Skip to main content

الخطيئة وتعريفاتها------ أحمد برقاوي

أحمد برقاوي
ما الخطيئة؟ ليس هذا السؤال بسؤال لاهوتي. ليس من شيمة الفيلسوف أن يجعل من أسئلة اللاهوت أسئلته الخاصة. بل إعادة السؤال حول الخطيئة وتحريرها من حمولاتها اللاهوتية وإعادتها إلى حقلها الحقيقي بوصفها فعلاً بشرياً مرتكبَاً بحق الآخر.
كل سلوك يهدف إلى إيذاء الآخر، كالقتل والإهانة والتعذيب والاغتصاب، وإهدار الكرامة وكل أشكال الاعتداء على الآخر هو خطيئة، وعكسها الإيمان بالحرية الشخصية -الفردية المعترف بها اعترافا مطلقا واحترام حق الآخر واعتباره غاية وليس وسيلة.
درجات الخطيئة البشرية كثيرة تبدأ من الحسد وتنتهي بجريمة القتل وما بينهما من اعتداءات من الكذب والتلصص والسرقة إلخ، والملاحظ أنها كلها أنماط سلوك تؤذي الآخر، ولهذا فهي حملت البشرية على سن عقوبة على ارتكاب الخطايا، ولهذا أيضا لا عقوبة لكائن في تصرف بحق ذاته.
غير أن أخطر ما يواجهه المجتمع الإنساني، بل والإنسان هو المدخل النسبي في النظر إلى الخطيئة، والاختلاف حول ما يندرج في عداد الخطايا وما لا يندرج، فضلاً عن خطر التبرير الأيديولوجي للخطيئة بدافع المصلحة.
هل احتلال أراضي الغير خطيئة نسبية تخضع للاختلاف حولها؟ بالطبع لا. فكل احتلال لأرض الغير مهما كان الدافع إليه هو خطيئة مطلقة حتى لو حُملَ المُحتَلة أرضه على الاعتراف للمحتل بهذه الجريمة.
احتلال فلسطين وما شابه ذلك من احتلالات خطيئة كبرى ومطلقة.
قس على ذلك الاعتداء على الملكية الشخصية، ومن الغريب والعجيب أن تجد من يبرر للمستبد خطاياه القاتلة بحق الكرامة الإنسانية بدواعي أيديولوجية كاذبة.
فكرة الوطن ليست سبباً لارتكاب الخطايا، بل على الضد من ذلك، إنها هي بالذات التي تؤسس للحب، وليس هناك انفصال أبداً بين الوطن والناس، بل ليس الوطن سوى ناسه، وتجريد الوطن من ناسه لارتكاب الشر والخطيئة باسمه جريمة لا تغتفر أبداً.
الخطيئة المطلقة قتل الآخر سلبا لحقه، وليس هناك فرق في أدوات القتل للحكم على القتل، فالقاتل بمدية كالقاتل برصاصة كالقاتل بقنبلة، والقاتل بقنبلة نووية أو القاتل بقنبلة كيميائية كالقاتل بقنبلة عادية، فقتل الآخر عدواناً هو جوهر خطيئة القتل، قتل الآخر سلباً للحق ماهية خطيئة القتل، قتل الآخر سلباً للحياة في سجون الطغاة خطيئة مطلقة.
أجل كل قتل بدافع العدوان وسلب الحق، أي نوع من الحق، خطيئة مطلقة. وهذه لا ينفع معها تسامح أو غفران أو توبة أو تكفير أو عفو وكل ما عدا هذه الجريمة قابل لما سبق. لأن جريمة القتل سلبا للحق أثرها غير قابل للتغيير وهو موت إنسان. وما عدا ذلك يمكن أن تتغير آثار الخطيئة، بل وتتغير ماهية الخاطئ.
سائل يسأل وكيف تكون الخطيئة نسبية؟ إن القول بنسبية الخطيئة لا يعني فقدان فعل الخطيئة لجوهره. فسرقة جائع لا يأكل خطيئة لكنها خطيئة نسبية، فهي ليس مقصودها إيذاء الآخر لكنها اعتداء على ملكيته، بل هناك من يجد تبريراً لها وينفي عنها صفة الخطيئة بسبب غياب دافع الشر فيها.
وهذا معنى نسبيتها. وقس على ذلك الكذب حفاظاً على الحياة واتقاء شر مجرم ما، وهكذا.
لأن الخطايا الأخلاقية تختفي وراء المبررات النفعية أو العملية أو الضرورية فإن كثيرين يصطفون إلى جانبها وهم يعرفون مبرراتها الكاذبة، اعتقادا منهم بأنهم قادرون على إنجاب القناعة لدى الآخرين ببراءة فعلهم من الخطيئة.
إذا كان القانون الوضعي قد استُن لمعاقبة خطايا الأفراد، فإن القانون الدولي لا زال عاجزاً عن تحقيق معاقبة السلطات على ارتكاب خطاياها المدمرة. وهذا أمر يحتاج إلى نظر عميق وطويل.

Comments

Popular posts from this blog

Mona Farouk reveals scenes of "scandalous video"Egyptian actress Mona Farouk appeared on

Mona Farouk reveals scenes of "scandalous video"Egyptian actress Mona Farouk appeared on Monday in a video clip to discuss the details of the case she is currently facing. She recorded the first video and audio statements about the scandalous video that she brings together with Khaled Youssef.Farouk detonated several surprises, on the sidelines of her summons to the Egyptian prosecution, that Khalid Youssef was a friend of her father years ago, when she was a young age, and then collected a love relationship with him when she grew up, and married him in secret with the knowledge of her parents and her father and brother because his social status was not allowed to declare marriage .Muna Farouk revealed that the video was filmed in a drunken state. She and her colleague Shima al-Hajj said that on the same day the video was filmed, she was at odds with Shima, and Khaled Yusuf repaired them and then drank alcohol.She confirmed that Youssef was the one who filmed the clips whil

الحلقة 20 هنادي المطلقة والمحلل (ماذا قال كتاب العرب في هنادي)-----------Khalid Babiker

• الجنس شعور فوضوي يتحكم في الذات والعقل . وله قوة ذاتية لا تتصالح إلا مع نفسها . هكذا قال أنصار المحلل الحلقة 20 هنادي المطلقة والمحلل (ماذا قال كتاب العرب في هنادي) أول طريق عبره الإنسان هو طريق الذكر . بعدها شهق وصرخ . تمرغ في الزيت المقدس . وجرب نشوة الأرغوس . عاجلا أم آجلا سيبحث عن هذا الطريق ( كالأسماك تعود إلى أرض ميلادها لتبيض وتموت ) . وسيعبره . سيعبره بحثا عن الديمومة . وسيشهق وسيضحك . لقد جاء إليه غريبا . سيظل بين جدرانه الدافئة غريبا . وحالما يدفع تلك الكائنات الحية الصغيرة المضطربة في الهاوية الملعونة سيخرج فقيرا مدحورا يشعر بخيانة ما ( ..... ) . لن ينسى الإنسان أبدا طريق الذكر الذي عبره في البدء . سيتذكره ليس بالذاكرة وإنما بالذكر . سيعود إليه بعد البلوغ أكثر شوقا وتولعا . ولن يدخل فيه بجميع بدنه كما فعل في تلك السنوات التي مضت وإنما سيدخل برأسه . بعد ذلك سيندفع غير مبال بالخطر والفضيحة والقانون والدين . الله هناك خلف الأشياء الصغيرة . خلف كل شهقة . كل صرخة مندفعا في الظلام كالثور في قاعة المسلخ . الله لا يوجد في الأشياء الكبيرة . في الشرانق . في المح . ينشق فمه . تن

Trusting Liar (#5) Leave a reply

Trusting Liar (#5) Leave a reply Gertruida is the first to recover.  “Klasie… ?” “Ag drop the pretence, Gertruida. You all call me ‘Liar’ behind my back, so why stop now? Might as well be on the same page, yes?” Liar’s face is flushed with anger; the muscles in his thin neck prominently bulging. “That diamond belongs to me. Hand it over.” “What are you doing? Put away the gun…” “No! This…,” Liar sweeps his one hand towards the horizon, “…is my place.  Mine!   I earned it! And you…you have no right to be here!” “Listen, Liar, we’re not the enemy. Whoever is looking for you with the aeroplane and the chopper….well, it isn’t us. In fact, we were worried about you and that’s why we followed you. We’re here to help, man!” Vetfaan’s voice is pleading as he takes a step closer to the distraught man. “Now, put down the gun and let’s chat about all this.” Liar hesitates, taken aback after clearly being convinced that the group  had hostile intentions. “I…I’m not sure I believe