! This…,” Liar sweeps his one hand towards the horizon, “…is my place.  Mine!   I earned it! And you…you have no right to be here!” “Listen, Liar, we’re not the enemy. Whoever is looking for you with the aeroplane and the chopper….well, it isn’t us. In fact, we were worried about you and that’s why we followed you. We’re here to help, man!” Vetfaan’s voice is pleading as he takes a step closer to the distraught man. “Now, put down the gun and let’s chat about all this.” Liar hesitates, taken aback after clearly being convinced that the group  had hostile intentions. “I…I’m not sure I believe