من حكايا الشهر التاسع
قصّة قصيرة بقلم / سلمون ترَّقي
ترجمها عن التقرنيا /عبد الرحيم شنقبإلى
مكتبة أغردات العامة ( APL )
تحالفت لفحات الشمس مع ما بداخله من حريق خلال سيره المتعرق مندفعا نحو المنزل . تبقت بضع خطوات لبلوغ الى البيت ، الملاذ . أبصر طفلاُ و كلبا يلهوان تحت ظل شجرة مجاوره .إنهما في إنتظار قدومه الراتب في تمام هذه الساعة يوميا حيث يتوقعان هدايا ودعابات إعتادوها . كانت تلك الدعابات تطلي هجير الظهيرة بحبر إحتفالي . بإندفاع ودود قفز الكلب نحوه وأسند يداه على صدره . إقترب أكثر بأنفه الطرى و فيما يشبه التقبيل إشتم خديه اللزجين . ثم أخذ يلحس العرق المتصبب من عنقه . " بوبي ، بوبي ، بوبي " نادى صوت ضاحك برنين طفولي . إعتبر هو كل ذلك سخف بغيض ! لم يستجب لإحتفال الطفل وكلبه ، وبنزق ينبئ عن غبن دفين أزاح الكلب بحركة مزريه جعلت طفل الحادية عشر ينكمش .
بذات الإندفاع المتعرق دفع الباب كأنه يدحرج كل همومه أمامه ، ودخل وهو يفك أزرار قميصه . رددت أذناه صدى العبارة التي أفرغت القليل جدا من حمض آلامه ، ردا صارخا على سؤال المفتش : " هل أصابك الجنون؟" . " لم أزل عاقلا حتى الآن ، لكن قد تدفعني أنت الى الجنون !" . كان صدى الكلمات متمهلاًً، لاذعاً ومتهكماً . أحس أن إجابته كانت غير وافيه لحجم الإكتواء والحرق المتقد بداخله . بدا مهزوماً ونادماً . كان يتوجب عليه أن يأتي بفعل ملموس . جرّه خيط حنين مفاجئ إلى ذلك الخندق الذي غاب عنه كل قائد ورفيق ! جاس بأصابعه في لحيته المنسيه ، ثم إلتحمت نظرته بحائط قاسي . أرخى جفنيه وغاب في مسارب الدروب القديمة .
أيقظه دوي عيار ناري. خاله إمتدادا لذلك الخيط الوالغ في القدم . بتر الصوت إلتحام صور الاّلام والأسى والندم الهاطل من الذاكرة . شد إنتباهه مذعوراً . إنفتحت عيناه على الحائط القاسي . إنبثق دوي آخر صاحبه عواء مزق أحشاء السكون وأنهضه خفيفا كما في تلك الأيام . دفع الباب خارجا كأنه يدفع كل مخاوفه . لمح مجموعة من قوات الشرطة بزيهم الأخضر الباهت متجهين صوب اليمين ! وقف هو بصمت متعرق إلى جانب الطفل الباكي الذي وبصوت طفولي خاص الرنين ظل يردد " هل لأن كلباً هاجم شخصاً يقتلون كل من نبح ؟ " . ظل هو يردد " نعم .. ذلك لأن كلبك لم يصب بالجنون " .
توهجت الشمس متواطئة مع واقعة الموت . لمعت حبيبات العرق في جبين الطفل . توقف الكلب عن العواء المحموم . وإستقرت عيناه في الفضاء القاسي ناحية اليمين حيث أتجه القتله ، ثم حول نظره ناحية الرجل والطفل وظل يبادلهم نظرات شاحبه وزرف دموع صفراء وهو ينزف من جنبه المصاب برصاصة من الجهة اليمنى . نظر الى الدم الذي غطى الأرض أسفل يساره والى الثقب الدامي وشمّه ! عاود النظر نحو الشارع الذي سلكه قاتليه ثم رد بصره إلى صديقيه . كان الطفل لم يزل في إنتحابه المتعرق . تملّكته رؤية اُحاديه تساوى الكل فيها ، أصدقاء واعداء ، يمين يسار ، شخوص وأشياء . تراجع . إشتم دمه المراق ولعق بعضه . رفع رأسه وبدا سعيداً ! إتسعت فتحات أنفه . لمعت عيناه وشع وجهه بوهج رهيب . ثم إنطوى يلحس جرحه ويوسّع الفتحة إلى أن بانت أحشاؤه . سحب إمعاءه الى أن تدلت وأخذ يمضغ فيها.
Comments
Post a Comment