عقد الجلاد..
النجمُ إذا هوى..
من يكتب التأريخ؟ المبدعُ أم الجالس قبالته؟ تساؤلات تعتصر واقعاً ينبجسُ منه تساؤلاً يتلائم وما نَحْنُ بصدد القيام بتفكيكه.. أين عقد الجلاد؟ بيات إبداعي أم أن التأريخ يمارس دوره الطبيعي..؟ في فناء الأجسام حيث لا خالد إلا من يعبر حواجز عشق هذا الشعب، هل عبرت عقد الجلاد حاجز العشق هذا كما يجب أن يكون العبور؟ أم تم تدجينها لعبورنا نحو طرب يدبٓ على هامش نضالنا اليومي؟ وهل العقد مجرد مجموعة أم مشروع صاغه البعض من أجلنا؟ وعشان عيون أطفالنا ما تضوق الهزيمة؟ هل الظروف التي ساندتهم هي ذاتها التي تواطأت ضد الفرق الأخرى؟
لا يمكن قراءة تجربة العقد بمعزل عن تداعيات إرتبطت أيديولوجياً بالنظام الحاكم، وفنياً بتحولات إنتظمت الساحة الفنية.. أشرنا لها من قبل عبر مقال بعنوان (عقد الجلاد.. نسور تحلق في الفضاء الخطأ) نُشر عقب تداعيات إلغاءها المؤتمر الصحفي الخاص بالراحل محجوب شريف حيث كان يُزمع عقده في دار العقد.. وبالرغم من أن هذا يجيئ في إطار حصارات الإبداع إلا أن موقفها لا يتخطى حاجز الاسترزاق والغناء على خشبة الترفيه وهامش الحريات، حيث تم توظيف العقد لاقناع الآخر بهذا الهامش..
أفول نجم عقد الجلاد لا علاقة له بتراجع مضمون الأغنية السودانية، لعدة أسباب أهمها الشعراء الذين يتغنى وتغنى لهم عقد الجلاد أو بعضهم، مشهود لهم بتطابق أقوالهم وأفعالهم، وشكلت كتاباتهم مدرسة شعرية متفردة، هذا جعل من عقد الجلاد في وقت مضى، أيقونة للغناء الثوري، وهذا الأخير تحديداً لا يمكن الإحساس به إذا لم يكن صادقاً على مستوى التعبير، فقدت عقد الجلاد الطعم والرائحة وتبقى لها بعض لون باهت.. تسد به رمق بعض المتعطشين للغناء الملامس للدواخل المقهورة.. والتضامن لحظياً مع (حاجة آمنة) و(نورا) التي أصبحت غير مواكبة للمرحلة..
خروج مؤسسين من فرقة عقد الجلاد كشف عن عقم البيروقراطية الي تُدار بها المجموعة، بإعتبارها مؤسسة حكومية وليست فرقة إبداعية تحمل مشروعاً من أجل التغيير لها مقترحاتها وقراراتها الذاتية وليست تلك التي يمليها عليها البعض، التنازل عن إمكانيات عثمان النو، وأصوات مثل آمال النور، منال بدرالدين، الخير، رانيا، وآخرين.. قضية تستثير الترقب للبحث عن أسباب مقنعة لرحيل هؤلاء عن عقد الجلاد، بقاء شمت، شريف، وطارق جويلي في ذات المكان ربما يراه البعض شروعاً في الإجابة على تساؤلنا عن أسباب رحيل البعض دون آخرين، وتكرار ذات الأزمات التي تعتصر جسد السياسة السودانية.
تُرى ماهي الأسباب التي تجعل الخروج من الفرقة ممكناً؟ وهل إدارة الفِرقة حريصة على أن لا تكون فُرقة؟ الإجابة حتماً لا.. المتابع لمسيرة عقد الجلاد يكتشف أنها تتأسس على شمت وشريف ولهما نصيب الأسد في الأداء اللحني، بالرغم من أن طبيعة الكورال والغناء الجماعي تفترض توزيع الأدوار اللحنية، الواقع يقول أن الفرقة بها مؤديان و(كورس) لإكمال دائرة اللحن، هذا شكٓلٓ جزءاً من أزمة عقد الجلاد وتنميط المستمع على ضرورة وجود الشخصيتين.. العناصر الصوتية الجديدة لم تكن بحجم الأصوات المغادرة الفرقة.. مما جعل من تراجع الفرقة أمراً واقعاً.. إضافة لتعثٓر الفرقة في إنتاج أعمال جديدة، وحتى الجديد منها يعكس بعمق تأثير غياب موسيقي بقامة (النو) على إنتاج الفرقة.
حاجتنا لعقد الجلاد تنبع في الأساس من كون إرتباطها كان لصيقاً بطبقات مستنيرة تعبر عنها غنائياً تملأ المساحات المُنتهبة بعد غياب مصطفى سيد أحمد والعزلة المفروضة على أبوعركي البخيت، وتغييب (ساورا) وتفتيت فرق أخرى، وهنا كانت محاولة الاستثمار في أذواق مستمعين يجاهدون للفصل بين مفردة هادفة وأداء لا يعدو كونه مجرد أداء تنقصه المصداقية، حاولت عقد الجلاد ملء هذا الفراغ كما خُطط لذلك، لكنها فشلت فشلت في الإستمرار، وأُسقِط على يديها (إنه يمكن أن تطربنا بعض الوقت، ولا يمكنها ذلك كل الوقت) وإفتقارها لمعطيات المبدع (الظاهرة) لتختار لها مكاناً في سجل الخالدين.. ربما لأن الوقت لم يعد هو ذاته المتكئ على لحظة انفجار ما، أو ربما لفشل الرهانات التي دفع بها البعض لبقاء واستمرارية عقد الجلاد.. لكن عندما بدأت تلفظ أبناءها آمن كثيرون بأنها لن تقوى على البقاء ومواجهة حتمية التآكل.
"استحالة صمود الخارج عن فرقة عقد الجلاد في المجال الفني" مقولة لا تخرج عن سياق الخطط التي تستهدف تدمير الآخر ومحاصرته بجيوش الفشل، لكن يجب أن نضع في الإعتبار أن أزمات الوسط الفني لم تعد في الإمكانيات والمقدرات الصوتية، والذي صدح يوما في مجموعة عقد الجلاد لا يمكن توقع فشله هذا إذا لم تتم محاصرته ودفعه للخروج.. أي خروج متوقع كان.. أو فليكن لا متوقعاً.
العبارة الأحدث في جدلية المغني والسلطة، قالتها (نانسي عجاج) وهي تلوٓح بإرادتها عالياً بأنها ليست (مناضلة) بل مغنية!! وحيث أنه على مستوى الواقع تنتفي خطوط التشابك بين كون المرء مغنياً أو مناضلاً من خلال كون الأثنان يسعيان لإحداث تغيير ما، وليس من المفترض أن يغيٓر الفنان نظاماً سياسياً حتى يُكتب عند الشعب مناضلاً.. فقط يكفي أن تكون بالقرب.. استدعاء تصريحات (نانسي) هنا تأتي تمهيداً لطرح تساؤل، ماذا نريد من عقد الجلاد؟ يقيناً ليس ما يدور في خلد المترصّدين بإننا نسعى لإنتهاك خصوصية وقدسية الغُنا المخلوق لذاته.. وحرق آخر سفن الكلام (السمح)!! لكن ما تقوله يعبٓر عني، لكن لا يعبر عنك بالرغم من أنه يجب أن يعبٓر عنك بداية لتدفعني للإيمان به.. وبك!! المبدع هو ما يقوله، تتم محاكمته بما قاله وتغنى به.
تصنيف الإبداع بإعتباره فن من أجل الفن، إيغال في إبتذال الإبداع، وإفراغه من محتواه التغييري ويجعله (مجرد كلام) أو على طريقة (نانسي عجاج).. علينا أن نختار مبدعينا المتماهين مع حاجاتنا، مشروع الفن للفن لا يتماهى مع وطن يعتصره الجوع، و(حاجة آمنة) ليست ملهاة يتسلى بها الأرستقراطيون، بل حالة تتطابق والآلاف من النساء اللائي لا تفي ظروفهن بتوفير قطعة خبز لأطفالهن.. لذا تصنيف الإبداع يجب أن يكون من منطلق حاجات المجتمع بداية ، ودوره في صياغة رؤى التغيير..
فشل الحفلات الأخيرة لعقد الجلاد وتراجع جمهورها أمر متوقع حدوثه، حيث أن الفرقة لم تسع لتطوير قدراتها في الفترة الأخيرة، مرتكزة على تأريخها وتقديم الأغنيات ذاتها بأصوات عادية جداً غير تلك التي ألفناها، كل ذلك جعل المجموعة أشبه بـ(MP3).. بقلم الأستاذ / ماجد القوني
النجمُ إذا هوى..
من يكتب التأريخ؟ المبدعُ أم الجالس قبالته؟ تساؤلات تعتصر واقعاً ينبجسُ منه تساؤلاً يتلائم وما نَحْنُ بصدد القيام بتفكيكه.. أين عقد الجلاد؟ بيات إبداعي أم أن التأريخ يمارس دوره الطبيعي..؟ في فناء الأجسام حيث لا خالد إلا من يعبر حواجز عشق هذا الشعب، هل عبرت عقد الجلاد حاجز العشق هذا كما يجب أن يكون العبور؟ أم تم تدجينها لعبورنا نحو طرب يدبٓ على هامش نضالنا اليومي؟ وهل العقد مجرد مجموعة أم مشروع صاغه البعض من أجلنا؟ وعشان عيون أطفالنا ما تضوق الهزيمة؟ هل الظروف التي ساندتهم هي ذاتها التي تواطأت ضد الفرق الأخرى؟
لا يمكن قراءة تجربة العقد بمعزل عن تداعيات إرتبطت أيديولوجياً بالنظام الحاكم، وفنياً بتحولات إنتظمت الساحة الفنية.. أشرنا لها من قبل عبر مقال بعنوان (عقد الجلاد.. نسور تحلق في الفضاء الخطأ) نُشر عقب تداعيات إلغاءها المؤتمر الصحفي الخاص بالراحل محجوب شريف حيث كان يُزمع عقده في دار العقد.. وبالرغم من أن هذا يجيئ في إطار حصارات الإبداع إلا أن موقفها لا يتخطى حاجز الاسترزاق والغناء على خشبة الترفيه وهامش الحريات، حيث تم توظيف العقد لاقناع الآخر بهذا الهامش..
أفول نجم عقد الجلاد لا علاقة له بتراجع مضمون الأغنية السودانية، لعدة أسباب أهمها الشعراء الذين يتغنى وتغنى لهم عقد الجلاد أو بعضهم، مشهود لهم بتطابق أقوالهم وأفعالهم، وشكلت كتاباتهم مدرسة شعرية متفردة، هذا جعل من عقد الجلاد في وقت مضى، أيقونة للغناء الثوري، وهذا الأخير تحديداً لا يمكن الإحساس به إذا لم يكن صادقاً على مستوى التعبير، فقدت عقد الجلاد الطعم والرائحة وتبقى لها بعض لون باهت.. تسد به رمق بعض المتعطشين للغناء الملامس للدواخل المقهورة.. والتضامن لحظياً مع (حاجة آمنة) و(نورا) التي أصبحت غير مواكبة للمرحلة..
خروج مؤسسين من فرقة عقد الجلاد كشف عن عقم البيروقراطية الي تُدار بها المجموعة، بإعتبارها مؤسسة حكومية وليست فرقة إبداعية تحمل مشروعاً من أجل التغيير لها مقترحاتها وقراراتها الذاتية وليست تلك التي يمليها عليها البعض، التنازل عن إمكانيات عثمان النو، وأصوات مثل آمال النور، منال بدرالدين، الخير، رانيا، وآخرين.. قضية تستثير الترقب للبحث عن أسباب مقنعة لرحيل هؤلاء عن عقد الجلاد، بقاء شمت، شريف، وطارق جويلي في ذات المكان ربما يراه البعض شروعاً في الإجابة على تساؤلنا عن أسباب رحيل البعض دون آخرين، وتكرار ذات الأزمات التي تعتصر جسد السياسة السودانية.
تُرى ماهي الأسباب التي تجعل الخروج من الفرقة ممكناً؟ وهل إدارة الفِرقة حريصة على أن لا تكون فُرقة؟ الإجابة حتماً لا.. المتابع لمسيرة عقد الجلاد يكتشف أنها تتأسس على شمت وشريف ولهما نصيب الأسد في الأداء اللحني، بالرغم من أن طبيعة الكورال والغناء الجماعي تفترض توزيع الأدوار اللحنية، الواقع يقول أن الفرقة بها مؤديان و(كورس) لإكمال دائرة اللحن، هذا شكٓلٓ جزءاً من أزمة عقد الجلاد وتنميط المستمع على ضرورة وجود الشخصيتين.. العناصر الصوتية الجديدة لم تكن بحجم الأصوات المغادرة الفرقة.. مما جعل من تراجع الفرقة أمراً واقعاً.. إضافة لتعثٓر الفرقة في إنتاج أعمال جديدة، وحتى الجديد منها يعكس بعمق تأثير غياب موسيقي بقامة (النو) على إنتاج الفرقة.
حاجتنا لعقد الجلاد تنبع في الأساس من كون إرتباطها كان لصيقاً بطبقات مستنيرة تعبر عنها غنائياً تملأ المساحات المُنتهبة بعد غياب مصطفى سيد أحمد والعزلة المفروضة على أبوعركي البخيت، وتغييب (ساورا) وتفتيت فرق أخرى، وهنا كانت محاولة الاستثمار في أذواق مستمعين يجاهدون للفصل بين مفردة هادفة وأداء لا يعدو كونه مجرد أداء تنقصه المصداقية، حاولت عقد الجلاد ملء هذا الفراغ كما خُطط لذلك، لكنها فشلت فشلت في الإستمرار، وأُسقِط على يديها (إنه يمكن أن تطربنا بعض الوقت، ولا يمكنها ذلك كل الوقت) وإفتقارها لمعطيات المبدع (الظاهرة) لتختار لها مكاناً في سجل الخالدين.. ربما لأن الوقت لم يعد هو ذاته المتكئ على لحظة انفجار ما، أو ربما لفشل الرهانات التي دفع بها البعض لبقاء واستمرارية عقد الجلاد.. لكن عندما بدأت تلفظ أبناءها آمن كثيرون بأنها لن تقوى على البقاء ومواجهة حتمية التآكل.
"استحالة صمود الخارج عن فرقة عقد الجلاد في المجال الفني" مقولة لا تخرج عن سياق الخطط التي تستهدف تدمير الآخر ومحاصرته بجيوش الفشل، لكن يجب أن نضع في الإعتبار أن أزمات الوسط الفني لم تعد في الإمكانيات والمقدرات الصوتية، والذي صدح يوما في مجموعة عقد الجلاد لا يمكن توقع فشله هذا إذا لم تتم محاصرته ودفعه للخروج.. أي خروج متوقع كان.. أو فليكن لا متوقعاً.
العبارة الأحدث في جدلية المغني والسلطة، قالتها (نانسي عجاج) وهي تلوٓح بإرادتها عالياً بأنها ليست (مناضلة) بل مغنية!! وحيث أنه على مستوى الواقع تنتفي خطوط التشابك بين كون المرء مغنياً أو مناضلاً من خلال كون الأثنان يسعيان لإحداث تغيير ما، وليس من المفترض أن يغيٓر الفنان نظاماً سياسياً حتى يُكتب عند الشعب مناضلاً.. فقط يكفي أن تكون بالقرب.. استدعاء تصريحات (نانسي) هنا تأتي تمهيداً لطرح تساؤل، ماذا نريد من عقد الجلاد؟ يقيناً ليس ما يدور في خلد المترصّدين بإننا نسعى لإنتهاك خصوصية وقدسية الغُنا المخلوق لذاته.. وحرق آخر سفن الكلام (السمح)!! لكن ما تقوله يعبٓر عني، لكن لا يعبر عنك بالرغم من أنه يجب أن يعبٓر عنك بداية لتدفعني للإيمان به.. وبك!! المبدع هو ما يقوله، تتم محاكمته بما قاله وتغنى به.
تصنيف الإبداع بإعتباره فن من أجل الفن، إيغال في إبتذال الإبداع، وإفراغه من محتواه التغييري ويجعله (مجرد كلام) أو على طريقة (نانسي عجاج).. علينا أن نختار مبدعينا المتماهين مع حاجاتنا، مشروع الفن للفن لا يتماهى مع وطن يعتصره الجوع، و(حاجة آمنة) ليست ملهاة يتسلى بها الأرستقراطيون، بل حالة تتطابق والآلاف من النساء اللائي لا تفي ظروفهن بتوفير قطعة خبز لأطفالهن.. لذا تصنيف الإبداع يجب أن يكون من منطلق حاجات المجتمع بداية ، ودوره في صياغة رؤى التغيير..
فشل الحفلات الأخيرة لعقد الجلاد وتراجع جمهورها أمر متوقع حدوثه، حيث أن الفرقة لم تسع لتطوير قدراتها في الفترة الأخيرة، مرتكزة على تأريخها وتقديم الأغنيات ذاتها بأصوات عادية جداً غير تلك التي ألفناها، كل ذلك جعل المجموعة أشبه بـ(MP3).. بقلم الأستاذ / ماجد القوني
Comments
Post a Comment