ﻫﺎﺷﻢ ﺷﻔﻴﻖ
ﻛﺎﻥ ﻇﻞ ﺍﻟﺸﺎﻋﺮ ﺍﻟﻜﺒﻴﺮ ﻣﺤﻤﻮﺩ ﺩﺭﻭﻳﺶ ﻛﺒﻴﺮﺍً ﻋﻠﻰ
ﺧﺮﻳﻄﺔ ﺍﻟﺸﻌﺮ ﺍﻟﻔﻠﺴﻄﻴﻨﻲ، ﻻ ﺑﻞ ﺗﻌﺪﺍﻫﺎ ﻟﻴﺸﻤﻞ ﻣﺴﺎﺣﺔ
ﻭﺍﺳﻌﺔ ﻣﻦ ﺧﺮﻳﻄﺔ ﺍﻟﺸﻌﺮ ﺍﻟﻌﺮﺑﻲ، ﻓﻜﻴﻒ ﺑﺸﻌﺮﺍﺀ
ﻓﻠﺴﻄﻴﻨﻴﻴﻦ ﻇﻬﺮﻭﺍ ﻓﻲ ﺯﻣﻦ ﻣﺤﻤﻮﺩ ﺩﺭﻭﻳﺶ، ﻭﺗﻤﻜﻨﻮﺍ
ﺑﻔﻀﻞ ﻗﻮﺓ ﻣﻮﻫﺒﺘﻬﻢ ﻭﺗﻨﻮّﻉ ﺛﻘﺎﻓﺘﻬﻢ ﻭﺍﻟﻄﺎﻗﺔ ﺍﻟﻤﻌﺮﻓﻴﺔ
ﺍﻟﺘﻲ ﺍﻛﺘﺴﺒﻮﻫﺎ ﺧﻼﻝ ﻣﺴﺎﺭﻫﻢ ﺍﻹﺑﺪﺍﻋﻲ، ﺃﻥ ﻳﻔﺮﺿﻮﺍ
ﺃﺻﻮﺍﺗﻬﻢ ﻭﻳﺒﺮﺯﻭﺍ ﻟﻴﻜﻮﻧﻮﺍ ﺷﻌﺮﺍﺀَ ﻛﺒﺎﺭﺍً ﺃﻳﻀﺎً؟ ﻣﻦ ﺑﻴﻦ
ﻫﺆﻻﺀ ﻳﺤﻀﺮ ﺑﻘﻮﺓ ﺍﻟﺸﺎﻋﺮ ﻣﺤﻤﺪ ﺍﻟﻘﻴﺴﻲ ﺍﻟﺬﻱ ﺭﺣﻞ
ﺑﺎﻛﺮﺍً، ﻭﻫﻮ ﻟﻢ ﻳﻜﻤﻞ ﺍﻟﺴﺘﻴﻦ ﻣﻦ ﻋﻤﺮﻩ، ﻋﻤﺮ ﺍﻧﻘﻀﻰ ﻓﻲ
ﺍﻟﺘﺮﺣﺎﻝ ﻭﺍﻟﺴﻔﺮ ﻭﺍﻟﻬﺠﺮﺓ ﺍﻟﻤﺒﻜﺮﺓ . ﺇﻧّﻪ ﺍﺑﻦ ﺍﻟﻤﺨﻴّﻢ
ﺍﻟﻔﻠﺴﻄﻴﻨﻲ ﺑﺎﻣﺘﻴﺎﺯ، ﺷﺎﻋﺮ ﻣﻄﺒﻮﻉ، ﻳﻈﻬﺮ ﺩﺍﺋﻤﺎً ﺑﺤﻠﺔ
ﻗﺸﻴﺒﺔ، ﺇﻥ ﻛﺎﻥ ﻋﻠﻰ ﺻﻌﻴﺪ ﺍﻷﺩﺍﺀ ﻭﺍﻟﻠﻐﺔ، ﺃﻭ ﻋﻠﻰ
ﺍﻟﺼﻌﻴﺪ ﺍﻟﺸﺨﺼﻲ. ﻟﻐﺔ ﺃﻧﻴﻘﺔ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺘﻲ ﻛﺎﻥ ﻳﻜﺘﺐ ﺑﻬﺎ
ﺍﻟﻘﻴﺴﻲ، ﻟﻐﺔ ﻣﻮﺳﻴﻘﻴﺔ، ﻣﻠﺤﻮﻧﺔ، ﻭﻣﺮﻧﺎﻧﺔ، ﺍﻟﻨﻐﻢ ﻫﻮ
ﺻﺎﺣﺒﻬﺎ ﺍﻟﻤﺴﺘﺪﻳﻢ، ﺫﻟﻜﻢ ﻣﺎ ﻛﺎﻥ ﻳﻤﻴّﺰﻩ، ﻭﻳﻤﻴّﺰ ﺃﻧﺎﻗﺔ
ﻣﻈﻬﺮﻩ ﺃﻳﻀﺎً . ﺻﻮﺗﻪ ﺧﺎﻓﺖ ﻣﺜﻞ ﻧﺒﺮﺓ ﺷﻌﺮﻩ، ﻭﺍﻟﺸﻔﺎﻓﻴﺔ
ﺍﻟﺸﻌﺮﻳﺔ ﻫﻲ ﻣﻦ ﺧﺼﻮﺻﻴﺎﺗﻪ ﻭﻣﺤﻤﻮﻻﺗﻪ، ﻭﻛﻞ ﻣﺎ ﻳﻨﺪّ
ﻋﻨﻬﺎ ﻣﻦ ﻣﺮﻫﻒ ﻭﻟﻴّﻦ ﻭﻗﺸﻴﺐ ﻫﻮ ﻣﻦ ﺻﻨﺎﻋﺘﻪ ﺍﻟﻔﻨﻴﺔ.
ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺨﺼﺎﻝ ﺍﻟﺠﻤﺎﻟﻴﺔ ﻭﻏﻴﺮﻫﺎ ﻫﻲ ﺍﻟﺘﻲ ﺟﻌﻠﺘﻪ ﺷﺎﻋﺮﺍً
ﻏﻨﺎﺋﻴﺎً ﻣﻦ ﻗﻤﺎﺷﺔ ﻧﺎﺩﺭﺓ، ﻭﻗﺼﻴﺪﺗﻪ ﺃﻗﺮﺏ ﺍﻟﻰ ﺍﻟﺴﻮﻧﻴﺘﺔ
ﻣﻨﻬﺎ ﺍﻟﻰ ﺍﻟﻤﻠﺤﻤﺔ، ﻫﻲ ﺧﻠﻴﻂ ﻣﻦ ﺍﻟﻜﻼﻡ ﺍﻟﻤﻠﺤﻮﻥ
ﻭﺍﻟﺼﺪﻯ ﺍﻟﻤﻨﻐّﻢ ﻭﺍﻟﺪﺭﺑﺔ ﺍﻹﻳﻘﺎﻋﻴﺔ، ﺩﺭﺑﺔ ﻧﺸﺄﺕ ﻋﻠﻰ
ﺿﻔﺎﻑ ﺍﻟﺸﻌﺮ ﺍﻟﻔﻠﺴﻄﻴﻨﻲ ﺍﻟﻤﻬﺠﻮﺱ ﺑﻨﺒﺮﺓ ﺍﻟﻤﻘﺎﻭﻣﺔ
ﻭﺣﺲ ﺍﻟﺘﺤﺮﻳﺾ ﻭﺍﻟﻤﻜﺎﺑﺪﺓ ﻭﺍﻟﻘﻮﻝ ﺑﻤﻌﺎﻧﻲ ﺍﻟﻀﺪ،
ﻭﺍﻟﻀﺪ ﻫﻨﺎ ﻫﻮ ﺍﻟﻀﺪ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﻲ، ﺍﻟﻮﺍﻗﻌﻲ ﻭﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺨﻲ،
ﺍﻟﻀﺪ ﺑﻘﻮﻝ ﻛﻠﻤﺔ ﻻ ﻋﺮﻳﻀﺔ ﻭﻭﺍﺳﻌﺔ ﺿﺪ ﻧﻬﺞ ﺍﻻﺣﺘﻼﻝ
ﻭﺗﻜﺮﻳﺲ ﻭﺍﻗﻊ ﺍﻟﻤﺼﺎﺩﺭﺓ ﻷﺭﺽ ﻋﺮﺑﻴﺔ، ﻭﺗﺎﺭﻳﺨﻴﺔ، ﺃﺭﺽ
ﺍﻟﻨﺒﻮﺀﺍﺕ ﻭﺍﻟﻘﺪﺍﺳﺎﺕ ﺍﻷﻭﻟﻰ .
ﻣﻦ ﻫﻨﺎ ﻛﺎﻥ ﺍﻟﺸﺎﻋﺮ ﺍﻟﺮﺍﺣﻞ ﻣﺤﻤﺪ ﺍﻟﻘﻴﺴﻲ، ﺻﻮﺗﺎً ﺑﺎﺭﺯﺍً
ﻓﻲ ﺗﻜﺮﻳﺲ ﻗﻴﻢ ﺍﻟﺤﺮﻳﺔ، ﻭﺍﺳﻤﺎً ﻻﻣﻌﺎً ﻓﻲ ﻋﺎﻟﻢ ﺍﻟﺜﻮﺭﺓ
ﻭﺍﻻﻧﺘﻔﺎﺽ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻤﺴﻜﻮﺕ ﻋﻨﻪ ﺳﻴﺎﺳﻴﺎً، ﺍﺳﻢ ﺣﺎﻟﻢ
ﺑﺎﻟﻌﺪﺍﻟﺔ ﺍﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ، ﻭﻣﻨﺎﻓﺢ ﺷﺪﻳﺪ ﻋﻨﻬﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺤﺎﻓﻞ
ﺍﻟﺸﻌﺮﻳﺔ ﻭﺍﻟﻤﻬﺮﺟﺎﻧﺎﺕ ﻭﻓﻲ ﻛﺘﺒﻪ ﺍﻟﺴﺮﺩﻳﺔ ﻭﻗﺼﺎﺋﺪﻩ
ﺍﻟﺸﻌﺮﻳﺔ، ﺍﻟﺘﻲ ﻻ ﺗﺒﺘﻌﺪ ﺑﻮﺻﻠﺘﻬﺎﻋﻦ ﺁﻻﻡ ﺍﻟﻤﻜﺎﺑﺪﺓ
ﺍﻟﻔﻠﺴﻄﻴﻨﻴﺔ ﻭﻣﺨﻴﺎﻟﻬﺎ ﺍﻟﺪﺍﺋﺐ ﻣﻦ ﺃﺟﻞ ﺍﺳﺘﺮﺩﺍﺩ ﺍﻟﻤﻜﺎﻥ
ﺍﻟﺤﻠﻤﻲ، ﺍﻟﺸﻮﺍﻃﺊ ﻭﺍﻟﻘﺒﺎﺏ ﺍﻟﻤﺬﻫﺒﺔ، ﺍﻟﻤﺮﺍﻓﺊ
ﻭﺍﻟﻘﺼﺒﺎﺕ ﻭﺍﻟﻤﺪﻥ ﺍﻟﺸﺎﻋﺮﻳﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺍﻏﺘﺼﺒﺖ ﻭﺍﻧﺘﻬﻜﺖْ
ﻭﺿُﻤّﺖْ ﻭﺳُﺒِﻴَﺖْ ﻓﻲ ﺃﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﺻﻮﻟﺔ ﻭﺟﻮﻟﺔ ﺑﺮﺑﺮﻳﺔ
ﻟﻠﻨﺎﺯﻳﺔ ﺍﻟﺠﺪﻳﺪﺓ، ﻧﺎﺯﻳﺔ ﺍﻻﺣﺘﻼﻝ ﺑﻜﻞ ﺻﻴﻐﻪ ﺍﻟﺤﺪﻳﺜﺔ.
ﺷﺎﻋﺮ ﺍﻟﺘﺠﻮﺍﻝ
ﺗﻌﺮﻓﺖ ﻋﻠﻰ ﻣﺤﻤﺪ ﺍﻟﻘﻴﺴﻲ ﻓﻲ ﺑﻴﺮﻭﺕ، ﻋﺎﻡ 1981
ﻭﻛﺎﻥ ﺩﺍﺋﻢ ﺍﻟﺘﺮﺩّﺩ ﻋﻠﻴﻬﺎ، ﻷﻧﻬﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺍﻟﺤﻀﻦ ﺍﻟﺠﺪﻳﺪ
ﻟﻠﺜﻮﺭﺓ، ﻭﺍﻟﺤﻀﻦ ﺍﻟﺪﺍﺋﻢ ﻟﻠﻜﺘﺎﺏ، ﻭﺍﻟﻤﻜﺎﻥ ﺍﻟﻤﻨﺎﺳﺐ
ﻭﺍﻟﻤﺮﻣﻮﻕ ﻟﻠﺤﺎﻟﻤﻴﻦ ﻭﺍﻟﺮﻭﻣﺎﻧﺴﻴﻴﻦ ﻭﺍﻟﺸﻌﺮﺍﺀ ﻣﻦ ﺃﻣﺜﺎﻝ
ﻣﺤﻤﺪ ﺍﻟﻘﻴﺴﻲ ﻭﻏﻴﺮﻩ ﻣﻦ ﺍﻟﺸﻌﺮﺍﺀ ﻭﺍﻷﺩﺑﺎﺀ ﻭﺍﻟﻜﺘﺎﺏ
ﻭﺍﻟﻔﻨﺎﻧﻴﻦ ﺍﻟﻌﺮﺏ .
ﻓﻲ ﺗﻠﻚ ﺍﻷﻳﺎﻡ ﺍﻟﺮﻭﻣﺎﻧﻄﻴﻘﻴﺔ، ﻛﺎﻥ ﺍﻟﻘﻴﺴﻲ ﻗﺪ ﺃﺻﺪﺭ
ﺩﻳﻮﺍﻧﺎً ﺟﺪﻳﺪﺍً، ﻭﻛﺪﺃﺑﻪ ﻛﺎﻥ ﻳﺴﻌﻰ ﺍﻟﻰ ﻋﺮﺿﻪ ﻭﺍﻟﺘﻌﺮﻳﻒ
ﺑﻤﺤﺘﻮﺍﻩ ﺍﻟﺠﻤﺎﻟﻲ ﻟﻜﻞ ﻣﻦ ﻳﺼﺎﺩﻓﻪ ﻣﻦ ﺍﻷﺻﺪﻗﺎﺀ ﻣﻦ
ﺍﻟﻌﺎﻣﻠﻴﻦ ﻓﻲ ﺍﻟﺸﺄﻥ ﺍﻟﺜﻘﺎﻓﻲ، ﻭﻫﻨﺎ ﻛﺎﻥ ﻻ ﺑﺪ ﻓﻲ ﺫﻟﻚ
ﺍﻟﻤﻜﺎﻥ ﺍﻟﺼﻐﻴﺮ، ﻭﺭﺷﺔ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﺍﻟﺜﻘﺎﻓﻲ ﻭﺍﻟﻤﻘﺎﻭﻣﺔ ﺑﺎﻟﻘﻠﻢ،
ﺃﻥْ ﺗﺮﻯ ﻓﻴﻪ ﻛﻞّ ﺯﺍﺋﺮ ﺟﺪﻳﺪ ﻳﻔﺪ ﺍﻟﻴﻪ.
ﺍﻟﺘﻘﻴﺘﻪ ﻓﻲ ﻣﻘﻬﻰ ﺍﻟﺘﻮﻟﻴﺪﻭ، ﺻﺤﺒﺔ ﺃﺻﺪﻗﺎﺀ ﻣﺸﺘﺮﻛﻴﻦ،
ﻛﺎﻥ ﺍﻟﻠﻘﺎﺀ ﻋﺎﺑﺮﺍً ﻭﺳﺮﻳﻌﺎً، ﻓﻤﺤﻤﺪ ﺍﻟﻘﻴﺴﻲ ﻻ ﻳﻌﺮﻑ
ﺍﻷﺳﺘﻘﺮﺍﺭ ﺑﻤﻜﺎﻥ، ﻓﻬﻮ ﺍﺑﻦ «ﻋﺎﺋﻠﺔ ﺍﻟﻤﺸﺎﺓ». ﻛﺎﻥ ﺍﺳﻤﻪ
ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﺍﻟﻲّ ﻣﻦ ﺍﻷﺳﻤﺎﺀ ﺍﻟﺮﺍﺳﺨﺔ ﻭﺍﻟﻼﻓﺘﺔ ﻭﺍﻟﻤﻀﻴﺌﺔ
ﻓﻲ ﻣﺴﻴﺮﺓ ﺍﻟﺸﻌﺮ ﺍﻟﻔﻠﺴﻄﻴﻨﻲ ﺍﻟﺬﻱ ﺟﺎﺀ ﺑﻌﺪ ﺍﻟﺸﻌﺮﺍﺀ
ﻣﺤﻤﻮﺩ ﺩﺭﻭﻳﺶ ﻭﺳﻤﻴﺢ ﺍﻟﻘﺎﺳﻢ ﻭﻣﻌﻴﻦ ﺑﺴﻴﺴﻮ، ﺃﻱ ﺃﻧﻪ
ﺍﺳﻢ ﻣﻌﺮﻭﻑ ﻭﻣﻤﻴﺰ ﺍﻟﻰ ﺟﺎﻧﺐ ﺍﻟﺸﻌﺮﺍﺀ ﻣﺮﻳﺪ
ﺍﻟﺒﺮﻏﻮﺛﻲ ﻭﻋﺰ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﺍﻟﻤﻨﺎﺻﺮﺓ ﻭﺃﺣﻤﺪ ﺩﺣﺒﻮﺭ، ﻭﻟﻨﺴﻤﻬﻢ
ﺑﺸﻌﺮﺍﺀ ﺟﻴﻞ ﺍﻟﺴﺘﻴﻨﺎﺕ ﺍﻟﻔﻠﺴﻄﻴﻨﻲ.
ﻓﻲ ﺗﻠﻚ ﺍﻷﺛﻨﺎﺀ ﻭﺧﻼﻝ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻠﻘﺎﺀ ﺍﻟﻘﺼﻴﺮ، ﺃﻫﺪﺍﻧﻲ
ﺩﻳﻮﺍﻧﻪ ﺍﻟﺠﺪﻳﺪ «ﺍﺷﺘﻌﺎﻻﺕ ﻋﺒﺪ ﺍﻟﻠﻪ ﻭﺃﻳﺎﻣﻪ»، ﻭﻛﺎﻥ
ﺍﻟﺪﻳﻮﺍﻥ ﻳﺤﻤﻞ ﺻﻴﻐﺔ ﺗﻌﺒﻴﺮﻳﺔ ﺟﺪﻳﺪﺓ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻷﺷﻌﺎﺭ
ﺍﻟﻘﻴﺴﻲ، ﻭﻳﻘﺘﺮﺏ ﻣﻦ ﺳﻴﺎﻕ ﺍﻟﻘﺼﻴﺪﺓ ﺍﻟﻴﻮﻣﻴﺔ
ﻭﺗﻔﺎﺻﻴﻞ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺍﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﻏﺮﻳﺒﺔ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﻰ ﺣﺪ ﻣﺎ،
ﻓﻬﻮ ﻫﻨﺎ ﻣﻨﻔﺘﺢ ﻋﻠﻰ ﻋﺎﻟﻢ ﻓﻨﻲ ﺁﺧﺮ، ﻭﻋﻠﻰ ﺃﺳﺎﻟﻴﺐ
ﺗﻌﻤﻞ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻨﺴﻖ ﺍﻟﺤﺴﻲ ﻭﺍﻟﻤﻠﻤﻮﺱ ﻭﺍﻟﻤﺘﻌﻴّﻦ، ﺃﻛﺜﺮ
ﻣﻦ ﻋﻤﻠﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﻧﺴﻖ ﺍﻟﻠﻐﺔ ﺍﻟﺬﻫﻨﻴﺔ ﻭﺍﻟﺘﺠﺮﻳﺪﻳﺔ ﺍﻟﻤﺤﻠﻘﺔ
ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻴﺘﺎﻓﻴﺰﻳﻖ، ﺃﻭ ﻫﻲ ﻏﻴﺮ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻠﻐﺔ ﺍﻟﺤﺎﻓﻠﺔ ﺑﻨﺒﺮﺓ
ﺍﻟﻤﻘﺎﻭﻣﺔ ﺍﻟﻤﺒﺎﺷﺮﺓ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻈﻬﺮ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺃﺣﻴﺎﻧﺎً ﺍﻟﺴﻤﺔ
ﺍﻟﺘﻘﺮﻳﺮﻳﺔ ﻭﺍﻟﺨﻄﺎﺏ ﺍﻟﻮﺍﺿﺢ ﻭﺍﻟﻌﻠﻨﻲ، ﻣﺜﻠﻤﺎ ﻛﺎﻥ
ﻣﻠﺤﻮﻇﺎ ﻓﻲ «ﺭﺍﻳﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﺮﻳﺢ «، ﻭﻫﻮ ﺩﻳﻮﺍﻧﻪ ﺍﻷﻭﻝ، ﺃﻭ
ﻓﻲ ﺩﻳﻮﺍﻧﻪ ﺍﻟﺜﺎﻟﺚ «ﺭﻳﺎﺡ ﻋﺰ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﺍﻟﻘﺴﺎﻡ»، ﻭﺍﻟﺘﺴﻤﻴﺔ
ﻫﻨﺎ ﺑﺎﺳﺘﻄﺎﻋﺘﻬﺎ ﻋﻜﺲ ﻣﺤﺘﻮﻯ ﺍﻟﺪﻳﻮﺍﻥ ﻭﻣﻀﻤﻮﻧﻪ
ﺍﻹﻧﺴﺎﻧﻲ ﻭﺍﻟﻬﺎﺟﺲ ﺍﻟﺘﻌﺒﻴﺮﻱ ﺍﻟﻌﺎﻡ ﺍﻟﺬﻱ ﻛﺎﻥ ﺳﺎﺋﺪﺍً ﻓﻲ
ﺗﻠﻚ ﺍﻷﻳﺎﻡ .
ﺑﻌﺪ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻠﺤﻈﺎﺕ ﺍﻟﻘﻠﻴﻠﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﻠﻘﺎﺀ ﻣﻌﻪ، ﻏﺎﺏ ﻋﻨﻲ
ﺍﻟﻘﻴﺴﻲ ﻭﻏﺒﺖ ﺃﻧﺎ ﺑﺪﻭﺭﻱ ﻛﺬﻟﻚ ﻟﻠﻈﺮﻭﻑ ﺍﻟﻤﻌﺮﻭﻓﺔ
ﺇﻳﺎﻫﺎ، ﺑﻌﺪ ﺣﺼﺎﺭ ﺑﻴﺮﻭﺕ ﻭﺍﺟﺘﻴﺎﺡ ﺍﻷﺭﺍﺿﻲ ﺍﻟﻠﺒﻨﺎﻧﻴﺔ،
ﻭﺑﺮﻭﺯ ﺍﻟﺸﺘﺎﺕ ﺍﻟﻔﻠﺴﻄﻴﻨﻲ ﻣﻦ ﺟﺪﻳﺪ، ﻭﺍﻟﺸﺘﺎﺕ ﻫﻲ
ﻣﻦ ﺍﻟﻜﻠﻤﺎﺕ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻨﺘﻤﻲ ﺍﻟﻰ ﻗﺎﻣﻮﺳﻪ ﺍﻷﺩﺑﻲ ﻭﺍﻟﺸﻌﺮﻱ،
ﻭﻟﻪ ﻓﻴﻪ ﻛﺘﺎﺏ ﺑﻌﻨﻮﺍﻥ «ﺷﺘﺎﺕ ﺍﻟﻮﺍﺣﺪ »، ﻭﻫﻮ ﻣﻦ
ﺍﻟﻌﻨﺎﻭﻳﻦ ﺍﻟﺠﻤﻴﻠﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺬﻛﺮ ﺑﻌﻨﻮﺍﻥ « ﻣﻔﺮﺩ ﺑﺼﻴﻐﺔ
ﺍﻟﺠﻤﻊ» ﻷﺩﻭﻧﻴﺲ. ﻭﻗﺪ ﺃﻟﻒ ﺍﻟﻘﻴﺴﻲ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﻨﺤﻰ
ﺃﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﻛﺘﺎﺏ ﻭﺩﻳﻮﺍﻥ. ﺍﻟﺸﺘﺎﺕ ﻫﻲ ﺍﻟﻜﻠﻤﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﻤﻜﻦ
ﻭﺻﻒ ﺣﺎﻟﺔ ﺍﻟﻘﻴﺴﻲ ﺑﻬﺎ، ﻛﻠﻤﺔ ﺗﺨﺮﺝ ﻣﻨﻬﺎ ﺍﻟﺮﺩﺍﺋﻒ
ﻭﺍﻟﻨﻈﺎﺋﺮ ﻭﺍﻷﺷﺒﺎﻩ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻌﺎﻧﻲ : ﺍﻟﺘﺸﺮﺩ، ﺍﻟﺘﻴﻪ، ﺍﻟﻀﻴﺎﻉ،
ﺍﻟﺮﺣﻴﻞ، ﺍﻟﺪﻳﺎﺳﺒﻮﺭﺍ، ﺍﻟﻬﺠﺮﺓ، ﺍﻟﺴّﻔﺎﺭ، ﺍﻟﺘﺮﺣﻴﻞ،
ﺍﻟﺘﻬﺠﻴﺮ، ﺍﻟﺘﺴﻔﻴﺮ، ﺍﻟﻨﺰﻭﺡ ﻭﺗﻠﺤﻖ ﺑﻬﺎ ﻛﻠﻤﺎﺕ ﺫﺍﺕ ﻣﻌﺎﻥ
ﺩﻻﻟﻴﺔ ﺃﺧﺮﻯ، ﺍﻻﺳﺘﻼﺏ، ﺍﻟﻤﺼﺎﺩﺭﺓ، ﺍﻻﻧﺘﻬﺎﻙ، ﺍﻟﺘﻮﻃﻴﻦ،
ﺍﻟﻐﺰﻭ، ﺍﻟﻰ ﺁﺧﺮ ﺍﻟﻤﻔﺮﺩﺍﺕ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺴﺘﻨﺒﻂ ﻣﻦ ﻗﺎﻣﻮﺱ
ﺍﻻﺣﺘﻼﻝ.
ﻣﺮّﺕ ﻗﺮﺍﺑﺔ ﺍﻟﺮﺑﻊ ﻗﺮﻥ ﻋﻠﻰ ﻟﻘﺎﺋﻨﺎ ﺍﻷﻭﻝ، ﺣﺘﻰ ﺍﻟﺘﻘﻴﺘﻪ
ﻣﺮﺓ ﺃﺧﺮﻯ ﻓﻲ ﻟﻨﺪﻥ . ﻟﻘﺪ ﻣﺮّﺕْ ﻋﻬﻮﺩ ﻭﻣﻮﺍﻗﻴﺖ ﻛﺜﻴﺮﺓ،
ﺣﺎﻓﻠﺔ ﺑﺎﻟﺘﺤﻮّﻻﺕ ﻭﺍﻟﻬﺠﺮﺍﺕ ﻭﺍﻟﺘﻨﻘﻞ، ﻭﺧﺼﻮﺻﺎً ﻋﻠﻰ
ﺻﻌﻴﺪ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﺍﻟﺜﻘﺎﻓﻲ ﺍﻟﻔﻠﺴﻄﻴﻨﻲ، ﺑﺪﺀﺍً ﻣﻦ ﺑﻴﺮﻭﺕ
ﻭﺩﻣﺸﻖ ﻭﻧﻴﻘﻮﺳﻴﺎ ﻭﺗﻮﻧﺲ، ﺷﺘﺎﺕ ﻭﻫﺠﺮﺍﺕ ﻭﺭﺣﻴﻞ،
ﻭﻛﺎﻥ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻘﻴﺴﻲ ﺃﻥ ﻳﻤﺴﻚ ﺑﻜﻞ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺠﺮﻳﺎﺕ
ﺍﻟﺠﺪﻳﺪﺓ، ﻟﻴﻮﺍﻓﻴﻬﺎ ﺑﻨﺼﻮﺻﻪ ﻭﻧﺘﺎﺟﻪ ﺍﻟﻐﺰﻳﺮ، ﻗﻴﺎﺳﺎً
ﻟﺴِﻨﻲّ ﻋﻴﺸﻪ، ﺃﻋﻤﺎﻟﻪ ﺍﻟﺸﻌﺮﻳﺔ ﻭﺻﻠﺖ ﺍﻟﻰ ﺍﻟﻌﺸﺮﻳﻦ
ﺩﻳﻮﺍﻧﺎً ﺷﻌﺮﻳﺎً، ﻫﺬﺍ ﻋﺪﺍ ﺍﻟﺴﻴﺮ ﻭﺍﻟﻤﺬﻛﺮﺍﺕ ﻭﺍﻟﻴﻮﻣﻴﺎﺕ
ﻭﺍﻟﻤﺪﻭّﻧﺎﺕ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺨﻴﺔ.
ﺷﺎﻋﺮ ﺍﻷﻣﻜﻨﺔ
ﻛﺎﻥ ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﺗﺮﻯ ﺍﻟﻘﻴﺴﻲ، ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﻠﺘﺠﻮﺍﻝ ﺍﻟﺬﻱ
ﻋﺮﻑ ﺑﻪ، ﻓﻲ ﻛﻞ ﻣﻜﺎﻥ ﺗﻘﺮﻳﺒﺎً، ﻓﻲ ﻟﻨﺪﻥ ﻭﺑﺎﺭﻳﺲ ﻓﻲ
ﺁﻥ، ﻓﻲ ﻋﻤﺎﻥ ﻭﺑﻐﺪﺍﺩ ﻓﻲ ﺁﻥٍ، ﺣﻘﻴﺒﺘﻪ ﺍﻟﺠﻠﺪﻳﺔ ﺍﻟﺘﻲ
ﺗﻮﺿﻊ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻜﺘﻒ، ﻛﺎﻧﺖ ﻻ ﺗﻔﺎﺭﻗﻪ، ﻓﻬﻲ ﻣﻠﻴﺌﺔ ﺑﺄﺷﻌﺎﺭﻩ
ﻭﻣﺨﻄﻮﻃﺎﺗﻪ ﺍﻟﺠﺪﻳﺪﺓ، ﻭﻧﺼﻮﺻﻪ ﺍﻟﻨﺜﺮﻳﺔ، ﺍﻟﺘﻲ ﻛﺎﻥ
ﻳﻜﺘﺒﻬﺎ ﻟﻠﺼﺤﻒ ﻭﺍﻟﻤﺠﻼﺕ . ﺻﺪﺭﺕ ﻛﺘﺒﻪ ﻓﻲ ﺑﻐﺪﺍﺩ
ﻭﺑﻴﺮﻭﺕ ﻭﺩﻣﺸﻖ ﻭﺑﺎﺭﻳﺲ، ﻛﺎﻥ ﻳﻔﺮﺡ ﻣﺜﻞ ﺃﻱ ﻃﻔﻞ
ﺑﻜﺘﺎﺑﻪ ﺍﻟﺼﺎﺩﺭ ﺣﺪﻳﺜﺎً، ﻳﺘﻐﺰّﻝ ﺑﺎﻟﻐﻼﻑ ﻭﺍﻟﻮﺭﻕ ﻭﻳﺸﻢ
ﺍﻟﺼﻔﺤﺎﺕ، ﻭﺣﻴﻦ ﻳﻤﻞ ﻣﻨﻪ ﻳﺬﻫﺐ ﻟﻴﺸﺘﻐﻞ ﻋﻠﻰ ﺁﺧﺮ
ﺟﺪﻳﺪ .
ﻛﺎﻥ ﺍﻟﻘﻴﺴﻲ ﺷﺨﺼﺎً ﻣُﺤﺒّﺎً، ﺩﻣﺜﺎً، ﺧﻠﻮﻗﺎً، ﻳﺘﻤﺘﻊ ﺑﺮﻭﺡ
ﺟﻤﻴﻠﺔ، ﺗﻌﺸﻖ ﺍﻟﺴﻬﺮ ﻭﺍﻷﻧﺲ ﻭﺍﻟﺤﺐ، ﺃﺣﺐّ ﻓﻲ ﺑﻐﺪﺍﺩ
ﻭﻛﺘﺐ ﻓﻲ ﺣﺒﻪ ﺍﺷﻌﺎﺭﺍً، ﻭﺗﻮﻟﻪ ﻭﺍﻛﺘﺄﺏ ﻭﺗﻌﺬﺏ . ﻣﻦ
ﺩﻭﺍﻭﻳﻨﻪ ﺍﻟﻐﺰﻟﻴﺔ ﺫﺍﺕ ﺍﻟﻤﻨﺤﻰ ﺍﻟﻤﺘﺮﻉ ﺑﺎﻟﺘﻬﺠّﺪﺍﺕ
ﻭﺍﻟﻤﻮﺍﺟﺪ ﻭﺍﻟﺘﺸﺮﻳﻖ ﺍﻟﻌﺸﻘﻲ، ﻳﻤﻜﻦ ﺍﻹﺷﺎﺭﺓ ﺍﻟﻰ ﺩﻳﻮﺍﻥ
« ﺇﻧﺎﺀ ﻹﺯﻫﺎﺭ ﺳﺎﺭﺍ - ﺯﻋﺘﺮ ﻷﻳﺘﺎﻣﻬﺎ»، ﻭﻛﺬﻟﻚ ﺩﻳﻮﺍﻥ
«ﻣﺠﻨﻮﻥ ﻋﺒﺲ» ﻭﻫﻮ ﺃﻳﻀﺎً ﻣﻦ ﺍﻟﺪﻭﺍﻭﻳﻦ ﺍﻟﺘﻲ ﻛﺎﻥ ﻗﺪ
ﻛﺘﺒﻬﺎ ﻓﻲ ﺣﺐ ﺍﻣﺮﺃﺓ ﻭﻗﻊ ﻓﻲ ﺃﺗﻮﻥ ﻏﺮﺍﻣﻬﺎ ﺍﻟﺤﺎﺭﻕ ﻛﻤﺎ
ﻛﺎﻥ ﻳﺨﺒﺮﻧﻲ ﺑﺬﻟﻚ، ﻭﻗﺪ ﺃﺭﺩﻑ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺤﺐ ﺍﻟﻤﺒﻨﻲ ﻋﻠﻰ
ﺍﻟﻠﻮﻋﺔ ﻭﺍﻟﻨﻘﺼﺎﻥ ﻭﺍﻟﻜﺘﻤﺎﻥ، ﺑﺪﻳﻮﺍﻧﻴﻦ ﺁﺧﺮﻳﻦ ﻫﻤﺎ
«ﻣﻀﺎﺀ ﺑﺠﻤﺎﻟﻬﺎ - ﻣﻀﺎﺀ ﺃﻧﺎ ﺑﺤﺰﻧﻲ » ﻭ «ﻛﻞ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺒﻬﺎﺀ
ﻭﻛﻞ ﺷﻔﻴﻒ ». ﻭﺍﻷﺧﻴﺮ ﻛﺎﻥ ﻣﻦ ﺍﻟﺪﻭﺍﻭﻳﻦ ﺍﻟﺮﻗﻴﻘﺔ
ﺍﻟﻤﻠﻴﺌﺔ ﺑﺎﻟﺤﺐ ﻭﺍﻟﻐﺰﻝ ﻭﺍﻟﻤﻨﺎﺷﺪﺓ ﺍﻟﺮﻭﺣﻴﺔ .
ﻭﺇﺫﺍ ﻛﺎﻥ ﺍﻟﻘﻴﺴﻲ ﺳﺨﻴﺎً ﻓﻲ ﻫﺪﺭ ﻗﺼﺎﺋﺪ ﺍﻟﺤﺐ ﻭﺍﻟﻐﺰﻝ
ﺍﻟﻤﺨﻔﻲ ﻭﻏﻴﺮ ﺍﻟﻤﻌﻠﻦ ﻓﻲ ﺣﺐ ﺍﻣﺮﺃﺓ ﻣﻌﻴّﻨﺔ، ﻭﻣﻘﺪﺳﺎً
ﺍﻷﻧﻮﺛﺔ، ﻓﻬﻮ ﺃﻳﻀﺎً ﻟﻢ ﻳﻨﺲ ﺩﻭﺭ ﺃﻣّﻪ ﺍﻟﺘﻲ ﺧﻠﺪﻫﺎ ﻓﻲ
ﺃﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﻗﺼﻴﺪﺓ ﻭﻧﺺ ﻭﻋﻤﻞ ﻧﺜﺮﻱ، ﺃﺑﺮﺯ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻜﺘﺐ
ﻫﻮ «ﻛﺘﺎﺏ ﺣﻤﺪﺓ « ، ﻭﻫﻮ ﻣﻦ ﺍﻟﺸﻌﺮﺍﺀ ﺍﻟﻘﻼﺋﻞ ﺍﻟﺬﻱ
ﻛﺘﺐ ﺑﺎﺳﻢ ﺃﻣِّﻪ ﺩﻳﻮﺍﻧﺎً ﻛﺎﻣﻼً ﻭﺫﻛﺮﻫﺎ ﻓﻲ ﻏﻴﺮ ﻣﻮﻗﻊ
ﻭﻛﺘﺎﺏ ﻭﻣﺎﺩﺓ ﻧﺼﻴﺔ .
ﻟﻌﻞ ﺍﻟﺤﻨﺎﻥ ﻭﺍﻟﻄﺒﻊ ﺍﻷﻧﻴﺲ ﻭﺍﻟﺒﻮﺡ ﺍﻷﺳﻴﺎﻥ ﻭﺍﻟﺸﻜﻮﻯ
ﺍﻳﻀﺎً ﻫﻲ ﻣﻦ ﺃﺑﺮﺯ ﺳﻤﺎﺕ ﻣﺤﻤﺪ ﺍﻟﻘﻴﺴﻲ ﺍﻟﺸﺨﺼﻴﺔ،
ﺳﻤﺎﺕ ﺳﺮﻋﺎﻥ ﻣﺎ ﺍﻧﺘﻘﻠﺖ ﻣﻦ ﺭﻭﺣﻪ ﻭﻋﻤﻘﻪ ﺍﻟﺪﺍﺧﻠﻲ
ﻭﺭﺅﺍﻩ ﺍﻟﺠﻮﺍﻧﻴﺔ ﺍﻟﻰ ﻗﺼﻴﺪﺗﻪ، ﻟﺘﺴﻤﻬﺎ ﺑﺄﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﻣﻴﺴﻢ
ﺷﻔﺎﻑ، ﻣﻴﺎﻝ ﺍﻟﻰ ﺍﻟﺘﺤﻨﺎﻥ ﻭﺍﻟﻌﺬﻭﺑﺔ ﻭﺍﻟﻜﺂﺑﺔ ﺍﻟﺸﺎﻋﺮﻳﺔ،
ﻓﻲ ﻃﺮﻳﻘﺔ ﺗﺼﺮّﻓﻪ ﻋﻠﻰ ﻧﺤﻮ ﺭﻭﻣﺎﻧﻄﻴﻘﻲ، ﻳﺬﻛّﺮ
ﺑﺸﻌﺮﺍﺀ ﺍﻟﺤﻘﺒﺔ ﺍﻟﺮﻭﻣﺎﻧﻄﻴﻘﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺠﻌﻞ ﺣﺘﻰ ﺍﻟﻬﻮﺍﺀ
ﺍﻟﻌﺎﺑﺮ ﻣﻤﻮﺳﻘﺎً ﻭﻣﻨﻐﻤﺎً ﻭﻳﺤﻤﻞ ﻓﺘﻨﺘﻪ ﺃﻳﻨﻤﺎ ﺣﻂ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ
ﺍﻟﻜﻮﻥ ﺍﻟﻤﺤﻔﻮﻑ ﺑﺎﻟﻄﺒﻴﻌﺔ.
ﻟَﻜَﻢ ﻋﺮﻓﺘﻪ ﻫﻨﺎ ﻓﻲ ﻟﻨﺪﻥ، ﻭﻏﺼﺖُ ﻓﻲ ﺃﻋﻤﺎﻗﻪ ﺍﻟﺒﺪﻳﻌﺔ
ﺍﻟﺘﻲ ﻻ ﺗﺸﻲ ﺍﻻ ﺑﻄﺒﻊ ﺇﻧﺴﺎﻧﻲ ﺣﺎﻟﻢ ﺑﺎﻟﻮﺩﺍﻋﺔ، ﻛﺎﻥ ﺩﺍﺋﻢ
ﺍﻟﺸﻜﻮﻯ ﻣﻦ ﺣﻈﻪ ﺍﻟﺬﻱ ﻛﺎﻥ ﻳﺮﺍﻩ ﻗﻠﻴﻼً، ﻛﺎﻧﺖ ﻟﺪﻳﻪ ﺩﺍﺋﻤﺎً
ﻣﺸﺎﻛﻞ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﺐ ﻭﺍﻟﻤﺎﻝ ﻭﺍﻟﻌﻤﻞ .
ﻫﻮ ﻟﻢ ﻳﺮﻛﻦ ﺍﻟﻰ ﻋﻤﻞ ﺩﺍﺋﻢ، ﻣﺜﻞ ﺃﻱ ﺷﺎﻋﺮ ﺻﻌﻠﻮﻙ
ﻭﺟﻮّﺍﻝ ﻭﺣﺎﻟﻢ، ﻟﻜﺄﻧﻪ ﻛﺎﻥ ﺭﻋﻮﻳﺎً، ﻳﻨﺘﻘﻞ ﻭﻓﻖ ﺇﺭﺍﺩﺓ
ﺍﻟﺨﻴﺎﻝ ﻭﻭﻓﻖ ﻃﺒﻴﻌﺔ ﺍﻟﻤﺰﺍﺝ ﻭﻭﻓﻖ ﺳﻴﺎﻕ ﺍﻟﺮﺅﻳﺎ ﺍﻟﺘﻲ
ﺳﺘﺤﺮّﻛﻪ ﺍﻟﻰ ﻫﺪﻓﻪ، ﻓﻲ ﺍﻟﺤﺐ ﺃﻭ ﺍﻟﻤﺪﻳﻨﺔ ﻭﺍﻟﻤﻀﻄَﺮﺏ
ﺍﻟﺬﻱ ﺳﻴﺠﺪ ﻓﻴﻪ ﻧﻮﻋﺎً ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺤﻔّﺰﺍﺕ ﺍﻟﺸﻌﺮﻳﺔ. ﺑﻐﺪﺍﺩ
ﻛﺎﻧﺖ ﺇﺣﺪﻯ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺪﻥ ﺍﻟﺤﺎﻟﻤﺔ، ﻓﻴﻬﺎ ﺃﺣﺐَ ﻭﻋﻨﻬﺎ
ﻛﺘﺐ، ﻭﻫﻲ ﻣﻦ ﻋﺠّﻠﺖ ﻓﻲ ﺃﺟﻠﻪ، ﺣﻴﻦ ﺍﺣﺘﻠﺖْ ﻣﻦ
ﺍﻟﻐﺎﺯﻱ ﺍﻷﻣﻴﺮﻛﻲ ﻭﺩﻟﻴﻠﻪ ﺍﻟﻌﺮﺍﻗﻲ ﺍﻟﺬﻱ ﺧﺮﺝ ﻣﻦ ﻛﻨﻒ
ﺍﻟﺤﺎﻟﺔ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ﺍﻟﻤﻠﺘﺒﺴﺔ، ﻟﻴﺘﺼﺪّﺭ ﺍﻟﺮﺍﻫﻦ ﺍﻟﻌﺮﺍﻗﻲ.
ﻛﻴﻒ ﻻ ﻭﺑﻐﺪﺍﺩ ﻫﻲ ﻣﺪﻳﻨﺔ ﺍﻷﺣﻼﻡ ﻭﺍﻟﺸﻌﺮﺍﺀ ﻭﺃﻟﻒ ﻟﻴﻠﺔ
ﻭﻟﻴﻠﺔ. ﺑﺴﻘﻮﻁ ﺑﻐﺪﺍﺩ ﺳﻘﻂ ﻗﻠﺐ ﻣﺤﻤﺪ ﺍﻟﻘﻴﺴﻲ ﻣﻨﻪ،
ﻭﺗﻮﻗﻒ، ﻫﻜﺬﺍ ﻗﻴﻞ ﻟﻲ، ﻭﻫﻜﺬﺍ ﻗﺮﺃﺕ، ﺣﻴﻨﻬﺎ ﻛﻨﺖ ﻓﻲ
ﻟﺒﻨﺎﻥ، ﻛﺎﻥ ﺍﻟﺠﻮ ﺣﺎﺭّﺍً ﻣﻦ ﺁﺏ ( ﺃﻏﺴﻄﺲ) ﻋﺎﻡ 2003 ،
ﺣﻴﻦ ﻃﺎﻟﻌﺖُ ﺻﺤﻴﻔﺔ «ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ» ﻷﺟﺪ ﺧﺒﺮ ﻧﻌﻴﻪ ﻓﻲ
ﺃﺳﻔﻞ ﺍﻟﺼﻔﺤﺔ ﺍﻷﻭﻟﻰ، ﻭﻗﺪ ﺃﺭﻓﻖ ﺍﻟﺨﺒﺮ ﺑﺼﻮﺭﺓ ﺑﻬﻴﺔ
ﻟﻪ، ﻫﻨﺎ ﻛﺎﺩ ﻗﻠﺒﻲ ﻫﻮ ﺍﻵﺧﺮ ﺃﻥ ﻳﺘﻮﻗﻒ ﺣﻴﻦ ﺭﺃﻳﺘﻪ ﻓﻲ
ﺍﻟﺼﻔﺤﺔ ﺍﻷﻭﻟﻰ، ﻋﺎﺩﺓ ﺍﻟﺸﻌﺮﺍﺀ ﻫﻢ ﻣﻦ ﺳﻜﺎﻥ ﺍﻟﻬﻮﺍﻣﺶ
ﻭﺍﻟﺰﻭﺍﻳﺎ ﺍﻟﻤﻨﺴﻴﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﺼﺤﻒ ﻭﺍﻟﻤﺠﻼﺕ، ﻭﻫﺬﺍ ﺟﻤﻴﻞ
ﻟﻬﻢ، ﻟﻜﻴﻼ ﻳﺨﺘﻠﻄﻮﺍ ﻣﻊ ﺍﻟﺴﺎﺳﺔ ﻭﺍﻟﻤﻄﺮﺑﻴﻦ ﺍﻟﻐﺎﺭﻗﻴﻦ
ﺑﺎﻟﻤﺎﻛﻴﺎﺝ ﻭﻧﺠﻮﻡ ﻛﺮﺓ ﺍﻟﻘﺪﻡ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻳﻈﻬﺮﻭﻥ ﻓﻲ
ﺇﻋﻼﻧﺎﺕ ﺍﻟﺸﺎﻣﺒﻮ ﻭﺍﻟﺒﻴﺘﺰﺍ ﻭﻣﻌﺠﻮﻥ ﺍﻷﺳﻨﺎﻥ
ﻓﻲ ﻟﻨﺪﻥ ﺗﻮﻃﺪﺕْ ﻋﻼﻗﺘﻲ ﺑﺎﻟﻘﻴﺴﻲ ﺍﻟﻰ ﺩﺭﺟﺔ ﻛﺒﻴﺮﺓ،
ﺣﺘﻰ ﻏﺪﻭﻧﺎ ﺻﺪﻳﻘﻴﻦ ﻣﺘﻼﺯﻣﻴﻦ، ﻧﻠﺘﻘﻲ ﻓﻲ ﺍﻷﺳﺒﻮﻉ
ﺃﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﺛﻼﺙ ﻣﺮﺍﺕ، ﻧﺠﻠﺲ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻘﺎﻫﻲ ﻭﻧﺘﻨﺰﻩ ﻓﻲ
ﺍﻟﻬﺎﻳﺪ ﺑﺎﺭﻙ ﻭﻧﺜﺮﺛﺮ ﻃﻮﻳﻼً ﺣﻮﻝ ﺍﻟﺸﻌﺮ، ﻛﺎﻥ ﺍﻟﺸﻌﺮ
ﻣﺎﺋﺪﺗﻨﺎ ﺍﻟﺒﻬﻴﺔ ﻭﺍﻟﻄﻴﺒﺔ، ﺍﻟﺘﻲ ﻻ ﻧﻤﻞ ﻭﻻ ﻧﺸﺒﻊ ﻣﻤﺎ ﻳﻠﻤﻊ
ﻓﻴﻬﺎ ﻣﻦ ﻃﻌﺎﻡ ﻟﻠﺨﻴﺎﻝ
Comments
Post a Comment