القاهرة - صحيفة بربر: كتاب" السيف والنار في السودان" لسلاطين باشا، صدر مؤخرا عن مكتبة"الآداب" بالقاهرة نقلا عن الطبعة الأولى المعروفة بطبعة "البلاغ" الصادرة عام 1930، وقد نقل هذا الكتاب إلى اللغة الإنجليزية سير ونجت باشا الذي كان حاكماً عاماً للسودان ثم معتمداً لإنجلترا في مصر.
مؤلف الكتاب ضابط نمساوي اسمه " كارل رودلف" واشتهر بسلاطين باشا، ولد سنة 1857م في فينا، وتوفي فيها عام 1932، جاء إلى مصر سنة 1878م ودخل في خدمتها فعينه جردون باشا حاكماً لدارفور سنة 1884م، ولم يمض عليه في منصبه هذا قليل حتى اعتقلته جيوش المهدي فبقى أسيرا لنحو 12 عاما، وادعى اعتناق الإسلام والإيمان بالمهدية إلى سنة 1895، وبقى سلاطين بعد ذلك موظفاً في حكومة السودان ما بين سنة 1900 وسنة 1914، وفر إلى الجيش المصري واشترك في غزو دنقلة وأم درمان، ثم أعلنت الحرب العالمية الأولى فترك الخدمة في السودان وعاد للنمسا ودخل في خدمة الصليب الأحمر، ولما عقدت الهدنة سنة 1918م انتدب عضواً في بعثة الصلح في باريس.
أما كتابه فترجع أهميته إلى كونه يتحدث عن حقبة تاريخية مهمة من 1881م بداية الثورة الإسلامية المهدية في السودان وانتصاراتها المبهرة وسقوط الخرطوم في أيدي الثوار في 1885م ومقتل حاكم السودان البريطاني غردون باشا، وحتى سقوط السودان مرة أخرى في يد المستعمر الإنجليزي في عام 1898، ويعد وثيقة نادرة من أهم الوثائق التي نشرت عن الحوادث التاريخية التي جرت في مصر والسودان في فترة السيطرة المهدية على السودان، وانتهج مؤلفه في كتابته طريقة المذكرات ليسرد الأحداث التي شاهدها بعينه وشارك في صنعها منذ استدعاه الجنرال جوردون إلى السودان للعمل في خدمة الحكومة المصرية.
يقول سلاطين باشا في تمهيده للكتاب: "في يوليو 1878 عندما كنت ملازما في "ألاي ولي العهد رودلف" عند حدود البوسنة، تسلمت خطابا من الجنرال جوردون يدعوني فيه أن أذهب إلى السودان وأشتغل في خدمة الحكومة المصرية تحت إدارته، وكنت في سنة 1874 قد سحت في السودان عن طريق أسوان، فذهبت إلى كورسكو وبربر ووصلت الخرطوم وعرجت على جبال النوبة وبقيت مدة قصيرة في دلين حيث كان مركز الرسالة الكاثوليكية النمسوية، وخرجت في اكتشاف جبال جولفان نايمة وجبال كاديرو، وعدت إلى الأبيِّض عاصمة كردفان، وشهدت احتجاجات عرب الحوازمة ضد جباية الضرائب الفادحة التي فرضتها عليهم الحكومة، وسافرت إلى دارفور، وكان حاكم السودان العام في ذلك الوقت إسماعيل باشا أيوب مقيما في الفاشر"، ولا يخفي سلاطين باشا فرحته بخطاب غردون إليه وهو في حرب البوسنة، بل إنه يفصح بشوقه للعودة إلى السودان، ويقول إنه وصل إلى الخرطوم في 15 يناير 1879، ليعيش حياة جديدة، ويعين مفتشا ماليا في البلاد لفحص شاكيات السودانيين المعارضين لدفع الضرائب، وليقرر أن الضرائب غير عادلة، وأن معظمها يقع على عاتق أصحاب الأملاك الصغيرة، أما كبار الملاك فكان من السهل عليهم أن يرشوا الجباة لينجوا من الضرائب، ولعجز سلاطين عن معالجة هذا الظلم استقال من منصبه.
لا يخفي سلاطين حنقه على الثورة المهدية ويرى أنها قلبت الحسن إلى سيء، وساهمت في انتشار الجزع والاضطراب في السودان، وكان من المستحيل نجاحها بدون التعصب الديني، واندثر معها أي أثر للمدنية، ويصف المهدي بالنفوذ الواسع وأنه سيد السودان الحقيقي، فلم يكن يصدر أمرا حتى يسارع الأتباع لتلبيته، وهم على استعداد لتفديته بالقلوب والأرواح، ويرى أن التعصب تضاءل بعد موت المهدي، حيث حل محله الخليفة عبد الله وكان يتذرع بالدين تذرعا اسميا ولكنه كان مدفوعا بالظلم، ولم تكن القسوة قاصرة على الخليفة عبد الله بل تعدته إلى عرب القبائل الغربية.
ويلفت سلاطين بجلاء إلى أن إقليم بحر الغزال أخصب أقاليم السودان، وأعظم ما يمتاز به أنه يستمد ماء ريه من مجموعة جداول ومجار مائية، وخصوبة تربة الإقليم تعد من الخيرات النادرة في السودان، أما عدد سكان الإقليم فيقدره سلاطين بنحو خمسة أو ستة ملايين، الكثيرون منهم يصلحون لحمل السلاح، لكن عداوات القبائل تحول دون أي اتفاق عام، وهو ما يغري القوى الأجنبية بالتواجد في الإقليم.
مكث سلاطين باشا مكث بالسودان ستة عشر عاما، منها أربعة أعوام موظفا وحاكما على إقليم دارفور، غير أن سنوات أسره ولدت لديه دافعا قويا لتحريض القوى الأوروبية للقضاء علي المهدية واستعمار السودان.
Comments
Post a Comment